من يُطفئ حريق الأقصى المشتعل؟

أقلام – مصدر الإخبارية

من يُطفئ حريق الأقصى المشتعل؟ بقلم الكاتب الفلسطيني ماجد الزبدة، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

أربعة وخمسون سنة مرت على حريق المسجد الأقصى المبارك، تلك الجريمة البشعة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 21/08/1969م مٌدَّعيًا أن تماسًا كهربائيًّا تسبب في اشتعال المسجد، ليتبين لاحقًا أن صهيونيًا أستراليًّا ارتكب هذه الجريمة، إذ أشعل الحريق عن سابق تخطيط، وتسبب في أضرار فادحة طالت أروقة وسقف المصلى القبلي، ومنبر صلاح الدين الأيوبي.

كثيرة هي الشواهد التي تشير إلى أن جريمة إحراق المسجد الأقصى لم تكن جريمة فردية، فمحاولة الاحتلال الادعاء بأن الحريق جاءت نتيجة تماسٍ كهربائي إنما هدفت إلى تبرئة المحتلين من مسؤولية الجريمة، وبعد اكتشاف الفاعل المجرم، حاول الاحتلال مرة أخرى تبرئته بالادعاء أنه مختل عقلي، وهي مزاعم اعتمدت عليها محاكم الاحتلال الصورية لاحقًا في قرارها إطلاق سراح المجرم، وتبرئته من هذه الجريمة المُنكرة.

بعد مرور أربعة وخمسين سنة على جريمة إحراق المسجد الأقصى المبارك، فإن الحريق لا يزال مشتعلًا، فمحاولات الاحتلال هدم المسجد الأقصى، وتفريغه من المصلين المسلمين لم تتوقف، وما تزال انتهاكاته ضد الأقصى بشتى الأشكال والوسائل متواصلة

المشاركة الفاعلة للاحتلال في الجريمة كانت واضحة بقطع المياه عمدًا عن المصلى القبلي ومحيطه، وتباطؤ وصول سيارات المطافئ لإطفاء الحريق، وكأن رغبة الاحتلال كانت إبقاء جذوة الحريق مشتعلة لأطول فترة ممكنة حتى تأتي على كامل المصلى القبلي، وهو الأمر الذي دفع المصلين العزل إلى محاولة إطفاء الحريق بملابسهم، وبعض المياه التي توفرت آنذاك في آبار المسجد الأقصى.

واليوم وبعد مرور أربعة وخمسين سنة على جريمة إحراق المسجد الأقصى المبارك، فإن الحريق لا يزال مشتعلًا، فمحاولات الاحتلال هدم المسجد الأقصى، وتفريغه من المصلين المسلمين لم تتوقف، وما تزال انتهاكاته ضد الأقصى بشتى الأشكال والوسائل متواصلة، بدءًا من محاولات منع المصلين المسلمين من التواجد في المسجد بمواسم الاعتكاف، والاعتداء عليهم مرارًا أمام شاشات التلفاز، وحرمانهم من الوصول إلى بوابات المسجد، ومحاولات وضع كاميرات مراقبة ترصد تحركاتهم داخل المسجد، وبوابات إلكترونية تحول دون وصولهم للصلاة في باحاته، وقرارات الإبعاد عن المسجد التي تطال كل فلسطيني أو فلسطينية يثبت أنه يدافع عن الأقصى ويداوم على الصلاة في باحاته.

استهداف الاحتلال للمسجد الأقصى جزءٌ لا يتجزأ من استهداف الاحتلال لمدينة القدس المحتلة، فعدوانُ الاحتلال على المواطنين المقدسيين وتصاعد انتهاكاته ضدهم بالقتل المتعمد والاعتقال والإبعاد وهدم المنازل، التي بلغت منذ بداية عام 2023م وحتى نهاية مايو الماضي أكثر من “2209” اعتداء بحسب تقرير نشره مركز معلومات فلسطين “معطي”، إنما تهدف إلى تفريغ المسجد الأقصى من المصلين المسلمين، في محاولة إسرائيلية مستميتة لتحويل المسجد إلى كنيس يهودي.

صرخات المسجد الأقصى التي سمعها كل المسلمين عقب إحراقه سنة 1969م ما تزال مدوية حتى يومنا هذا مع تصاعد الاقتحامات اليهودية للمسجد الأقصى، ومحاولات حكومة نتنياهو المتطرفة تطبيق خطة عضو الكنيست المتطرف عن حزب الليكود “عميت هاليفي” التي أعدها بمشاركة عدد من أعضاء حزب الليكود المتطرفين، ونشرها موقع “زمان يسرائيل” العبري مطلع شهر يونيو الماضي، وتقضي بنزع الوصاية الأردنية الهاشمية عن المسجد الأقصى، واستيلاء المحتلين اليهود على المنطقة الوسطى والشمالية من المسجد الأقصى بما فيها “قبة الصخرة” بذريعة أنها شُيدت فوق أنقاض “الهيكل اليهودي” المزعوم، والسماح لليهود باقتحام المسجد الأقصى من جميع البوابات وليس فقط من بوابة المغاربة، وهي خطة تشبه إلى حد كبير ما نجح الاحتلال في تطبيقه بالحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل جنوب الضفة، حيث استولى الاحتلال على المسجد بعد جريمة قتل المصلين المسلمين فجرًا منتصف شهر رمضان من عام 1994م، وبات المسجد مستباحًا لليهود، حيث يُمنع المسلمون من الصلاة فيه أغلب أيام السنة منذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا.

طقوس “السجود المحمي”، والصلوات التلمودية الجماعية التي بات المقتحمون الصهاينة يجاهرون بها نهارًا ويؤدونها بشكل جماعي أمام الكاميرات، إنما تهدف إلى ترويض المسلمين في المنطقة العربية لتقبل هذه الحالة الشاذة داخل باحات المسجد الأقصى المبارك

إن استباحة المستوطنين الصهاينة للمسجد الأقصى المبارك، وتصاعد اقتحاماتهم اليومية لباحات المسجد، التي بلغت في شهر يوليو الماضي “6558” مستوطن، إنما هي تطبيق فعلي لمخطط التقسيم الزماني للمسجد، ومحاولة حثيثة لتطبيق مخطط التقسيم المكاني للمسجد بين المسلمين الفلسطينيين أصحاب الأرض المدافعين عن ترابها ومقدساتها، وبين اليهود المحتلين الوافدين من شتى بقاع الأرض، الذين يواصلون انتهاكاتهم العلنية لمقدسات المسلمين، وحقهم في الصلاة في المسجد الأقصى المبارك.

