أيوب: المسوغ القانوني والأخلاقي في إقامة جسم تمثيلي منتخب لفلسطينيي 48

أقلام-مصدر الإخبارية

في البحث الذي نالت عليه شهادة الدكتوراة في القانون من الجامعة العبرية في القدس، تناولت د. سماح خطيب أيوب مسألة إقامة جسم تمثيلي للأقلية العربية الفلسطينية في دولة إسرائيل، والمسوغات القانونية والأخلاقية لإقامة مثل هذا الجسم في دولة تعرف نفسها دولة قومية للشعب اليهودي، وعالجت هذا السؤال بانعكاساته الداخلية على أبناء الأقلية العربية وانعكاساته الخارجية على الدولة (إسرائيل).

وقد انقسمت الإجابة على سؤال البحث إلى مستويين، الأول يرتبط بالامتحان الأخلاقي – الفلسفي لضرورة الاعتراف بإقامة جسم تمثيلي للأقلية القومية الأصلانية، والثاني يتمثل باقتراح مبادئ ناظمة على طريق مأسسة الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل.

البحث يشمل اقتراحا نظريا وفلسفيا يستهدف تغيير نموذج تسويغ استمرار إقامة وترجمة حقوق قومية لمجموعة اثنية مهيمنة والاكتفاء بمنح حقوق خاصة لمجموعات الأقلية، في أحسن الأحوال، إلى نموذج حقوق متنافسة للمجموعتين الاثنتين، وهو ما يعني تغيير هوية ممارس الصلاحية على مجموعة الأقلية وتغيير طرق تنفيذها ممارستها في ذات الوقت، كما يطرح البحث توازنا جديدا بين حقوق متصادمة من الضروري إقامتها، بشكل خاص في دولة تعرف نفسها يهودية ديمقراطية كونها تختلف عن أنظمة أخرى.

ويشير البحث إلى محاولات سابقة لأكاديميين فلسطينيين وإسرائيليين لحل مسألة صيانة الهوية السياسية والثقافية للأقلية العربية الفلسطينية، إذ بدأت البراعم الأولى للمطالبة بحكم ذاتي وإدارة ذاتية منذ نهاية الثمانينات للأقلية العربية بعدة صور ونطاق صلاحيات متنوعة، فقد اقترح كلود كلاين إقامة جسم تمثيلي للأقلية لعربية كجزء من حكم ذاتي فردي يتم تثبيته في القانون.

واقترح أن يدعى هذا القانون “قانون الأقلية العربية” وأن ينظم إقامة الجسم المذكور بانتخابات مباشرة على أيدي المواطنين العرب. اعتقد سامي سموحة أن هذا التوجه يمكنه أن يصلح الظلم التاريخي الذي وقع على الأقلية العربية ويحسن من مكانتها، بالمقابل اقترح سعيد زيداني ود. عزمي بشارة إقامة حكم ذاتي للأقلية العربية كترجمة لحق تقرير مصيرها في مستوى أقل من دولة لكي يترجموا حقهم بمواطنة كاملة في دولة ديمقراطية.

آخرون اقترحوا “حكما ذاتيا تربويا” للأقلية العربية في إسرائيل في إطار موديلات متنوعة، وبناء عليه فإن البحث، كما تقول صاحبته، لا يجدد في هذا المجال وبالرغم من ذلك فإنه يقترح زاوية نظر تفسيرية جديدة لتسويغ إقامة جسم تمثيلي للأقلية القومية الأصلانية، حيث يقترح في المستوى النظري الفلسفي تغيير النموذج من استمرار تسويغ قيام مجموعة اثنية مهيمنة وترجمة حقوقها بالاكتفاء بإعطاء حقوق خاصة، في أحسن الأحوال، إلى نموذج حقوق متنافسة للمجموعتين الاثنتين.

وبهذا الصدد، حاور “عرب 48” د. سماح خطيب أيوب حول موضوع البحث.

