شكراً للجزائر، وعذراً أيها الفلسطينيون

أقلام – مصدر الإخبارية

شكراً للجزائر، وعذراً أيها الفلسطينيون، بقلم الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

بعد كل هذه السنوات الطويلة من الانقسام، الذي لا يختلف اثنان على أن وقوعه واستمراره، يشكل خدمة صافية للاحتلال، تعود الفصائل إلى الجزائر لتلبية دعوة ومبادرة من الرئيس تبون، وكل منها يعرف مسبقاً النتائج التي ستؤول إليها الحوارات.

القيادة الجزائرية ليست ساذجة، إلى الحد الذي يدفعها لتحمل وزر مبادرة وحوارات، لمعالجة ملف معقد، لم تنجح محاولات كثيرة سابقة في أن تجد له حلاً.
ثمة إحساس لدى القيادة الجزائرية بالمسؤولية القومية، تجاه القضية الفلسطينية وثمة مصلحة أيضاً، في أن تشكل القمة العربية القادمة، فرصة لإعادة الاعتبار العربي للقضية الفلسطينية.

بالإضافة إلى الموقف التاريخي للجزائر، الذي يختار على نحو ثابت وراسخ تبني ودعم الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه، فإن انزلاق عديد الدول العربية في مستنقع التطبيع، يشكل خطراً مباشراً على الجزائر، وليس فقط على القضية الفلسطينية والمشروع القومي العربي.
حين أقدم النظام المغربي على الانضمام لاتفاقيات أبراهام، و فتح أبواب البلاد، على مصاريعها، نحو تحقيق شراكات اقتصادية وسياسية وثقافية، وأمنية وعسكرية مع الاحتلال، عبرت الجزائر عن سخطها، ومخاوفها إزاء اقتراب الوجود الإسرائيلي من حدودها.

ذلك الحدث، ونقصد تطبيع العلاقات الإسرائيلية المغربية، تضمن شرطاً يقضي باعتراف الولايات المتحدة وإسرائيل، بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، التي تشكل أبرز قضايا الخلاف الجزائري المغاربي منذ عقود ولا تزال.

في مقابل ذلك، اختارت القيادة الجزائرية، الابتعاد عن واشنطن والدول الغربية، فيما يتعلق بحاجتها من الأسلحة، ما عمق حالة الاستقطاب، وأدخل الجزائر مربع الصراع، الخفي غالباً والظاهر أحياناً، مع أطراف التحالف الأميركي الإسرائيلي المغاربي.
وسواء القيادة الجزائرية، أو الفصائل الفلسطينية، فإن الكل كان يدرك مسبقاً، أن ملف المصالحة، أو إنهاء الانقسام لا ينتظر حلاً من الجزائر أو منها، بعد أن فشلت جهود جبارة بذلتها أطراف دولية وإقليمية وعربية وازنة.
نعم الجزائر تحظى بمكانة عظيمة لدى الشعب الفلسطيني وفصائله ونخبه السياسية والاجتماعية وفعالياته، لكن الجزائر لا تملك مقومات التدخل إلى الحد الذي يمكن معه كسر صخرة الانقسام.

شكراً للجزائر، وعذراً أيها الفلسطينيون

في الأصل يدرك الجزائريون، أن إنهاء الانقسام لا يحتاج إلى وساطات وتدخلات، مهما كان وزن تلك الوساطات، وإنما يحتاج إلى إرادة فلسطينية هي فقط التي تستطيع تجاوز العوامل المعطلة للانقسام، بما في ذلك الدور الإسرائيلي المتحفز كل الوقت لإفشال أي مبادرة أو محاولة لإنهاء الانقسام.
ما جرى في الجزائر نتيجة الحوارات الثنائية والجماعية بين الفصائل وبينها وبين القيادة الجزائرية، كان الهدف منه، منح الجزائر ورقة فلسطينية، بشأن إنهاء الانقسام، هي في حاجة إليها لتوظيفها في اتجاه إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية في القمة العربية، باعتبار أن ذلك سيكون العنوان الأبرز في إنجاح القمة.
أما الفلسطينيون، فمن غير المعقول أن يرفض أي فصيل، الدعوة الجزائرية، أو يتعامل معها بخفة ذلك أن كل الفصائل ترغب في توسع علاقاتها ومكانتها لدى الشعب الجزائري وقيادته.