من ناحية أخرى، فإن طقوس “السجود المحمي”، والصلوات التلمودية الجماعية التي بات المقتحمون الصهاينة يجاهرون بها نهارًا ويؤدونها بشكل جماعي أمام الكاميرات، إنما تهدف إلى ترويض المسلمين في المنطقة العربية لتقبل هذه الحالة الشاذة داخل باحات المسجد الأقصى المبارك، وما يشاع حول استجلاب المحتلين اليهود لبقرات خمس من الولايات المتحدة، والإعلان أنها مقدمة لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم، إنما تهدف إلى الترويج لخرافاتهم التلمودية، وجس نبض المسلمين، ومعاينة ردود أفعال الأنظمة الرسمية والشعوب العربية تجاه هذه المخططات الماكرة التي تهدف إلى دفع المسلمين لتقبل مخططات التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى.

ختامًا، فإن واجب المسلمين والفلسطينيين على وجه الخصوص في هذه الذكرى الأليمة، هو الذود عن حياض المسجد الأقصى، وبذل الغالي والنفيس للدفاع عنه، وفضح مخططات الاحتلال للنيل من مقدسات المسلمين، أما الأنظمة العربية والإسلامية فإنه يقع على عاتقها واجب فضح مخططات الاحتلال أمام المحافل الدولية، وملاحقة قادة الكيان في المحاكم الدولية، فالصمت على جرائم الاحتلال المتواصلة ضد المسجد الأقصى يعني القبول بهدم المسجد وبناء الهيكل اليهودي المزعوم.

أقرأ أيضًا: خلافة محمود عباس.. بقلم/ ماجد الزبدة

غلاف جنين على خطى غلاف غزة

أقلام – مصدر الإخبارية

غلاف جنين على خطى غلاف غزة، بقلم الكاتب الفلسطيني ماجد الزبدة، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

المشاهد البطولية التي بثتها المقاومة الفلسطينية لأولى المحاولات الناجحة لإطلاق صواريخ فلسطينية من محافظة جنين شمال الضفة المحتلة باتجاه المستوطنات الإسرائيلية تمثل تطورًا لافتًا في قدرات المقاومة الفلسطينية، ونجاحها في نقل الخبرات والتقنيات من غزة إلى الضفة، في خطوة سيكون لها ما بعدها في الأيام والأسابيع المقبلة.

أن تنجح المقاومة الفلسطينية الملاحقة على مدار الساعة في الضفة من جيش الاحتلال وأجهزة السلطة الفلسطينية على حد سواء في تأسيس منظومة صاروخية، وتنفذ محاولات إطلاق ناجحة لصواريخ باتجاه مستوطنات الضفة إنما يمثل ضربة كبرى للاحتلال وللمشروع الاستيطاني في الضفة، والأهم أنه يأتي بعد تفويض حكومة الاحتلال للوزير المتطرف بتسليئيل سموتريتش بصلاحيات تخوله تسريع التوسع الاستيطاني في الضفة، بمعنى أن مستوطني الضفة عليهم اليوم أن يعيشوا الأجواء التي لطالما عاشها مستوطنو غلاف غزة طيلة العقدين الأخيرين.

مشاهد إطلاق الصواريخ من جنين باتجاه مستوطنات الضفة تأتي بعد عملية عيلي التي نفذها فدائيان فلسطينيان وشكلت ضربة موجهة للمشروع الاستيطاني في الضفة

مشاهد إطلاق الصواريخ من جنين باتجاه مستوطنات الضفة تأتي بعد عملية عيلي التي نفذها فدائيان فلسطينيان وشكلت ضربة موجهة للمشروع الاستيطاني في الضفة، حيث أسفرت عن قتل أربعة مستوطنين إسرائيليين وإصابة آخرين، كما أن تطور قدرات المقاومة اليوم ليس بمنأى عن كمين جنين المُحكم، الذي نجحت المقاومة الفلسطينية من خلاله في استدراج الآليات العسكرية الإسرائيلية إلى حقل من العبوات الكبيرة التي أدت إلى حالة ذهول إسرائيلية، وأسفرت عن إعطاب سبع آليات عسكرية مصفحة، ومحاصرة عدد من دوريات الاحتلال، بما يشير إلى تطور قدرات الانتشار والرصد الميداني للمقاومة، ونجاحها في اختراق العقل الأمني الإسرائيلي، وتوقع مسار التوغل الإسرائيلي داخل جنين، والتجهيز السابق للكاميرات لتصوير الآليات العسكرية في أثناء تفجيرها، وهو يؤكد التطور الكبير في قدرات المقاومة، واستخلاصها العبر من تجارب الاشتباكات السابقة مع الاحتلال، وقدرتها على تحقيق نجاحات ميدانية على الأرض في الضفة.

نجاحات المقاومة الميدانية في جنين دفعت جيش الاحتلال لاستخدام طائرات مروحية في قصف عمق الضفة لأول مرة منذ عقدين، بما يشير إلى فشل ميداني لجيش الاحتلال، وفقدانه السيطرة على الأرض في مواجهة رجال المقاومة، كما يشير من ناحية أخرى إلى انهيار منظومة أمن السلطة التي لطالما اعتمد عليها الاحتلال في ملاحقة المقاومة الفلسطينية، ما دفع نتنياهو إلى الإعلان مؤخرًا عن حرصه على عدم انهيار السلطة، واستعداده لتمويلها، في دلالة على أهمية التنسيق الأمني والدور غير المباشر للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في خدمة الاحتلال وحماية المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة المحتلة.