 لفت نظري أنك ربطت بين الجسم التمثيلي وبين الحكم الذاتي، بمعنى أن هذا الجسم يفترض أن يتمتع بصلاحيات معينة وليس مجرد “إعادة بناء لجنة المتابعة” القائمة بمعنى مأسستها وانتخابها مباشرة من الجمهور؟

د. خطيب – أيوب: أنا أعددت رسالة الماجستير عن “الحكم الذاتي” وتناولت حق الشعب الأصلاني أو الأقلية الأصلانية في إقامة حكم ذاتي في إطار الدولة بالمفهوم القانوني، وكان السؤال المفتوح هو من الذي سيكون مسؤولا عن هوية الحكم الذاتي والثقافي والتربوي، وطرحت في بحث الدكتوراة العديد من الفرضيات والتساؤلات بينها: هل هم أعضاء الكنيست العرب؟ واكتشفت أنهم يمثلون 45% فقط من الناس. هل هو المجتمع العصامي الذي تطرحه الحركة الإسلامية الشمالية أم المجتمع المدني الذي طرح التصورات المستقبلية؟ طرحت الكثير من التساؤلات وأخضعتها للبحث والتمحيص قبل أن أنفيها.

بحثي في الدكتوراة كان حول إقامة جسم تمثيلي سياسي وليس ثقافيا فقط، واستعرضت الأدبيات المتعلقة بمسألة استيعاب شعب أصلاني من الفولكلور إلى السياسة، بمفهوم الهوية الثقافية والهوية السياسية بالمفهوم السيادي وليس بلعبة إسرائيل اليوم في البرلمان وغيره.

سؤالي البحثي كان ما هي المسوغات السياسية والأخلاقية لبناء جسم تمثيلي سياسي ثقافي حسب القانون الدولي وحسب النظريات السياسية ومفاهيم العدل؟ وسؤال ماذا يعني عدل؟ وماذا يعني عدل انتقالي؟ بالإضافة إلى أسئلة أخرى.

استنتجت أنه يجب أولا قبل كل شيء إعادة تعريف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي لكي أضع حدود البحث وفرضيات الأساس، وأن أقوم بتعريف الجسم التمثيلي السياسي الثقافي وتحديده بفلسطينيي الـ 48 بدون القدس والجولان، وهكذا خرجت بالعنوان العريض “جسم تمثيلي للأقلية العربية الفلسطينية في دولة إسرائيل” التي تعرف نفسها وفق قانون القومية الذي تم إقراره عام 2018 دولة قومية للشعب اليهودي.

عنوان الأطروحة يوحي وكأنك تعترفين بتعريف دولة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي؟

د. خطيب – أيوب: بل أنا أنطلق من هذا الواقع وأوظفه كمسوغ قوي لضرورة إقامة الجسم التمثيلي الذي أتحدث عنه، وهناك من يقول إن قانون القومية لم يغير وجه التاريخ، ولكنه في الحقيقة غير مفهوم الصهيونية من صهيونية أكثر ليبرالية إلى صهيونية أكثر “قومية” وأكثر “دينية”.

ولا شك أن إقرار قانون القومية كان محفزا بالنسبة لي جعل موضوع البحث أكثر حاجة وضرورة، لأنه ضاعف من حالة الاضطهاد القومي التي تتعرض لها الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل ومصادرة حقوقها كشعب أصلاني، ومن الحاجة في الحفاظ على هويتها السياسية والثقافية، علما أنني استخدمت عدستين في النظر إلى الصراع القائم، عدسة الصراع القومي وعدسة الاستعمار الاستيطاني.

وغني عن البيان إن إدخال هذا الموضوع إلى كلية الحقوق في الجامعة العبرية لم يكن بالأمر السهل، وقد امتدت الدكتوراة لوقت طويل ولم أحصل على منح وكافحت طويلا للخروج بالنتيجة التي خرجت بها.

 تقصدين مسألة الغوص في الجانب السياسي أكثر من القانوني، كما يبدو لأول وهلة؟

د. خطيب – أيوب: صحيح كثيرا ما قالوا لي إن الموضوع يلائم العلوم الاجتماعية أو العلوم السياسية وليس كلية الحقوق، ولكنني أعرف أنه تم تناول الموضوع في هذه السياقات ولكني كنت أصر على تناوله في السياق الحقوقي القانوني وإيجاد المسوغات القانونية لهذا الطرح وآمل أنني قد توفقت.

أما فرضيات الأساس في البحث فهي أولا، إن الأقلية الفلسطينية في إسرائيل هي أقلية اصلانية بالمفهوم القانوني، لأن هناك تبعات قانونية لذلك حسب القانون الدولي منها الحق في إقامة جسم تمثيلي سياسي ثقافي للمجتمع العربي.

