لماذا العريضة أصلا؟ بقلم الكاتب عبد المجيد سويلم

أقلام – مصدر الإخبارية

لماذا العريضة أصلا؟ بقلم الكاتب الفلسطيني عبد المجيد سويلم، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

بعيداً، وأبعد ما يُمكن عن الأوصاف والتوصيفات التي وردت في «عريضة الأكاديميين والمثقّفين..»، وتلك التي وردت في الردّ عليها، رسمياً وحزبياً وشعبياً، فإنّ السؤال الذي أرى أنّه لم يُطرح كما يجب، ولم يُسأل بدقّةٍ ووضوح هو: هل كان الأمر كلّه يستدعي هذه «العريضة»؟

أقصد أنّ الموقّعين على «العريضة» اختاروا السبب الخطأ في تبرير «عريضتهم»، وتناسوا السبب الحقيقي الذي كان بالإمكان «تفهُّمه» من قطاعات ثقافية فلسطينية واسعة، ومن أوساط سياسية وحزبية، وحتى من قطاعات شعبية، أيضاً، فيما لو كانوا أثاروه، أو ركّزوا عليه، ووجّهوا سهامهم إليه.

كان بإمكان كلّ من وقّع على «العريضة» أن ينتقد الرئيس أبو مازن لكونه رئيساً أوّلاً وأخيراً قد وضع نفسه في موقع «المؤرّخ»، أو الباحث، وهو أمرٌ لا يُحبّذ على الإطلاق حتى لو كان الرئيس يتمتّع بهذه المواصفات، وذلك لأنّ موقعه الرسمي، والذي هو موقع تمثيلي ــ شئنا أم أبينا ــ لا يُفترض به أن يخوض في قضايا هي في «موضع» خلافات واختلافات حول تاريخ المنطقة، وحول الأحقّيات التاريخية، وحول منطلقات وأهداف المشروع الصهيوني في فلسطين، وحول تبعات هذا المشروع.

ليس هذا فقط، وإنّما، أيضاً، حول الآراء والمعتقدات والأفكار التي تعجّ بها الثقافة «الغربية»، الدينية والسياسية حول تلك «الأحقّيات»، وحول مآلاتها «القانونية»، وحول تبعاتها ومدى «تجسيدها» لتلك الأحقّيات باعتبار هذه الأخيرة جزءاً عضوياً من نسيج المفاهيم، ومن شبكة «المُسلَّمات» المُكوّنة لها.

«الغرب» مُنحاز من الناحية الرسمية، ومن الناحية المؤسّسية من هذه «الرسمية» لمقولات اللاسامية، ومعاداة اليهود، وهواجس إنكار الظلم الذي وقع على اليهود تاريخياً، قديماً وحديثاً على حدٍّ سواء.

ولأنّه مُنحاز، ولأنّ هذا الانحياز مُدعمٌ ومدعومٌ من «الروايات» الدينية المتأصّلة في الوجدان «الغربي»، ولأنّ هذا الانحياز كما نعرف هو في صُلب مصالح «الغرب»، ويرى فيه التجسيد الضروري للحفاظ على هذه المصالح، ولإعادة تأكيد نظرية المركزية الأوروبية بأشكال جديدة ومتجدّدة، فإنّ أيّ خوضٍ في هذه المنظومة «الملغومة» سيتمّ استغلاله من قبل إسرائيل، ومن قبل «الغرب»، كلّ «الغرب» بقدر ما يكون هذا الخوض، رسمياً من الناحية السياسية.

هذا لا يعني، ولا يجوز أن يعني التوقُّف للأسباب التي حاولنا شرحها عن التصدّي لكلّ المفاهيم والمغالطات المضلّلة، من الزاوية التاريخية، أو بالأحرى من زاوية الحقائق التاريخية، بل إنّ العكس تماماً هو الصحيح.

إذ يفترض بالموقّعين على العريضة أنفسهم القيام بهذا الدور، خصوصاً أن جُلّهم من الأسماء المرموقة في كلّ جانبٍ وعلى كلّ صعيد، لاسيّما أنّهم أكثر وأوّل من يُدرك أبعاد المعركة التي تدور رحاها على الرواية الصهيونية، وعلى الرواية الفلسطينية التي تحاول بكلّ السبل والوسائل المُتاحة التصدّي لها.

لو أنّ «العريضة» ـ إذا كان لا بدّ منها ــ توقّفت عند هذه الأبعاد، وعند هذه المحاذير، واقتصر الموقف فيها على انتقاد الطابع الرسمي والتمثيلي لطرحها، لأمكن ليس فقط تفهّمها، وإنّما دعمها والتعاطف مع ما جاء بها.

أمّا أن يُقال في «العريضة» إنّ الرئيس أبو مازن أظهر في حديثه العداء للسامية «باسمنا» فهذا مخالف ومناقض لما قال، وذلك لأنّ الدور الاجتماعي لليهود مسألة مطروقة من فلاسفة وعلماء ومؤرّخين قديماً وحديثاً، بمن فيهم عشرات اليهود أنفسهم، ومنهم من وصل إلى مصطلح «اختراع الشعب» وليس الرواية فقط.

ولو قيل هنا بالذات إن «الغرب» هو المسؤول الأوّل والأخير عن اللاسامية العالمية، وهو المسؤول عن الإبادة النازية لليهود وللشعوب الأخرى، وإننا نحن ضحايا النازية، وضحايا المشروع «الغربي» الذي وجد في المشروع الصهيوني ضالّته التي بحث عنها للتكفير عمّا ارتكبه هذا «الغرب» بحقّ اليهود والشعوب والأقوام والأديان الأخرى لأمكن أن يكون موقف الموقّعين في صُلب الحقيقة، وفي مركز صواب الفكرة والقراءة.

ومُحصّلة الأمر هنا أنّ الموقّعين اعتبروا أنّ ما قاله الرئيس أبو مازن عن الدور الاجتماعي لليهود، والذي قاله قبله وبعده، أوروبيون وأميركيون، عرب وفلسطينيون، يهود وإسرائيليون، هو بمثابة «التبرير» للظلم والمذابح التي ارتكبت بحقّهم، ومن هنا على ما يبدو استنتجوا أنّ حديث الرئيس أبو مازن انطوى على درجةٍ مشدّدة! من اللاسامية.

الحقيقة أنّه لا يوجد أيّ منطقٍ يقبل تفسير الموقّعين لهذه العلاقة، لأنّ مثل هذه العلاقة لم ترد في نصّ حديث الرئيس أبو مازن، وهي إن كانت تحتمل من شيء فهي تحتمل عكسه فقط.

لم يكن استنتاج أو اجتهاد الموقّعين موفّقاً على الإطلاق، وقد بدا متسرّعاً ومتحاملاً لأسبابٍ غير الأسباب التي وردت في «العريضة»، وربّما أنّ التحامل بالذات هو «حقّ» على كلّ حال شريطة أن يرد في مكانه، وشريطة أن يرد لأسباب واضحة ومباشرة، وليس لأسباب فيها الكثير من اللبس الذي نأمل جميعنا أن لا يكون مُوارباً أو مقصوداً.

أغلبية كبيرة من المثقفين الفلسطينيين آثرت الصمت، واختارت النأي بنفسها عن خوض معارك جانبية لا فائدة منها، ولا طائل من ورائها في ظلّ حالة الانقسام التي يعيشها الشعب الفلسطيني، ولسان حال هؤلاء الكتّاب والمثقفين يقول: ألا يكفينا ما نحن فيه وعليه من تفكّك وشرذمة وتشتّت حتى ن فتح على أنفسنا أبواباً جديدة للشقاق والانقسام؟

وحتى بعض الزملاء والزميلات الذي تناولوا هذا الأمر فقد تناولوه من موقع نفس المخاوف والمحاذير التي نخاف منها جميعاً، وهي الحرص على عدم زيادة حالة الانقسام في الحالة الوطنية.

المشكلة أنّ لغة «العريضة» كانت تفتقد إلى الدقّة، واتسمت بدرجةٍ غير متفهّمة من التسرّع والتحامل المسبق، تماماً كما اتسمت لغة الاعتراض على «العريضة» بالأوصاف والألفاظ التي تدير ظهرها عند كلّ منعطف، وعند أوّل منعطفٍ لأسس إدارة الاختلاف وقواعد تنظيمه، والذهاب الأسرع من المتسرّع في وصف قامات وطنية لها إسهاماتها ودورها في مسيرة العمل الوطني، وفي إغناء التنوّع والتعدّدية الثقافية التي يتميّز بها المجتمع الفلسطيني.

لم يكن مطلوباً، وربما ليس مطلوباً أبداً ولا حتى الآن «مجاملة» هؤلاء الموقّعين على «العريضة»، ولكن يفترض أن يكون مرفوضاً وبالمطلق إطلاق الأحكام والنُّعُوت والصفات التي تَهدِم، ولا تَبنِي، تقطع ولا تصل، وتُمعن في بثّ وبذر الشقاق بدلاً من مداواة الجِرَاح.

في ظروفٍ أخرى كان يمكن فتح حوارات كبيرة حول «تبعات» ما جاء في «العريضة» من أخطارٍ على وحدة الموقف الوطني، وعلى تصليب الموقف حيال قضية الرواية الوطنية، لكنّ الحوار لم يعد مُجدياً طالما أنّه سيتخذ شكل الانحياز، بهذه الدرجة أو تلك، وبهذا القدر أو ذاك لصالح فريقٍ ضد آخر، مع أنّ المفترض أنّنا فريق واحد في وجه الرواية الصهيونية. لم يعد هذا الأمر مجدياً على الإطلاق، ولكنه بات يحتّم حوارات أخرى، ومن نوعٍ آخر، وعلى مستويات أكبر وأشمل حول الرواية الفلسطينية وحول محظورات الوقوع في براثن الرواية الصهيونية المدعومة دون تحفُّظ من الأوساط الأكاديمية والثقافية «الغربية» على نطاقٍ واسع.

وبطبيعة الحال فليست اجتماعات هيئات الفصائل هي المكان المناسب لهذه الحوارات، وليست «العرائض» هي الشكل الأنسب على الإطلاق.

أقرأ أيضًا: عن الدور الإقليمي لإيران.. بقلم الكاتب عبد المجيد سويلم

لماذا تُهدّد إسرائيل بالحرب؟

أقلام – مصدر الإخبارية

لماذا تُهدّد إسرائيل بالحرب؟، بقلم الكاتب الفلسطيني عبد المجيد سويلم، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

الذي يستمع إلى بعض القيادات الإسرائيلية التي تهدّد وتتوعّد بتدمير شامل، وبإعادة لبنان إلى «العصور الحجرية»، وإنهاء البرنامج النووي الإيراني، واستباحة سورية وقطاع غزة إذا لزم الأمر، والذي يراقب هذه القيادات وهي تتناوب على إطلاق التصريحات «الحربية» يعتقد «أنّنا» على أعتاب حرب لن تُبقي ولن تذر، وأن ما تبقّى على اندلاعها سوى بعض الأيام، أو بعض الأسابيع على أبعد التقديرات!

