الهاجس الإسرائيلي والفرصة الفلسطينية مقابل الجنائية الدولية

أقلام- مصدر الإخبارية

كتب أمير مخول: “صدمة مدوّية” هكذا تعامل الاعلام الإسرائيلي ومصادر سياسية وقضائية رفيعة المستوى مع تصريحات تمير باردو رئيس جهاز الموساد السابق لوكالة اسوسييتد برس بأن ” اسرائيل تدير سياسة فصل عنصري في يهودا والسامرة [الضفة الغربية].

واعتبرت المصادر الرفيعة بأن تكرار مثل هذه التصريحات من قبل رئيس الموساد وقيادات عسكرية سابقة، بمثابة بيّنات امام المحافل القضائية الدولية وتعزز المطلب الفلسطيني، وفي المقابل تصريحات وزراء اسرائيليين حاليين بالذات وزيري المالية والامن القومي، سموتريتش حول حرق حوارة وبن غفير حول حرية حركة اليهود مقابل تحديدها للفلسطينيين، من شأنها ان تُخضِع اسرائيل قريبا الى اجراءات قضائية امام الجنائية الدولية.

قريباً ستنظر محكمة الجنايات الدولية في تهمة ارتكاب اسرائيل جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، كما تنتظر دولة الاحتلال نشر فتوى محكمة العدل الدولية في مسألة قانونية الاحتلال، والبت في مسألة اعتباره مؤقتا ام متواصلا.

في تصريحات تنسب الى مكتب رئيس الحكومة فإن “استخدام مصطلح الفصل العنصري (الابرتهايد) من قبل من كان في أعلى درجات المؤسسة الامنية الإسرائيلية تتسبب لنا بأضرار، وسوف ندفع ثمنا غاليا عند النظر بها في المحكمة الدولية..”

مقابل تصريحات اسرائيلية سابقاً تستخف فيها بالهيئات الدولية، فإنها باتت تخشى وبشكل حقيقي وفوري وعلناً من التورط امام الجنائية الدولية، وحصريا ان هناك اعتراف بأثر الانقلاب القضائي والدستوري على وضعية المحكمة العليا والتي شكلت درعا قضائيا تحتمي بها اجرائيا قيادات الجيش والضباط وخاصة قوات الاحتياط في سلاح الطيران والاستخبارات العسكرية والموساد من طائلة المثول امام الجنائية الدولية، كما يتضح القلق لدى قيادة اركان الجيش من الاثر الواضح لهذه المظاهر على لحمة الجيش وعلى الجيش النظامي واتساع ظاهرة رفض الخدمة الالزامية، وتحذيرات رئيس الموساد الحالي دافيد بارنيع بأن تراجع اللحمة هو خطر وجودي.

كما باتت اسرائيل تخشى من تقارير لجان وهيئات الامم المتحدة ذات الصلة والوازنة امام محكمة العدل الدولية. وبالذات من تقارير المبعوث الخاص للأمم المتحدة المنتهية ولايته مايكل لينك للنظر في انتهاكات حقوق الفلسطينيين الذي اتهم اسرائيل بأنها “تنتهك القانون الدولي، وتقوم بضم مناطق تحت الاحتلال” و “انتهاج اساليب فصل عنصري” بعد تحويل ادارة الاحتلال (الادارة المدنية) من القائد العسكري الى وزير المالية والوزير في وزارة الامن سموتريتش. يعتبر لينك هذا التقرير بأنه الأشمل عن الاحتلال ونحو نزع الاستعمار وتقرير المصير الفلسطيني الذي يصدر عن الامم المتحدة”.

تتفاقم الازمة الاسرائيلية الداخلية الشاملة وتشهد تصعيدا وتوترا عشية جلسة المحكمة العليا يوم 12/9/2023 للنظر في قانونية قانون تحديد فقرة المعقولية والتضييق على فصل السلطات والجهاز القضائي، والتي تنذر بفوضى المرجعيات وبالمجهول واحتمالية ان تُدخِل منظومات الدولة في حالة صدام بنيوي فيما بينها، كما تدخل الصراع الى داخل الجيش والمؤسسة الامنية.

وتجعل ضباط الجيش والموساد يخضعون للمساءلة القانونية المباشرة من قبل الجنائية الدولية كما ذكر آنفا، وفيها تعميق للازمة الاسرائيلية امام هذه المحافل باعتبارها نظام فصل عنصري ونظام قائم على الضم الفعلي ويرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية مما يستوجب مقاطعتها وفرض العقوبات عليها وفقا للقانون الدولي.

عادت دولة الاحتلال الى المجاهرة في قوننة بؤر استيطانية في جنوب الضفة الغربية (افيجايل وعسائيل) والاغوار بيت حجولا) واقامة مستوطنات استراتيجية جديدة هادفة الى محاصرة البلدات في منطقة الخليل وفصل اي تواصل بينها وبين الفلسطينيين أهالي النقب، وفي الاغوار لمحاصرة اريحا شرقا ومنع اي تواصل مع الحدود الاردنية الفلسطينية.
الخلاصة:

• فلسطينيا : تشكل تصريحات باردو من جهة ومقابلها تصريحات الوزراء الاسرائيليين فرصة للقيادة الفلسطينية وللدبلوماسية وللمؤسسات الحقوقية لتحقيق انجازات غير مسبوقة امام المحافل الدولية وحصريا الجنائية الدولية والعدل الدولية وهيئات الامم المتحدة، باعتبار الانجازات على الساحة الدولية باتت تهدد دولة الاحتلال وتثير الخشية الحقيقية لديها والقلق لدى الجيش والشاباك والموساد.

• لقد ان الاوان لاعتماد خطاب فرض العقوبات والمقاطعة لإسرائيل باعتبارها دوليا نظام استعمار استيطاني وفصل عنصري يرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية. واعتماد خطاب يؤكد على الضم وليس فقط على الاستيطان.

• سوف تسعى اسرائيل كما فعلت في السابق وحصريا بعد اجتياح مخيم جنين 2002 وجرائم الحرب التي ارتكبتها، الى الضغط على الفلسطينيين بهدف دفعهم للمساومة معها والتخلي عن الدعاوى الدولية، كما من المتوقع ان نشهد ضغوطات امريكية على القيادة الفلسطينية لثنيها عن استكمال الاجراءات القانونية دولياً، باعتبارها خطوات “احادية الجانب”. ومن المحتمل ان تدفع الادارة الامريكية بدول عربية لثني القيادة الفلسطينية عن مساعيها.

• عربيا: اي تطبيع او توثيق للعلاقات مع اسرائيل انما يشكل خشبة خلاص للاحتلال وجرائم الحرب بحق الفلسطينيين، كما انه يساهم في تعزيز التحالف الحكومي اليميني المتطرف الذي يقود البلاد، ويشكل ضربة قاتلة لقضية فلسطين وطعنة للحق الفلسطيني.

• هبة الشعب الليبي ضد التطبيع تؤكد ان الشعب العربي قادر على الاسهام في محاصرة دولة الاحتلال ونصرة قضية التحرر الوطني الفلسطيني ولا مكان لموقف المتفرج.

عن مركز تقدم للسياسات

اقرأ/ي أيضًا: وثائق إسرائيلية تكشف ألقاب الملك حسين خلال حرب 1973

كتب عبد الغني سلامة: عن تماثيل رام الله

أقلام- مصدر الإخبارية

كتب عبد الغني سلامة: أقامت بلدية رام الله نصباً تذكارياً في أحد ميادينها العامة، عبارة عن تماثيل لرجلين في رام الله؛ الأول عامل نظافة بيده مكنسة، والثاني مواطن ينحني احتراماً له، وهي مبادرة إبداعية الهدف منها تكريم موظفي البلدية ممن يعملون على تنظيف الشوارع والساحات، بوصفهم جنوداً مجهولين، للفت انتباه الناس لهم ودفعهم للإحساس بمعاناتهم.

لم تكلف الفكرة الكثير من الأموال، لكنها حملت الكثير من المعاني السامية، كما أنها أضافت مشهداً جمالياً لشارع حيوي، من المفترض أن يتحول إلى ذاكرة للمكان، يُضاف للرموز الأخرى التي تشكّل هوية المدينة .. وقد لاقى التمثالان استحسان المواطنين عامة الذين رحبوا بالفكرة، وأخذوا يلتقطون الصور بجانبهما.

ولكن، للأسف، لم تمضِ ليلة على هذا المشهد الجميل، لنتفاجأ صبيحة اليوم التالي وقد تحول إلى مشهد قبيح، فقد امتدت يد الإثم إليهما، حيث قام أحدهم بقطع رأس التمثال، وبتر يديه.

عندما تابعتُ حفل تدشين النصب التذكاري، خطر ببالي مشهد تحطيمه، وقلت في نفسي أخشى أن يأتي يوم تعم فيه الفوضى والفلتان، فتقوم مجموعة من الزعران بتحطيمه، كما يحدث غالباً عندما يغيب القانون وينفرط عقد الأمن والنظام فتهاجم الغوغاء المرافق العامة، وتعتدي على رموز الدولة، خاصة إذا كانت تحمل دلالات سياسية، ثم استبعدتُ الفكرة، وقلت حتى لو حصل وعمّت الفوضى فلن يقدم أحد على الاعتداء على تمثال يمثل عمّال النظافة، فهؤلاء ليسوا سياسيين، ولا مشاهير من أي نوع قد يتفق الناس حولهم أو يختلفون؛ هؤلاء من ينظفون شوارعنا، ويجمعون نفاياتنا، ويعملون بكل كد وتعب حتى تظل مدينتنا جميلة، وهم غالباً فقراء وبسطاء، لذا تساءلت حينها: من ذا الذي سيجرؤ على تحطيم رمز يخصهم؟ ومن يكره تكريمهم، والاحتفاء بهم!
ومع ذلك، حصل المكروه.. في مدينة يفترض أنها آمنة، ويسود فيها القانون!
الاعتداء على تمثال مخصص لتكريم عمال النظافة شيء مرعب حقاً، لكن الأشد رعباً هو فكرة التحطيم ذاتها، أي الاعتداء على أي تمثال مهما كان الشخص الذي يجسده، ومهما كانت الفكرة التي يرمز إليها.
المرعب أن يكره البعض الجمال بأشكاله، فمثل هؤلاء لا يكتفون بعدم الإحساس به، أو تقديره، بل إنهم يسارعون إلى تخريبه وهدمه، يستفزهم أي شيء جميل: أغنية، رقصة، فرح، موسيقى، كتاب مستنير، احتفاء بالحياة، لوحة فنية، فتاة تركب دراجة.. والأغرب أن المشاهد القبيحة لا تعني لهم شيئاً، ولا تحرك فيهم ساكناً، لا تستفزهم أكوام القمامة، ولا إلقاء النفايات من شباك السيارة، ولا ظاهرة المتسولين، ولا ازدحامات المرور، ولا انتهاكات القانون، ولا الفقر، ولا البطالة، ولا الاعتداء على الأرصفة، ولا عمالة الأطفال، ولا ضرب النساء، ولا التحرش، ولا استغلال التجار، ولا الغش… فلا يبادرون لتغيير أي منكر حقيقي.. سوى المنكر المعشش في أدمغتهم (على افتراض أنهم يمتلكون أدمغة).