الشق الثاني من الفرضية يتعلق بماهية نظام دولة إسرائيل، التي تعرف نفسها وفق قانون القومية الذي سن عام 2018 “الدولة القومية للشعب اليهودي”، وهي بذلك قوننت دستوريا التمييز ضد العرب وإقصائهم من الحيز القانوني والاقتصادي والجغرافي، الأمر الذي يحظى بترجمة عملية فظة من قبل الحكومة الحالية.

من هنا فإن مطلب إقامة جسم تمثيلي ينظم العلاقة بين الأقلية العربية وبين الأغلبية الصهيونية لا يولد من فراغ بل هو نتاج هذا الواقع واستجابة له، وهنا أطرح السيادة الاصلانية وأن تكون سيادة مشتركة تلغي الفوقية اليهودية على العرب.

الفرضية الثانية، إن هناك صراع لم يحسم رغم أن إسرائيل حاولت حسمه بكل الوسائل العسكرية والسياسية وبحروب واتفاقيات استهدفت محو الشعب الفلسطيني، لكنها لم تنجح.

تنطلقين من ماهية المجموعة الفلسطينية الموجودة داخل إسرائيل بحدود الـ67 ومن ماهية إسرائيل كدولة تجاهر بإقصاء العرب دستوريا من حدود مواطنتها؟

د. خطيب – أيوب: صحيح، ثم أنتقل إلى ما هو موجود أو ما تدعي الدولة أنه موجود من أدوات سياسية تخول المجتمع الفلسطيني في الداخل من الحفاظ على هويته السياسية والثقافية، مثل التمثيل السياسي في البرلمان فأعتمد على ما كشفه من سبقوني بأن هذا التمثيل معطوب وتشوبه فراغات قانونية ولا يفي بغرض التمثيل السياسي الجوهري لنا كشعب أصلاني في هذه البلاد.

أما ما يدعونه من تمثيل ملائم في القطاع العام والشركات الحكومية بمستوى إدارات فهو غير موجود أصلا، وإذا أردنا تحليل المعطيات نجد أنها لا تفي بحصتنا كمجتمع ولا باحتياجاتنا حسب عدد السكان في كل مجال وآخر، وحتى لو كانت تفي بالغرض فإن الصلاحية والوكالة لا تفيان بذلك بسبب الفوقية اليهودية وسياسة المسموح والممنوع التي تشترط أن يكون المرشح ذا ماض أمني لكي ينخرط في هذه الشركات.

الأداة الثالثة هي المجتمع المدني الفلسطيني، حيث يقولون لك يوجد لديكم “مدى الكرمل” و”عدالة” و”مساواة” وغيرها من الجمعيات، ونحن نعرف كم هو ضعيف وهش وما يعانيه من تضييقات أمنية وسياسية تحاصر عمله وتقمع نشاطه.

بناء عليه وإذا كانت تلك الآليات السياسية التي تدعي إسرائيل بأنها تقوم بدور التمثيل السياسي معطوبة وهزيلة ولا تفي بغرض تمثيل المصالح والغايات فإن ذلك هو بمثابة مسوغ نظري في إقامة جسم تمثيلي.

المستوى الثاني في الادعاء هو المسوغات الخارجية والتي تنبع من طبيعة الصراع كصراع قومي بين الحركة الوطنية الفلسطينية والحركة الصهيونية، وحسب هذا التشخيص يمكن تسويغ إقامة جسم تمثيلي كترجمة لحكم ذاتي في أقل من دولة، يكون بمثابة نقطة توازن بين حق الأغلبية اليهودية المهيمنة وبين حق الأقلية العربية في تقرير المصير في أقل من دولة، علما أنه وفق هذا التشخيص لا تتم مواجهة الهيمنة والفوقية اليهودية، كما أنه لا يبحث في تداعيات إقامة الجسم التمثيلي.

جرى الحديث كثيرا عن حقوق جماعية والمطالبة بالاعتراف بنا كمجموعة قومية يفترض أن تتمتع بحكم ذاتي ثقافي أو غير ذلك؟

د. خطيب – أيوب: وفق هذا المبدأ تعددت المسوغات للاعتراف بنا كأقلية قومية ولدينا حقوق جماعية تحدث عنها د. عزمي بشارة ويوسف جبارين وإيلان بابه وغيرهم، الادعاء الثاني هو المطالبة بتمثيل جوهري وليس تمثيلا وصفيا فقط على غرار أن يمثل العربي عربيا ربما يكون من الأحزاب الصهيونية.