تترافق هذه التهديدات بسلسلة غير مسبوقة من التدريبات والمناورات التي أجرتها إسرائيل، وما زالت تواصلها، وتعلن أنها تقوم بها في إطار «محاكاة» عمليّاتية لحربٍ متعدّدة السّاحات، وعلى خمس جبهات، أو ستّ جبهات، إذا اضطرّت إلى ذلك، و»توحي» إسرائيل من خلال هذا الزخم الإعلامي الذي يرافق ويترافق مع هذه التدريبات والمناورات أن ثمة ما يشبه الإجماع على خوضها، وخصوصاً بين المستوى السياسي والمستوى العسكري، وبين أوساط المستوى العسكري نفسه «خلافاً» لما كان عليه الأمر في عدّة مراحل وفترات سابقة، بل ولا تتردّد إسرائيل في محاولة الإيماء بأنّ الإدارة الأميركية، وبعض الأوساط داخل وزارة «الدفاع» الأميركية باتت على قناعةٍ أكثر من أيّ وقتٍ مضى «بصحّة» التقديرات الإسرائيلية حول اقتراب إيران من الانتقال المباشر لصناعة السلاح الذرّي.

واللافت هنا هو أنّ إسرائيل هي التي تربط ما بين «انفرادها» بمهاجمة الأهداف النووية الإيرانية، والتي تنتشر على طول البلاد الإيرانية وعرضها، وبين خوض الحرب مع «حزب الله»، وربما سورية وقطاع غزة، وبعض القطاعات والفصائل العراقية، وصولاً إلى «الحوثيّين» في اليمن!

أمّا اللافت أكثر من هذا كلّه فهو أنّ هذه التهديدات قد جاءت في ظلّ جوّ إسرائيلي داخلي لم يعد «محتقناً» كما كان عليه قبل الآن، إذا أخذنا بعين الاعتبار ما كان قد وصله هذا الاحتقان، عندما وصلت الأمور إلى حواف «العصيان المدني»، وكان زخم «المعارضة» في الشارع الإسرائيلي في ذروته الأعلى.

أمّا إذا أضفنا إلى كلّ ذلك حالة الإقليم، والمصالحات التي تجري فيه سواء بين إيران والعربية السعودية، ومصالحات عودة سورية إلى الجامعة العربية، ومحاولات مصرية حثيثة لإعادة التهدئة ــ وربما طويلة الأمد نسبياً هذه المرّة ــ في قطاع غزة، وخمود الحرب في اليمن، ومحاولات جديدة وجادّة لإنهاء أزمة انتخاب الرئيس في لبنان، وسقوط المعارضة التركية في الانتخابات.

إذا ما أضفنا كلّ ذلك إلى الجوّ الإسرائيلي الداخلي، وإذا ما أضفنا «التغلغل» الصيني في منطقة الخليج العربي، ووصول العلاقات الإيرانية الروسية إلى مستويات أكبر وأعمق ممّا كانت عليه في أيّ وقتٍ مضى، فإن هذه التهديدات الإسرائيلية تبدو أكبر وأخطر بكثير من «مجرّد» اقتراب إيران من الحافّة العسكرية لتصنيع السلاح النووي.

لا تبدو «اللهجة» الأميركية ممتعضة بصورةٍ خاصّة من هذه التهديدات الإسرائيلية، ولا تبدو المواقف الأوروبية نفسها على نفس الأنساق السابقة في التعبير عن معارضة أوروبا لإيصال التوتّر في الإقليم إلى هذه الدرجة، بل يمكن القول إن ثمة ما هو قريب في كل هذا الأمر، بل وثمة ما يُضفي على تلك التهديدات أهمية خاصة.

هنا علينا ــ كما أرى ــ أن نعود إلى الوضع الدولي لمحاولة قراءة خارطة الصراع في الإقليم من وجهة النظر «الغربية».

لنبدأ بالسؤال الآتي:

هل غيّرت الولايات المتحدة موقفها، ولم تعد عند نفس الدرجة من «معارضة» التوجُّهات الإسرائيلية الخاصة بالملف النووي الإيراني بعد أن دخلت الصين بقوة على خطّ الصراع في الإقليم؟ وبعد أن لمست الولايات المتحدة أنّ التغلغل الصيني والروسي قد وصل إلى أقصى حدود الخطر؟ وبعد أن انخرط الإقليم كلّه في سلسلة مصالحات ليست مطلقاً في مصلحة الولايات المتحدة، ولا في مصلحة إسرائيل، ولا حتى في مصلحة أوروبا الغربية نفسها؟

أقصد هل باتت الولايات المتحدة تخشى من ضياع الإقليم ومن إفلاته من بين أصابعها، بحيث لم تعد تخشى من أن تكون الحرب الإقليمية الطاحنة والشاملة على حساب أولويتها المطلقة، أو التي كانت مطلقة في أوكرانيا وضد الدولة الروسية، بل وربما تكون ــ أو أصبحت ــ «ضرورية» لأن حسم هذه الحرب في مصلحة الولايات المتحدة و »الغرب» وإسرائيل قد يساعدها في الحرب الروسية الأوكرانية، وقد يؤدّي إلى زعزعة مكانة روسيا والصين ما سيؤدّي إلى إحداث فرقٍ كبير في نتائج تلك الحرب هناك؟

إذا صحّت هذه القراءة يُصبح الأمر في منتهى الجدّية، وفي منتهى الخطورة، أيضاً.

هنا نُصبح أمام وقائع جديدة، ومعطيات جديدة، بل وأمام حقائق جديدة كلّياً.

هنا لا تعود الحرب الإقليمية الطاحنة والشاملة، وربما التدميرية، أيضاً، مجرّد هروب إسرائيلي إلى الأمام، وليس مجرّد محاولة لتصدير أزمتها الداخلية، ويتحوّل الأمر برمّته إلى وجهة أخرى جديدة.

عندما نُراقب الاستماتة «الغربية» في الحرب الأوكرانية، وعندما نرى أنّ صوت ألمانيا أصبح مرتفعاً إلى درجةٍ غير معهودة، وكذلك أنّ فرنسا نفسها انخفض صوتها كثيراً عما كان عليه قبل عدّة شهور فقط، وعندما نلاحظ أنّ «الحياد» الإسرائيلي في تلك الحرب لم يعد كما كان عليه، وأن إسرائيل لم تعد تتحرّج من تخلّيها عن هذا الحياد.. عندما نرى كل ذلك، ونرى كلّ هذا التوتير الأميركي، والاستفزازات الأميركية للصين في المحيطين الهندي والهادئ فإنّ ثمة ما يشي بأنّ «الغرب» بات يعتبر أنّ كلّ ما يجري في خارطة الصراع الدولي يتحوّل يوماً بعد يومٍ إلى الطابع المصيري، الذي يتعلّق بكامل المصالح الإستراتيجية «الغربية»، وبمستقبل المكانة والدور «الغربي» في معادلة هذا الصراع.

لا يمكن الجزم بصحّة، أو لنقل دقّة هذه القراءة منذ الآن، لكنّ هناك من المعطيات ما يكفي بأنّ استبعاد مثل هذه القراءة سيعتبر بكلّ المقاييس خطأً فادحاً، وخطيراً إلى أبعد حدود الخطر.

ليس سهلاً، ولا حتى على الولايات المتحدة نفسها الذهاب باتجاه هذا الخيار، وهو ليس سهلاً على الإطلاق بالنسبة لأوروبا لأنه محفوف بمخاطر كبيرة على مصالحها الإستراتيجية المباشرة أكثر مما هو عليه الأمر بالنسبة للمصالح المباشرة للولايات المتحدة، والأهمّ من كلّ ذلك، وقبل كلّ ذلك فإنّ هذا الخيار سيكون هو الأصعب على إسرائيل، والأمر بكلّ بساطة بالنسبة لدولة الاحتلال ينطوي على أخطارٍ من نوعٍ آخر قد تصل إلى مستويات الخطر الوجودي نفسه.

ومع ذلك كلّه فإنّ إفلات الإقليم من السطوة الأميركية، واصطفاف هذا الإقليم خارج النسق الأميركي، ومن دون أيّ دورٍ خاص لإسرائيل، بل وربما على حساب أيّ دور خاص لها قد يؤدّي إلى حربٍ كهذه، وقد نكون للمرّة الأولى أمام توافقٍ أميركي إسرائيلي عليها.

أقرأ أيضًا: عن الدور الإقليمي لإيران.. بقلم الكاتب عبد المجيد سويلم

عن الدور الإقليمي لإيران.. بقلم الكاتب عبد المجيد سويلم

أقلام – مصدر الإخبارية

عن الدور الإقليمي لإيران، بقلم الكاتب الفلسطيني عبد المجيد سويلم، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

بالعودة إلى دور الدول التي تلعب أدواراً متفاوتة في منطقة الإقليم، فإنّ إيران باتت ليس مجرّد واحدة من بين هذه الدول، وإنّما باتت دولةً “خاصّة” في هذا الإطار، وليس فقط “محوريّة”، وإنّما دولة تمتلك واقعياً الكثير من عناصر القوة والتأثير، واكثر منها في مجال التنافس مع باقي دول المنطقة، بالاعتماد على مقوّمات وإمكانيات هي الأكثر فعاليةً، والأكثر “استقراراً” من تلك التي تمتلكها الدول الأخرى من زاويتين على الأقل:

الزاوية الأولى، وهي أن الدور الإيراني في منطقة الإقليم العربي، و”الشرق أوسطي”، أيضاً، قد بقي قوياً ومُؤثّراً عندما كانت إيران تسير في الفلك الغربي، وفي الفلك الأميركي تحديداً، وكانت تُعتبر بمقاييس المصالح الإستراتيجية الغربية في المرتبة الثانية بعد إسرائيل، دون أن تكون هناك هُوّة كبيرة بين المرتبة الأولى والثانية، وكانت تتقدّم على تركيا بدرجات، وكان تحالفها مع إسرائيل، وإلى حدّ ما مع تركيا والعربية السعودية يمثّل خط الدفاع الإستراتيجي في مواجهة تأثير وفعالية الدور المتعاظم للدور المصري في مرحلة الزعامة التي مثّلها الرئيس جمال عبد الناصر، والمدّ “القومي” الكبير الذي شهدته منطقة الإقليم، والتحالف مع الاتحاد السوفياتي، وقيادته لحركة عدم الانحياز، ما اعتبره “الغرب” تحالفاً مُوجّهاً ضده، وحركة في مواجهة التوجّه “الغربي” كلّه.

أمّا من الزاوية الثانية فإنّ الدور الإقليمي لـ(إيران) قد عاد ليكون دوراً محوريّاً ومفصليّاً دون أن يكون جزءاً من تحالفٍ غربي، بل وبالنقيض من تحالف كهذا أحياناً. وبرأينا أن هذه المسألة بالذات هي المقصودة، وهي المؤشّر والدليل على خصوصية الدور الإقليمي لـ(إيران).

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدور الإقليمي لـ(إسرائيل)، وكذلك مصر وتركيا والعربية السعودية قد تأثّر تأثراً كبيراً في المراحل المختلفة بنمط وطبيعة العلاقة التي كانت تربط هذه الدول بـ”الغرب” وإستراتيجيته ومصالحه، في حين أنّ الدور الإقليمي لا يتأثّر، ولم يتأثّر بنفس الدرجة، ولا بحدّة هذه الدرجة في الحالة الإيرانية.