هكذا يبدو الخلاف الذي ظهر على بند تشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بقرارات الشرعية الدولية، وكأنه مسرحية الهدف منها إظهار شيء من الجدية، إزاء المبادرة الجزائرية، ذلك أن الخلافات حول الورقة التي وقع عليها الجميع، أوسع وأكثر عمقاً من هذا البند.
حين نضع الورقة التي تم التوافق والتوقيع عليها، تحت العين المجردة وليس المجهر سنجد، أن هذه الورقة، لا تقترب حتى من إمكانية أن تشكل خطة أو خارطة طريق لتحقيق هدف إنهاء الانقسام.
الورقة أولاً مجرد مبادئ عامة، لا يختلف عليها اثنان، فهي تتحدث عن أهمية الوحدة، والشراكة، والانتخابات ودخول حماس والجهاد إلى أطرها، ولذلك فإنها تعكس جوهر خطابات الفصائل كلها من حيث المبدأ.

هذه المبادئ تجاهلت الخلاف السياسي، وهو ليس خلافاً على مواقف تكتيكية أو آنية، وإنما خلاف جذري بين نهجين متقابلين أحدهما لا يزال يلتزم بأوسلو، وشروطه، والآخر، يلتزم بنهج المقاومة، ورفض نهج التسوية السياسية، وشروطها وآلياتها وتداعياتها على آفاق الصراع.

شكراً للجزائر، وعذراً أيها الفلسطينيون

وفي الحقيقة فإن الاتفاق على النهج السياسي، مسألة تأسيسية، من حيث إن ما يأتي من خطوات أخرى، إنما يستند إلى ما يمكن أن يشكل قاسماً سياسياً مشتركاً بين كافة الفصائل، خصوصاً حركتي فتح وحماس، والورقة أيضاً، تفتقر إلى تحديد الأولويات أو نقطة البداية لإنهاء الانقسام، وتحقيق الشراكات.

خلال اتفاقات سابقة حول ملف إنهاء الانقسام، قامت الفصائل بتدوير كافة الزوايا، إلى أن وصلت إلى اتفاق لأن تكون البداية من إجراء الانتخابات. وبعد جهد وخلاف حول تزامنها أو تتابعها، جرى الاتفاق وجرى اتفاق غير معلن بين الحركتين الكبيرتين على خوض الانتخابات التشريعية بقائمة موحدة وعلى حصرية ترشيح الرئيس محمود عباس للرئاسة، ولكن الأمر لم ينجح وقد جرى تأجيل الانتخابات إلى أمد غير معروف.

ثم إن الورقة تفتقر إلى الآليات، والجداول الزمنية، والحديث عن إجراء الانتخابات في مدة أقصاها عام، لا يشكل بديلاً مقنعاً لغياب الآليات والجداول الزمنية الدقيقة والملزمة.
وبرأينا فإن هذه الملاحظات وغيرها، والمجال مفتوح أمام المزيد من الملاحظات، هذه كلها مدركة من قبل المواطن الفلسطيني، ولذلك فإن الحوار والورقة، والتصريحات الإيجابية التي صدرت، والمجاملات التي تظهر في وسائل الإعلام، لم تحرك ساكناً لدى المجتمع الفلسطيني، الذي لم يعد يحتمل المزيد من خيبات الأمل، وبات يعرف أنه بعد كل حوار أو اتفاق سيجد نفسه أمام تصاعد الاتهامات والخلافات.

أقرأ أيضًا: سُعار أميركي لمنع التغيير.. بقلم: طلال عوكل

اتفاقات المصالحة الفلسطينية.. قضايا مكررة وأمالٌ معقودةٌ بالتطبيق

خاص مصدر الإخبارية – أسعد البيروتي

تُشكل المصالحة الفلسطينية الدرع الحقيقي لشعبنا الفلسطيني في مواجهة الاحتلال ومخططاته التهويدية التي تستهدف العمق الوطني لأبناء شعبنا بجميع أماكن تواجدهم، في ظل زيادة حِدة الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية، وسط صمتٍ دولي مخزٍ رغم قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات المُوقعة التي تنص على ضرورة حماية المدنيين وتحمل السلطة القائمة بالاحتلال واجباتها تجاه الشعوب المُحتَلة.