أما المسوغ الثالث فهو منع التمييز وتوفير المساواة الجوهرية بين مجموعة الأغلبية اليهودية ومجموعة الأقلية العربية الفلسطينية، والمسوغ الرابع هو حقنا في مواطنة جوهرية، على غرار مشروع التجمع المتمثل بدولة المواطنين، والمسوغ الخامس هو الحفاظ على تميزنا الثقافي عن طريق حكم ذاتي.

كل هذه المسوغات أسميتها مسوغات خارجية لإقامة جسم تمثيلي وهي نابعة من رؤيتنا للصراع كصراع قومي.

أما عندما نرى الصراع بعدسة الاستعمار الاستيطاني فنحن نطالب بحقنا وفق القانون الدولي بسيادة أصلانية، أي عندما نؤطر الصراع في إطار “مستعمر مقابل شعب أصلاني” فإننا نطرح تحديا لكل المبدأ الناظم لدولة إسرائيل التي بنيت على نكبتنا ومحاولات محونا.

هنا نحن نطرح حقنا في سيادة أصلانية تكون سيادة مشتركة وحقنا في إقامة جسم تمثيلي يكون بمثابة تجسيد للموافقة المسبقة والحرة والمعلومة، بمعنى أنه عندما تكون شريكا في تخطيط سياسات من المفروض أن يكون لديك موافقة واعية ومبنية على معرفة مسبقة، وعندما نقيم جسما تمثيليا يكون مستندا إلى حق السيادة ومبنيا على حقنا في موافقتنا الحرة والمسبقة والمعلومة وعلى حقنا في تقرير المصير كجزء من الشعب الفلسطيني.

د. سماح خطيب – أيوب: أنهت اللقب الثالث في فلسفة القانون في كلية القانون في الجامعة العبرية في القدس في آب(أغسطس) 2023.\ الأطروحة بحثت المسوغات القانونية والأخلاقية للأقلية الفلسطينية كأقلية قومية أصلانية في إقامة جسم تمثيلي في دولة إسرائيل التي تعرف نفسها لدولة القومية للشعب اليهودي.

حصلت على درجة الماجستير في القانون في الجامعة العبرية في القدس في مجال “القانون العام وحقوق الإنسان” وكانت رسالة الماجستير بعنوان “هل للأقلية الفلسطينية الحق في الاستقلال التعليمي؟” بإشراف بروفيسور باراك مدينا في كلية الحقوق في الجامعة العبرية.

عملت محامية في جمعية “اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل” في القدس (2011-2006)، حيث أعدت التماسات مبدئية وفردية في محكمة العدل العليا ضد استخدام أساليب الاستجواب والاعتقالات غير الدستورية وغير القانونية ومشاركة في جلسات برلمانية في الكنيست ومرافعة إعلامية في وسائل الإعلام المختلفة، وهي تعمل اليوم مركزة مرافعة في قسم السياسات المتساوية في جمعية “سيكوي”.

اقرأ/ي أيضا: هيئة اسناد الداخل المحتل تُناقش تصاعد الجريمة في أراضي الـ48

إسرائيل هي المتهم الأول بالجريمة في مناطق 48

فلسطينيو 48 – مصدر الإخبارية

كتب جمال زحالقة .. ساد الثلاثاء الماضي، الإضراب العام التجمعات السكنية العربية الفلسطينية داخل الخط الأخضر “مناطق 48″، احتجاجاً على عدم قيام الشرطة بمحاربة الارتفاع الخطير في حوادث القتل والجريمة على خلفية جنائية، التي وصلت إلى أكثر من ضعفين، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، والتي هي مرشّحة للارتفاع اكثر وفق كل التوقّعات. وعلى الرغم من خطورة الوضع، إلّا أن الشرطة الإسرائيلية لا تحرّك ساكنا لوضع حد لاستفحال الجريمة والعنف.

وقد كان السبب المباشر لإعلان الإضراب هو سلسلة من أعمال القتل الفظيعة، التي عصفت بمدن وقرى الجليل والمثلث والنقب والساحل الفلسطيني، والشعور العام بأن الدولة الصهيونية لن تحرّك ساكنا، بمحض إرادتها إن لم يحدث تصعيد جدّي في النضال والمواجهة لفرض معادلة تجبرها على الفعل.