دعونا نتصوّر مثلاً كيف سيكون عليه الدور الإقليمي لدولةٍ مثل إسرائيل دون الحماية والرعاية والاحتضان الكامل من قبل “الغرب” كلّه، وحتى دون أن يكون هذا الاحتضان إلى هذه الدرجة من التستُّر على جرائمها!

أو دعونا نتصوّر كيف كان عليه الدور الإقليمي لـ(مصر) عندما كانت “تُقارع” “الغرب”، وكيف انتهى إليه هذا الدور عندما “سلّمت” مصر مفاتيح الإقليم العربي للولايات المتحدة (التي أصبحت في عُرف “المرحلة الساداتية”، واستمرت إلى هذه الدرجة أو تلك حتى الآن..) وتحوّلت (بقدرة قادر) إلى الدولة التي تمتلك 100% من أوراق الحلّ في المنطقة!

ويكاد يسري هذا الأمر على الأدوار التركية والسعودية من زوايا محدّدة، حتى وإن كانت هذه الزوايا متفاوتةً بين دولة وأُخرى من حيث الدرجة والتأثير.

وبقدر ما يتعلّق الأمر بالدور الإقليمي لإيران بعد “الثورة الإسلامية” فإنّ هذا الدور أصبح يستند إلى مُعطيات، وإلى مُقوّمات، وإلى برامج ومُخطّطات وطُموحات، ثم إلى ثروات وموقع جيوسياسي، وإلى سيطرة وتحكُّم بممرّات ومنافذ على أعلى درجات الأهمية والحساسية.

قاعدة الارتكاز الأولى في أيّ دور إقليمي هي وجود مشروع (قومي أو وطني أو دولي)، بصرف النظر عن شرعية أو مشروعية هذا المشروع، والحقيقة أنّ الدور الإقليمي بمعزلٍ عن وجود مشروع كهذا هو دور وهمي وزائف بل ومستحيل، أيضاً.

المشروع الصهيوني هو سرّ الدور الإقليمي لإسرائيل، والمشروع القومي كان هو سرّ الدور الإقليمي لـ(مصر)، والمشروع الذي شرع به “حزب العدالة والتنمية” في تركيا هو سرّ الدور الإقليمي لـ(تركيا)، والمشروع القومي الفارسي هو سرّ الدور الإقليمي لـ(إيران)، والمشروع السعودي هو بكلّ تأكيدٍ سرّ دورها القادم.

يُضاف إلى وجود مثل هذا المشروع لدى إيران، وغياب مثل هذا المشروع إلى حدٍّ كبير في الحالة العربية بالرغم من وجود بعض المؤشّرات على مشروع قادم، فإنّ إيران تمتلك مُقوّمات أخرى كثيرة، إن كان لجهة الثروات المادية والبشرية، أو لجهة الموقع الإستراتيجي، وقوّة وتأثير العامل الأيديولوجي.

والحقيقة هنا هي أنّ إيران قد نجحت إلى درجةٍ معيّنة في “استمالة” الشيعة العرب في الدفاع عن (المشروع القومي الإيراني)، بل وتمكّنت من “بناء” ميليشيات رديفة للدولة في المحيط العربي، وتمكّنت هذه الميليشيات من: إمّا شلّ مشروع الدولة، كما حصل في العراق، ولبنان، واليمن.. أو التحكُّم بمسار هذه الدولة إذا أُتيحت لها الفرصة، وأن تهدّد وجودها أحياناً إذا لزم الأمر!

واستطاعت إيران أن تحقق من خلال هذه الاستمالة، ومن خلال حاضنة شعبية واسعة طائفية أو شبه طائفية غالباً، وحاضنة شعبية أقلّ من خارج حدود الطائفة أو من خلال الميل والعاطفة الدينية، أو من قبل قوى معادية لأميركا وإسرائيل وترى في المواقف الإيرانية دعماً وإسناداً لها.. استطاعت إيران أن تحدث تأثيراً هائلاً في قوسٍ واسعٍ من مساحة المشرق العربي كلّه.

وتمكّنت إيران من “التحالف” مع الولايات المتحدة في حالتين فاقعتين لإسقاط النظام في العراق، وفي أفغانستان دون أن تتنازل عن دورها الإقليمي، بل لزيادة هذا الدور تحديداً.

واستطاعت إيران أن تبني تحالفات إقليمية ذات شأنٍ كبيرٍ في الحالة السورية، والحالة اليمنية، وأن تُحوّل جزءاً كبيراً من الشيعة العرب في العراق ولبنان إلى مصدر قوّة للمشروع الإيراني، بل وتمكّنت من أن يكون لها تأثير كبير على فصائل المقاومة في قطاع غزة ، وأصبح القرار الإيراني لدى الفصائل المسلّحة فيها قراراً مُؤثّراً وحاسماً أحياناً.

وبَنَت إيران شبكة من العلاقات القوية، الاقتصادية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وأخرى سياسية مع دولة قطر، وعلاقات خاصّة ومتينة ومميّزة مع عُمان، ما يعني أنها تمتلك درجة لا يُستهان بها في التأثير على بلدان “مجلس التعاون الخليجي” نفسه، هذا إضافةً إلى شبكة من العلاقات الإستراتيجية الخاصة مع الصين وروسيا، ومع بلدان كثيرة تُعاني من المواقف العدوانية الأميركية، وتدفع أثماناً باهظة جرّاء مواقفها الوطنية المستقلّة، ورغبتها بالتخلُّص من الهيمنة “الغربية”.

وتمتلك إيران القدرة على التحكُّم بالممرّات الإستراتيجية في منطقة الخليج، وخصوصاً مضيق هرمز، وهي باتت قوّة عسكرية كبيرة في مجال الدفاع الجوّي، وفي امتلاكها جيشا برّيا جرّارا مجهّزا بأحدث الأسلحة، ولديها تفوّق كبير في قواتها البحرية، حتى بالمقارنة مع البحرية الإسرائيلية نفسها.

وتتفوّق إيران في مجال البحث العلمي على كثيرٍ من دول الإقليم، وباتت تمتلك ناصية التكنولوجيا النووية، ويُمكنها أن تصنع القنبلة النووية متى “تشاء”، (هذا إذا ما كانت قد فعلت منذ زمن)، ولديها مؤسسات للحكم تتّسم بدرجةٍ معيّنة، وخاصة من المؤسّساتية، بصرف النظر عن أن هذه المؤسّساتية محكومة بسقوف مُؤطّرة في نطاقٍ مُسيطر عليه من قبل الإشراف العام للمؤسّسة الدينية.

الصراع بين إيران، وبالتنافس مع دول الإقليم الأخرى هو في جوهره صراع على النفوذ، ومزاحمة على الأدوار الإقليمية، وهي ليست على أيّ استعداد للتراجع عن الدور والمكانة التي تراها لنفسها في كامل منطقة الإقليم.

أقرأ أيضًا: في ذكرى النكبة.. بقلم عبد المجيد سويلم

عن الدور الإقليمي للعربية السعودية مرة أخرى

أقلام – مصدر الإخبارية

عن الدور الإقليمي للعربية السعودية مرة أخرى، بقلم الكاتب الفلسطيني عبد المجيد سويلم، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

عندما حاولت الولايات المتحدة إعطاء الطابع الرسمي لـ “التطبيع” من خلال صيغة أمنية ملموسة، واقترحت صيغة “الناتو الشرق أوسطي” تبيّن للسعودية أنّ الهمّ الرئيسي لأميركا كان إضفاء “شرعية” ما على الاشتراك العربي، وخصوصاً السعودي، في المخطّطات الأميركية، بل وتوريط بلدان الخليج العربية في أيّ صراع مسلّح كبير أو حرب أميركية إسرائيلية على إيران، وهو هدف سيورّط هذه البلدان بالمزيد من التسلّح، والمزيد من التبعية الأمنية لكل من أميركا وإسرائيل، إضافةً إلى تهديد هذه البلدان بالدمار والخراب.

وملخّص الأمر هنا هو أن الولايات المتحدة بالرغم من حاجتها الملحّة لاستمالة “العربية السعودية”، ونيل رضاها، ومشاركتها في هموم المملكة وهموم الإقليم، أصبحت تستخف بها، وتهدّدها تحت ذرائع وحُجج “واهية” بالمقارنة مع ما قامت أميركا نفسها من نفس طراز هذه الحُجج، بل وأكثر كثيراً، ربّما لا يُقاس.

عقلية الاستعلاء، التي تعكس روح الهيمنة الاستعمارية، والصلف الأميركي والتصرف باعتبار أميركا شرطي العالم وقاضيه وجلّاده هو ما أوصل القيادة السعودية الشابة إلى عملية تاريخية جديدة من “التمرُّد الناعم” على سياساتها المنحازة فقط لإسرائيل، ولمصالح “الغرب” دون أيّ اعتبار يُذكر لمصالح حلفائها.

وهذا الصلف شهدنا فصوله المتتالية في عهد ترامب، ونتائج فصوله الجديدة في إخضاع الأوروبيين أنفسهم لأهداف الولايات المتحدة الخاصة والضيّقة، وبصورة تبعث على أعلى درجات الامتعاض، إن لم نقل على الاشمئزاز نفسه.

ثالثاً: وجود قيادة شابّة وطموحة، وشُجاعة في التصدي لقضايا كانت تعتبر من مُسلّمات الحكم والسياسة في البلاد، بما فيها سطوة المؤسّسة الدينية الرسمية، وهيمتها المطلقة على الفضاء الاجتماعي والثقافي والتربوي.. وجود هكذا قيادة لا يكفي وحده لقيادة عملية تاريخية في بلدٍ كبير، وعظيم الشأن والتأثير لمكانته التاريخية الدينية، ولقدراته الاقتصادية، ودوره الإقليمي الهائل ــ بصرف النظر عن شكل ومحتوى هذا التأثير ــ من دون أن يترافق دور هذه القيادة ويتكيّف مع معطيات المعادلات الدولية للصراع، ومع موازينه الجديدة، ومع قوى المستقبل فيه وأشكال التحالفات والاصطفافات التي ستتشكّل، والحقائق التي ستترسّخ تباعاً.

وهنا بالذات يُحسب للقيادة السعودية القدرة في قراءة حقائق هذا الصراع وهذه التوازنات، وهذه الاصطفافات.

كاتب هذه المقالة لم يتوقّع في حينه أن تكون القيادة السعودية على هذه الدرجة من التنبُّه والحذر والدراية والحِنكة السياسية. وقد أخطأتُ شخصياً حين اعتبرت أن الإدارة الأميركية ستنجح في توريط المملكة بـ “الناتو الجديد”، وهو ما يدلّ على أنّ المؤسّساتية في المملكة باتت قادرة على المعرفة والتقدير واختيار القرار المناسب النابع من مصالح البلد أوّلاً وقبل أيّ مصالح أُخرى.