هذه ليست الحادثة الأولى من نوعها، فقد سبق لأحد المعاتيه الاعتداء على أسود المنارة، كما سبق لحركة طالبان أن نسفت أكبر تمثال لبوذا في أفغانستان، كما قامت جموع الغوغاء بتحطيم تمثال نصفي للمتنبي عشية سقوط بغداد، كما قامت قطعان داعش بتحطيم تماثيل تعود لحقب تاريخية موغلة في القِدم في الموصل وتدمر، كما قاموا بتحطيم تمثال لأبي العلاء المعري.

لا يدرك هؤلاء القيمة الحضارية والتاريخية والعلمية لهذه النصب التاريخية، وبالطبع لن يدركوا القيمة الفنية والجمالية والرمزية، فإدراك هذه القيم يتطلب حساً إنسانياً وحداً أدنى من الذكاء.. وهم يفتقرون لها بشدة.

أي نصب تذكاري مهما كانت قيمته ورمزيته بالنسبة لهم مجرد أصنام، وينبغي تحطيمها دون تفكير!

علمًا أن جميع تلك النصب والآثار التاريخية قد عاشت بسلام ودون أن يمسها سوء طوال فترات الخلافة الإسلامية على اختلاف أسمائها، وتعاقب عشرات الخلفاء والقضاة والفقهاء والمفكرين، دون أن يفكر أحدهم بإزالتها.. حتى أتى عصر «الصحوة الإسلامية»، والدواعش، والفكر الوهابي المتزمت والمتخلف.

منذ دخلنا عصر الانحطاط بدأ مسلسل حرق الكتب والمكتبات والتحريض على المفكرين والمبدعين، والذي ما زال مستمراً حتى هذا العصر الذي نعيش فيه ردة حضارية غير مسبوقة، حيث صرنا نرى ونسمع عن تهشيم آلات موسيقية، والاعتداء على المسارح ودور السينما، وتحطيم نصب وتماثيل، واغتيال مفكرين.

وهذه كلها حلقة واحدة متصلة، ومرتبطة ببعضها، فمن يحرق كتاباً سيحرق إنساناً، ومن يحطم تمثالاً سيدمر بلداً كاملاً.. لأن الحرق والقتل والتدمير موجود أصلاً في عقول هؤلاء، سبقته وهيأت له ثقافة العنف وكراهية الجمال، ترافق معها أو نتج عنها جهل وتزمت وتفكير موتور وغير متزن.

وهذا الجهل والتخلف الحضاري والمدني لا يقل خطراً وقبحاً عن الاحتلال الإسرائيلي، بل هو من مهد له، ومن يمده بأسباب البقاء والتفوق.

الموضوع ليس مجرد تمثال، قد نختلف أو نتفق على جمالياته، وتقنياته الفنية.. وليس مجرد شخص متزمت وجاهل، أو مراهق عصبي انقض عليه بمعوله لأسباب قد لا تكون أيديولوجية الموضوع أن الفكر الداعشي متغلغل في ثقافتنا المجتمعية، بدليل ردود الأفعال السلبية والتعليقات الشامتة على الحادثة، والمؤيدة لها.

عن الأيام

اقرأ/ي أيضًا: إسرائيل وديمومة الوضع القائم في أراضي 1967

كتب خالد عيسى: وداعًا يا بيروت

أقلام- مصدر الإخبارية

كتب خالد عيسى: نصف العمر عشته في لبنان، ولي من حمولة الذاكرة اللبنانية ما يفيض عن قدرة الحكايا في ثرثرة السرد المصاب بعلة الاسهاب.

ولي في بيروت صباح الشرفات المزركشة بفضول النباتات المنزلية، حين تتواجه البنايات البيروتية في الشوارع الضيقة لتشرب قهوتك الصباحية مع شرفات كل جيران الحي.

تقريبًا نصف قرن من الزمان وزميلة عمل لبنانية ” تتعنتر ” عليّ بمنقوشة زعتر صباحية يصنعها فخامة الفران أبو فؤاد في مخبز تكاد ان لا تراه بالعين المجردة في شارع المكحول في رأس بيروت.

وكان لا يحلو لها النقاش الصباحي ونحن نقضمها على شاطئ المنارة الا بالتغزل بإبداع مناقيش أبو فؤاد، وتختتم حفلة الغزل بالعبارة اللبنانية الشهيرة ” واو ” ” بتعئد ” بتعقد !

ومن يومها وأنا مصاب ” بعقدة ” أبو فؤاد ومناقيشه يوم كانت مقاهي بيروت لا تكف عن النقاش المحتدم حول مستقبل لبنان بين ”سويسرا الشرق”، و ”هانوي العرب ” .

وحده كان أبو فؤاد ”نقاش” بيروت المفيد بمنقوشة زعتر ينقش بها صباح بيروت كل يوم ، ويتركني بين يدي زميلتي اللبنانية على شاطئ المنارة تتعنتر علي بمنقوشة زعتر لا تأبه لكل هذا الجدل في مقاهي بيروت.

وجاء شارون بعد سنوات من المنقوشة، وحاصر بيروت وركبنا السفن اليونانية وتركت زميلتي اللبنانية تقضم منقوشتها وحيدة ، وبيروت ماتزال لم تحسم أمرها بين سويسرا الشرق وهانوي العرب.

في مثل هذه الأيام كانت بيروت تودعنا في الملعب البلدي وتنثر فوق رؤوسنا رزًا ورصاصًا، وتأخذنا إلى مرفأ بيروت وتسلمنا للبحر.

كان شارون في برج المر المقابل للمرفأ يراقب خروجنا بالمنظار العسكري، وكان البحر يأخذنا إلى منافٍ جديدة وحدها شمس آب اللهاب كانت تتصبب فوق رؤوسنا ورأس بيروت في الوداع الأخير لجمهورية الفكهاني.

اقرأ/ي أيضًا: كتب أكرم عطا الله: عن أزمة الراهن الفلسطيني

كتب أكرم عطا الله: عن أزمة الراهن الفلسطيني

أقلام- مصدر الإخبارية

كتب أكرم عطا الله: البشر يصنعون تاريخهم بأنفسهم ولكنهم لا يفعلون ذلك طوعًا وفي إطار خياراتهم، بل ضمن شروط قائمة موضوعيًا ومسبقًا”، هذه مقولة مهمة لأحد مفكري السياسة، والمقصود هنا أن عدة عوامل تتحكم في المساحة التي يتحرك فيها السياسيون ارتباطا بالشروط والظروف والمناخات القائمة ودائمة التغيير.

إذاً، الشروط هي التي تحكم الحركة السياسية، والقرار السياسي هو نتاج ما توفره الظروف من عوامل ومساحات ويبقى الخيار في القدرة على الاستثمار بين الحد الأدنى والحد الأقصى مما توفره الظروف. وهذا يصنع الفارق بين قيادة وقيادة بين قرار وقرار بين سياسة وسياسة، وتحكم على مستوى إدارة السياسة.

واجه الفلسطينيون ظروفا غاية في الصعوبة وكانوا على وشك التبدد، ولعقدين بعد النكبة تلاشت قضيتهم وتفتت الشعب المتماسك على أرضه وكف عن التطور كوحدة واحدة وهنا ما صنعته منظمة التحرير في الستينيات من القرن الماضي. كانت معجزة بمقاييس الظروف حينها من إعادة إنتاج قيادة واحدة من العدم المشرذم وهوية واحدة ونشيد واحد ما مهد لبعث ثورة ملأت الكون ضجيجًا.

ارتكبت إسرائيل خطأها الأكبر باحتلال الضفة والقطاع والقدس في حرب حزيران ما أعاد تواصل الشعب الفلسطيني في الداخل، وما مهد للانتفاضة الأولى والتي وضعت القضية على الخارطة الدولية كأولوية. واللافت في كل المراحل أن ياسر عرفات يتحرك دوما نحو الحد الأقصى مما توفره الظروف والتي خذلته مطلع التسعينيات عربيا ودوليا من حرب العراق وتفكك الاتحاد السوفيتي لتضيق مساحة الحركة إلى حدها الأدنى لتُنتج اتفاقا بمستوى أوسلو.

لكن المجتمع الفلسطيني يقف الآن بعد زلزال السياسة وارتداداته الهائلة أمام حالة لا تشبه تلك الحالة التي أخذت بالصعود منذ عقود، بل يؤشر على نوع من الذبول والتراجع إذ عادت تجمعات الشعب الفلسطيني لما يشبه التشتت والتشظي من جديد في أخطر وضع يمكن أن يهدد واقعه ومستقبله.

خلال الشهور الماضية، انشغلنا بمتابعة ومراقبة والكتابة عن المأزق الذي دخلته إسرائيل منذ انتخابات الأول من تشرين الثاني، والتي حملت أقصى اليمين المتطرف والنقيض للدولة العميقة وللهوية التي صنعتها النخبة العلمانية التي أقامت الدولة. وكان هذا على حساب التركيز على تآكل المجتمع الفلسطيني وحركته الوطنية التي هي بالقطع نتاج مجتمع سوي يقف ويصنع حركته السياسية وقرارها بما توفره الظروف السوية وقدرة تلك الحركة على الاستثمار.

بعد أن تشتت المجتمع إثر النكبة خضع لعدة نظم سياسية مختلفة لعبت دورا في التأثير على هويته الأصلية، وقد كان قد كف عن التواصل حيث خضعت الضفة للإدارة الأردنية وغزة للإدارة المصرية أما من تبقى في إسرائيل فقد تعرض لعملية أسرلة قسرية هدفت لنزعه عن محيطه العربي وجذوره الفلسطينية وهويته الأصلية، هذا أخطر ما حدث وجاء استكمال الاحتلال ليعيد تواصل الفلسطينيين ثم جاءت السلطة لتصنع منهاجًا موحدًا وتعيد التواصل مع فلسطينيي الداخل وحركتهم الوطنية.