مشهد آخر من المشاهد اللافتة كان عودة سياسة القصف الجوي الغادر، وتنفيذ اغتيالات للمقاومين الفلسطينيين عبر قصف المركبات في الضفة المحتلة، وهو مشهد يشير إلى تغول جيش الاحتلال على الدم الفلسطيني من جهة، وهواجسه من تكرار كمين جنين، ونجاح المقاومة في إيقاع خسائر فادحة في قوات الاحتلال من جهة أخرى، حيث اعتاد الاحتلال تنفيذ اعتقالات ومداهمات ليلية في مناطق واسعة من الضفة دون مخاطر كبرى، لكنها باتت اليوم تفضل تنفيذ عمليات قصف جوي لعدم قدرتها على الوصول للمقاومين على الأرض، ورغم عظم تضحيات المقاومة مع ارتقاء المزيد من الشهداء إلا أن قناعتنا راسخة بتعاظم المقاومة الفلسطينية وأنها تمتلك زمام المبادرة للرد على جرائم الاحتلال ومستوطنيه في الضفة المحتلة.

الوقائع على الأرض تشير إلى أن عمليات الاغتيال، والاعتقالات المتواصلة طيلة السنوات الماضية، فشلت في الحد من تمدد خلايا المقاومة من جنين إلى نابلس وطولكرم وأريحا، وغيرها من مناطق الضفة المحتلة.

مشاهد إطلاق صواريخ جنين جاءت اليوم في سياق تغول المستوطنين المتطرفين على الفلسطينيين العزل في قرى وسط وشمال الضفة، حيث أقدم المجرمون الصهاينة على حرق عشرات المنازل، ومئات المركبات الفلسطينية، ظنًا منهم أن الفلسطيني سيرتدع أمام تلك الهجمات البربرية، وما علموا أن المقاومة تجهز رشقات صاروخية ستحول مستوطناتهم وثكناتهم العسكرية إلى منطقة أشبه بمستوطنات غلاف غزة التي باتت تدرك جيدًا معنى الرشقات الصاروخية التي تطلقها المقاومة مع كل تصعيد عسكري مع الاحتلال.

ختامًا ومع التطور اللافت في قدرات المقاومة، ونجاحها في تنفيذ عمليات إطلاق نار تجاه مستوطنات الضفة يوميًا، فإنني أتوقع أن تصعد المقاومة خلال المرحلة المقبلة من عملياتها النوعية التي ستشكل عائقًا كبيرًا أمام قدرة حكومة نتنياهو المتطرفة على توسيع المشروع الاستيطاني واستجلاب مستوطنين جدد في الضفة، كما أن الوقائع على الأرض تشير إلى أن عمليات الاغتيال، والاعتقالات المتواصلة طيلة السنوات الماضية، فشلت في الحد من تمدد خلايا المقاومة من جنين إلى نابلس وطولكرم وأريحا، وغيرها من مناطق الضفة المحتلة.

أقرأ أيضًا: خلافة محمود عباس.. بقلم/ ماجد الزبدة

الاستفزازات الإسرائيلية وعقدة نقص شرعية التهويد

أقلام – مصدر الإخبارية

الاستفزازات الإسرائيلية وعقدة نقص شرعية التهويد، بقلم الكاتب الفلسطيني ماجد الزبدة، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

شواهد عديدة أكدت في الأيام القليلة الماضية أن عقدة نقص الشرعية التي يعيشها كيان الاحتلال قد تفاقمت أعراضها في الآونة الأخيرة بصورة غير مسبوقة، فالتصريحات الإسرائيلية المكثفة والمتواصلة من وزراء، وأعضاء كنيست، ومسؤولين سياسيين بشأن يهودية مدينة القدس، ووحدتها كعاصمة أبدية للاحتلال تشير إلى مخاوف إسرائيلية واضحة من تصاعد عدم الاعتراف العالمي بالقدس عاصمة للكيان.

حالة الغرور والإنكار التي تعيشها حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة بشأن الهوية العربية والآثار الإسلامية والوجود الفلسطيني المتجذر في مدينة القدس، دفعها لتنظيم العديد من الفعاليات الإعلامية، التي تسعى بها إلى الترويج ليهودية القدس، والرفض المطلق للحق الفلسطيني في المدينة، والاستهزاء الأرعن بالإدانات الرسمية التي تطلقها بعض الأنظمة العربية بهدف امتصاص غضب الجماهير الناقمة على كيان الاحتلال، علاوة على استحقار السلطة الفلسطينية التي ارتضت رموزها أن تكون أحد عوامل كبح المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، ومطيَّة وضيعة لحماية المشروع الاستيطاني في الضفة والقدس.

مشاهد الاستفزازات اليهودية للفلسطينيين، التي تمثلت في مسيرة الأعلام الإسرائيلية وما صاحبها من مشاهد عنف ضد المقدسيين، وإطلاق شعارات عنصرية مثل شعار “الموت للعرب”، و”لا نريد مسلمين في القدس”، ومن ثم اقتحام الوزير المتطرف إيتمار بن غفير باحات المسجد الأقصى للمرة الثانية منذ توليه وزارة الأمن القومي في حكومة نتنياهو الفاشية، وإقامته صلوات تلمودية علنية في باحات المسجد الأقصى، وإطلاقه تهديدات رعناء لحركة المقاومة الإسلامية حماس إرضاءً لجمهوره المتطرف، والتي تلاها عقد حكومة نتنياهو اجتماعًا رسميًّا في نفق حفرته تحت قبة المسجد الأقصى، وما رافقه من قرارات تتعلق بتهويد مدينة القدس، ولا سيما تخصيص موازنة إسرائيلية ضخمة لتشجيع اقتحام المستوطنين لحائط البراق الإٍسلامي، وتنظيم فعاليات يهودية تحت شعار “إحياء “القدس” كعاصمة للاحتلال، جميعها خطوات تؤكد وجود رغبة إسرائيلية في تسريع خطوات تهويد مدينة القدس المحتلة.

الاستفزازات الإسرائيلية على مدار الأيام الأخير تعبر عن حالة استهزاء واضحة بخطاب محمود عباس الذليل أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، واستجدائِه بمهانة الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وتشبيهه الفلسطينيين بالحيوانات التي يجب أن تقدم لها الحماية، وهي عبارات قبيحة ومُدانة تعبر عن حالة الخرف السياسي التي وصلت إليها قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، التي تعيش متاهة سياسية، وما تزال تستجدي الحماية، وتعول على التدخل الدولي، ولكنها على الأرض أضحت عنصرًا داعمًا للمشروع الاستيطاني بظاهرة اختفاء عناصرها المسلحين مع كل اقتحام إسرائيلي للمُدن والمخيمات الفلسطينية في الضفة، وتسخيرها جميع مواردها وجهودها لملاحقة المقاومين الفلسطينيين وتضييق الخناق عليهم.