رابعاً: في إطار القدرة على رصد الواقع وقراءة المتغيّرات الإقليمية أظنّ أنّ المملكة قد لاحظت بوعيٍ كبير الدور الصيني الجديد في عالم اليوم، واستبقت بلداناً كثيرة لبناء علاقات هامّة وإستراتيجية معها، تماماً كما كانت قد قرأت أنّ من مصلحتها الخاصّة الإبقاء على علاقاتها الصحّية مع دولة بحجم روسيا الاتحادية، ومن زاوية الأزمة الخاصّة بالطاقة على الصعيد الكوني، في ضوء النتائج التي ترتّبت على الحرب في أوكرانيا، والنتائج التي يمكن أن تترتّب على حروب تحاول الولايات المتحدة افتعالها في بحر الصين، أو حول مستقبل تايوان أو غيرها، وكان من نتائج هذه القراءة أن اختارت المملكة مصالح شعبها، ومصالح أمّتها، ومصالح المنطقة.

خامساً: من الواضح أنّ هذه النزعة السعودية نحو درجةٍ معيّنة من الاستقلال عن الاندراج التام في الإطار والإستراتيجيات الغربية قد تصاحب مع نزعات على الصعيد الإقليمي والدولي على حدّ سواء.

لقد قرأت “العربية السعودية” جيّداً الاستدارات التي قامت بها إيران للحفاظ على مصالحها، والمرونة التي أبدتها إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتفويت الفرصة على مخطّطات “الغرب” للإيقاع بها، بل والاستفراد بها، ولاحظت المملكة الاستدارة التركية جيّداً، وكيف تراجعت تركيا لأسباب كثيرة من بعض السياسات التي أضرّت بها، وعادت للتأقلم مع المتغيّرات الدولية الجديدة، وتراجعت تحديداً عن الدعم غير المشروط لـ “الإسلام السياسي” في شقّه “الإخواني”، وعن سياسة المحاور ضد مصر، والبلدان العربية في الخليج، وأصبحت تميل لعلاقات متوازنة مع روسيا، وتعبّر عن استعدادات جديدة لحلّ الصراع في سورية على أُسس وقواعد لم تكن تقبل بها مُطلقاً، كما أظنّ أن موقف الهند قد أوحى للقيادة السعودية.

كما قرَأَت المملكة الأزمة الإسرائيلية الداخلية مبكراً، ما أتاح لها فرصة التأنّي بمسألة “التطبيع”، ووفّر لها هوامش واسعة من المناورة نحو شروط ومحدّدات هذا “التطبيع”، والذي يستحيل على إسرائيل القبول بها في ظلّ ما وصلت إليه أزمتها المستعصية.

وفي الواقع فإنّ المملكة بات لديها مخطّطات كبيرة واستراتيجية للتحديث، ولم يعد لديها ما يمنع تطعيم هذا التحديث بعناصر عقلانية من الحداثة نفسها، ولديها طموحات في التحوّل إلى مركزٍ صناعي، وتقني، وسياحي سيجعل من الاعتماد على النفط وعوائده مجرّد أحد مصادر الدخل، وليس المصدر الوحيد أو يكاد يكون الوحيد كما كان لسنواتٍ طويلة، وسيحول الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد مُنتج بدلاً من الاقتصاد الريعي، وسيحوّل المجتمع السعودي الزاخر بالطاقات الشابّة والفنّية إلى مجتمعٍ نشط في عملية التحديث والبناء الجديد، وهذه كلّها ليست سوى معالم مرحلة جديدة ستحوّل الدور الإقليمي لـ “العربية السعودية” من دور مُلحق بـ “الغرب” إلى دور أقرب إلى الدور الإقليمي المتوازن والمتّزن، وهذا أكثر ما يخشاه “الغرب”، وما سيحاول منعه بكلّ الوسائل بما فيها الوسائل غير المشروعة تحديداً.

أقرأ أيضًا: في ذكرى النكبة.. بقلم عبد المجيد سويلم

هل باتت المصالحة الفلسطينية قريبة؟

أقلام – مصدر الإخبارية

هل باتت المصالحة الفلسطينية قريبة؟، بقلم الكاتب الفلسطيني عبد المجيد سويلم، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

سأُغامِر بالإجابة عن هذا السؤال بـ (نعم) كبيرة. والسبب بسيط، وهو أنّ هذه “المصالحة” لم يكن قرارها فلسطينياً في أيّ يومٍ من الأيّام، وهذا هو السبب الأوّل.
والسبب الثاني، لأن “الانقلاب”، ثم “الانقسام”، ثم التصعيد نحو درجةٍ معيّنة من الانفصال لم يكن قراراً فلسطينياً خالصاً، وإنّما كان ــ كما تُثبت الأحداث ــ قراراً إقليمياً.
والسبب الثالث، هو أن “الانقسام” بات يتعارض بالكامل مع توجّهات “الإقليم”، ولم يعد حتى العامل الإسرائيلي نفسه بنفس درجة التأثير السابق، ناهيكم أنّ المصلحة الإسرائيلية نفسها لم تعد هي نفس المصلحة السابقة في هذا “الانقسام”.
بعيداً عن كلّ كلام “الإنشاء”، وعن كلّ الشعارات والخُطَب الرنّانة حول “أخطار” هذا “الانقسام” على المشروع الوطني، وعلى القضية الوطنية، وأهداف الشعب الفلسطيني في التحرُّر من الاحتلال، وبناء كيانه الوطني في دولةٍ وطنية، وفي فرض وإحقاق قرارات الشرعية الدولية حول حقوقه الثابتة في تقرير المصير والعودة.. بعيداً عن كلّ هذا الإنشاء حول “أخطار” “الانقسام” على هذا كلّه لم تتقدّم “المصالحة” ولا خطوة واحدة، جدّية أو حقيقية على مدى أكثر من عقدٍ ونصف العقد، بل إن كل مناسبة، وكل محاولة على هذا الصعيد كانت تعقبها معارك إعلامية تصعيدية، إمّا أثناء هذه المحاولات، أو مباشرةً بعد انتهاء هذه المحاولات نحو الفشل المُعلَن.
من حيث المظهر كانت أسباب هذا الفشل تبدو فعلاً وكأنّها اختلافات أو خلافات “جوهرية” تتعلّق بمعادلة “المقاومة” و”المساومة”. وكان يُطلق في إطار الدعاية المصاحبة لهذه المعادلة عشرات الشعارات والتوصيفات التي [تثبت] أن هذه هي معادلة الخلاف والاختلاف.
مع مرور الوقت ودخول الحالة الفلسطينية في مرحلة الارتهان الشامل والكامل من قبل طرفي معادلة “الانقسام”، وتحول “التنسيق الأمني” إلى حالة مشتركة، وقاسم مشترك كبير بينهما، وتحول العامل الاقتصادي إلى عامل مشترك جديد عَبر بوابة الاحتلال نفسه، بعد مرحلة الاقتطاعات والحصار المالي للسلطة الوطنية، وبعد مرحلة “الحقائب” الدولارية بالنسبة للوضع في قطاع غزة بدأت تتلاشى تباعاً شعارات “المقاومة والمساومة”، وأصبحت قضايا الخلاف والاختلاف تصنّف بصورة جديدة تحت بنود “المصالح الخاصة” بـ “الانقسام”، و”الامتيازات” التي بُنيت مؤسّساتياً حول هذه “الامتيازات”.
ودخل “الانقسام” مرحلة جديدة عندما تحوّل مشروع “المقاومة” إلى مشروع للسلطة في القطاع، وإلى تحوّل مشروع السلطة هناك إلى أولوية مطلقة بالمقارنة مع مشروع “المقاومة”.
لم يتبّق بلد عربي واحد، أو حتى إسلامي إلّا وحاول بصورةٍ أو بأخرى ثني أطراف هذا “الانقسام” عن المضيّ قُدُماً فيه، ووصلت الأمور إلى تدخّلات “دولية” من أجل إنهائه دون أي تقدّم يُذكر، ودون التوافق إلى ما هو أدنى من أي حدّ أدنى دون جدوى على الإطلاق.
أمّا الحالة الجماهيرية، فحدّث ولا حَرَج، فقد انبرت كل القوى على جانبيّ أطراف “الانقسام”، وبادر المجتمع المدني الفلسطيني لعشرات المرّات، والأصحّ القول لمئات المرّات، دون أن يتحقّق أيّ شيء على أرض الواقع، وأعتقد أنّ ما ذُكر وكُتب حول “أهمية” إنهاء “الانقسام”، ومحورية ومفصلية ذلك بات بالأطنان من الدراسات والأبحاث، والمصنّفات، والتوصيات، والمناشدات، والمذكّرات، وغيرها.. وغيرها من أشكال النداءات والاستغاثات، وصولاً إلى التوسُّلات دون أيّ طائل.
ظلَّ الفشل، والانتهاء إلى حالةٍ أسوأ ممّا كانت عليه في كلّ مرّة يتكرّر، لأن الاعتقاد الذي ساد حول أسباب هذا الفشل لم يكن سوى حالة فشل إضافية في رؤية الأسباب، وفي قراءة حقيقة وواقع هذا “الانقسام”.
كلّ ما كانت تجري مناقشته، ومعالجته، ومحاولة فهمه، والعمل على إصلاحه، وكلّ ما كان يتمّ “البناء” عليه أو محاولة البناء عليه لم يكن في الواقع سوى حالة فشل في قراءة هذا “الانقسام”، والغوص في تفاصيل المظهر، على حساب معرفة الجوهر.
مشروع “الانقسام” أساساً، وبصرف النظر عن كل مظاهر تردّي الحالة الوطنية، وسوء الأداء الفلسطيني، وعن كلّ مظاهر الفساد والإفساد، وعن كل المراهنات على “تسوية” هي في الواقع تسوية مستحيلة في ظلّ شروط وهيمنة المشروع الصهيوني في الاحتلال والاستيطان، بصرف النظر عن كل ذلك.. فإنّ مشروع “الانقسام” الذي نتج عن “الانقلاب”، وما سموه “الحسم العسكري” آنذاك، لم يكن في الواقع نتيجة لهذه الأسباب كلّها، وإنّما استعان بها مشروع “الانقسام” ليس إلّا، وذلك لأن المشروع كان بالأساس قراراً لحركة “الإخوان المسلمين”، ودعم حركة “الإخوان” في عموم الإقليم لـ “الانقلاب”، ثم لـ “الانقسام”، ودعم قطر وتركيا [بصرف النظر عن الشكل الخاص لهذا الدعم] لا يحتاج منّا إلى أيّ دليل، وهو ثابت وواضح ومُعلَن، ومكشوف، ولا ينفيه أحد، ولا يُنكره أحد.
حركة “الإخوان المسلمين” دخلت في مشروع “تدمير” المؤسّسة الوطنية ليس فقط في فلسطين، وإنّما دخلت في المشروع على المستوى الإقليمي الشامل، وكان “البدء” من فلسطين لأسبابٍ كثيرة، لعلّ أهمّها أن “غطاء” “المقاومة” جاهز، والأداء الفلسطيني أكثر من كافٍ على هذا الصعيد، وهشاشة الوضع الفلسطيني كافية.
تعزّز مشروع “الانقسام” بعد فشل “الإخوان” إقليمياً، وبعد أن فقدوا كلّ إمكانية لـ”بناء تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة” إثر هزيمتهم في مصر، ثم في باقي “الإقليم”، وخصوصاً في سورية وليبيا والسودان واليمن.
هذا هو السبب الحقيقي لـ “الانقسام”، وكلّ ما يُقال عن أسبابٍ أخرى، مهما كانت صحيحة فهي من الأسباب المساعدة، والمحفّزة، والمشجّعة، لكنّها ليست الأسباب الحقيقية.
لو كانت الأسباب التي أدّت إلى “الانقلاب”، ثم إلى “الانقسام” هي أسباب فلسطينية خالصة لأمكن التوافق على حلّها أو تجاوزها منذ أمدٍ بعيد، ولو كانت المسألة تكمن في المصالح الخاصة فقط، لأمكن اقتسامها، ولو كانت تتعلّق بمشروع “المقاومة” لكان بالإمكان التفاهم عليها بعد أن تحوّل مشروع “المقاومة” إلى مشروع “للسلطة”، ولو كان الأمر كلّه يتعلّق بالاختلاف على “التسوية” لأمكن تحديد متطلّباتها والتوافق على هذه المتطلّبات، أما الحقيقة فهي أن “الانقسام”، ومن قبله “الانقلاب” كان قراراً “إقليمياً” مدعوماً من إسرائيل، ربّما لأسبابها الخاصّة، ومسكوتا عنه دولياً ــ أقصد “غربياً”، وخصوصاً أميركياً وأوروبياً ــ.
مع “المصالحة” الإيرانية السعودية سيتحوّل “ملفّ” “الانقسام” الفلسطيني إلى “ملفّ خاص” في إطار هذه “المصالحة”، تماماً كما هو “الملفّ اليمني”، و”الملفّ السوري” و”الملفّ اللبناني” و”الملفّ العراقي” نفسه، خصوصاً وأن ” حماس ” قد “توغّلت” في “المحور الإيراني” في المراحل الأخيرة، وأصبحت إحدى الأذرع الخاصة في هذا المحور.
ستسمعون، أيَّتها السيّدات وأيّها السّادة كلاماً جديداً عن أهمية “رأب الصَّدع”، وعن ضرورة “الوحدة”، وعن الأهمية الاستراتيجية الخاصة بإنهاء “الانقسام” في الأشهر القادمة، وسنكتشف معاً كم كنّا مُغفّلين وساذجين ونحن نبحث عن حلولٍ لإنهاء “الانقسام”.