حرصت الجزائر طِيلة الأشهر الماضية، على تقريب وجهات النظر بين حركتي فتح وحماس بهدف التوافق على رؤية وطنية تقود الشعب الفلسطيني إلى بَر الأمان وتُنهي سنوات عِجاف من الانقسام الذي بات يفرض نفسه كضيفٍ ثقيل على جميع مناحي الحياة في فلسطين.

مساء اليوم خرجت الفصائل الفلسطينية المُجتمعة في الجزائر، لتعلن اتفاق الوحدة الفلسطينية، بهدف لم الشمل الفلسطيني بين أبناء الوطن الواحد، والتفرغ لمواجهة الاحتلال ومخططاته التهويدية في الضفة والقدس.

ويرى محللون، أن ما تم التوافق عليه في الجزائر، لم يختلف كثيرًا أو يأتي بجديد عما طُرح سابقًا خلال الجولات السابقة التي رعتها العديد من الدول العربية ومنها السعودية ومصر وغيرها.

يقول الكاتب والمحلل السياسي سامر عنبتاوي، إن “الجزائر سعت إلى جلب جميع الأطراف والفصائل لجلسات الحوار لوأد الانقسام، مضيفًا، “جميع الحوارات التي تمت في السابق قبيل اتفاق الجزائر، تم التوافق على البيان الختامي وطُرحت جميع القضايا وبقيت المعضلة ذاتها وهي تشكيل حكومة وحدة وطنية والالتزام بالاتفاقيات الدولية التي تعتبرها حركة حماس اعترافًا بدولة الاحتلال بينما تُصِر عليها السلطة وحركة فتح”.

وأكد في تصريحاتٍ لشبكة مصدر الإخبارية على أن “المطلوب من جميع الفصائل والقوى السياسية هو تطبيق ما تم التوافق عليه في الحوارات السابقة طِيلة الـ 15 عامًا بالعديد من الدول بينها مصر، بيروت، وغيرها، حيث كانت النتيجة التوافق على النقاط لكن يُصدم الجميع بالاختلاف عند التطبيق، معربًا عن خشيته أن تكون هذه المرة كسابقاتها”.

وأضاف، “كان يُفترض قبل الذهاب إلى حوارات الجزائر تهيئة الأوضاع الداخلية بما يشمل وقف الاعتقالات السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ووقف التعدي على الحريات العامة، والتراشق الإعلامي”.

ولفت إلى أن “تطبيق ما تم التوافق عليه سيُصطدم بالكثير من العقبات كما المرات السابقة، وهو ما انعكس على مدى متابعة الفلسطينيين لنتائج حوارات الجزائر بسبب حالة اليأس والإحباط التي كانت تُخيّم على جلسات المصالحة في المرات السابقة مضيفًا، “نأمل أن نكون مخطئين هذه المرة وتكون مصالحة حقيقية بين الجميع”.

من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي مخيمر أبو سعدة، إن “اتفاق الفصائل الفلسطينية دومًا ما كان يصطدم بثلاثة قضايا جوهرية هي إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، واجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهي ذات القضايا التي طُرحت سابقًا في اتفاق القاهرة عام 2011”.

وأضاف خلال تصريحاتٍ لشبكة مصدر الإخبارية، أن “ما ورد في اتفاق الجزائر هي قضايا مكررة، تم طرحها عام 2011 خلال اجتماعات الفصائل في القاهرة، إلّا أن الجزائر ضغطت بثقل كبير وظهر ذلك واضحًا بحضور الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون جلسات المصالحة ومباركة التوافق الفصائلي”.

وأكد على أن “الجزائر حريصة على الذهاب للقمة العربية الشهر القادم وبيدها اتفاق انهاء الانقسام واتمام المصالحة الفلسطينية كونها معنية بذلك بالمعنى بالقومي والعروبي والوطني بلم الشمل الفلسطيني”.