الآن، هناك أزمة تعصف بالشعب الفلسطيني يجسدها غياب منظمة التحرير والصراع بين حركتي فتح وحماس والتباعد النفسي بين مجتمعي غزة والضفة، فكل منطقة باتت مجتمعا مستقلا بثقافة خاصة هي وليدة ظروفها والقرار فيها هو ابن المناخ المسيطر، وتشهد التجمعات أزمة كبيرة كل منها يتفرد بمأساته الخاصة التي لم تعد أولوية لتجمع غيره وتلك كارثة.

قطاع غزة البائس والمحاصر يبدو كمنطقة خارج الحياة، ففيها تنعدم شروط الحد الأدنى ويسيطر عليها الفقر وانعدام الكهرباء وفرص العمل والبطالة مع ارتفاع نسبة العنوسة وضياع مستقبل الشباب، وكثير من المآسي التي يعيشها الأفراد والعائلات دائمة الشكوى وحيث انعدام الأمل سوى من مصالحة لن تأتي، لكن الانحدار لا ينتظر والحروب المدمرة التي أصبحت قدرا لها لا تتوقف.

أما الضفة الغربية فمأساتها لا تقل كثيرا حيث انعدام الأفق السياسي وتشوه المعادلة مع الإسرائيلي لجهة القضايا الحياتية، والاقتحامات للمدن والمخيمات وعمليات التصفية وتسارع الاستيطان والضم وتراجع السلطة ونشوء ما يشبه نزعة التحلل في شمال الضفة والوضع الاقتصادي الضاغط.

أما فلسطينيو الداخل فقد بدأت تظهر بوادر التفكك بانتشار الجريمة المنظمة جدا وارتفاع حالات القتل الجنائي وثقافة الثأر، وتراجع الحركة الوطنية هناك والتصدع الحاصل بينها وتراجع دور القوى والأحزاب في معالجة أزمات المجتمع الذي يتعرض لعملية استهداف ممنهجة.

في لبنان، يتم ضرب تجمع آخر خارج فلسطين بعد أن تهجر الشعب الفلسطيني من سورية بفعل الحرب، وانتهى مخيم اليرموك كعاصمة الشتات ودفيئة حركته الوطنية، وتنتقل الأزمة إلى مخيم عين الحلوة وريث اليرموك في صراع متجدد بالنار لن ينتهي إلا بإضعاف وتبدد الفلسطيني وحركته الوطنية التي سيطرت لعقود وشكلت ضامنا للبقاء والصمود.

وأمام هذا المشهد وتلك الظروف وعن هذا التآكل الخطير، هل يمكن الحديث عن استمرار أو إدارة سياسة سوية وناجحة؟ هذه مسؤولية القيادة وقدرتها على إدارة السياسة ونجاحها في الاختبار، فهي أمام فعل إسرائيلي على مدار الساعة يهدف لتحطيم مجتمعها وحينها يصبح سؤال النهوض بمجتمعها وقضيتها سؤال الضرورة.. وهذه مسألة تحتاج إلى الكثير من الكلام.

اقرأ/ي أيضًا: الاحتلال وسُعار الاستيطان.. بقلم إياد القرا

كتب أنطوان شلحت: الأصولية اليهودية الجديدة القديمة!

أقلام- مصدر الإخبارية

كتب أنطوان شلحت: على نحوٍ جازمٍ لا يقبل التأويل، يستخلص باحثون ومحللون إسرائيليون أن تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية كان بمثابة محصّلة منطقية للنتائج التي أسفرت عنها الانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، والتي من أبرز نتائجها أنها أخرجت إلى السطح تياراتٍ عميقةً في المجتمعين الديني – القومي والحريدي، بالإمكان تصنيفها أصولية، سواء من خلال بعض خصائص الأصولية أو كلها.

وغالبًا ما يركّز هؤلاء على الخصائص الآتية للأصولية الدينيّة عمومًا: التشديد على التفسير الحرفيّ للنص الدينيّ، والطاعة غير المشروطة لأوامر الله، ورفض التعدّدية الدينية، والتصوّر التبسيطي غير النقدي بتاتًا لمفهوم “الحقيقة الدينية” المُطلق، وتصوّر منظومة القانون أو الإيمان على أنها أبديّة لا تتغيّر، وتتطلّع إلى العودة إلى التديّن الأصلي الذي لا يتأثر بأي حداثة، ورغبة في توسيع نفاذ “الحقيقة الدينية” كي تشمل المجتمع بأسره.

لا يسع المجال للنمذجة على جميع الخصائص التي تسم الأصولية الدينية اليهودية التي تتصدّر المشهد الإسرائيلي حاليا، وتمارس حقّها في الدفع بالسياسات التي ينتهجها اليمين المتطرّف، سيما في المحور المتعلق بالاحتلال في أراضي 1967 والقضية الفلسطينية عامة.

ولذا ستشير هذه المقالة من بينها تحديدًا إلى الخصيصة المرتبطة بالعلاقة مع الحاخامين وفتاواهم، وهي علاقة شهدت منذ نحو عقدين تطوّرين يعتبران الأبرز: تسيّد حاخامين أصوليين بكل ما تحتوي عليه الأصولية من الخصائص السالفة المذكورة. ووجود فئات متديّنة تعتبر أن طاعة الحاخامين لا تعلو فوقها أي طاعة، بما في ذلك، مثلًا، طاعة القادة العسكريين.

وتحت وطأة هذين التطوّرين وغيرهما، تقلصت في الأعوام الأخيرة، بشكل حادّ، ما تسميه الأدبيات الإسرائيلية “حرّية عمل الجيش الإسرائيلي في مقابل المستوطنين”. ويُعزى هذا، من بين أمور أخرى، إلى ازدياد نسبة مُعتمري الكيبا (القبّعة الدينية اليهودية) والمستوطنين العاملين في وحدات الجيش، ولا سيما المنتشرة في الضفة الغربية بشكل دائم أو مؤقت (مثل لواء المشاة)، بالإضافة إلى القيادات المُكلفة بـ”حفظ النظام” في الضفة، بما في ذلك الإدارة المدنية. وفي أحيانٍ كثيرة، يظهر أن ولاء هؤلاء للقيادة العسكرية جزئي لا أكثر، وفي هذا يكمن أيضًا أحد عوامل انتشار البؤر الاستيطانية العشوائية وصعوبة إخلائها.

ليس هذا الأمر جديدًا في تاريخ الديانة اليهودية، فمما يجري التداول به في هذا الصدد أن الموروث الدينيّ اليهوديّ صنّف تلامذة الحاخامين اليهود إلى عدة أنواع، في مقدّمتها النوع الذي يُصنّف بأنه إسفنجة والنوع المقابل الذي يُصنّف بأنه مصفاة. وبموجب ذلك.

يمتصّ الطالب الذي يصنّف كإسفنجة الباطل أيضًا، بينما على النقيض منه يُعرّف الطالب المصنّف كمصفاة بأنه “الذي لديه القدرة على انتقاء ما يُسمع واستيضاحه، وإدراك الحقيقة من الباطل”. ببساطة، لا يتمتّع الطالب المثاليّ بحسّ متطوّر في النقد فحسب، بل أيضًا يفهم أن الحقيقة والباطل مختلطان. والأمر العميق في هذا، مثلما تدّعي إحدى الباحثات في شؤون الديانة اليهودية، أن الباطل قد يكون كامنًا فيما يقوله حاخامون أيضًا، وعلى الطلاب المنوطة بهم مسؤولية تطوير الشرائع الشفوية المتضمّنة في فتاوى الحاخامين وتفسيرها أن يطوّروا برأيها عمودًا فقريًا متينًا لمعرفة كيفية التمييز بين الحقيقة والباطل.

عند هذا الحدّ، لا بدّ من تأكيد أن الجرائم الإسرائيلية في أراضي 1967 التي يرتكبها المستوطنون، والمغلفة بفتاوى حاخامين، هي استمرار للجرائم القديمة، نظرًا إلى أن “مستنقع الاحتلال يخلع شكلًا ويرتدي آخر. فهو هنا منذ أعوام طويلة، ونحن غارقون فيه إلى درجةٍ أصبح من الصعب معها أن نرى التغييرات الحاصلة فيه”!، على حدّ ما كتب أستاذ اللسانيات الإسرائيلي، البروفيسور عيدان لاندو، في مقالة نشرها في مدوّنته بعنوان “البربرية الإسرائيلية الحديثة”.

ويعود أحد أهم أسباب ذلك إلى واقع أن الجيش والمستوطنين في تلك الأراضي باتوا بمنزلة يد واحدة، في ضوء تطوّرات بنيوية عميقة مرتبطة بالتغيّرات الديمغرافية والتحوّلات الاجتماعية.

عن العربي الجديد

اقرأ/ي أيضًا: كتب مهند عبد الحميد: الاحتلال بوتقة التحول نحو الفاشية

كتب عبد الحميد صيام: المواطنة المتساوية وتحصين الجبهة الداخلية

أقلام- مصدر الإخبارية

كتب عبد الحميد صيام: لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عن مواجهات في أكثر من بلد في العالم العربي ذات طابع طائفي، أو عرقي أو ديني، بتغذية من الخارج، انفلتت الطائفية من عقالها لتحصد الأرواح وتقطع الأوصال وتقسم المدن والقرى وتهدد وحدة البلد الواحد.

ونعني بالطائفية هنا انقسام مكونات المجتمع الواحد على أساس ديني بين مسلم وغير مسلم، أو على أساس مذهبي بين المسلم السني والمسلم الشيعي، أو العلوي أو الزيدي أو الدرزي، أو على أساس عرقي بين العربي وغير العربي، وقد تشمل الطائفية أكثر من عنصر من العناصر السابقة.

نظرية المؤامرة، رغم وجودها، لا تكفي وحدها لتفسير نجاح الظاهرة وانتشار العلل الطائفية فلا يمكن لأي مؤامرة أن تنجح لو لم يكن هناك تقبل لها من الأوضاع الداخلية

لقد عملت الدول الاستعمارية على تفكيك العالم العربي في نهاية الحرب العالمية الأولى، كما جسدت ذلك في اتفاقية سايكس- بيكو لعام 1916، ثم عاد هذا الغرب نفسه، وقاعدته المتقدمة إسرائيل، ليضع النظريات لإعادة تفكيك الدول العربية والإسلامية إلى مكوناتها الطائفية، على أساس الأعراق والأديان والأقليات، خاصة بعد حرب 6 أكتوبر 1973. وقد دعا إلى الدفع بهذه الظاهرة الأكاديمي برنارد لويس في كتبه العديدة عن تخلف الإسلام والمسلمين.