أقرأ أيضًا: عالم جديد يولد رسمياً في موسكو.. عبد المجيد سويلم

نتنياهو كلما ربح زادت خسارته

أقلام – مصدر الإخبارية

نتنياهو كلما ربح زادت خسارته!، بقلم الكاتب والمحلل السياسي عبد المجيد سويلم، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

سواءٌ أكانت «حفلة» الصواريخ جدّية، أم نصف جدّية، أم لُعبة مُفتعلة، فإنها لم تُحقّق ل بنيامين نتنياهو سوى بعض المكاسب المؤقّتة التي ستتحوّل إلى خسارات كبيرة.

وطالما أنّ الذين أطلقوا هذه الصواريخ كانوا من عداد قوى «المقاومة» أو من «الأشباح»، فإنّ تطوّر الأحداث باتجاه ما يرمي إليه نتنياهو يظلّ، وسيظلّ ضعيفاً ومفتوحاً على اتجاهات معاكسة، بما فيها انكشاف أهدافها كلُعبة صغيرة.

وطالما أنّ سَحب البساط من تحت أرجل المدافعين عن الأقصى الشريف فشل أو سيفشل، فإنّ خسارة نتنياهو تصبح مؤكّدة، وخسارة إسرائيل تصبح مضاعفة.

إذا عادت الصورة من جديد إلى رحاب المسجد، وإذا عادت بنفس الزخم [وهي ستعود حتماً] فسيتمّ بصورة حتمية، أيضاً، الحديث وبزخمٍ كبير هذه المرّة عن جدوى هذه الصواريخ، طالما أنّ معظم القائمين على إطلاقها «يتنافسون» على سرعة التبرؤ منها! ما يُفقد نتنياهو القدرة العملية على «الاستعانة» بها، أو توظيفها للتخفيف من ضغوط الأزمة الخانقة التي تحيط به من كل جانب.

إذا ما بدأنا بالطرف أو الأطراف التي تقف خلف هذه «الحفلة» السريعة من إطلاق الصواريخ، بعيداً عن مُفردات اللغة التشكيكية، واعتبرنا أن المسألة مجرّد اجتهاد فمن المؤكّد أن هؤلاء لم يُحسنوا هذا الاجتهاد، وليس لهم إلّا أجراً واحداً، وربّما أقلّ.

وإذا كان القائمون على إطلاقها قد أرادوا التعبير عن دعمهم لـ»الأقصى» بوساطة إطلاقها، فليس من مصلحة «الأقصى» أن تبدو الصورة وكأنّها صواريخ مجهولة الهويّة، وليس لديها «عنوان»، وليست هذه هي الوسيلة التي تدعم المدافعين عن الأقصى، خصوصاً وأنها ــ أي الصواريخ ــ تبدو فاقدة لأيّ شرعية في بعض النواحي، أو هي فاقدة للجدّية من نواحٍ أخرى لأنها صواريخ «على الماشي».

باختصار، فإنّ إطلاق الصواريخ هنا وبهذه الوضعية، وبهذه الخلفية، وافتقادها إلى العنوان والهويّة، وإلى المصداقية والجدّية، يحوّل الأمور برمّتها إلى شكل «كاريكاتوري» لا يحقق لأصحابه شيئاً جدّياً واحداً، ولا يضيف إلى ميزان حسناتهم مثقال ذرّةٍ في هذا المجال بالذات.

أقصد أن الجهة التي أطلقت الصواريخ من جنوب لبنان، ومن منطقة القنيطرة السورية هي جهة فلسطينية، ولكنها محسوبة على إيران بكلّ تأكيد، وربما يكون «الهدف» هو «الردّ» على مقتل اثنين من قادة «الحرس الثوري»، أو المستشارين العسكريين الإيرانيين العاملين على الأرض السورية، وأن الأمر يتعلق «باستخدام» الحالة في القدس أكثر مما هو حالة دعم للأقصى، وذلك لأن الخطر على الأقصى أكبر من «الحفلة».

حاول نتنياهو أن يستثمر أقصى ما يمكن استثماره، لكن «الحصاد» كان بائساً وأقلّ من التوقّعات.

إذا انتقلت للطرف الإسرائيلي، وإلى حكومة التطرُّف والعنصرية والفاشية فإنّ مشكلتها أو أزمتها أكبر وأعمق من أن تجد مخرجاً سريعاً لها من خلال ما جرى في الأيام الثلاثة الماضية.

فمن ناحية لا تستطيع هذه الحكومة التراجع عن كلّ ما «تحقّق» لإسرائيل من «مكاسب» بالاستباحة اليومية لساحات المسجد، وعمّا وصلت إليه «الوقائع» من فرض بعض أشكال التقسيم الزماني والمكاني، وبات الأمر الوحيد المتبقّي من وجهة نظر هذه الحكومة ليس إغلاق المسجد أمام المصلّين كإجراء روتيني أو عادي إذا «تطلّب» الأمر ذلك، وإنّما «فرض» حق اليهود بممارسة كل الطقوس الدينية اليهودية كاملةً وغير منقوصةٍ في ساحات المسجد، بما في ذلك «القرابين» وغيرها من الطقوس التي تكرّس «الحقّ الديني» اليهودي في المسجد.

والأمر بالنسبة للقوى الفاشية أبعد من ذلك وصولاً إلى إنهاء أيّ دورٍ للأوقاف الفلسطينية والأردنية، وتحويل دورهما إلى «ديكور» شكلي حول «حرية» العبادة في القدس.

باختصار، المعركة الآن هي حول تكريس «حقّ» اليهود في المسجد، وما حوله، وتصفية المفهوم الذي يكرّس المسجد كونه بقعة مقدّسة للمسلمين حصرياً، حتى يتمّ شرعنة تقسيمه زمانياً ومكانياً على طريق تحويل حق المسلمين فيه إلى مجرّد إذن وترخيص إسرائيلي بالصلاة فيه.

لن تقبل أحزاب «اليمين» الفاشي والقومي والديني البقاء دقيقة واحدة في حكومة نتنياهو إذا تراجع الأخير عن كلّ ما بات هذا «اليمين» يراه «حقوقاً» ثابتة ومكرّسة.

الهجمات التي قامت بها حكومة نتنياهو على المسجد الأقصى قبل حفلة الصواريخ الأخيرة لن تتراجع إلّا في بعض مظاهرها الفاقعة، ولكنها ستتحوّل إلى «وقائع» مكرّسة من الناحية العملية، ما سيعمّق أزمة نتنياهو داخلياً وإقليمياً ودولياً على حدّ سواء.

وليس المقصود هنا أبداً أن «المعارضة» الداخلية الإسرائيلية، أو الاعتراض العربي والإقليمي والدولي سيتحوّل إلى سيفٍ مُسلّط على عُنق نتنياهو، ولكن المقصود هو أن تلك «المعارضة»، وهذا الاعتراض سيصعّب عليه التراجع حتى لو رغب بذلك، لأن السيف المُسلّط على رقبته هو سيف «اليمين» الفاشي الذي سيرى في أزمة نتنياهو الجديدة هنا فرصته الكاملة لفرض وتكريس ما يصبو إليه.

راهن نتنياهو قليلاً أن تكون قضية أو حفلة الصواريخ عاملاً مساعداً على «فكّ» العزلة عن حكومته، حتى ولو بصورةٍ مؤقّتة، إلّا أن الأمر كلّه تبخّر الآن، وتراجع الوهم حول إمكانية حرف مسار الأحداث، وعادت القضية إلى المربّع الأوّل، وتحوّلت المعركة حول «الأقصى» وعادت إلى كونها المعركة الرئيسة والكبرى، والعنوان الأهمّ في الصراع المحتدم على طول فلسطين وعرضها، كلّ فلسطين، وليس الخاضع للاحتلال العسكري المباشر منها.

الذي لا يرغب نتنياهو الإقرار به هو أن انتظار «الفَرَج» من الخارج ومراهنته على «اليمين» الدولي، هو بمثابة مقتل له ولحكومته على حدّ سواء.

الإدارة الحالية في الولايات المتحدة الأميركية، ومن خلفها أوروبا الغربية، و»الغرب» عموماً لا يرغبون ببقاء نتنياهو، وهم يدعمون «المعارضة» الاحتجاجية ــ كما أرى ــ فعلاً، وليس توقُّعاً، لأن بقاء هذه الحكومة يُنذر بأخطارٍ كبيرة عليهم قبل أن يُنذر على المنطقة والإقليم.

«الغرب» يقرأ جيّداً، وقد قرأ فعلاً الأزمة الإسرائيلية من زاوية مصالحه الإستراتيجية، وليس من زاوية المصالح الحزبية فيها.