ونوه إلى أن المطلوب لإنجاح اتفاق الجزائر، هو وجود “إرادة سياسية لدى حركتي فتح وحماس للخروج من مربع الانقسام وتحقيق وحدة وطنية حقيقية، إضافة لحشد الدعم الدولي والغربي لتأييد الاتفاق المُبرم بين الفصائل والقوى السياسية”.

وفيما يلي بنود الاتفاق المُبرم بين حركتي فتح وحماس برعايةٍ جزائرية:

1. التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية كأساس للصمود والتصدي ومقاومة الاحتلال، لتحقيق الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني، واعتماد لغة الحوار والتشاور لحل الخلافات على الساحة الفلسطينية، بهدف انضمام الكل الوطني إلى منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

2. تكريس مبدأ الشراكة السياسية بين مختلف القوى الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك عن طريق الانتخابات، وبما يسمح بمشاركة واسعة في الاستحقاقات الوطنية القادمة في الوطن والشتات.

3. اتخاذ الخطوات العملية لتحقيق المصالحة الوطنية عبر إنهاء الانقسام.

4. تعزيز وتطوير دور منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها بمشاركة جميع الفصائل الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بجميع مكوناتها ولا بديل عنها.

5. يتم انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج حيث ما أمكن، بنظام التمثيل النسبي الكامل وفق الصيغة المتفق عليها والقوانين المعتمدة بمشاركة جميع القوى الفلسطينية خلال مدة أقصاها عام واحد من تاريخ التوقيع على هذا الإعلان وتعرب الجزائر بهذه المناسبة عن استعدادها لاحتضان انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني الجديد، والذي لقي شكر وتقدير جميع الفصائل المشاركة في هذا الاجتماع.

6. الإسراع بإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، وفق القوانين المعتمدة في مدة أقصاها عام من تاريخ التوقيع على هذا الإعلان.

7. توحيد المؤسسات الوطنية الفلسطينية وتجنيد الطاقات والموارد المتاحة الضرورية لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار ودعم البنية التحتية والاجتماعية للشعب الفلسطيني بما يدعم صموده في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

8. تفعيل آلية الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية لمتابعة إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية والشراكة السياسية الوطنية.

9. يتولى فريق عمل جزائري – عربي الإشراف والمتابعة لتنفيذ بنود هذا الاتفاق بالتعاون مع الجانب الفلسطيني وتدير الجزائر عمل الفريق.

حوارات الجزائر: أين تكمن العُقدة؟

أقلام – مصدر الإخبارية

حوارات الجزائر: أين تكمن العُقدة؟، بقلم الكاتب والمحلل السياسي عبد المجيد سويلم، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

يسأل الفلسطيني نفسه ونحن اليوم على موعدٍ مع بدء حوارات الجزائر: أيُعقل أن نفشل من جديد بالرغم من كل ما يحيط الشعب الفلسطيني من أهوال وأخطار وتحديات؟ وأين تكمن «عقدة» الوصول إلى إنهاء الانقسام والدخول في مصالحة؟

هل تكمن عقدة هذا الانقسام في الخلافات السياسية؟

أم يا تُرى هي الحصص، في إطار السلطة والمنظمة؟

أم في المنافسة على التمثيل السياسي، أي بما هو أكبر من مجرّد الاقتسام والمحاصصة؟

أم أن «العقدة» تكمن في ذلك كلّه؟

هناك اعتقاد يكاد يكون سائداً أن الاستنتاج الصحيح في أن «عقدة» الانقسام تكمن في ذلك كلّه، وأن التوجه إلى إنهاء الانقسام قد فشل حتى الآن، وسيفشل لاحقاً ما لم تؤخذ وتراعَ كل هذه العناصر بعين الاعتبار، وما لم توضع أسس وقواعد ملزمة بعد الاتفاق على تلبية مضامينها في هيئة «مصالح» لمختلف أطراف الانقسام.

ويسود اعتقاد في ضوء ذلك أن الأرضية الصلبة القائمة على هذه «التلبية» من شأنها الإيذان ببدء مرحلةٍ جديدة من العلاقات الوطنية.