خاصة مقاله الشهير: «جذور الغضب الإسلامي» (أتلانتك سبتمبر 1990) وكتابه «ما الذي ذهب خطأ ـ التأثير الغربي ورد الفعل في الشرق الأوسط» الذي نشره عام 2002 أي مباشرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وكذلك صموئيل هنتنغتون في مقاله الشهير «تصادم الحضارات»، (صيف 1993). وقد وضع هؤلاء وغيرهم بعض الأسس لتفكيك العالم العربي والإسلامي على أسس طائفية، كما دعا لويس للتدخل عسكريا في المنطقة ونظّـر لحرب العراق تحت مقولة «نقتلهم هناك بدل أن يقتلونا هنا».

العلة موجودة أصلا دون مؤامرة

نظرية المؤامرة، رغم وجودها، لا تكفي لوحدها لتفسير نجاح الظاهرة وانتشار العلل الطائفية، فلا يمكن لأي مؤامرة أن تنجح لو لم يكن هناك تقبل لها من الأوضاع الداخلية. نعم نحن لا نستبعد دور قوى الشر التي تغذي ظواهر التفتيت في العالم العربي لخدمة الاحتلال الإسرائيلي، كما حدث في العراق أثناء الاحتلال الأمريكي.

إلا أن تمرد الأقليات وتغول الطائفية وتفاقم الجذب الطائفي لم يكن ليستجيب للمؤامرة الخارجية لو لم تكن هناك أرض خصبة معدة سلفا بسبب سياسة الحكومات الديكتاتورية، التي استخدمت الأقليات بطرق ملتوية ومشبوهة، بعضها اعتمد عليها لقمع الأغلبية أو تهميشها أو محاصرتها، وبعضها همش الأقليات نفسها وقمعها وصنفها في الدرك الأسفل من نسيج المجتمع، فميز ضدها في الوظيفة والمسكن والدخل والمعاملات. كثير من الكتاب يعتبر أن التغول الطائفي انتشر بعد ثورة الخميني عام 1979 والحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات (1980-1988) والتي وسّعت التجاذب الطائفي بأشكاله الفجة، حيث انتشرت الميليشيات المسلحة التي تحمل الطابع الطائفي.

وكذلك الأحزاب والتجمعات التي عملت، بعلم أو دون علم، لصالح مشروع التفتيت الإسرائيلي. أصبحت بعض الدول العربية مقسمة طائفيا حسب المناطق الجغرافية، ما أدى إلى زيادة الهجرات الداخلية، فطبيعة الإنسان في حالة انعدام الأمن أن يلجأ إلى الجماعة التي يلتقي معها في العرق أو الدين أو المذهب أو اللون أو اللغة، كنوع من الحماية الجماعية، ثم جاءت ثورات الربيع العربي، التي كانت ذات منطلقات سياسية واجتماعية تطالب بالحرية والعدالة وتكافؤ الفرص وحرية التعبير وحرية اختيار النظام السياسي، إلا أن دخول جماعات متطرفة دينيا أو عرقيا مدفوعة بأجندات داخلية وخارجية.

أدى إلى انحراف كثير من ظاهرة الثورات العربية، وحوّلها إلى ما يشبه مواجهات طائفية، وهو ما أدى إلى انفضاض الجماهير العادية من حولها، وتمسكها بالموجود السيئ كي لا يستبدل بنظام إقصائي دموي أسوأ بكثير. المعالجة السطحية لانقسامات المجتمع الداخلية لا تؤدي إلإ لمزيد من تفاقم تلك الخلافات: فئة تمسك القوة وفئات تقهر وتضطهد وتجبر الآخرين على الرضوخ أو الهجرة أو التشرد.

الأقليات والدولة الوطنية

قضية الأقليات والطوائف لا تكاد تخلو منها دولة عربية، سواء كانت أقلية عرقية أو دينية أو كلتيهما. وهناك ظاهرتان واضحتان في غالبية الدول العربية. عندما تحكم الأغلبية تهمش الأقليات، وعندما تحكم الأقلية تفرض نفسها على الأغلبية بالقهر والاضطهاد والقتل أو الاحتواء. في مرحلة التحرر الوطني ومناهضة الاستعمار خاضت فئات الشعب بمكوناته كافة، النضال من أجل إنجاز الاستقلال، كما حدث في مصر والجزائر والمغرب وسوريا والعراق واليمن الجنوبي والسودان وفلسطين.

أما بعد الاستقلال فقد استفردت في الحكم فئات تنتمي لشريحة العسكر في غالب الأحيان أو العشيرة، واعتمدت على تثبيت مواقعها من خلال الاحتماء الطائفي من جهة وإقصاء أو تهميش الجماعات التي قد تشكل خطرا على النظام. البلدان اللذان خرجا عن هذه القاعدة هما تونس وفلسطين، حيث لم يشهدا أي نوع من التجاذب الطائفي.

فتونس هي البلد العربي الوحيد الذي يكاد يخلو من التعقيدات والشروخ الطائفية والبلد الذي ارتقى أكثر من غيره في بناء الدولة المدنية القائمة على المؤسسات والتعليم والكفاءة، وتوسيع شبكة حقوق المرأة. أما فلسطين فلأن الاستقلال لم ينجز ولأن العدو قومي يضطهد الجميع، ظل الانتماء للوطن هو القاسم المشترك بين مكونات المجتمع كافة، وجمع النضال والمواجهة والمقاومة كل الفئات ضد العدو المشترك الذي يهدف إلى اقتلاع الشعب بكل طوائفه وأديانه، وتفريغ البلاد من شعبها الأصيل. لذلك اختفت تقريبا أي تعبيرات أو تجاذبات طائفية. إن معاملة الأقليات القائمة على التمييز أو التهميش أو الاحتواء في الدول العربية المستقلة ساهمت في إيجاد مخزون عال من القهر والشعور بالدونية، وكبت الغضب والإحباط. وظل هذا المخزون يعتمل في النفوس بانتظار اللحظة المناسبة للانفجار.

وما أن لاحت الفرصة حتى وجدنا تلك المجموعات العرقية أو الدينية تمتشق السيف، إما بسبب ضعف الدولة المركزية، أو بتشجيع من الخارج، أو التأثر بالحركات الإقليمية وثورات الجماهير العربية في طول الوطن العربي وعرضه. ولكي تعرف مأساة الأقليات المهمشة أو الغالبية المقموعة في الدول العربية من قبل الأقلية الحاكمة، أنظر إلى خريطة المناصب الرفيعة والمجالس المنتخبة والوزارات، لقد فشلت الدولة الوطنية في استيعاب الأقليات واعتماد قانون المواطنة المتساوية.

فلغاية الآن توجد في بعض الدول العربية فئات يطلق عليها «البدون» أي أنهم لا يحملون جنسية البلد الذي لا يعرفون غيره، كما أن هناك من تسحب جنسياتهم بسبب الأصول أو الموقف السياسي.

لقد منحت الجنسية السورية لنحو200.000 كردي عام 2011 في بداية الثورة السورية، فإذا كانت الجنسية حقا من حقوقهم فلماذا تأخروا في الحصول عليها كل هذه السنين؟.

إن حل مشكلة الطائفية والأقليات معروف ومطبق في أرجاء العالم، راجعوا كيف اختفت الثورات العرقية في الباسك في إسبانيا وأيرلندا وسكوتلندا وكيبيك في كندا وكورسيكا في فرنسا وكاتالونيا في إسبانيا. الحل في المواطنة المتساوية وسيادة القانون وتكافؤ الفرص، إنها الدولة المدنية القائمة على المؤسسات التي لا تميز بين شخص وآخر لا في الحقوق ولا في الواجبات، فمع الظلم والقهر والتهميش يكون التمرد ومع العدالة والمساواة وسيادة القانون وتكافؤ الفرص تلتحم فئات الشعب بغض النظر عن جذورها وقنواتها وأطيافها ومعتقداتها.

فهلا تعلم العرب من هذه القاعدة بدل الإسراع إلى تفسير كل شيء بأنه مؤامرة. الجسم السليم يقاوم الفيروسات. أما إذا كان الجسم عليلا متهالكا ضعيفا فما أسهل أن تغزوه الجراثيم وتطرحه أرضا وقد تودي به إلى النهاية.

عن القدس العربي

اقرأ/ي أيضًا: من علامات المرحلة

ياريف ليفين يكشف سبب إلغاء المعقولية

أقلام- مصدر الإخبارية

بقلم بن ريف/ ترجمة مصطفى إبراهيم: في خطابه الأخير قبل التصويت هذا الأسبوع على إلغاء سبب المعقولية، أورد وزير العدل خمسة قرارات للمحكمة، والتي بسبب عدم المعقولية تدخلت في قرارات الحكومة، كلهم تعاملوا مع فلسطينيين أو معارضي الاحتلال.

إحدى الحجج الرئيسية التي يبرر باسمها مهندسو الانقلاب القانوني، بقيادة وزير العدل ياريف ليفين، إلغاء سبب المعقولية، هي الحاجة الديمقراطية إلى أخذ السلطة من قلة من القضاة غير المنتخبين، وإعادتها لمن وثق بها الجمهور. لكن خطاب ليفين نفسه من منصة الكنيست يوم الاثنين، قبل التصويت على تعديل القانون، يروي قصة مختلفة تمامًا – قصة تدور بالكامل حول الرغبة في تعزيز سيطرة إسرائيل على الفلسطينيين، والقضاء على أي معارضة لها.

في منتصف الخطاب الذي شرح فيه المنطق وراء تعديل القانون، قدم ليفين إلى زملائه أعضاء الكنيست خمسة أمثلة، حيث استخدمت المحكمة سبب المعقولية للتدخل في قرارات الحكومة، وسأل: “في أيدي هؤلاء القضاة، تريد أن تضع قرارًا بشأن ما هو معقول وما هو صائب القيام به، بدلاً من قرار الشعب؟ “ولكن بدلاً من توسيع المفهوم الديمقراطي، كما زعم، كل الأمثلة التي قدمها تعاملت مع الفلسطينيين أو النشطاء الإسرائيليين المعارضين للاحتلال. وبذلك، كشف ليفين بوضوح عن الدافع الحقيقي وراء أجندة الحكومة.