وفي اجتماعها مطلع الأسبوع الحالي، أعلنت لجنة المتابعة العليا، التي هي مظلة كل الأحزاب والسلطات المحلية في الداخل الفلسطيني، عن تشكيل لجنة طوارئ لمتابعة الموضوع، وقررت القيام بتصعيد متدرّج، بدأ بالإضراب العام وتتبعه خطوات وصولا إلى القيام بعصيان مدني، للضغط على الحكومة الإسرائيلية لتفعيل الشرطة ضد الإجرام والمجرمين، وهو ما لا تقوم به حاليا، فهي تتحرك بخطى متثاقلة وكسولة وغير مبالية بمصير المواطنين العرب الفلسطينيين، الذين يحملون رسميا الجنسية الإسرائيلية.

الشرطة الإسرائيلية، مثل الدولة الصهيونية، ليست لكل المواطنين وعقيدتها هي حماية المجتمع اليهودي في إسرائيل، وليس ضمن أولوياتها الأمن الشخصي للمواطن العربي

معطيات مذهلة

منذ مطلع العام الحالي، وصل عدد القتلى على خلفية جنائية في المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر إلى 165 قتيلا، أي بمعدل 20 قتيلا في الشهر، ويتوقّع أن يرتفع العدد إلى ما يقارب 250 قتيلا حتى نهاية السنة. وهذه أرقام عالية جدّا في مجتمع صغير نسبيا، يصل عدده إلى مليون وخمسة وستين ألف نسمة. ومن المتّبع في الإحصائيات الدولية حساب عدد القتلى لكل 100 ألف، وعليه فإن النسبة تقارب الـ15، وهي من أعلى النسب في العالم، ووفق معطيات الأمم المتحدة، لا تفوقها سوى معدّلات القتل الجنائي في أمريكا اللاتينية، التي تصل إلى 20 من كل مئة ألف.

وللمقارنة فإن النسبة العالمية الكلية هي 6 قتلى في العام لكل مئة ألف، وهي 2.5 في أوروبا و6 في الولايات المتحدة و2.3 في مجمل آسيا. والمقارنة القريبة هي مع مناطق السلطة الفلسطينية، التي تصل نسبة القتلى سنويا فيها إلى 1 من كل 100 ألف والأردن كذلك الأمر 1. ما يعني أن المجتمع الفلسطيني في الداخل، الذي هو المجتمع نفسه والأعراف والتقاليد والعادات والمعتقدات نفسها، تصل معدلات القتل فيه إلى ما لا يقل عن عشرة أضعاف مقارنة بالمجتمع نفسه في الضفة وغزة والأردن.

هذا ينسف تماما الادعاء الإسرائيلي المركزي والعنصري بأن ما يحدث هو نتاج لثقافة مجتمعية عنيفة. فلماذا إذن هذا الفرق الشاسع في معدّلات الجريمة وأعمال العنف بين أبناء الشعب والمجتمع نفسه؟ لا بدّ من أن يكون ذلك مرتبطا بسياسات وممارسات الدولة الصهيونية تجاه «مواطنيها» العرب الفلسطينيين.
تدل الاحصائيات الخاصة بالسنوات الخمس الماضية 2018-2022، أن عدد القتلى في الاحداث الجنائية في إسرائيل عموما وصل إلى 731 قتيلا، منهم 70% عربا وما يعادل 24% يهودا، والباقي من «الآخرين».

وأخذا بعين الاعتبار عدد ونسبة السكّان، نجد أن معدّلات القتلى في السنوات الخمس الماضية كانت عند اليهود هي 0.5 من كل مئة ألف سنويا، مقارنة بنسبة تصل إلى 6.4 عند العرب أي حوالي 13 ضعفا، وهذا الفارق مرشّح للارتفاع تبعا للازدياد الدراماتيكي في عدد القتلى العرب. الذي قد يصل، كما أسلفنا، إلى نسبة 15 قتيلا من كل مئة ألف، مع نهاية العام الحالي.

أسباب الجريمة

تلقي الإحصائيات الضوء على جذر المشكلة. فمعدلات الجريمة في إسرائيل وفي مناطق السلطة الفلسطينية متقاربة، وتبقى المعدلات عالية جدّا عند فلسطينيي الداخل. وبناء عليه فإن السبب المركزي لهذا الانفلات في الجريمة يعود إلى النظام الإسرائيلي، الذي له خصائص الأبرتهايد والاستعمار الاستيطاني، وكلاهما في أنحاء العالم كافة، دفعا السكّان الأصليين إلى دوائر الجريمة والعنف، إمّا بالتخطيط المباشر أو بالإهمال المقصود.