«الغرب» يعي بعمق أنّ «الانقلاب القضائي نفسه» شديد الصلة بالصراع مع الشعب الفلسطيني، وبحسم هذا الصراع كما يراه، وكما يخطّط له «اليمين» الفاشي في إسرائيل، ويرى أن الحلول الترقيعية حول معركة هذا الانقلاب لن تتمكّن على المدى المتوسّط، أو البعيد من إيجاد مخرجٍ حقيقي من الأزمة، بل وقد لا يكون متاحاً مثل هذا المخرج على المدى المباشر أصلاً، ما يعني أنّ إسرائيل ستكون أمام أخطار وجودية حقيقية، وليس متخيّلة أو موهومة، و»الغرب» في هذه الحالة يكون قد فقد أكبر قاعدة، وأقوى مرتكز في واحدة من أخطر وأكبر مناطق العالم أهمية له.

لا يمكن أن يقف «الغرب» متفرّجاً أو حياديّاً حيال أخطارٍ كهذه على مصالحه الإستراتيجية، وهو لن يغامر بالجلوس على مقاعد المشاهدة لانتقال «الكرة» من فريقٍ إلى آخر، وأغلب الظنّ أنه قد حسم خياراته لصالح «المعارضة» الاحتجاجية، ولم يتبّق سوى انتظار الفرصة المناسبة.

لهذا فإنّ كل المكاسب المؤقّتة لنتنياهو وفريقه مكاسب صغيرة، وهي محاولات يائسة في الواقع لأن الخسارات الناتجة عن مناوراته في محيط هذه المكاسب الصغيرة، أو المتناهية الصغر، ستكلفه وجود أو بقاء حكومته، كما ستكلفه البقاء في الحلبة السياسية الإسرائيلية.

وحتى لو أن «اليمين» الفاشي قد حاول أن «يتفهّم» عمق الأزمة، وحقيقة الأخطار التي تهدّد الائتلاف الحاكم، وصعوبة رجوع هذه الحكومة إذا جرت انتخابات جديدة، وأعطت لنتنياهو بعض الدعم المؤقّت، وأبدت بعض المرونة حيال بعض القضايا الشكلية فيما يتعلق بالقدس والأقصى، فإنّ «المعارضة» الاحتجاجية لن تقبل بأقلّ من «إلغاء» الانقلاب القضائي، وحينها ستدخل الولايات المتحدة الأميركية على الخط مباشرةً، ولا أستبعد مطلقاً أن تعيد سيناريو محاكمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لرئيس وزراء الاحتلال، خصوصاً أنّ نتنياهو بات يُعلّق كلّ آماله على نجاح الحزب الجمهوري، ونجاح ترامب كمخرجٍ إستراتيجي من الأزمة الإسرائيلية، أو كمراهنة إستراتيجية على الخروج منها.

أزعم وأكاد أجزم أن «الغرب» يعمل ومنذ الآن، وعلى مدار الساعة، للتخلّص من نتنياهو، مع أن هذا التوجّه لن يحلّ الأزمة الإسرائيلية مُطلَقاً.

أسبوع حاسم في دولة الاحتلال

أقلام – مصدر الإخبارية

أسبوع حاسم في دولة الاحتلال، بقلم الكاتب الفلسطيني عبد المجيد سويلم، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

حاسم لأن «المعارضة» باتت تُعَدّ بمئات الآلاف. وحاسم لأن هذه «المعارضة» تقترب من المليونيات! حاسم لأن «حزب الليكود» يجد صعوبة متزايدة في البقاء «متماسكاً» أكثر مما تماسك حتى الآن، والأزمة الإسرائيلية التي وصلت وشبعت وصولاً إلى مرحلة اللاعودة «أخذت» تنخر في عظم الائتلاف.

حاسم لأن الحديث عن «الشلل القومي» أصبح وتحوّل إلى يوميات من عمليات الاحتجاج، وأشكال العصيان المدني آخذة في «الاندماج» على جدول أعمال هذه الاحتجاجات.

حاسم لأن «التمرّد» داخل الجيش وصل إلى القمّة، ولم يعد في صفوف القواعد فقط.

وحاسم لأن المضيّ قدماً في «إصلاحات» بنيامين نتنياهو هو بمثابة تحوّل «المعارك» إلى أحد مسمّيات «كسر العظم».

«المعارضة» لن تتعايش أبداً مع دولة ديكتاتورية حسب الوصف الذي تطلقه على مرحلة ما بعد «إقرار» الإصلاحات، وغالبية أحزاب الائتلاف لا ترى في الدولة «الديمقراطية» سوى عقبة في طريق دولة الشريعة القادمة «لا محالة»، ولم تعد هذه الأحزاب ترى في الدولة «الديمقراطية» إلّا دولة الماضي، التي انتهت صلاحيتها، واستنفدت مهامها، وفقدت ضرورتها، وهي بنظرهم ليست سوى أحد أشكال الشرعية «المضادّة» لدولة الشريعة، «الشرعية» والوحيدة.

باختصار نحن أمام أيّام الحسم الكبير.

إذا تنازل «اليمين القومي الديني الفاشي» فليس أمامه سوى الاندحار، وإذا تنازلت «المعارضة» فالأمر لا يختلف.

كلما تأخّر «الحسم» وطالت الفترة الانتقالية نحو الوجهة القادمة، اشتدّ الصراع، وفقدت دولة الاحتلال مكامن قوتها، وتراجعت هيبتها، وكلما تحددت معالم وجهتها «الجديدة» ستشتدّ الحاجة إلى تأجيج الصراع أكثر فأكثر، وأعلى فأعلى، وأخطر فأخطر، لأن الصراع يتخذ في حينه طابعاً مصيرياً.. وباختصار، أيضاً، يكاد يتلاشى «الأمل» بالحلول الوسط.

هذا المشهد هو المشهد الحقيقي الماثل، وهذه هي الصورة الوحيدة التي تنقلها وسائل الإعلام «نقلاً» عن الواقع القائم.

هذه الصورة، وذاك المشهد الذي يعكس الأزمة المستفحلة في إسرائيل يشوبهما، بقدر ما يتعلق الأمر بمضمون هذه الأزمة، الكثير من التشوُّش، إضافةً إلى بعض التشوُّش في الشكل، أيضاً.

قلّما تتمكن وسائل الإعلام من قراءة شكل الأزمة الإسرائيلية، وغالباً ما «تفشل» هذه الوسائل في الإحاطة الرزينة بطبيعة هذه الأزمة، من حيث جذورها، وسياقاتها وعناصر التأثير المتبادل في مكوّناتها وتناقضات هذه العناصر في محتواها أو مضمونها.

لا غرابة في ذلك، لأنّ مهمّة القراءة «العلمية» لهذه الأزمة ليست مهمّة وسائل الإعلام، وإنّما مهمّة مراكز البحث والتفكير، وليس مراكز البحث والتفكير فقط، وإنّما تلك التي تتحرّى بقدر ما هو ممكن، وبقدر ما ينطوي عليه هذا الأمر من طابعٍ نسبي مؤكّد، وذلك لأن مراكز البحث والتفكير الحزبية والمنحازة بصورة مسبقة لهذا الطرف أو ذاك من طرفَيّ، أو أطراف هذه الأزمة، غالباً ما تضع «الهدف» الذي تبتغي الوصول إليه بصورة «قبلية»، وهي من أجل الوصول إليه تحاول البحث عن المعطيات والوقائع، وأنصاف الحقائق، أو أرباعها، وتوظفها للوصول إلى الهدف المسبق وشتّان ما بين هذه وتلك.

إذا بدأنا بـ»اليمين»، وبجناحه الفاشي على وجه الخصوص، فإنّ هذا «اليمين» قد قرأ المرحلة بأنها مرحلة حسم الصراع من كل جوانبه.

وحسم الصراع من وجهة نظر هذا «اليمين» يتطلّب حسم الصراع الداخلي، على ماهية النظام وعلى طبيعة الدولة.

أي أن «اليمين» يربط بصورة عضوية بين حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني، بل ومع الشعوب العربية المحيطة لفلسطين، أوّلاً بإقامة إسرائيل «الصغرى» على كامل الأرض الفلسطينية بحدودها الانتدابية أوّلاً، لكي يُصار فيما بعد إلى حسم هذا الصراع في المحيط الأكبر بعد ذلك، وبين طبيعة الدولة، ونمط النظام السياسي الذي يجب أن «يضمن» هذا الحسم.

«اليمين» في هذه القراءة قرأ المعادلة الداخلية «جيداً» من وجهة نظره.

فقد تلاشى «اليسار» التقليدي، («حزب العمل» كمؤسّس للدولة الباقية)، وخرجت قوى «اليسار» من على يساره من «السياق»، وتحظى الأيديولوجية التي تريد حسم الصراع من حيث جوهره بشبكة أوسع بكثير من الائتلاف الذي يسيطر على الحكومة، من أمثال أفيغدور ليبرمان، وموشي يعالون، كما يتساوق مع كل هذه المكوّنات «اليمينية» «يمين الوسط» وكذلك «الوسط» نفسه.

كما قرأ «اليمين» خارطة الصراع الإقليمية وعجزها عن مواجهته، وخارطة الصراع الدولية، وتردّد القوى الدولية ونفاقها وفشلها المتواصل والمتراكم في التصدي له أو ردعه، أو حتى التهديد بذلك.

يُضاف إلى ذلك كلّه قراءة هذا «اليمين» للواقع البائس للحالة الوطنية الفلسطينية الرسمية والحزبية، وإلى حدّ ما الحالة الشعبية من زاوية قطع الطريق سريعاً قبل استعادة عافيتها أو تنظيم نفسها وتحولها إلى فعلٍ وطني شامل وعارم ومتماسك.

هنا وقع «اليمين» في أكبر تقديراته المشوّشة لجهة أنّ من يتفق مع هذا «اليمين» في حسم «الصراع»، أو يسكت عن مسار هذا الحسم لن يوافق، ولن يتساوق مع هذا «اليمين» في حسم الصراع الداخلي نحو نظام سياسي ديكتاتوري، وفي دولة الشريعة اليهودية، أو دولة شريعة بمسحات ديمقراطية مقيّدة ومحدّدة، وعلى أضيق نطاقٍ ممكن.

أما «المعارضة» والتي تتصدّر حتى الآن المشهد الاحتجاجي الكبير في دولة الاحتلال فلم «تفهم» حتى الآن أن مصدر كل شرور «اليمين»، وما يسعى إليه من انقلاب لتغيير نمط النظام السياسي وطبيعة الدولة، هو «الفكر» الصهيوني، والمشروع الصهيوني، وأطماعه النابعة من منطلقاته الأساسية، وأن الصراع مع الشعب الفلسطيني، واستعجال حسم هذا الصراع في ضوء نتائج «التفويض» الذي حصل عليه «اليمين»، وفي ضوء النزعة المتزايدة في المجتمع الإسرائيلي نحو المزيد من التطرّف والتشدّد ونحو العنصرية، هو الذي أدّى حتى الآن، ويؤدّي، وسيؤدّي إلى الانقلاب على «الديمقراطية».