كما أن الخطوات التهويدية الإسرائيلية في مدينة القدس تعبر عن استهزاء حكومة نتنياهو بالإدانات الأردنية المتكررة لخُطوات تهويد القدس، التي تفتقد لأي خطوة حقيقية تواجه المخاطر التي تُحدق بالمقدسات الإٍسلامية والمسيحية في القدس، كما أن تعمّد نتنياهو الاجتماع بحكومته أسفل المسجد الأقصى بعد أقل من ثمانية وأربعين ساعة فقط من إعلان البيان الختامي للقمة العربية في مدينة جدة السعودية، التي تمسكت بالمبادرة العربية للسلام، علاوة على كونه يمثل ضربًا إسرائيليًّا عرض الحائط بمخرجات قمة جدة، ولا سيما تمسك الأنظمة العربية بأوهام التسوية مع الاحتلال، فهو أيضًا يعيد إلى ذاكرتنا خطوة مشابهة قام بها المجحوم آرئيل شارون حين اجتاحت دباباته الضفة المحتلة نهاية مارس 2002م بعد يوم واحد فقط من إطلاق العرب للمبادرة العربية للسلام في قمة بيروت.

من جهة أخرى فإن إطلاق قادة المقاومة الفلسطينية تصريحات تحذيرية وتهديدات متكررة للاحتلال حال إقدامه على خطوات تهويدية في مدينة القدس والمسجد الأقصى ساهم عمليًّا في رفع سقف التوقعات تجاه استفزازات الاحتلال المتصاعدة في القدس، مما ساهم في استغلال نتنياهو لهذه التحذيرات الفلسطينية التي لم تجد طريقها إلى أرض الواقع في الترويج لانتصاره على المقاومة الفلسطينية أمام جمهوره اليهودي المتطرف، وعادت بأثر سلبي على الشارع الفلسطيني، وبالرغم من قناعتنا بأن تحذيرات المقاومة واجبة للدفاع عن القدس والأقصى، وردع الاحتلال عن عدوانه في ظل الصمت الشنيع للعالمَين العربي والإسلامي أمام المخاطر المحدقة بالمسجد الأقصى ومدينة القدس المحتلة، إلا أن التصريحات الإعلامية لقادة المقاومة تحتاج إلى مزيد من الضبط، وقراءة بعيدة عن العاطفة، وإقناع الشارع الفلسطيني بمبررات صمت المقاومة على عدوان الاحتلال المتصاعد ضد الفلسطينيين.

وعلى الرغم من تصعيد حكومة نتنياهو لحربها الدينية ضد العرب والمسلمين في مدينة القدس المحتلة، فإن محاولات تقسيم المسجد الأقصى، وفرض السيادة اليهودية على مدينة القدس ستبوء حتمًا بالفشل الذريع، فنتنياهو الذي يترنح سياسيًّا أمام هشاشة ائتلافه الحاكم، واتساع رقعة الأزمة الداخلية، مع تواصل المظاهرات المناهضة لحكمه للأسبوع العشرين على التوالي، فهو يحاول من جهة إرضاء الأحزاب اليمينية التي تمثل ركيزة أساسية في حكومته، ويعمل على صناعة صورة انتصار إعلامي في مدينة القدس، لتقديمها إلى جمهوره المتطرف متجاهلًا أن ثلثَي المستوطنين الإسرائيليين يشككون في نجاح حكومته على تهويد القدس، بل ويرفض 62% منهم العيش في مدينة القدس بحسب استطلاع للرأي أجرته القناة “12” العبرية قبل أيام عدة.

ختامًا، فإن استفزازات نتنياهو وأقطاب حكومته الفاشية تتطلب صمودًا فلسطينيًّا أمام هذه الإجراءات التهويدية المتصاعدة، فدعم رباط المقدسيين، وشد الرحال إلى المسجد الأقصى هما من أوجب الواجبات في هذه الأيام على وجه الخصوص، كما أن تصعيد المقاومة في الضفة كفيلٌ بإلجام التغول الإسرائيلي على الدم الفلسطيني، الذي أسفر حتى اللحظة عن ارتقاء 159 شهيدًا فلسطينيًّا منذ بداية عام 2023م، وردع حكومة نتنياهو عن المزيد من الاستفزازات في مدينة القدس المحتلة.

أقرأ أيضًا: خلافة محمود عباس.. بقلم/ ماجد الزبدة

عدوان متواصل منذ خمسة وسبعين عامًا

أقلام – مصدر الإخبارية

عدوان متواصل منذ خمسة وسبعين عامًا، بقلم الكاتب الفلسطيني ماجد الزبدة، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

جولة أخرى من المواجهة العسكرية خاضتها المقاومة الفلسطينية في غزة مع الاحتلال، بعد عدوان غاشم وجريمة غادرة ارتكب جيش الاحتلال فيها مجزرة بشعة أودت بحياة عدد من العائلات الفلسطينية، وهم نيام آمنين في بيوتهم فجر يوم الثلاثاء الماضي الموافق التاسع من شهر مايو الجاري في أماكن سكنية متفرقة من محافظات قطاع غزة.

جريمة الاحتلال الغادرة التي تواصلت على مدار خمسة أيام متتالية من القصف المدفعي والجوي للمنازل والوحدات السكنية أسفرت بحسب وزارة الصحة الفلسطينية عن استشهاد ثلاثة وثلاثين مواطنًا فلسطينيًّا، منهم ستة أطفال وثلاث نساء، وإصابة مائة وتسعين آخرين بجراح غالبيتهم من النساء والأطفال، وتدمير ألفين وواحد وأربعين وحدة سكنية بحسب بيان نشره المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، منها واحدًا وثلاثين منزلًا دمرت تدميرًا كليًا، ومائة وثمانية وعشرين وحدة سكنية باتت غير صالحة للسكن، إضافة إلى استهداف الاحتلال للبنى التحتية، وخطوط الكهرباء والمياه والصرف الصحي، والدفيئات والأراضي الزراعية، ومنع الصيد، وإغلاق المعابر، وتشديد الحصار طوال مدة العدوان، في انتهاك فاضح للقانون الدولي الإنساني، واستمرارًا لجرائم الاحتلال المتواصلة منذ خمسة وسبعين سنة مضت بحق الشعب الفلسطيني واللاجئين الفلسطينيين.