وهناك عدد كبير من الأبحاث تثبت العلاقة المباشرة بين العنف المجتمعي ونظام الأبرتهايد وأنظمة الاستعمار الاستيطاني. النظام الإسرائيلي تحديدا، يقصي ويهمّش ويضطهد ويقمع ويحاصر ويصادر ويبطش ويميّز، وفي البداية والنهاية يدفع قسما من ضحاياه إلى دوائر العنف والجريمة، التي تحاصر أبناء المجتمع كافة، ثم يتركهم يغرقون فيها وبعدها يلقي التهم عليهم بأن الجريمة هي مكوّن من «ثقافتهم المجتمعية».

هناك قاعدة في المجتمعات الإنسانية عابرة للتاريخ والجغرافيا، وهي أن العقاب على الجرائم يردع المجرمين، وغياب العقاب يشجّعهم على المزيد. ومن المعروف أن الشرطة الإسرائيلية تملك الوسائل والقدرات ولكنّها لم تقرر بعد سحق الجريمة المنظمة في المجتمع الفلسطيني في الداخل. سابقا هي قررت تفكيك الإجرام المنظّم في المجتمع اليهودي ونجحت في ذلك خلال مدّة قصيرة نسبيا. فهي إذن تستطيع لكنّها لا تريد! ولو عقدت النية لحققت الهدف.

هي حقّا قوية في كل المجالات سوى في مكافحة الجريمة في المجتمع العربي الفلسطيني داخل الخط الأخضر. وتبقى إسرائيل الدولة والحكومة والشرطة المتهم الأول في تفشي الجرائم الجنائية في صفوف فلسطينيي 48. الشرطة الإسرائيلية، مثل الدولة الصهيونية، ليست لكل المواطنين وعقيدتها هي حماية المجتمع اليهودي في إسرائيل، وليس ضمن أولوياتها الأمن الشخصي للمواطن العربي. وفي غياب الردع الرسمي تنشأ مناطق «مهجورة أمنيا» ويحدث فراغ يجذب إليه عصابات ومنظمات الإجرام، التي تدير صراعا داميا على النفوذ والسيطرة على سوق الخاوة والمخدرات والسوق السوداء وتبييض الأموال والخدمات مدفوعة الثمن لحل المشاكل بالتهديد وبقوّة السلاح.

مجموعة فرعية

من الخطأ تصوير الوضع وكأنّه انهيار مجتمعي في الداخل الفلسطيني. المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر يتطوّر ويقوى باستمرار بأبنائه وبناته، والمجرمون الأفراد وأعضاء منظمات وعصابات الإجرام هم مجموعة فرعية صغيرة نسبيا، لكن ضررها وتأثيرها وسطوتها أكبر بكثير من حجمها الفعلي. وقد أنشأت هذه المجموعة ثقافة فرعية لها لغتها ورموزها وطرق تواصلها الخاصة، ولها كذلك قوانينها الداخلية وأعرافها.

وتقوم منظمات الإجرام باصطياد الشباب، الذين فشل جهاز التعليم في تأهيلهم، وفشل أهلهم في تربيتهم ويبحثون عن الربح السريع والمريح. والطامة الكبرى أن الدخول إلى عالم الجريمة «سهل» لكن الخروج منه صعب جدّا، إمّا لأن منظمات الإجرام لا تسمح لمن يعرف أسرارها بالخروج منها، أو لأن من اعتاد على المال السهل، يصعب عليه الاجتهاد في العمل لكسب لقمة العيش، التي تحتاج إلى عمل أكثر بكثير لجني مبالغ أقل بكثير.

ما العمل؟

لقد هزّت حوادث القتل المتكررة وجدان ومشاعر أبناء وبنات شعبنا في الداخل، وأصبح هذا الموضوع الشغل الشاغل للناس، وطغى على القضايا الأخرى. ويدور نقاش في أوساط النخب الثقافية القيادية، وفي القاعدة الشعبية نقاش حل «ما العمل؟»، تطرح فيه مقترحات كثيرة، بعضها يأتي تعبيرا عن اليأس والإحباط، وبعضها منفصمة عن الواقع، والبعض الآخر يرفض الاستسلام للواقع ويسعى لتحقيق الهدف وهو ضمان الأمان للناس.