أي أن «اليمين» توهّم أن كل الظروف باتت مهيّأة «لحسم الصراع»، وتوهمت «المعارضة» الاحتجاجية أن بالإمكان «استعادة» الدولة الإسرائيلية «الديمقراطية» دون أن تعيد هذه «المعارضة»، ودون أن تتوقف أمام سؤال العلاقة بين أيديولوجيا العنصرية والاحتلال والإقصاء والنهب والاستيلاء من جهة، وبين الانقلاب الذي يجري في دولة الاحتلال.

ولذلك فالأزمة هي أزمة المشروع وليست أزمة النظام السياسي من زاوية «النمط»، وليست أزمة الدولة من زاوية (الطبيعة) سوى انعكاس لجوهر أزمة المشروع الصهيوني عند درجةٍ معينة من [تطوّره] أو عند درجة أخرى من الاستعصاء الذي وصل إليه.

من المؤكّد أن وجود شخصية مثل نتنياهو، اعتبر نفسه الملك المُتوّج في دولة الاحتلال، ووضعه «القانوني» المهدّد بالإقصاء والمحاكمة، والحالة القانونية لأرييه درعي، أيضاً، قد لعبت دوراً كبيراً في التسريع بما يسمّى الإصلاحات القضائية، كما أن من المؤكد، أيضاً، «مخاوف» القوى «اليمينية» الصاعدة من «ضياع» الفرصة «التاريخية» قد ساهم بصورةٍ مباشرة في «حرق طبخة» حسم الصراع، إلّا أن جوهر الأزمة التي تعيشها دولة الاحتلال لم يكن ممكناً تفاديها أو تجنُّبها، أو تجاوزها بأيّ حال، وكانت هذه الأزمة، وربّما بصورةٍ أعمق ستقع، إن لم يكن اليوم فغداً على كلّ الأحوال وفي مُطلقها.

أزمة إسرائيل الحقيقية هي الشعب الفلسطيني بما لديه من إرادة وتصميم، ومن استعداد عَزَّ مثيله للدفاع عن حقوقه الوطنية، بقاءً وصموداً وكفاحيةً، حتى الانتصار الكبير على المشروع الصهيوني كلّه، فكراً وسياسيةً، وعنصريةً وعدوانيةً وتوسعية.

كل من سيحاول أن يساهم في «حلّ» الأزمة المستفحلة في إسرائيل بمعزلٍ عن «جوهر» الصراع، وليس عن حسمه، سيجد نفسه وقد خسر في صبيحة كل يوم مساحة جديدة من الأرضية التي يقف عليها، وبقدر ما تقترب الحركة الاحتجاجية من إدراك هذه الحقيقة، فإنها تؤسّس لحسم الصراع أوّلاً وعاشراً حول هذا الجوهر، وليس حول أيّ صراعٍ آخر.

فلسـطين هي أزمة إسرائيل.

وفلسـطين هي الحلّ الوحيد الممكن لأزمة إسرائيل الحقيقيّة.

أقرأ أيضًا: عالم جديد يولد رسمياً في موسكو.. عبد المجيد سويلم

عالم جديد يولد رسمياً في موسكو.. عبد المجيد سويلم

أقلام-مصدر الإخبارية

كتب عبد المجيد سويلم ستُؤرَّخ زيارة الرئيس الصيني إلى موسكو قبل أيّام على أنها المناسبة الرسمية للإعلان عن انبثاق حقبةٍ وعهد تاريخي جديد.

وكانت العملية العسكرية الروسية التي طالت وتوسّعت، الآن، هي نقطة الانطلاق نحو هذا الانبثاق.

دعونا نرجع إلى التسلسل الذي قاد إلى ذلك كلّه باختصار وتكثيف، فقد عملت الولايات المتحدة ومن خلفها “الغرب” كلّه، وعلى مدار الساعة منذ انتصارها في “الحرب الباردة” على إعادة الهجوم الشامل لتكريس هذا الانتصار وتأبيده، وعملت كل ما كان بوسعها، وبما يتوفّر لديها من إمكانيات وأدوات.

شمل هذا الهجوم العدوان العسكري، وإسقاط الأنظمة المناهضة، الانقلابات والاغتيالات، الاحتلالات المباشرة، والأمثلة لا تُعدّ ولا تُحصى في مناطق عدة في العالم، وكان نصيب الإقليم العربي منها كبيراً وخاصاً ومميّزاً، أيضاً.

كما اشتمل هذا الهجوم على الأدوات الاقتصادية في أقسى أشكالها وحشية، وخصوصاً في تحويل التجارة الدولية إلى “رهينة” في يد منظمة التجارة الدولية، وإلى (نادٍ) لا يحظى بالعضوية فيه سوى من يوافق على شروط الولايات المتحدة ويخضع لمعاييرها هي بالذات، ولمعايير المصالح “الغربية”، وانتعشت النيوليبرالية المتوحّشة.

وعلى الجهة الثقافية، أعلن “فوكوياما” نهاية التاريخ، وتمّ “التبشير” بتاريخٍ “جديد”، في عالمٍ “متجانس”، ليس فيه سوى الرأسمال المسيطر، وصنّفت دول العالم وشعوبه على أساس درجة الالتحاق، ودرجة الخضوع، ودرجة الاندماج، والقبول والتكيُّف مع مقتضيات هذه السيطرة.

خرجت روسيا ضعيفة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، والصين كانت تخطو خطواتها الأولى للخروج من آليات النموّ والتطوّر الاقتصادي والاجتماعي التي تميّز بلدان العالم الثالث.

اقرأ/ي أيضا: الرئيس الصيني يبدأ جولة لزيارة بلدان إفريقية

لم يكن أمام روسيا من خيارٍ سوى استعادة بناء قوّتها العسكرية والاقتصادية، ولم يكن أمام الصين سوى مراكمة الخبرات والقدرات نحو التحوّل إلى قوة إقليمية في محيطها الآسيوي، تماماً كما كانت تفعل روسيا للبقاء في دائرة الدولة الإقليمية العظمى.

“الغرب” حدّد استراتيجيته بوضوح بعد أن استعادت الدولة الروسية عافيتها الاقتصادية والعسكرية، وبعد أن استطاعت الصين تحقيق معدّلات صاروخية من النموّ، وبدأت تجارتها الدولية تغزو أسواق العالم، وبعد أن بنت لنفسها قوة عسكرية أصبحت تُضاهي القوة العسكرية لكبريات البلدان “الغربية” إذا استثنينا التفوق النووي الروسي، والتفوق العسكري الكبير للولايات المتحدة.

أمام هذه الوقائع، وأمام هذه “الأخطار” حدّدت الولايات المتحدة معسكر الأعداء بالتالي:
• الصين هي الخطر الأكبر والدائم، لكن يستحيل البدء بها.

• روسيا الخطر الداهم، ولا بدّ من كسرها أوّلاً لكي يُصار إلى التفرّغ للصين، ومحاولة وقف تنامي دورها الاقتصادي، وإعاقة تمدّدها في آسيا أوّلاً.

لاحظوا هنا ماذا فعل “الغرب” لمواجهة “الأخطار”؟!

أعلنت الولايات المتحدة أن الإقليم الآسيوي هو الأولوية المطلقة لسياساتها الاستراتيجية، واستدارت بسرعة نحو آسيا، وبدأت تنسحب من الشرق الأوسط، وبدأت مسار التصدي للصين، وتحوّل المحيط الهادئ إلى مركز الثقل في إقامة الأحلاف والتحالفات هناك، وأعدّت كل الخطط لوقف التمدّد الاقتصادي للصين.
ومن هناك بدأت الاستفزازات للصين، ومن هناك تم “استدعاء” أستراليا على عجلٍ لتتسلّح بالغوّاصات النووية حتى ولو على حساب فرنسا نفسها، لأن أولويتها المطلقة بدأت من هناك.

على صعيد “الخطر” الروسي، بدأت أميركا مسار توسّع “حلف الناتو”، وأصبحت تقترب من الحدود الروسية، وبدأ مسار “انضمام” أوكرانيا إلى الحلف، وبدأت في العام 2008 من جورجيا، وقامت بالانقلاب على الحكومة الديمقراطية وأطاحت بها، وتحوّلت أوكرانيا إلى أداة مباشرة لتقويض الدولة الروسية، وتهديد أمنها القومي.

ردّت روسيا على الفور في جورجيا، وردّت على الانقلاب باستعادة شبه جزيرة القرم، ودعمت سكان الدونباس في حقهم بتقرير مصيرهم، وحذّرت “الغرب” من أخطار سياساته، ووقّعت “اتفاقية مينسك” أملاً بأن يتم تفادي الحرب، وتجنّب الصدام العسكري مع “الغرب”.

تبيّن بالحقائق والوثائق أن “الغرب” قد وقّع على تلك الوثيقة ليأخذ الوقت الضروري الكافي لاستعدادات أوكرانيا واستكمال مهمة الهجوم على المنطقة الشرقية، وتبين الآن بصورةٍ قاطعة أن فرنسا وألمانيا قبلتا بالتوقيع على تلك الوثيقة لنفس الأهداف الأميركية، وفي مراهنة أن تتمكن أوكرانيا من جرّ روسيا إلى حرب استنزاف يمكن أن تؤدّي إلى انهيارات عسكرية، وإلى “انقلاب” سياسي داخلي، يعيد روسيا إلى دائرة الفوضى التي عاشتها بُعيد سقوط الاتحاد السوفياتي مباشرةً.

وهنا بادرت روسيا بالعملية العسكرية لوأد هذه المؤامرة وهذه المخطّات بتهديد أمنها القومي، واعتبرت عن حق أن الأمور قد وصلت إلى مستوى التهديد الوجودي.

“الغرب” الذي أجبر روسيا على هذه العملية، وكان يجهّز لها كل أنواع العقوبات، وحضّر لها كل المقدرات العسكرية في دعم أوكرانيا، وشنَّ حرباً اقتصادية ومالية ليس لها أي مثيل في تاريخ البشرية كلها راهن على استنزاف روسيا وتقويضها ولكنه أخفق بالكامل، وأصبح “الغرب” كله اليوم يدفع الثمن الباهظ لهذا الإخفاق هواة السياسة، وأبواق “الغرب”، وأتباع ثقافة الاستلاب والاغتراب صدّقوا أن روسيا دولة “إمبريالية”، وراهنوا على عزلها بل وتقويض نظامها اعتماداً على “غرب” متوحّش ولصوصي، و”أكدوا” أن الصين ليست بوارد دعم روسيا، ولا هي أصلاً مهتمة بكامل استراتيجيتها، بل هناك من “اعتقد” لأسبابٍ تنمّ عن “عبقرية” سياسية فذّة أن من مصلحة الصين تحجيم روسيا لكي تتمكن من “التربُّع” على عرش القطب المقابل والمنافس لـ”الغرب”!

الحقيقة أن الدعم العسكري الصيني لروسيا هي مقولة كذّبتها الولايات المتحدة، ولم يصدقها أحد، لأن أميركا نفسها لا تصدقها. وروسيا لا تحتاج إلى أي دعمٍ عسكري من أحدٍ في كل هذا العالم، والصين نفسها تعتمد على روسيا بالذات في الكثير من جوانب صناعاتها العسكرية، بما فيها العالية الدقة من الناحية التكنولوجية.