تناول اثنان من الأمثلة التي قدمها ليفين إلغاء قرارات منع الفلسطينيين من دخول إسرائيل: أحدهما في حالة العائلات الفلسطينية الثكلى، التي منعها وزير الدفاع من دخول إسرائيل للمشاركة في حفل التأبين المشترك في عام 2018. أما الثانية فتناولت قضية الطالبة الأمريكية الفلسطينية لارا القاسم التي منعتها وزارة الداخلية من دخول إسرائيل في ذلك العام بحجة أنها تدعم حركة المقاطعة. المثال الثالث يتعلق برفض قرار الجيش خلال الانتفاضة الثانية بترحيل ثلاثة فلسطينيين من الضفة الغربية إلى غزة بعد أن نفذ أحد أقاربهم هجومًا ضد إسرائيليين.

المثالان الآخران اللذان قدمهما ليفين يتعلقان بالإسرائيليين الذين سعت الحكومة إلى معاقبتهم على أنشطتهم ضد الاحتلال. الأول كان قرار المحكمة العليا بإحباط محاولة وزير التربية والتعليم في عام 2021، يوآف جالانت، حجب جائزة إسرائيل عن البروفيسور عوديد غولدريتش، على أساس أنه من المفترض أنه يدعم مقاطعة أكاديمية لإسرائيل.

أحدث مثال على ذلك هو طبيبة الأعصاب، الأستاذة يائيل أميتاي، التي منعت الحكومة تعيينها في مجلس المحافظين الألماني الإسرائيلي للبحث العلمي والتطوير في عام 2019، لأنها وقعت على عريضة لدعم الجنود الذين رفضوا الخدمة في الجيش في الأراضي المحتلة. ونقضت المحكمة العليا القرار.

اليساريون المتطرفون وأقلية ما بعد الصهيونية

ليست هذه هي المرة الأولى التي يكشف فيها ليفين علانية عن دوافعه للانقلاب القانوني. كما كتب مايكل شيفر عومر مان هنا قبل بضعة أشهر، كان هوس ليفين السياسي في العقد الماضي هو ضم الأراضي المحتلة – ولم يخف أبدًا إيمانه بضرورة إضعاف قوة النظام القضائي من أجل إدراك هدف.

“لا يمكننا قبول الوضع الحالي الذي يخضع فيه النظام القضائي لسيطرة اليساريين المتطرفين، أقلية ما بعد الصهيونية التي تنتخب نفسها خلف الأبواب المغلقة، وتملي علينا قيمها – ليس فقط في قضية الضم ولكن أيضًا على قضايا أخرى. وقال ليفين في مؤتمر لحركة السيادة عام 2014. “تغيير النظام القانوني ضروري لأنه سيسمح لنا ويسهل علينا اتخاذ خطوات فعلية على الأرض لتعزيز عملية تطبيق السيادة [في الضفة الغربية]”.

يقود ليفين الآن الهجوم المصمم لتحقيق ما خطط لتحقيقه – والقضاء على ذريعة المعقولية ليس سوى البداية. قبل شهرين، على سبيل المثال، أوضح ليفين لأعضاء الحكومة أن هناك حاجة لقضاة المحكمة العليا لـ “فهم” سبب عدم رغبة المواطنين الإسرائيليين اليهود في العيش إلى جانب العرب. ليس من المستغرب أن يسعى قسم آخر من الانقلاب إلى إعطاء الحكومة السلطة الحاسمة في اختيار القضاة.

نموذج دولة المواطن يمكن أن يوحد المحتجين والعرب

بالطبع، كانت هناك اعتبارات إضافية وراء اختيار الأمثلة التي وضعها ليفين فوق منصة الكنيست. إن تقديم المحكمة العليا على أنها المدافع عن الفلسطينيين – أي “إرهابيون” أو “خونة” – هو وسيلة لإحراج المتظاهرين ضد الحكومة والمعارضة، الذين يسعون لحماية النظام القضائي.

ومع ذلك، فإن كلاً من المعارضة والجناح الرئيسي للاحتجاج يلعبان دورًا في مصلحة الحكومة، منذ سبعة أشهر، تُظهر الحركة الاحتجاجية عصيانًا مدنيًا عنيدًا وحازمًا ومنسقًا ضد الانقلاب القانوني، مع تصعيد أساليب العمل. لكن بتهميش الأصوات داخل الاحتجاج التي حذرت من الهدف النهائي للانقلاب، ورفضها الاعتراف بنوايا الضم من وراءها، فإن الاحتجاج يخطئ الشيء الحقيقي الذي يسعى اليمين المتطرف لتحقيقه، وسبب الضغط الهائل. من الحكومة لدفع أجندتها.

وطالما أنهم يرفضون مواجهة هذه الدوافع بشكل مباشر، فإن معارضي الحكومة في الكنيست وفي الشوارع سيجدون صعوبة في التعامل مع التحركات التالية للانقلاب القانوني. وعندما يستيقظون، من المحتمل جدًا أنهم سيجدون أن خصم ليفين قد حقق حلمه بالفعل.

بن ريف محرر وكاتب في مجلة 972، حيث نُشر المقال بالإنجليزية وترجمته أورلي نوي.

اقرأ/ي أيضًا: استراتيجية الصراع في فلسطين

كتب فتحي صبّاح: حكومة انقاذ وطني أم الهاوية؟

أقلام- مصدر الإخبارية

كتب رئيس تحرير شبكة مصدر فتحي صبّاح: من المرجح أن يلتئم اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية غداً الأحد في العاصمة المصرية القاهرة بحضور الرئيس محمود عباس.

الشارع الفلسطيني يبدو غير مكترث بالاجتماع، ولا يعول عليه شيئاً، فالفلسطينيون تعبوا كثيرا وهم يعدّون هذه الاجتماعات، التي لا طائل منها.

الشعب الفلسطيني سئم الاطلاع على الاتفاقات بين طرفي الانقسام وبيانات صادرة عن اجتماعات المصالحة غير المجدية، التي لا تُسمن ولا تغني من جوع.

اليأس والإحباط وفقد الأمل والشك وعدم اليقين ضرب عميقاً في نفوس الفلسطينيين جميعاً، بخاصة في قطاع غزة مهد الانقسام، الذي ترك أثاره على جلودهم وحياتهم.

نحو 80 في المئة من سكان قطاع غزة البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون مواطن أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر، وخط الفقر المدقع.

حسب إحصاءات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فإن 1.2 مليون لاجئ من أصل 1.6 يعيشون في القطاع، يتلقون مساعدات غذائية منتظمة كل ثلاثة أشهر تُبقيهم نصف أحياء ونصف أموات.

عشرات الآلاف منهم يعيشون تحت خط الفقر المدقع في بيوت آيلة للسقوط أو غير صالحة للاستخدام الأدمي، وتفتك بهم أمراض مزمنة وخطيرة.

إلى بلجيكا وحدها هاجر خلال السنوات الأخيرة أكثر من 70 ألف فلسطيني هرباً من جحيم قطاع غزة، جُلهم من الشباب اليائس المحبط الباحث عن حياة حرة كريمة.

وزارة التنمية الاجتماعية تقدم أيضا مساعدات منتظمة لنحو 86 ألف أسرة فقيرة غير لاجئة في قطاع غزة، وهناك نحو 40 ألف أسرة أخرى مُستحقِة على قائمة الانتظار.

126 ألف أسرة فقيرة تُعادل نحو 700 ألف فرد، فضلا عن وجود أكثر من 300 ألف خريج جامعي عاطل عن العمل.

هذه الأرقام المرعبة ناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي وسياساته تجاه قطاع غزة، بخاصة الحصار المفروض على القطاع منذ عشرات السنين، وتم تشديده أكثر بعد سيطرة حركة “حماس” على القطاع بالقوة وحكمه منفردة.

الانقسام أيضاً يلعب دوراً كبيراً في هذه النكبة المتجددة.

عواصم كثيرة، عربية وغير غربية، استضافت المنقسمين بحثاً عن طريق لإنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة الوطنية، وحملت تواقيعهم اتفاقات لا تُعد ولا تُحصى، وحلفوا أغلظ الأيمان عند أستار الكعبة المشرفة، من دون طائل ولا جدوى.

لم يُعيروا الأرقام سابقة الذكر أي اهتمام، وانصب جل الاهتمام على تقاسم سلطة تحت الاحتلال لا تملك من أمرها شيئاً أمام جبروت الاحتلال وبطشه.

بحثوا عن حصص في السلطة والمنظمة وعدد المقاعد هنا وعدد السفراء هناك، وعن حصص في غاز غزة المعطل استخراجه من ربع قرن.

صمت العرب والأوروبيون والأميركيون عن ما يجري في فلسطين، بخاصة في قطاع غزة.

راقبوا بصمت القبور أثار الفقر واليأس والإحباط على وجوه الغزيين من دون اكتراث.

يعرفون جيداً أن عدد سكان قطاع غزة سيصبح ثلاثة ملايين إنسان في 2030، وخمسة ملايين في 2050، وفق النمو السكاني المتوقع.

وحده الاحتلال يرعبه انفجار القنبلة الديموغرافية في وجهه أكثر من العبوات الناسفة.

بدأ الاحتلال سياسة جديدة متحفظة وحذرة، جوهرها تخفيف الأوضاع المأساوية، لإبقاء حياة الغزي تتساوى فيها فرص الحياة والموت.

أصدرت سلطات الاحتلال 17 ألف تصريح عمل لعمال غزيين للعمل لدى مشغلين إسرائيليين، وسمحت بتصدير بعض السلع، وخففت قليلاً القيود على بعض الواردات، بخاصة مزدوجة الاستخدام المدني والعسكري.

الأوضاع في القدس والضفة ليست أحسن حالاً من القطاع مع وجود الجدار والتهام الأرض تدريجياً من قبل المستوطنين.

المطلوب الأن، أكثر من أي وقت مضى، من الرئيس عباس والأمناء العامين في اجتماع القاهرة غداً أن يتحملوا المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم.

عليهم تنفيذ اتفاقات المصالحة، وما أكثرها، وليس التوصل لاتفاق جديد، وتشكيل حكومة انقاذ وطني مؤلفة من شخصيات سياسية ووطنية وتكنوقراط، أو حكومة خدمات غير سياسية، لوقف التدهور المتسارع نحو الهاوية، والنهوض بالشعب الفلسطيني من جديد، ومنحة فسحة من أمل.