يجب الانطلاق في الإجابة على سؤال ما العمل؟ من التفاؤل الواقعي بأن المجتمع الفلسطيني في الداخل، الذي استطاع تجاوز التحديات في الماضي، قادر الآن أيضا على تخطّي هذه المصيبة التي ألمّت به، ويلزم هذا محاذير وأفعال كثيرة منها:

أولا: عدم الوقوع في مطب الانصراف إلى التصدي لقضية العنف والجريمة كقضية منفصلة عن الكفاح ضد نظام الأبرتهايد الإسرائيلي، فهو الذي ينتجها وهي غير منفصلة عنه، ومن المهم ربطها ببقية القضايا مثل الأرض والمسكن والتشغيل والتعليم والفقر والتمييز وحماية الهوية.

ثانيا: يجب العمل بوحدة صف كفاحية، وعلى كل من ابتعد عن الصف الوطني أن يراجع حساباته ويعود إلى هذا الصف للمساهمة فعلا في حماية المجتمع
ثالثا: مواصلة التصعيد النضالي بكل الوسائل المتاحة، فبعد الإضراب العام يأتي دور يوم شل الحركة المرورية في إسرائيل، عبر إغلاق الشوارع وقافلات السيارات البطيئة، وبعدها الشروع في العصيان المدني خطوة بعد خطوة.

رابعا: التوجّه إلى القيادة الأردنية وإلى القيادة الفلسطينية بطلب العمل على وقف تدفّق الأسلحة إلى منظمات الإجرام داخل الخط الأخضر، مع العلم أن هذا جزء مهم من المشكلة، لكن معظم الأسلحة والذخيرة تأتي من مخازن الجيش الإسرائيلي.

خامسا: طرح القضية في الهيئات الدولية المعنية، وقد اتخذت لجنة المتابعة العليا لفلسطينيي الداخل قرارا بهذا الشأن وبدأ الإعداد الجدي لهذا التوجّه.
سادسا: اتخاذ التدابير المجتمعية الممكنة لحقن الدماء وإصلاح ذات البين قدر الإمكان.

سابعا: عدم الوقوع في فخ الأمن الإسرائيلي، الذي يحاول استدراج الناس للعمل معه وفي صفوفه تحت يافطة «مكافحة الجريمة». هذه مناورة مفضوحة لأن الشرطة والأمن في إسرائيل ليسا بحاجة لمتطوّعين عرب لسحق منظمات الإجرام، والهدف الحقيقي هو إلحاق الفلسطينيين في إسرائيل بالمؤسسة الأمنية لإضعاف انتمائهم وهويتهم وتخفيف عدائهم للصهيونية ولممارساتها.

بطبيعة الحال هناك ضرورة للعمل داخل المجتمع للتربية والتثقيف ولحماية الشباب من آفات الجريمة والعنف والمخدرات، ولكن المعركة الآن هي وقف الجرح النازف، وهذا يتطلب معاقبة المجرمين وحبسهم. ومجتمع الداخل لا يستطيع ذلك، لكنّه يستطيع خلق معادلة جديدة، تخسر بموجبها الدولة أكثر مما تربح جراء سياسة «عدم التدخل» وبالتالي تكون مضطرة إلى العمل لسحق الجريمة وعقاب المجرمين.

اقرأ أيضاً: وقفة في غزة استنكاراً لتفشي الجريمة بالداخل المحتل

الاحتلال يواصل حملة اعتقالات مسعورة في الداخل المحتل

الداخل المحتل-مصدر الإخبارية

شنت شرطة الاحتلال الإسرائيلي اليوم الثلاثاء حملة اعتقالات في مدن الداخل المحتل، للأسبوع الثالث على التوالي.

وأفاد شهود عيان أن الاحتلال اعتقل، 11 شابًا من بلدة كفركنا في الداخل الفلسطيني المحتل، بعد أن اقتحمت عناصر من الوحدات الخاصة، المنازل وقامت بتفتيشها وجرى تحويل الشبان للتحقيق قبل عرضهم على المحكمة لتمديد اعتقالهم.

يُشار أن شرطة الاحتلال تستمر في حملة الاعتقالات المسعورة ضمن حملة تنفذها تحمل اسم حملة “تطبيق القانون” في البلدات الفلسطينية للأسبوع الثالث على التوالي.

وتأتي هذه الاعتقالات على خلفية الاحتجاجات والفعاليات النضالية التي يقوم بها الشبان الفلسطينيون ضد العدوان على القدس والأقصى والحرب على غزة.

Exit mobile version