تتزامن جريمة الاحتلال وعدوانه على غزة، مع حلول الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة الفلسطينية، ولسان الحال أن الاحتلال ماضٍ في عدوانه ضد الفلسطينيين، وسط غطاء سياسي، ودعم عسكري واقتصادي لا محدود تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية لهذا الكيان الإجرامي منذ تهجير الشعب الفلسطيني، وإنشاء هذا الكيان فوق الأرض الفلسطينية عام ثمانية وأربعين.

اللافت في جريمة الاحتلال الأخيرة في غزة أنها تأتي ضمن سلسلة طويلة من المذابح التي ارتكبها كيان الاحتلال وأسفرت عن استشهاد أكثر من مائة ألف فلسطيني منذ النكبة وحتى يومنا هذا، بل إن هذه الجريمة تتزامن مع جرائم متواصلة في الضفة والقدس والداخل الفلسطيني المحتل، حيث أعدم الاحتلال بدم بارد مئة وعشرين فلسطينيًّا منذ مطلع العام الحالي، منهم أربعة فلسطينيين في الداخل الفلسطيني المحتل، وهي إشارة على دموية الكيان وإجرام المحتلين الصهاينة.

نظرة ثاقبة إلى جريمة الاحتلال الأخيرة في غزة، نجد أنها جاءت لاستعادة الردع الذي هشمته المقاومة الفلسطينية مرارًا وتكرارًا في جولات المواجهة السابقة ولا سيما معركة سيف القدس قبل عامين، حيث حاول نتنياهو ترميم صورته أمام جمهوره اليميني المتطرف، فالائتلاف اليميني الحاكم في كيان الاحتلال بدأ يتصدع في إثر فشله في مواجهة الأزمة السياسية الداخلية للأسبوع التاسع عشر على التوالي، في ظل تهديدات وزير الأمن القومي الصهيوني الأرعن “إيتمار بن غفير” بحل حكومة نتنياهو، حال عدم تبنيها “خطًا يمينيًا متطرفًا” ضد الفلسطينيين.

من جهة أخرى حاول نتنياهو الاستفراد بحركة الجهاد الإسلامي باستهداف قادتها العسكريين والتأكيد مرارًا أن المواجهة فقط مع “سرايا القدس”، وهي محاولات أفشلتها المقاومة الفلسطينية بوحدتي الكلمة والميدان في غرفة العمليات المشتركة، حيث نجحت المقاومة في غزة في امتصاص الضربة الأولى، وصد المواجهة تحت غطاء “غرفة العمليات المشتركة”، استخدمت فيها تكتيك “الصمت المرعب” لأكثر من ثلاثين ساعة، نجحت فيها بفرض الضبط التام للميدان، ثم تبدأ بإمطار العمق الصهيوني المحتل برشقات صاروخية عنيفة وصلت إلى أهدافها، وخرجت معها صور الدمار من تل أبيب وعسقلان لتنتزع صورة الانتصار التي حاول نتنياهو ترويجها وتقديمها لجمهوره المتعطش للدماء، ولسان الحال بأن غزة ومقاومتها ما زالت عصية على الانكسار، وهي قادرة على الثأر لرجالها وأبطالها في معركة ثأر الأحرار.

النجاح الكبير الذي حققته المقاومة الفلسطينية في هذه الجولة، الذي تمثل في قدرتها على المواجهة العسكرية باستخدام عدد محدود من عتادها، وتكتيكاتها، ضمن سياسة التدرج في التصعيد، وإرباك الجبهة الداخلية الصهيونية، بالقدرة على تعطيل الحياة اليومية، ودفع مئات الآلاف من الصهاينة إلى البقاء في الملاجئ لأيام متواصلة، وإطلاق رشقات صاروخية وصلت أهدافها في عمق المستوطنات الجاثمة فوق تراب مدينة القدس المحتلة، وتهشيم منظومة القبة الحديدية، بتكتيكات أظهرت ضعفها، وحدّت من فاعليتها، حيث نجحت غالبية صواريخ المقاومة في اجتياز هذه القبة التي لطالما تفاخر بها الاحتلال.

نجاح المقاومة في اختراق منظومة القبة الحديدة دفع الاحتلال إلى تفعيل منظومة “مقلاع داوود” المخصصة للصواريخ الباليستية بعيدة المدى، والتي يبلغ تكلفة الصاروخ الدفاعي منها مليون دولار، وبالرغم من ذلك نجحت المقاومة بإحدى الرشقات الصاروخية في تجاوز هذه المنظومة المتقدمة، وأظهرت دمارًا واسعًا جنوب تل أبيب، وهي إشارة واضحة على تطور قدرات المقاومة بالرغم من الملاحقة والحصار، ونجاحها في مضاعفة كلفة الاحتلال، الذي باتت خسائره اليومية بحسب القناة 13 العبرية تُقدر بنحو خمسة وخمسين مليون دولار مع كل يوم مواجهة عسكرية يخوضها مع المقاومة في غزة.

أيضًا ربما كان لافتًا في هذه الجولة من الصراع وحدة الميدان الإعلامي في مواجهة الاحتلال، إذ نجحت المقاومة بتصريحات قادتها، وإصدار بياناتها الإعلامية، ومؤازرة مؤيديها وناشطيها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في إفشال محاولات الاحتلال وأذنابه المتكررة لشق الصف الفلسطيني، وبث الفرقة بين أنصار قوى المقاومة، وهي نقطة تُسجَّل لمصلحة المقاومة في هذه الجولة.

ختامًا وإذ نترجم على أرواح الشهداء الأبطال، ونتمنى الشفاء العاجل للجرحى، والصبر للمكلومين ممن فقدوا بيوتهم نتيجة عدوان الاحتلالـ فإننا نرى بأن تزامن هذه المواجهة مع ذكرى النكبة إنما يؤكد فشل الاحتلال في استئصال الشعب الفلسطيني من أرضه، وأن الصراع سيتواصل في منحنى متصاعد في السنوات المقبلة، حتى ينجح أبطال شعبنا قريبًا بإذن الله من تحرير الأرض والمقدسات، ومحاسبة الصهاينة على جرائمهم البشعة، وتطهير الأرض الفلسطينية من دنس الاحتلال.