حكومة تأخذ على عاتقها توحيد المؤسسات الرسمية، ودمج الموظفين جميعا في غزة والضفة، وإعادة حقوق موظفي السلطة المحسومة خلال السنوات الماضي، ووضع خطط وبرامج للنهوض بالاقتصاد الوطني والانفكاك التدريجي عن التبعية للاقتصاد الإسرائيلي.

مهمة الحكومة أيضا تهيئة الأجواء والتحضير لتنظيم انتخابات عامة، وفي البلديات والجامعات والاتحادات والنقابات، تُتوج بانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني.

مهمة لا تحتاج أكثر من ستة أشهر أو عام، للذهاب موحدين لمواجهة المجتمع الدولي وحكومة المستوطنين المتطرفين.

فهل يكون القادة الفلسطينيون غداً على قدر المسؤولية التاريخية، أم سيواصلون قيادتنا بسرعة أكبر نحو الهاوية؟.

اقرأ/ي أيضًا: لقد فشلت جهود المصالحة وقد يتصاعد الصراع في الضفة الغربية بسرعة

مرحبا بكم في مملكة غلعاد!

أقلام – مصدر الإخبارية 

رفع المتظاهرون الإسرائيليون المحتجون على الانقلاب القانوني، ممن احتلوا مطار بن غوريون فجر يوم 11-7-2023 شعاراً يقول: “أهلاً بكم في مملكة غلعاد”؟ أعادني هذا الشعار إلى متابعته، اكتشفت أنه مقتبسٌ من المسلسل الأميركي (The Handmade Tale) عام 2017 وهو يحكي قصة استيلاء المتزمتين الأصوليين العقيمين في أميركا على الحكم، وإجبار الفتيات أن يعملن في بيوتهم منجبات للأطفال وخادمات فقط! وهذا يماثل بالضبط ما يجري الآن في إسرائيل!

موضوع قمع النساء في إسرائيل مسكوتٌ عنه إعلامياً في معظم وسائل الإعلام، لأنه يمس بصورة إسرائيل دولة ديموقراطية، كما أن بروز ظاهرة القمع النسائي في إسرائيل سيُفشِل (بربوغندا) إسرائيل حين تتهم الفلسطينيين والعرب بأنهم أعداء النساء، كتبتُ كتابا بعنوان: قصص نساء يهوديات معنفات وهو مقتبسٌ كلُّه مما تسرَّب من صحافتهم عن هذا القمع!

نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت يوم 23-6-2023 فيديو يصور امرأة إسرائيلية تزور حائط البراق (المبكى) في الركن المخصص للنساء وهي تخلع ملابسها وكأنها تصطاف على شاطئ البحر، ونشرت الصحيفة تعليق، شموئيل رابينوفتش حاخام الحائط الغربي: “شعرنا بالرعب من هذه الصورة في قدس الأقداس”!

لم يبرز الخبر في معظم وسائل الإعلام، لأن ذلك يمسُّ (بديموقراطية) الدولة!

الفتاة التي تعرّت اسمها مايا عمرها 36 سنة، تنتمي إلى تيار النساء الثائرات على احتقار النساء وضربهن وطردهن لأنهن نساء (نجسات) يصلين عند الحائط، مايا امرأة متدينة تنتمي إلى مجموعة (نساء الحائط الغربي) ممن يتحدين التمييز الجندري، مايا، تعرتْ احتجاجاً على مشروع قانون عرضه أحد أعضاء (حكومة غلعاد) أريه درعي زعيم حركة شاس في الكنيست، وهو قانون الحشمة وفق مواصفات الذكور، ينص على وجوب التزام النساء بلباس خاص يفرضه الحاخامون عليهن، يُحظر عليهن بموجب القانون أن يحملن التوراة أثناء صلواتهن، وعليهن ألا يرتدين شال الصلاة فهو مخصص للرجال فقط، وعليهن ألا يرفعن أصواتهن عند تلاوة التوراة، لأن صوت المرأة عورة! ستدفع مايا ثمن فعلتها، لأن العقوبة على احتجاجها في نص القانون هي السجن ستة أشهر وغرامة بمقدار عشرة آلاف شيكل!

ما أكثر قصص قمع النساء في إسرائيل، غير أنها لا تحظى بالنشر فلو حدثت تلك القصص والأخبار في قطر عربي لتهافتت وسائلُ الإعلام العالمية لنقلها!

فلو قام بعضُنا مثلاً بتقسيم أحد الشوارع الكبيرة في دولة عربية إلى نصفين مستخدماً ساتراً من القماش، وأرغمْنا النساءَ أن تسير في قسم منه، والرجال في القسم الآخر كما يحدث اليوم في حي مائة شعاريم في القدس لقالوا عنا: “انظروا فليس غريباً على العرب، فكلهم طالبان”! ولو قامت مجموعة بنزع كل إعلانات الدعاية التي فيها صور النساء من الشوارع والحافلات كما يحدث كل يوم في أحيائهم الحريدية الأصولية لاستُنْفِرت وسائلُ الإعلام وتوافد الصحافيون من كل أقطار العالم لتغطية الحدث وقالوا أيضاً: “العرب متخلفون”!

ولو خصصت إحدى دول العرب وفلسطين حافلاتٍ شرعية خاصة بالرجال وأخرى للنساء، كما هو جارٍ في الأحياء الأصولية في إسرائيل، أو أجبروا النساء أن يركبن في مؤخرة الحافلة، وخصصوا مقدمة الحافلة للرجال فقط، وهذا ما هو مُتَّبعٌ حالياً، لقالوا أيضاً: “العرب متخلفون يعيشون في العصر الحجري”!

قليلون الذين يعرفون (جماعة العفاف) وهي ميليشيا من (بلطجية) المتزمتين الحارديم يعربدون في كل الأحياء الحريدية، يهاجمون المنازل يقومون بتأديب النساء اللائي يخرجن عن أوامرهم بالضرب والطرد! تتعرض النساء في طرقات بيت شيمش والقدس للشتائم والبصاق ورش الفلفل في عيونهن لأنهن نساء فهن نجاسة، لا يمكن للحريدي أن يجلس على مقعد كانت تجلس عليه امرأة إلا بعد مرور وقت طويل من جلوسها عليه، ولا يَسمح الحريدي لامرأةٍ أن تجلس إلى جواره في مقعد الطائرة والحافلة لأنهن نجسات!

اقرأ/ي أيضاً: الاحتلال وتقويض قيام الدولة الفلسطينية.. بقلم سري القدوة

يبدو الاستخدام السياسي للجيش الإسرائيلي بعملية جنين صارخًا

عاموس هرئيل- هارتس

ترجمة مصطفى إبراهيم: مع اقتراب نهاية العملية العسكرية التي استمرت يومين في جنين، جاء الرجل الذي وافق عليها لتحصيل الربح السياسي المحدود الذي انعكس مع ذلك في العملية: بعد ظهر يوم الثلاثاء، ذهب بنيامين نتنياهو إلى المنطقة، أي إلى حاجز سالم شمال جنين. كان الهدف التقاط صورة قصيرة. ووصل رئيس الوزراء إلى الحاجز برفقة وزير الامن يوآف جالانت ، المتحدث باسم مكتبه، وكالعادة مؤخرًا في تقرير من القناة 14.

التقط نتنياهو صورة على خلفية الموقع العسكري القريب ، وألقى وابلًا معتادًا من الكليشيهات على جنودنا الشجعان ، على “العديد من البنى التحتية الإرهابية” التي دمرت في العملية وعلى أعدائنا الذين سيتعلمون بالتأكيد أن يتضاعفوا.

حذرا من الآن فصاعدًا بعد ذلك بوقت قصير، كان الوفد المرافق في طريقه بالفعل إلى القدس، للقاء رئيس ليبيريا، لاعب كرة القدم السابق جورج واه بعد ثلاث ساعات، عندما بدأ انسحاب القوات من مخيم جنين ، قُتل مقاتل من وحدة أغوز ، الرقيب دافيد يهودا يتسحاق من مستوطنة بيت إيل تم التحقيق في الاشتباه في أن الجندي أصيب بطريق الخطأ من قبل قوة أخرى من الوحدة. تفسيرات ذلك يجب أن يقدمها كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي ، وبقدر ما يتعلق الأمر بالسياسيين، فإن القصة قد انتهت.

ربما هذا هو طريق العالم، لا يوجد قرار بشأن عملية عسكرية منفصل تمامًا عما يحدث على المستوى السياسي أرييل شارون، كرئيس للوزراء ، انتظر قرابة عام حتى حصل ، في رأيه ، على دعم شعبي كافٍ ، وفي ربيع 2002 ذهب إلى عملية “السور الواقي” في الضفة الغربية.

بعد أربع سنوات من ذلك ، شرعت حكومة أولمرت في التحرك النهائي والشنيع لحرب لبنان الثانية ، محاولة السيطرة على كامل المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني ، على خلفية استطلاعات تشير إلى تدهور كبير في تقييم الجمهور أداء الحكومة.

في إسرائيل، قُتل الجنود في كثير من الأحيان في عمليات لم تكن اعتباراتها مرتبطة بالدولة بالكامل، والجيش لا يهتم دائمًا بالأعمال التجارية البحتة في اعتباراته. كل قرار رئيسي يتم اتخاذه على مستوى رفيع في هيئة الأركان العامة يأخذ في الاعتبار أيضًا مسائل الصورة والمكانة العامة.

ومع ذلك ، هذه المرة ، يبدو الاستخدام السياسي للجيش الإسرائيلي صارخًا ، حتى بالمقارنة مع ما حدث في الماضي.

لقد غير الشاباك، ولاحقًا قائد الجيش الإسرائيلي ، موقفهم مؤخرًا وقرروا دعم عملية عسكرية أوسع في جنين ، بدلا من الاعتقالات المتكررة ولكن محدودة النطاق. يبدو أن الدافع الرئيسي لقرار نتنياهو وجلانت، الذي لم يتم تمريره من خلال مجلس الوزراء هذه المرة أيضا، كان الضغط الذي مارسه المستوطنون على الحكومة مؤخرا، على خلفية تدهور الوضع الأمني ​​على طرق الضفة الغربية.