بالعودة إلى كل الحوارات، وكل اللقاءات، وكل الاتفاقات، وكل الإعلانات والبيانات نجد أن كل هذه البنود قد تمت مناقشتها بأدق التفاصيل في مختلف المناسبات والمراحل، وفي كل محطات محاولة إنهاء الانقسام. ونجد، أيضاً، أن العواصم العربية والإقليمية والدولية استضافت القوى والفصائل، وكان الفشل هو العنوان الأبرز في كل هذه المحاولات.

ويُصاب الفلسطيني بحالةٍ من اليأس والإحباط وهو يراقب قياداته التي لم «تنجح» في معركة حقيقية واحدة كما «نجحت» في فشل إنهاء الانقسام. فإذا كان الفشل ــ يسأل نفسه الفلسطيني ــ هو النتيجة التي انتهت إليها كل هذه الاجتماعات واللقاءات وكلّ هذه المحاولات فنحن أمام احتمالين لا ثالث لهما: فإما أن القوى والفصائل ومن لفّ لفّهم كانوا يذهبون إلى تلك الحوارات وهم يضمرون عدم الاتفاق، أو أنهم كانوا يُفشلون الاتفاقات حتى وإن تم التوقيع عليها؟!

في كلا الحالتين هناك من تبرّع بالإفشال، وهناك من عمل كل جهوده لوضع العراقيل الكافية لهذا الإفشال.

الفشل والإفشال لا يمكن أن تكون أسبابه تلك السياسية، أو التي تتعلق بالتمثيل السياسي، والشرعي، ولا يمكن أن تكون الحصص والمصالح فقط، إذ لا يمكن أن تكون هذه المصالح والحصص بمعناها الكمّي المباشر، ولا يمكن بالتالي أن تكون أسبابه في شيء في هذا كله. هناك من الأسباب ما هو أعمق وأكبر من ذلك!

لماذا لا نحاول البحث عن حقيقة «العقدة» التي وضعت «المنشار في دواليب كل محاولات إنهاء الانقسام؟ ولماذا نظل على مدى عقدٍ ونصف العقد ندور في نفس الدائرة، طالما أن كل تلك الأسباب منفردة، ومجتمعة قد اشبعت نقاشاً، وتم «الاتفاق» سابقاً على سوادها الأعظم، ومع ذلك لم نحصد سوى الفشل؟

علينا أن نعترف أولاً أن «اكتشاف» العقدة ليس بالأمر السهل في ظل حالة انعدام الوزن في الحالة الوطنية، وفي ظل حالة الانفلات الإعلامي التي تشهدها الساحة الوطنية، وفي ظل حالة الفوضى التي تحكم الأداء الفلسطيني، وحالة الانفكاك عن الواقع التي تميز هذا الأداء على جانبي معالجة التزاحم والصراع.

وقبل أن أحاول المساهمة في هذا «الاكتشاف» فإن حالنا يشبه طرفة معروفة مفادها أن عاملين كانا يحملان آلة بيانو كبيرة على درج إحدى العمارات، وقد بلغ بهما التعب ما بلغ واضطرّا إلى التوقف قليلاً في الطابق العاشر من العمارة للاستراحة.

سأل أحدهما زميله:

قُل لي ما هي الأخبار طالما أننا نجلس لاستراحة صغيرة؟

أجاب زميله قائلاً:

لديّ لك خبر جيد وآخر سيئ!

قال الآخر، هات، ولنبدأ بالخبر الجيد.

فأجابه زميله: الخبر الجيد هو أننا الآن في الطابق العاشر، وبعد طابقين فقط سنصل إلى الشقة المطلوبة.

فعاد وسأله عن الخبر السيئ.

فأجاب صديقه: أخشى يا صديقي أننا قد أخطأنا باب العمارة.

وأزعم هنا أن حالنا، نحن معشر الفلسطينيين هو حال العاملين إيّاهما!

لقد أخطأنا عندما اعتقدنا أن «الانقسام» هو مجرد خلاف واختلاف سياسي، وأخطأنا عندما اعتقدنا أن المسألة مسألة حصص لهذا الطرف أو ذاك، وأخطأنا عندما اعتقدنا أن الانقسام هو مجرد تزاحم على التمثيل السياسي.