أقرأ أيضًا: خلافة محمود عباس.. بقلم/ ماجد الزبدة

أفق المواجهة العسكرية بين المقاومة والاحتلال

أقلام – مصدر الإخبارية

أفق المواجهة العسكرية بين المقاومة والاحتلال، بقلم الكاتب الفلسطيني ماجد الزبدة، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا

تصاعدت في الآونة الأخيرة إرهاصات حدوث مواجهة مفتوحة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال في الأسابيع المقبلة، في ظل تزايد الدعوات التي تطلقها جماعات جبل الهيكل اليهودية لتكثيف الاقتحامات للمسجد الأقصى مع دخول الأعياد اليهودية في السادس من أبريل/ نيسان المقبل، التي توافق منتصف شهر رمضان المبارك، وتوافد الفلسطينيين من مختلف الأراضي الفلسطينية المحتلة للاعتكاف في المسجد الأقصى، ما يشير إلى مخاوف واسعة بحدوث مواجهة في باحات المسجد شبيهة بتلك التي دفعت المقاومة لدخول مواجهة عسكرية مع الاحتلال في شهر مايو من عام 2021م.

جرائم الاحتلال المتصاعدة ضد المدنيين الفلسطينيين في الضفة والقدس، التي أسفرت عن استشهاد ثمانية وثمانين مواطنًا فلسطينيًّا منهم امرأة فلسطينية وسبعة عشر طفلًا بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، وتخللها ارتكاب الاحتلال مجازر دموية في جنين ونابلس وأريحا، وعودة سياسة الاغتيالات، ومحاولات المستوطنين تنفيذ جريمة إبادة جماعية في بلدة حوارة بإحراق عشرات المنازل والمركبات الفلسطينية بإسناد مباشر وحماية جنود الاحتلال، إضافة إلى الهجمة المسعورة ضد الأسرى الفلسطينيين، وتضييق الخناق عليهم، وإطلاق حملات عنصرية ممنهجة ضد الفلسطينيين، واتخاذ خطوات عملية تهدف إلى شرعنة جرائم الاحتلال مثل مناقشة قانون إعدام الأسرى، وقانون سحب الجنسية من أسرى الداخل المحتل، وإبعاد عائلاتهم إلى مناطق السلطة الفلسطينية، وغيرها من القوانين التي تستهدف عموم الشعب الفلسطيني والأسرى الأبطال على وجه الخصوص، إنما تمثل عوامل مباشرة قد تُشعل فتيل مواجهة عسكرية واسعة بين المقاومة والاحتلال.

تحذيرات قادة المقاومة الفلسطينية التي تصاعدت مؤخرًا ضد الاحتلال تشير إلى تقديرات المقاومة بأن جولة أخرى من المواجهة العسكرية المفتوحة قادمة لا محالة مع الاحتلال، فتصريحات نائب القائد العام لكتائب القسام مروان عيسى بأن “إتاحة الفرصة للمقاومة في الضفة الغربية لا يعني تركها، ولا يعني بقاء غزة صامتة، وسيكون التدخل مباشرًا حينما يستدعى الأمر”، تؤكد جهوزية المقاومة وترقبها لساعة الصفر التي حددها نائب القائد العام لكتائب القسام بمحاولة الاحتلال تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، مهددًا بأن هذه المحاولة الصهيونية “ستحول المنطقة إلى زلزال” وفق قوله، وهي تهديدات تؤخذ على محمل الجد إذا ما علمنا أن الرجل نادر الظهور الإعلامي وقليل الكلام.

تصريحات القائد القسامي سبقتها تصريحات أطلقها نائب رئيس مكتبها السياسي صالح العاروري حذر فيها من أن “صبر المقاومة على الاعتداءات الإسرائيلية بدأ ينفد”، وهي تصريحات تؤكد تهديدات سابقة للناطق العسكري باسم كتائب القسام أبو عبيدة بأن “المقاومة في غزة تراقب جرائم الاحتلال المتصاعدة تجاه أهلنا في الضفة، وأن صبرها آخذ بالنفاد”، بما يشير إلى أن المواجهة العسكرية قد تكون قاب قوسين أو أدنى مع الاحتلال، وهي مواجهة ربما تكسر جميع الخطوط الحمراء مع الاحتلال، وهذا ما تؤكده تصريحات سابقة لزعيم حركة حماس في غزة يحيى السنوار في كلمته بمهرجان انطلاقة الحركة الـ35 في ديسمبر الماضي، حين ذكر أن “عام 2023م سيشهد استحقاقات كبرى”.

سخونة الأوضاع الميدانية تُشعلها أيضًا حالة الغليان التي تشهدها سجون الاحتلال، في ظل إصرار الأسرى على مواجهة غطرسة اليمين المتطرف الذي يتصدر مشهده وزير الأمن القومي الإسرائيلي الصهيوني المتطرف بن غفير بمعركة الأمعاء الخاوية، التي تستعد الحركة الأسيرة لإطلاقها مع بدايات شهر رمضان المبارك، التي سبقتها إعلان وصايا جماعية للأسرى تؤكد صمودهم وثباتهم في هذه المواجهة، وهي معركة ستَشهد التفافًا جماهيريًا واسعًا، فقَضية الأسرى هي أحد الثوابت الوطنية التي يلتف حولها دومًا الشارع الفلسطيني.

أفق المواجهة العسكرية بين المقاومة والاحتلال

وعلى صعيد المقاومة نجد أنها تصاعدت تصاعدًا كبيرًا بالرغم من محاولات استئصالها المستميتة في الضفة والقدس، وبالرغم من مشاركة السلطة الفلسطينية في مؤامرة إقليمية برعاية أمريكية اسرائيلية للقضاء على المقاومة الفلسطينية، وعقد اجتماعات أمنية في العقبة وشرم الشيخ إلا عمليات المقاومة تصاعدت كثيرًا، وبحسب مركز المعلومات الفلسطيني “معطي” نفذت المقاومة الفلسطينية (1177) عملًا مقاومًا في فبراير الماضي في الضفة والقدس، منها (144) عملية إطلاق رصاص باتجاه جنود الاحتلال ومستوطنيه، وقد أسفرت هذه العمليات الفدائية عن قتل سبعة عشر مستوطنًا صهيونيًا منذ مطلع العام الجاري، ما يؤكد فشل جميع الإغراءات، ومحاولات استئصال المقاومة أو إخماد جذوتها المشتعلة في الضفة والقدس.