بالمناسبة، ليس هناك من يقين من أن العملية في جنين ستحل هذه المشكلة بالتحديد. وتقع معظم عمليات إطلاق النار على الطرق التي تخدم عددًا أكبر من السكان الإسرائيليين، في منطقة نابلس ورام الله بعد ظهر أمس، وقع حادث إطلاق نار آخر عندما أطلق فلسطيني النار وقتل الرقيب شيلا يوسف أمير ، وهو مقاتل من دورية جفعاتي ، بالقرب من مستوطنة كادوميم ، غربي نابلس مطاردة من قبل قوات الجيش الإسرائيلي ومنسق أمني من المستوطنة.

ساهم التمثيل الواسع للمستوطنين ومصالحهم على طاولة الحكومة في نفوذهم. كما أن نتنياهو لم يكن قادراً على الاستمرار في الظهور بمظهر ضعيف في مواجهة الإرهاب ، على خلفية كل ما انتقده بالحكومة السابقة.

كما ساهمت المناقشة الغبية المروعة على الشبكات الاجتماعية المحيطة بالعملية في الشعور بالخفة. لا يعني ذلك أن وسائل الإعلام الراسخة تفوقت بعد الآن. كان هناك مذيعون ومؤثرون ناشدوا الجيش الإسرائيلي أن ينتصر، أي أن يواصل قصف جنين ، دون أن يكلف نفسه عناء زيارته هناك ، وآخرون دخلوا المخيم بالفعل تحت رعاية الجيش الإسرائيلي ، لكنهم بثوا تقارير تحريضية ومضللة.

خلال العملية ، نظم أعضاء الكنيست من كتلة شاس، الذين لم يحمل معظم أبنائهم سلاحًا ، تلاوة مهيبة لفصل من المزامير من أجل نجاح الجنود. توقف للحظة ، بينما كان كبار قادة المستوطنين ، الذين دفعوا من أجل العملية ، هم على الأرجح من روجوا للشائعات حول قرار الذهاب إليها. حدث ذلك ليل الأحد، قبل ساعات قليلة من بدء القوات في اتجاه المخيم ، غضب الجيش الإسرائيلي وفكر حتى في تأجيل العملية ، لكنه في النهاية قرر عدم الاستسلام رغم فقدان ميزة المفاجأة.

يوم الثلاثاء ، في طريقنا إلى جنين ، مررنا بالميدان المجاور للبؤرة الاستيطانية، وبعد ساعتين التقط نتنياهو وجالانت صورة ، بعيدًا عن الأسئلة المزعجة للصحافة. استغرق الأمر دقيقة أو دقيقتين لتذكر سبب نقش المكان في الذاكرة ، على الرغم من مرور أكثر من عشرين عامًا.

هنا ، ذات مساء في منتصف أبريل 2002 ، وقف الجنرال إسحاق إيتان ، الجنرال للقيادة المركزية في ذلك الوقت ، وأجاب بصبر على الأسئلة الصعبة التي وجهها إليه المراسلون من إسرائيل وخارجها. وكان هذا في نهاية المطاف. يوم صعب من عملية “السور الواقي “.

قتل في ذلك الصباح 13 من جنود الاحتياط ، الذين وقعوا في كمين قاتل بالمتفجرات وإطلاق النار في موقع أطلق عليه فيما بعد اسم “الحمام” ، وهو نوع من الفناء الداخلي الذي تسيطر عليه نيران مسلحين فلسطينيين. انتشرت خلال النهار شائعات كاذبة هيستيرية في جميع أنحاء البلاد ، عن مقتل مسؤولين إسرائيليين كبار وخسائر فادحة، حتى أكثر مما حدث أخيرًا.

في المساء، عندما عُرِفت التفاصيل ، وقف إيتان وحيدًا. لم يتطوع أي من السياسيين الذين تسلموا الأضواء نيابة عنه عندما سجل الجيش نجاحات عملياتية، لمرافقته في أوقات الفشل. بعد كل شيء ، ربما لم يتغير الكثير.
2
الجيل الذي لم يعرف

ورد ذكر “السور الواقي” مرارًا وتكرارًا هذا الأسبوع. لكن المقارنات بين تلك العملية ثبت أنها خاطئة من حيث الأساس، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من المخيم خلال يومين وعدم القيام بأي محاولة لاحتلاله والاحتفاظ به، كما أن أبعاد الدمار ليست متشابهة. عبوات ناسفة كان يُخشى أن تكون مخبأة تحت الأسفلت – وبالتالي تسببت في أضرار جسيمة للبنية التحتية للمياه والكهرباء – لكن هذا لا يشبه على الإطلاق المشاهد التي رأيتها في عام 2002 ، مباشرة بعد المعركة في المخيم ، في منطقة أطلق عليها اسم “جراوند زيرو” بسبب الدمار الكامل الذي خلفه الجيش الإسرائيلي هناك بعد أيام من القتال العنيف من منزل إلى منزل.

نقطة المقارنة ذات الصلة مختلفة. القوة العسكرية العظيمة التي استخدمها الجيش الإسرائيلي في عام 2002 ، بوحشية في بعض الأحيان ، أدت تدريجياً إلى تغيير جذري في الوضع في الضفة الغربية وأخيراً إلى تراجع (الإرهاب) الفلسطيني لمدة عشر سنوات تقريباً.

الجيل الحالي من النشطاء المسلحين في الضفة الغربية هو الجيل الذي لم يعرف “السور الواقي “. في أحسن الأحوال ، كان رجال مسلحون اليوم في سن الثانية. الجدل الذي سمع في الجيش الإسرائيلي والشاباك غالبًا هو أن هناك حاجة لاستعراض إضافي للقوة لإعادة التوازن إلى حد ما للردع ، ولجعل الفلسطينيين، وخاصة في المجمعات المغلقة والمسلحة مثل مخيم جنين للاجئين ، يخشون الجيش الإسرائيلي مرة أخرى.

هناك شيء ما في هذا التفسير ، لكنه أيضًا متحيز للغاية. إنه لا يأخذ في الاعتبار الرغبة الأساسية لشعب محتل في القتال – وبالتأكيد صد – أولئك الذين يغزون معسكرهم (وهي رغبة تُترجم أيضًا إلى أعمال (إرهابية) ضد المدنيين الإسرائيليين.

ويتجاهل مساهمة سياسة الاستيطان الصارمة للحكومة الحالية ورفضها المطلق للعودة إلى العملية السياسية ، في اليأس المتزايد للفلسطينيين.

بعد ظهر الثلاثاء، تحدث وزير الامن هاتفيا مع الصحفيين. قال جالانت ثلاثة أشياء مثيرة للاهتمام. أولاً ، زعم أن الغرض من العملية هو استعادة حرية الجيش الإسرائيلي في العمل في مخيم جنين، بحيث يتم مرة أخرى إعادة الاعتقال، التي تتطلب الآن تخصيص كتيبة، إلى فصيلة فقط (أي حوالي عُشر القوة) ، ومن الممكن ، كما اعترف وزير الامن، أن هناك حاجة إلى عمليات قليلة أخرى في المخيم لتحقيق ذلك.

ثانيا ، قال ، إنه يأمل أن يكون من الممكن تجنيد السلطة الفلسطينية، بمساعدة إسرائيل ، لإصلاح الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للمخيم في العملية. بمعنى آخر ، تسعى إسرائيل إلى الاستفادة من العملية لإعادة تورط السلطة الفلسطينية في المنطقة التي احتلتها منذ زمن بعيد من الباب الخلفي ، والتي تركتها لحكم النشطاء المسلحين.

ثالثًا ، وربما الأهم ، أكد غالانت أنه “من وجهة نظر المؤسسة الأمنية ومن وجهة نظري كوزير للدفاع ، فإن السلطة الفلسطينية العاملة والاجهزة الامنية الفلسطينية التي تقوم بعملها هي مصلحة أمنية إسرائيلية.

إذا أظهر الفلسطينيون مسؤوليتهم كما حدث بالفعل في الماضي ، فسنسمح لهم بفعل ذلك “. بمعنى آخر ، ستشجعهم إسرائيل على العودة وقبول المزيد من المسؤولية الأمنية ، أيضًا في منطقة شمال (السامرة) ، التي فقدت السلطة الفلسطينية السيطرة عليها.

لكن الأشياء المنطقية لجالانت قد تنهار على أرض الواقع ، لأسباب ليست بالضرورة تحت سيطرته. بالأمس ، في اليوم التالي لخروج قوات الجيش الإسرائيلي من جنين ، حضر أحد كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية، عزام الأحمد، لزيارة مخيم اللاجئين لتقييم الأضرار. وطرده شبان المخيم من هناك تحت التهديد بالعنف ثم طاردت موكبه إلى مبنى المقاطعة المحلي ، مقر السلطة في المدينة، حيث أجبر حراسها على استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.

نشر مركز الاستطلاع الفلسطيني الدكتور خليل الشقاقي ، الذي تحظى أبحاثه وتحليلاته ثقة كبيرة من قبل إسرائيل ، استطلاعًا جديدًا الشهر الماضي ، لا يبشر بالخير. وبحسب الاستطلاع ، فإن ثلثي الفلسطينيين في المناطق يقدرون أن إسرائيل لن أن تكون قادرة على الاحتفال بعيد الاستقلال المائة ، في عام 2048.

كما يعتقد صانع القرار أن الشعب الفلسطيني سينجح في استعادة جميع أراضيهم وإعادة جميع اللاجئين إلى ديارهم ، ويشير الاستطلاع إلى مزيد من التراجع في الدعم الفلسطيني ، في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ، لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وحركة فتح تحت قيادته. يعتقد حوالي نصف المستطلعين أن انهيار السلطة أصبح في الواقع مصلحة وطنية للفلسطينيين. مسح الشقاقي، ليس للمرة الأولى ، ينقل صورة اليأس والاحباط – والتشدد من جانبهم.

