كشفت تقارير صحفية وحقوقية أن الجيش الإسرائيلي استهدف خلال الأيام الماضية عائلات فلسطينية بارزة في مدينة غزة، عقب رفض وجهائها عروضًا للتعاون الأمني والعسكري ضد حركة "حماس"، في إطار خطة تهدف لتفكيك النسيج الاجتماعي والسياسي داخل القطاع.
ووفق ما نشرته صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، وتقارير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإن هذه السياسة الإسرائيلية ليست عشوائية، بل جزء من استراتيجية ابتزاز منظمة تقوم على تقديم عروض مالية وعسكرية لعائلات كبرى، مقابل تشكيل ميليشيات محلية تقاتل حماس أو تزويد إسرائيل بمعلومات أمنية، مقابل السماح لها بالبقاء في مناطقها أو الحصول على مساعدات إنسانية أساسية.
عروض وابتزاز يقابلها قصف دموي
وبحسب الصحيفة، عرض جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) على عائلتي دغمش وبكر دعماً مالياً وعسكرياً نظير المشاركة في قتال حماس وتشكيل مناطق تُدار عبر عشائر مسلحة، تمنع لاحقًا قيام سلطة فلسطينية موحدة في غزة. لكن رفض الوجهاء لهذه العروض قابله الجيش الإسرائيلي برد عسكري مباشر.
فقد أسفرت غارات إسرائيلية عن مجزرة بحق عائلة دغمش في حي الصبرة جنوب غزة، أودت بحياة 30 من أبنائها، بينما لا يزال 20 آخرون تحت الأنقاض. كما استُهدِف منزل لعائلة بكر في مخيم الشاطئ، ما أدى إلى مقتل ستة أفراد وإصابة 11 آخرين. وفي وقت لاحق، أكد المرصد الأورومتوسطي أن قصفًا جديدًا على العائلة نفسها أدى إلى مقتل 9 آخرين بينهم نساء وأطفال.
مخططات قديمة تتجدد
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه المحاولات ليست الأولى من نوعها، إذ سبق لإسرائيل أن ناقشت في بدايات الحرب خطة وزير الدفاع يوآف غالانت المسماة "الفقاعات الإنسانية"، التي تضمنت تسليح بعض العشائر، غير أن حركة حماس أفشلتها عبر مواجهة شخصيات محلية حاولت تل أبيب دعمها.
في السياق ذاته، أكد أحد وجهاء عائلة بكر للصحيفة أن المخابرات الإسرائيلية طالبت العائلة بتشكيل مجموعة مسلحة لإدارة منطقة مخيم الشاطئ بعد "تطهيرها" من عناصر حماس، لكن العائلة رفضت العرض بشكل قاطع، وأدركت منذ لحظة الاتصال أنها ستتعرض لعمليات انتقام. وعلى إثر ذلك، عقد الوجهاء اجتماعًا داخليًا ووجّهوا أبناء العائلة إلى النزوح جنوبًا، خصوصًا النساء والأطفال، حماية لهم من الاستهداف.
رفض شعبي واسع
عائلتا بكر ودغمش تعدان من أبرز العائلات في غزة، وقد أكد وجهاؤهما أن رفضهم التعاون مع إسرائيل لا يعني دعم حماس بالضرورة، بل يأتي حفاظًا على الوحدة الوطنية ومنع محاولات الاختراق الإسرائيلي للمجتمع.
حركة حماس من جانبها قالت إن العائلات والعشائر الفلسطينية شكلت "سداً منيعاً" أمام محاولات إسرائيل إثارة الفوضى وضرب تماسك الجبهة الداخلية، مشيرة إلى أن الموقف الشعبي الرافض لمشاريع التهجير و"الفقاعات الأمنية" يمثل أحد أبرز مظاهر الصمود في وجه الحرب الإسرائيلية.
ابتزاز جماعي
المرصد الأورومتوسطي اعتبر أن إسرائيل تمارس سياسة ابتزاز خطيرة، تضع العائلات الفلسطينية أمام خيارين "كارثيين": إما التعاون مع الجيش الإسرائيلي أو مواجهة القتل الجماعي والتجويع والتهجير القسري، في نمط إبادي انتقل من الابتزاز الفردي إلى الضغط الجماعي.
وأضاف المرصد أن هذه السياسة تهدف إلى تفكيك المجتمع الفلسطيني عبر ضرب الروابط العائلية والعشائرية، وتحويل المساعدات الإنسانية إلى أداة ابتزاز. وأكد أن ما جرى مع عائلات الديري ودغمش مثال صارخ، حيث رفضت التعاون، فقوبلت بتصعيد عسكري شامل أدى إلى مقتل أكثر من 60 فردًا من عائلة دغمش وحدها، في قصف استهدف مربعها السكني بحي الصبرة.
محاولات فاشلة لإيجاد بدائل
وكانت صحيفة "التلغراف" البريطانية قد كشفت في يونيو/حزيران 2024 أن إسرائيل حاولت تشجيع عائلة دغمش على تولي زمام القيادة في غزة بديلاً عن حماس، لكنها فشلت في ذلك. وخلال الأشهر الماضية، سعت تل أبيب عبر أطراف دولية إلى تشكيل هيئات مدنية عشائرية شبيهة بروابط القرى، لكن هذه المشاريع ووجهت برفض واسع من العائلات الفلسطينية.