كما تعززت الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية، حيث كشف استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله بأن 68% من الجمهور الفلسطيني يدعم تشكيل مجموعات مسلحة للمقاومة الفلسطينية على ظاهرة مجموعات “عرين الأسود” التي فشل الاحتلال وأجهزة السلطة الفلسطينية في إنهائها في نابلس، فيما أكد 57% من الجمهور الفلسطيني بحسب الاستطلاع أن بقاء السلطة الفلسطينية في وضعها الراهن هو مصلحة إسرائيلية، في حين طالب 71% من الفلسطينيين المستطلعة آراؤهم بتنفيذ عمليات فدائية مسلحة ضد المستوطنين الصهاينة كما حدث في بلدة حوار في محافظة نابلس، في دلالة واضحة على التأييد الجارف للمقاومة الفلسطينية، والرفض الواسع لسياسات السلطة الفلسطينية الداعمة للاحتلال.

ومع دخول شهر رمضان المبارك وبروز العديد من التساؤلات حول أفق حدوث مواجهة عسكرية مفتوحة مع الاحتلال مع دخول شهر رمضان المبارك نضع السيناريوهات التالية:

السيناريو الأول: هو قدرة السلطة الفلسطينية على إنهاء ظاهرة المقاومة المسلحة في الضفة المحتلة، وإخماد جذوة الانتفاضة التي باتت مشتعلة في الضفة، ما يعني عمليًا خفوت إرهاصات المواجهة العسكرية بين المقاومة الفلسطينية في غزة والاحتلال، وهو سيناريو تعززه نتائج لقاءات العقبة وشرم الشيخ، والدعم السياسي الذي يقدمه الإقليم والولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية، إضافة إلى الدعم المالي والأمني الذي يقدمه الاحتلال للسلطة الفلسطينية، وتعزيز التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، وهو سيناريو مستبعد في ظل انفضاض الشارع الفلسطيني عن السلطة الفلسطينية، وتهديدات الاحتلال باستمرار سياسة الاغتيالات الميدانية، والاقتحامات للمدن والبلدات الفلسطينية، ورفض مجموعات المقاومة في نابلس وجنين الإغراءات التي قدمتها السلطة الفلسطينية بهدف دفع أفرادها إلى تسليم أسلحتهم مقابل عفو عام بالتنسيق مع الاحتلال.

السيناريو الثاني: هو بقاء الأوضاع على ما هي عليه، بمعنى مرور شهر رمضان المبارك في ظل مواصلة جيش الاحتلال توغلاتِه اليومية للمدن والبلدات الفلسطينية، ضمن سياسة جز العشب التي يعتمدها جيش الاحتلال للتعامل مع المقاومة في الضفة المحتلة، وضرب المفاصل الرئيسة في مجموعات المقاومة إما بالاعتقال أو الاغتيال الميداني، وفي المقابل تخفيف الخناق عن الأسرى في السجون، ومحاولة تدجين المقاومة وتهدئة جبهة غزة بضغوطات عربية ودولية تصاحبها بعض التسهيلات الاقتصادية لأهالي غزة، وهو سيناريو بالرغم من ضعفه إلا أن له بعض المؤشرات من أبرزها التدخلات والضغوطات العربية التي اعتاد عليها الفلسطينيون لتهدئة المقاومة مع كل تهديد تطلقه المقاومة للرد على جرائم الاحتلال في الضفة والقدس.

السيناريو الثالث: وهو الأكثر ترجيحًا ألا وهو تصاعد عدوان الاحتلال في الضفة والقدس، واستمرار ارتقاء الشهداء الفلسطينيين في مدن ومخيمات الضفة، وتصاعد الاقتحامات في باحات المسجد الأقصى مع دخول الأعياد اليهودية منتصف شهر رمضان المبارك، وإطلاق استغاثات ومناشدات للمقاومة الفلسطينية بالتدخل للدفاع عن المسجد الأقصى، حينها لن تجد المقاومة بُدًّا من الدخول في مواجهة مفتوحة فُرضت عليها، ولعل المقاومة منذ معركة سيف القدس وهي ترمم قدراتها العسكرية، وتطور من منظومتها الصاروخية استعدادًا لتلك المعركة الكبرى.

ختامًا ومع تلك السيناريوهات المتوقعة فإن الصراع السياسي المتصاعد داخل كيان الاحتلال، كفيل باستحضار عوامل سياسية وميدانية غير متوقعة ستؤثر حتمًا في طبيعة الصراع مع الفلسطينيين، فإسقاط حكومة نتنياهو، أو وقوع حرب أهلية إسرائيلية سيدفع المقاومة الفلسطينية للتأني وكظم الغيظ بانتظار تنامي عوامل انهيار هذا الكيان الصهيوني المحتل لأرضنا الفلسطينية منذ خمسة وسبعين سنة مضت.

أقرأ أيضًا: خلافة محمود عباس.. بقلم/ ماجد الزبدة

أهداف المقاومة من بث رسالة الجندي الأسير أبراهام منغستو

أقلام – مصدر الإخبارية

أهداف المقاومة من بث رسالة الجندي الأسير أبراهام منغستو، بقلم الكاتب الفلسطيني ماجد الزبدة، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

المشاهد المتلفزة التي بثتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس للجندي الأسير لديها في غزة منذ تسع سنوات “أبراهام منغستو” مثلت مفاجأة غير سارة لحكومة الاحتلال، إضافة إلى أنها حملت العديد من الرسائل والأهداف، وفي مقدمتها رغبة المقاومة في تحريك المياه الراكدة في ملف صفقة التبادل بشأن الأسرى رُغمًا عن أنف الاحتلال.