هنا ، بشكل غريب ، يشتركان في قاسم مشترك مع شخصية أخرى، الوزير بتسلئيل سموتريتش. في وزارة الدفاع ، سموتريش هو الوزير الآخر فقط ، بجانب الوزير الكبير غالانت. لكن فيما يتعلق بسياسة الاستيطان في المناطق ، يبدو أنه بحسب سموتريتش ، لن ينجح شيء. يتضح أكثر فأكثر أنه هو الذي يملي نهج الحكومة التوسعي الذي يشجع على توسيع مساحة المستوطنات وقيام بؤر استيطانية جديدة. ولديه أيضًا خطط طموحة للسلطة الفلسطينية تتعارض تمامًا مع بيان جالانت. لا يخفي سموتريتش نيته إحداث انهيار للسلطة وعودة إسرائيل إلى الأراضي التي أخلتها في الضفة الغربية. نتنياهو هو الحكم الأخير ، لكن عندما يكون هناك وزراء مركزيون في حكومته بمثل هذه النظرة المتطرفة ، من الصعب أن نرى كيف ستتحقق وعود جالانت.
ليست سلبية، عدوانية ٣

الاتجاه الذي ستتجه إليه الحكومة في القناة السياسية وفي الأمنية يعتمد إلى حد كبير على علاقات القوى الداخلية ، وهي متأثرة بشكل كبير بالصراع ضد الانقلاب. تلقت الاحتجاجات ضد الانقلاب، مساء أمس دفعة حيوية من الطاقة ، بعد خطاب التقاعد لرئيس شرطة تل أبيب ، رئيس شرطة تل أبيب ، عامي أشد, على الرغم من أن الأرقام لا تشبه الأرقام ليلة فصل جالانت ، في 26 مارس، ظهر عشرات الآلاف من المتظاهرين مرة أخرى وتم استدعاؤهم على الفور للنزول إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد ، كما أغلقوا ممرات أيالون في تل أبيب حركة المرور لمدة ساعة طويلة.

وحذر أشد ، المسؤول الأول في القانون والنظام الأمني ​​الذي عاد بالفعل إلى دياره نتيجة جهود الانقلاب ، من أن رؤسائه يريدون الدم في أيالون. قال إن السبب الرئيسي لإقالته هو رفضه العنيد استخدام القوة المفرطة لتفريق المتظاهرين الذين يغلقون الطرق في المنطقة الواقعة على مسؤوليته. في الواقع ، لم يترك سلوك الشرطة ليلة الأربعاء مجالًا للشك: سوف يتخذ الضباط موقفًا أكثر عدوانية من الآن فصاعدًا.

سيحدث هذا بتشجيع قوي من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ، ولكن أيضًا كجزء من محاولة المشرفين للتقرب إليه كجزء من معركة خلافة المفوض ، كوبي شبتاي. بعد ستة أشهر من الاحتجاج ، فإن الشرطة هي أكثر الجسد تعرضًا للكدمات في البلاد. لسوء حظها ، تتلقى أيضًا أوامر من وزير طفولي تمامًا ، لا يبدي أي اهتمام بأي شيء سوى تحسين وضعه السياسي.

يعكس الخروج الجماعي والحماسي إلى الشوارع ، بعد عدة عطلات نهاية أسبوع كسولة متتالية في كابلان ، شحذ فهم خطط الخصم. طريقة السلامي عادت. في الأسبوع المقبل ، يعتزم نتنياهو تمرير القانون لإلغاء سبب المعقولية ، كخطوة أولى في الخطة ب. هذا هو الاختلاف المنخفض في خطته الأصلية ، والتي تم التخلي عنها تحت ضغط الاحتجاج بعد ليلة عزل جالانت. لكن هذا سيكون كافياً للإضرار بالديمقراطية الإسرائيلية التي لا يمكن الاعتراف بها ، وفي هذه العملية تعزيز الإجراءات التي من شأنها أن تسمح لرئيس الوزراء بالتأثير على مسار محاكمته.

في هذا النضال ، لا تزال الورقة الرابحة الرئيسية للاحتجاج ، بخلاف التجمعات الجماهيرية والعفوية ، موجودة في جنود الاحتياط. بتعبير أدق ، ما قد يتحول إلى نقطة أرخميدس في النضال هو الرفض الجماعي لمبادرة الطيارين والملاحين في الاحتياطيات ، وهو نفس التهديد بإلغاء التطوع الذي حلّق فوق الحكومة في مارس ، على خلفية غالانت. مشكلة المعارضة والحركات الاحتجاجية هي أنه لا يوجد يقين أن هذه البطاقة ستكون فعالة في المرة الثانية. علاوة على ذلك: لم يقرر الطيارون بعد ما إذا كانوا سيتخذون مثل هذه الخطوة في مرحلة مبكرة نسبيًا من تنفيذ خطة نتنياهو ، والتي تتقدم هذه المرة بشكل أبطأ وغموض ، وليس عن طريق الصدفة.
حدود المسؤولية ٤

كان يوم الأربعاء من هذا الأسبوع يومًا مزدحمًا بالأخبار بشكل خاص. في فترة ما بعد الظهر ، بعد وقت قصير من خطاب أشاد وبعد انقطاع التيار الكهربائي الذي استمر لأكثر من ثلاثة أشهر ، تم الإفراج عن قضية تسوركوف. تبدو وكأنها فكرة لمسلسل فوري على Netflix: باحثة إسرائيلية روسية تعيش في الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية ، تكتسب معرفة هائلة عن الشرق الأوسط خلال الربيع العربي. لكنها أيضًا تضع نفسها لهذا الغرض معرضة للخطر في رحلات بحثية إلى سوريا والعراق. في رحلتها الأخيرة إلى بغداد ، تم اختطافها من قبل مليشيا شيعية موالية لإيران. هناك جهد دولي قوي يهدف إلى إطلاق سراحها ، لكن تفاصيل القضية ظلت سرية شهور ، خشية أن يؤدي النشر إلى زيادة الارتباك الإيراني حول ما يحدث.

كانت اليزابيت تسوركوف ، التي اكتسبت خبرتها الكبيرة عشرات الآلاف من المتابعين لها على الشبكات الاجتماعية ، سلطة حقيقية على ما كان يحدث في المنطقة. قدمت مواقف واضحة وشجاعة في كثير من الأحيان ضد إجرام نظام الأسد وضد المساعدة العنيفة التي قدمتها له روسيا ، البلد الذي ولدت فيه.

تمزق القلب أمام محنة شابة محتجزة في مثل هذه الظروف رغماً عنها ، وفي مواجهة قلق أفراد أسرتها. ولكن ما هي حدود مسؤولية إسرائيل منذ لحظة دخول الباحث خلافا للقانون والتحذيرات إلى الدول المعادية؟ لم تمنع هذه الأسئلة إسرائيل من الانخراط بشكل مكثف في الأشهر الماضية في محاولة لمعرفة ما حدث لها ومحاولة ترتيب إطلاق سراحها. إذا ظهرت إمكانية التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الرهائن والأسرى في المستقبل ، حيث سيُطلب من إسرائيل تقديم تنازلات ، فمن المتوقع أن تصل الأسئلة إلى مناقشة عامة أيضًا.

شخص واحد مفقود من هذا الجهد ، منسق اسري الحرب نيابة عن رئيس الوزراء نتنياهو. السبب في ذلك بسيط – لا يوجد شيء. تم تعيين يارون بلوم ، العضو البارز السابق في الشاباك ، في هذا المنصب من قبل نتنياهو في عام 2017 وتقاعد في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي ، قبيل عودة الليكود إلى السلطة. حتى الآن ، لم يتم تعيين بديل لبلوم. وأعلن مكتب رئيس الوزراء أن مهام منسق نيابة عن رئيس الوزراء ستوكل في هذه المرحلة إلى سكرتيره العسكري اللواء آفي جيل. في غضون ذلك ، في لقاء مع إحدى عائلات الجيش الإسرائيلي المفقودين ، ألمح نتنياهو إلى أن رئيس الشاباك ، رونين بار ، سيوسع مشاركته في هذه القضية.

لكن جيل مشغول بمائة مهمة أخرى ، في حين أن بار ، وهو رجل متعدد المهارات، بحكم منصبه، في تضارب أساسي تقريبًا في المصالح. الشاباك مكلف بإحباط ومنع الإرهاب ، وليس الإفراج عن سجناء أمنيين لصفقات أسرى. كانت هناك بالفعل حالة واحدة ، قضية شاليط ، حيث فوجئ رئيس الشاباك الجديد ، يورام كوهين ، بحضوره المهني في جانب من الصفقة – التي تضمنت إطلاق سراح العديد من (الإرهابيين والقتلة) – لتحرير الجندي المخطوف جلعاد شاليط من أسر حماس. لكن من الواضح تقليديًا أن تركيز الخدمة ينصب على منع الإرهاب ، وأن السخاء في الصفقة قد يزيد في المستقبل المزيد من الهجمات.

حتى قبل قضية تسوركوف ، التي تجري أمام جهات فاعلة مختلفة تمامًا ، كانت مسألة الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة محور الاهتمام. جثث القتيلين في عملية “تسوق إيتان” عام 2014 ومدنيان على قيد الحياة يعانيان من صعوبات نفسية ، بعد فترة وجيزة من عبور السياج إلى غزة ، وفي السنوات الأخيرة تم تبادل العروض بين الطرفين عبر وسطاء مختلفين. بالنسبة للصحافة العربية ، فإن إسرائيل مستعدة الآن للإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين ، لكن معظمهم من أسماك صغيرة. وتطالب حماس بأعداد أكبر ، وخاصة الإفراج عن “أسماء” كبار وسجناء قتلة، بعضهم كان في السجون الإسرائيلية. في السابق مع زعيم التنظيم في غزة يحيى السنوار قبل أن يطلق سراحه في صفقة شاليط.

في الشهر الماضي ، في مراسم تأبين قتلى تسوك إيتان ، العدوان على غزة انفجرت أييليت غولدين ، شقيقة الملازم أول هادار غولدين ، المحتجز في غزة ، أمام رئيس الوزراء. واتهمت غولدين ، وهي تبكي ، نتنياهو بالتخلي عنه. المعضلة الإسرائيلية في هذه الحالة ليست سهلة ، خاصة عندما يتعلق الأمر بالجنود القتلى وليس الجنود الأحياء (موقف الدولة من المواطنين الذين عبروا الحدود طواعية مختلف ، ولا جدوى من إنكار ذلك).

عندما تكون الدولة والمجتمع في جو من الانهيار، قد لا تكون هذه هي القضية الأكثر إلحاحًا ، لكن تجنب الحكومة السابقة والحالية تعيين منسق اسرى جديد ، لمدة تسعة أشهر ، يعكس أيضًا الوضع المحبط الذي وجدنا أنفسنا فيه.

هذه سلطة مهنية أخرى إذا صح التعبير، حارس بوابة آخر، وهي ببساطة غير موجودة إن الأضرار التي لحقت بهذه الحكومة محسوسة في كل مكان. حيث لا ترميك بحجر ستجد الدمار.

اقرأ/ي أيضًا: معركة جنين: التأسيس لمعادلة المستقبل

Exit mobile version