أخطأنا لأننا لم ننظر إلى هذا الانقسام كمشروعٍ ونهج، وأخطأنا أكثر عندما اعتقدنا أن هذا الانقسام هو على القضية والحقوق في حين أنه ليس سوى على السلطة والمكاسب.

أخطأنا عندما اعتقدنا أن مشروع الانقسام كان مشروعاً فلسطينياً، و »رفضنا» أن نصدق أن هذا المشروع قد نشأ وترعرع في كنف إسرائيل، وفي كنف المشروع الإسرائيلي بمساعدة ومساندة بعض القوى الإقليمية ومنها العربية، وأخطأنا عندما اعتقدنا أن «سلخ» أكثر من مليوني فلسطيني من المعادلة الديمغرافية كان مجرد كلام مثقفين، أو كلام «جرايد» كما يُقال.

أخطأنا عندما اعتقدنا أن هناك «فيتو» من هذا الفصيل أو ذاك على المصالحة، ونسينا أو تناسينا أن «الفيتو» الأول هو «الفيتو» الإسرائيلي.

إسرائيل قامت بعدوان على قطاع غزة استمر لما يقارب الخمسين يوماً بعد أن اشتمّت رائحة مصالحة حقيقية، وإسرائيل خاضت حروبها على القطاع «لضبط» حركة حماس في إطار المشروع وليس الخروج عنه، وما زال الوضع على ما هو عليه.

إسرائيل الآن تجهر بأن الأمن هو مقابل الغذاء، ثم مقابل التسهيلات، وبشرط بقاء الانقسام.. وإسرائيل اليوم تمنع وتُمانع في إنهاء الانقسام، وهي التي تنزع صلاحيات السلطة في كل يوم، وهي التي تتفرّغ لابتلاع الضفة وتهويد القدس ، وهي التي تحاصر السلطة، وشرطها الأساسي هو «الأمن مقابل الاقتصاد»، ولا شيء غير التسهيلات، وبشرط بقاء الانقسام، ولهذا فإن (فيتو) «حماس» على إنهاء الانقسام هو عدم خضوع القطاع لسلطة واحدة.

باختصار، فإن إنهاء الانقسام بات يتطلّب خروج «حماس» من الرعاية الإسرائيلية لمشروع الانقسام وقبولها لأن يكون القطاع جزءاً لا يتجزأ من سلطة واحدة، وخروج السلطة من الوصاية الإسرائيلية، وإعادة فرض «علاقة» جديدة متحرّرة من القيود الإسرائيلية «السياسية» على أقل تقدير، وهو الشرط الأهمّ لإنهاء الانقسام.

هنا تكمن «عقدة» فشل كل محاولات إنهاء الانقسام، لأن كل من حاور وتحاور وناقش، وأرهق نفسه بالبحث عن آليات إنهاء هذا الانقسام لم يحاول ــ بحدود ما نعلم ــ أن يبدأ من هذه النقطة بالذات.

أما المصيبة فهي أن لعبة الانقسام وإنهاء الانقسام تستمر، وكأن الخلاف والاختلاف على هذه المسألة أو تلك من المسائل والقضايا التي لم تعد سوى حالة من التكرار المملّ لشعارات هدفها الأول والأخير الهروب والتهرُّب من جوهر المسألة ومن استحقاقاتها.

وصل الانقسام إلى مستوى جديد من المأسسة، بحيث أن المراجعة والتراجع بات صعباً ويحتاج إلى معجزة فلسطينية في زمنٍ ولّت معه كل المعجزات، وفي زمنٍ تحولت القضية الوطنية إلى صراعٍ على هوامش صغيرة من فتات سلطات لا سلطة لها.

أما المصيبة الأكبر فهي أن الصراع على السلطة ومكاسبها ستكون له قيمة أكبر وأهمّ بكثير فيما لو كانت سلطة واحدة وموحَّدة، لكن أهل هذه السلطات ــ حتى بهذا ــ لا يؤمنون.

Exit mobile version