الرسالة المتلفزة، التي لم تتجاوز أربعًا وأربعين ثانية فقط بددت رواية الاحتلال الكاذبة بأن الجندي “منغستو” يعاني اضطرابات نفسية، إذ ظهر هذا الجندي بصحة جيدة، وكان يتحدث بكلمات واضحة، وعلى الرغم من أنها لم تتجاوز العشر ثوانٍ، فإنها عبرت عن حالة الإحباط التي يعانيها هذا الجندي الصهيوني، نتيجة تجاهل حكومات الاحتلال المتعاقبة لمعاناته ورفاقه الجنود الأسرى على مدار ثماني سنوات، وتساؤله عن سبب تجاهل حكومات الاحتلال لمصيره، ومصير رفاقه الجنود الأسرى لدى المقاومة.

بنشر الرسالة المصورة للجندي “منغستو” فإن المقاومة الفلسطينية نجحت في تسجيل نقطة لصالحها في إطار معركتها النفسية المتواصلة مع الاحتلال، فهي من جهة استفزت حكومة نتنياهو المتطرفة التي تحرص على عدم إثارة قضية الجنود الأسرى في ظل ما تواجهه من صراعات داخلية متفاقمة، وفي الوقت ذاته فإن هذه الرسالة تعمق الصراعات الطائفية داخل الكيان باستثارة طائفة “يهود الفلاشا” الذين ينتمي إليهم الجندي “منغستو”، ويعانون حالة تهميش متعمدة من حكومات الاحتلال.

ومن جهة أخرى فإن رسالة المقاومة تأتي في ظل تهديدات وزير الأمن القومي المتطرف “إيتمار بن غفير” بتضييق الخناق على الأسرى الفلسطينيين، وهي رسالة تحذير واضحة تُطلقها المقاومة بأنها قادرة على تهديد تماسك المجتمع الصهيوني بواسطة ما تمتلكه من أوراق قوة في حالة استمر وزراء هذه الحكومة في رعونتهم وغطرستهم تجاه الأسرى في سجون الاحتلال، وأن أي تصعيد من الاحتلال ضد الأسرى يمكن أن يُشعل مواجهة مسلحة بين المقاومة والاحتلال.

كما أن بث هذه الرسالة المتلفزة في يوم تَسَلّم الجنرال الصهيوني “هرتسي هليفي” مهامه رئيسًا لأركان جيش الاحتلال خلفًا للجنرال “أفيف كوخافي”، الذي فشل طيلة السنوات الماضية في الوصول إلى معلومات استخبارية بشأن جنوده الأسرى في غزة، أو تحقيق تقدم على صعيد مفاوضات التبادل مع المقاومة، يعيد إلى واجهة الأحداث قضية مفاوضات التبادل بين المقاومة والاحتلال، ولسان الحال أن المقاومة الفلسطينية لن تسمح باستمرار معاناة الأسرى في سجون الاحتلال، ولن تدخر جهدًا لإرغام الاحتلال على تحريرهم بصفقة تبادل جديدة.

بنشر هذه الرسالة المصورة تؤكد المقاومة مرة أخرى امتلاكها صندوقًا من الأسرار حول الجنود الأسرى في غزة، فهي لم تقدم بعد إجابات شافية عن حياة الجنديين الأسيرين “هدار غولدن”، و”شاؤول أرون” اللذَيْن زعم الاحتلال أنهما في عداد القتلى، وهذا يؤكد أن المقاومة ما زالت تتمسك بشرط الإفراج عن أسرى صفقة وفاء الأحرار الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم قبل تقديم معلومات ذات جدوى عن حياة الجنديين غولدن وأرون.

واليوم ومع نشر هذه الرسالة الواضحة لأحد الجنود الأسرى في غزة، وفي ظل حالة الاستياء التي أعرب عنها الجندي الأسير “منغستو”، فإن المقاومة نجحت في تشكيل ضغط جديد على “بنيامين نتنياهو” الحريص على حرف بوصلة الجمهور الصهيوني باتجاه التهديد الإيراني والتطبيع العربي، في محاولة للقفز على القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني، والتهرب من تقديم أي تنازل للمقاومة الفلسطينية.

أهداف المقاومة من بث رسالة الجندي الأسير أبراهام منغستو

استحضار سريع لجهود المقاومة في تحريك مفاوضات التبادل حول الأسرى نجد أنها لم تدخر جُهدًا طيلة السنوات الماضية للضغط على حكومات الاحتلال المتعاقبة، بدءًا من نشر كتائب القسام في عام 2016م صورًا للجنود الأسرى، وإعلان المقاومة في سبتمبر من ذات العام أن الجندي الأسير لديها “شاؤول أرون” انهار عند مشاهدة جنازة والده، ثم إعلان القسام في فبراير 2020م إصابة أحد الجنود الأسرى نتيجة قصف طائرات الاحتلال لغزة، ثم بث المقاومة في يونيو 2021م تسجيلًا صوتيًا لأحد الجنود الأسرى، ثم تصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية مطلع عام 2022م بأن المقاومة تحتفظ بأربعة جنود أسرى في غزة، وتحذيره بأن المقاومة تعمل على زيادة الغلّة في حال لم يقتنع الاحتلال بالتوصل لصفقة تبادل، ثم إعلان المقاومة في يونيو 2022م أن تدهورًا طرأ على صحة أحد الجنود الأسرى، وما تبعه من بث فيديو مصور يؤكد إصابة الجندي الأسير “هشام السيد” بحالة إعياء شديدة، ثم استعراض المقاومة في ديسمبر الماضي سلاح الجندي الأسير “هدار غولدن” ضمن فعاليات مهرجان انطلاقة حركة حماس في غزة، وهي جهود متواصلة تؤكد أن المقاومة عازمة على تحرير جميع الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال.

ختامًا، وبالرغم من نشر رسالة الجندي “منغستو” بعد قرابة شهر من تهديد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة “يحيى السنوار” للاحتلال بأن المقاومة ستعمل على إغلاق ملف الجنود الأسرى نهائيًا في ظل استمرار تعنّت الاحتلال وغياب بوادر صفقة تبادل جديدة، فإن دلالات نشر هذه الرسالة المصورة بأن الفرصة اليوم قد تكون الأخيرة للاحتلال لبدء مفاوضات تبادل حقيقية، وربما تذهب المقاومة في الأشهر المقبلة لمضاعفة غلّتها من الجنود الأسرى في حال استمر تجاهل حكومة “نتنياهو” معاناة الأسرى، أو صعّد “بن غفير” من تهديداته اليمينية المتطرفة تجاه أسرانا الأبطال في سجون الاحتلال.

Exit mobile version