والصين لمن يعرف أبجدية السياسة قدمت لروسيا أكبر دعمٍ اقتصادي تقدمه دولة لدولة أخرى بفتح صناعاتها على النفط والغاز الروسي، وقامت بإبرام اتفاقيات بما يصل الآن بالأرقام المعلنة إلى أكثر من نصف تريليون دولار، وهي بالتعاون مع روسيا أدخلت الروبل واليوان إلى التجارة الدولية البينية، ووضعتا معاً الدولار الأميركي واليورو الأوروبي خارج إطار هذا التبادل.

أي أن الصين مع الهند ودول أخرى قامت “بتدمير” الجزء الجوهري والأهمّ من نظام العقوبات الاقتصادية على روسيا، وأبقت في جانب مهم من الواقع الاقتصادي الروبل الروسي في منطقة الأمان، ولم تتخذ أي موقف سياسي أو دبلوماسي من الأزمة الأوكرانية على حساب روسيا أو ضد جوهر مطالبها لمن يعرف في علوم وفنون القراءة بين السطور.

وأكبر دليل على ذلك أن “الغرب” نفسه يعتبر المبادرة الصينية للسلام في أوكرانيا بأنها “منحازة” لروسيا، وتحقق أهدافها!

الصين التي تتّصف سياساتها بالحكمة والتروي والهدوء والدبلوماسية الناعمة والتمهّل عرفت كيف تتصرّف، وعرفت متى تتصرّف، واختارت أسلوبها الخاص في هذا التصرّف.

وروسيا كانت تعرف كيف تدير حربها ضد نظام الدمية في كييف، ومتى ستشدّد الخناق عليه، ومتى ستسقط مراهنات “الغرب” على بقاء هذا النظام “وصموده”.

قبل عدة شهور قلنا في مقالات سابقة إن روسيا لم تكن لتدخل هذه الحرب دون ترتيب أوراقها كاملةً، ودون معرفةٍ عميقة بمخططات “الغرب” وأهدافه، ومن ضمنها المخططات ضد الصين، واستهدافها ومحاولة الحدّ من تحوّلها إلى دولة تمتلك كل مقوّمات المحور والقطب المؤثّر في التوازنات الدولية.
وصلنا اليوم إلى ساعة الحقيقة.

روسيا والصين في تحالف دولي جديد، استراتيجي وعميق، ومرحلة جديدة على كل العالم أن يعيها ويتكيّف معها، وقوامها نهاية (نهاية) التاريخ، وبدء تاريخ جديد ما زال فيه الكثير من التوحّش واللصوصية والعنصرية والعدوانية “الغربية”، ولكن فيه أقل درجة من القدرة على الهيمنة، وعليه الكثير من القيود التي بات يفرضها التحالف الجديد.

ربح “الشرق” معركة كسر نظام الهيمنة المطلق، وأطاح بمؤامرة تقويض الدولة الروسية، وتراجعت قدرة “الغرب” على تهديد الأمن القومي لكل من روسيا والصين، وروسيا اليوم لديها نظامها ومحورها، والصين لديها نظامها ومحورها، وكل منهما تحوّل إلى دولة إقليمية عظمى في محيطه، وكلاهما معاً تحولّا إلى قطب كبير في كل المجالات، العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية.. وأخيراً وليس آخراً الثقافية.

من موسكو تم الإعلان عن نهاية الانتصار “الغربي” في “الحرب الباردة”، وتمّ تدشين المرحلة الجديدة بأشدّ الإرادة وأوضح الصور.

عندما يلتقي الرئيسان لمدّة زادت على أربع ساعات قبل انضمام الوفود إلى الاجتماع، فهذا يعني أن الأمور قد حُسمت بهذا الاتجاه، وأن كل التفاصيل قد

وُضعت، وكل الآليات قد رُسمت، وكل السيناريوهات قد أُعدّت، بصرف النظر عن التصريحات الرسمية التي أعقبت “قمّة القرن الجديد”.

هل سيُنقِذ نتنياهو ما لا يُمكن إنقاذه؟

أقلام – مصدر الإخبارية

هل سيُنقِذ نتنياهو ما لا يُمكن إنقاذه؟، بقلم الكاتب الفلسطيني عبد المجيد سويلم، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

لعبة المراوغة والابتزاز على أشدُّها في إسرائيل.«الصهيونية الدينية» «تتدارس» كيف لها أن «تُقدّم» لنتنياهو كل ما يمكن تقديمه دون «المسّ» بدورها القادم الذي تراه كبيراً وحاسماً في المصير الإسرائيلي كلّه، سواءً تعلّق الأمر بالوزارات والمناصب أو تعلّق بالشروط «السياسية» التي «يجب» على نتنياهو «الالتزام» بها.

وبالمقابل، فإنّ نتنياهو لديه من الأهداف ما لا يُمكن التنازل عنها، أو المساومة بشأنها تحت أيّ ظرفٍ من الظروف.
أوّل هذه الأهداف وأهمّها على الإطلاق هو إغلاق ملفّ محاكمته، دون تحقيق هذا الهدف لن يوافق نتنياهو على أيّ شيء، بل هو مستعدّ ومنذ الآن للذهاب إلى انتخابات جديدة على أن تبقى مسألة المحاكمة مُعلّقة، ودون حلّ «جذري» لها.

وثاني أهداف نتنياهو هو المحافظة على استقرار الحكومة لفترة كافية بكل ما يتطلّب ذلك من «التزامات» صارمة بالاتفاق الذي ينوي إبرامه ليس فقط مع «الصهيونية الدينية»، وإنما مع باقي أطراف الائتلاف الذي سيشكّله بما في ذلك الاتفاق مع أقطاب «الليكود» نفسه، وبما في ذلك الوزارات والمناصب التي ستناط بهؤلاء الأقطاب.

وثالث أهدافه تحويل «الهجوم الاستيطاني» إلى الميدان الأوّل لسياسات الحكومة القادمة، والإقدام على «استعراضات» كبيرة لضمان سيطرته السياسية الشاملة على كل أطراف الائتلاف الذي يشكل الاستيطان لها القاسم المشترك الأعظم.

هل سيُنقِذ نتنياهو ما لا يُمكن إنقاذه؟
وهنا لن يقتصر الأمر على «تشريع» البؤر الاستيطانية، وإنما سيتم ــ على الأغلب ــ اتخاذ خطوات استيطانية وتهويدية غير مسبوقة في القدس ، بما في ذلك تلك التي تتعلق بالمسجد الأقصى، وكذلك الكنائس الكبيرة في المدينة، إضافةً إلى «استعراضات» جديدة في الخليل «وقبر يوسف»، وأماكن جديدة كثيرة في كلّ مكان من الضفة.

كلّ «التفاصيل» الأخرى عديمة الأهميّة، والمفاعل النووي الإيراني مسألة هامشية لنتنياهو ولكل أطراف الائتلاف الحاكم، واتفاق ترسيم الحدود مع لبنان ليس أكثر من أكذوبة طرحها نتنياهو من باب «تسلية» الجمهور بها، والخوف من «العزلة» الدولية ليس موجوداً في قاموس هذا الائتلاف. الاستيطان وعمليات التهويد الجارفة هو عنوان هذه الحكومة، وهو موضوعها، وليس لها من أهداف ومهمات حقيقية قبل أو بعد هذه الأهداف.
ولكن لماذا الاستيطان والتهويد هو العنوان الأول لهذه الحكومة؟
السبب واضح، وقد بات معروفاً وعلنياً، ولم يعد مُضمَراً أو مُوارَباً أو غامضاً في أيّ جانبٍ منه.
جماعة هذه الحكومة هم الذين يؤمنون إيماناً راسخاً بـ»إسرائيل الكبرى»، وهم يعرفون أن «إسرائيل الكبرى» هي دولة واحدة، وهم يعرفون جيداً أن دولة واحدة تعني أن «إسرائيل» هذه، أي الكبرى ستحكم وستتحكّم بأكثر من سبعة ملايين فلسطيني، بالحديد والنار إذا «لزم الأمر»، وهم على قناعةٍ تامّة أن ما نسمّيه نحن نظام الفصل العنصري هو بالنسبة لهم الأسلوب الممكن والضروري والوحيد لكي تبقى إسرائيل «كبرى»، ولكي يتم إعطاء كلّ ما يمكن إعطاؤه لليهود في هذه «الكبرى» من حقوقٍ مطلقة، بصرف النظر عن كل ما يمكن أن يُقال عن ديمقراطية أو عدم ديمقراطية هذه الدولة.
من خلال هذه الحكومة (القادمة)، ومن خلال ائتلاف كهذا سيتم تشكيله، سيتم وضع كل شيء في خدمة هذا التصوّر، وفي سياق السياسات التي ستجسّد هذا التصوّر على الأرض.
لاحظوا مثلاً بعض التسريبات عن مواقف «الصهيونية الدينية»: «يمكن لسموتريتش أن يقبل بوزارة المالية شريطة أن تكون موازنات الاستيطان من اختصاص وزارة المالية وليس من اختصاص وزارة «الدفاع».

أما إذا أُسنِدت له «الدفاع» فإن الوزارة في هذه الحالة هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن «الإدارة المدنية» التي تتحكّم بأكثر من خمسة ملايين فلسطيني في الضفة والقطاع، وهو الذي يقرر تحويل البؤر الاستيطانية إلى بلديات، وهو الذي يقرر «دعم» البؤر الجديدة، وهو الذي يقرر «المصادرات» المطلوبة، والأرض التي سيتم الاستيلاء عليها، وهو الذي يقرر الطرق التي ستشقّ، وهو الذي يقرر محاصرة كل التجمعات الفلسطينية بالحواجز والأسلاك الشائكة، والبوّابات، وهو الذي يقرر متى يُقطع الماء، وتُقطع الكهرباء، وهو الذي سيقرر نوعية العقوبات الجماعية!

هل سيُنقِذ نتنياهو ما لا يُمكن إنقاذه؟

باختصار، فإن «الصهيونية الدينية» هي من سيقرر السياسة «الداخلية»، وفي القلب من هذه الاستيطان والتهويد والضمّ، وهي بالتالي من سيقرر السياسة الخارجية، لأن السياسة الخارجية ستكون مُحصّلة مُجمل السياسة الداخلية.
هذه المسألة ستنطبق على الداخل كما ستنطبق على الأراضي المحتلة، والفارق لن يكون مطلقاً في نوع السياسة وإنما فقط سيكون بدرجتها، وكل الأوهام حول هذه المسألة بالذات ستتكشّف تباعاً.

بدأنا نلحظ في الأيام الأخيرة بعض «النخب» الإسرائيلية من أوساط مختلفة، أي من «اليمين» و»الوسط» و»اليسار» مَنْ يُنبّهُون من أخطار الانزلاق إلى هذا الواقع، وذلك لأن مثل هذا الانزلاق سيؤدي حتماً إلى سيطرة للدولة على كل شيء في إطار «إسرائيل الكبرى»، والتي ستؤدي ــ هذه السيطرة ــ لا محالة إلى وجود «ثنائية قومية» على أرض الواقع تتمثل في وجود مليون أو اكثر من مليون مستوطن في الضفة الغربية يتحكّمون بأكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني، وحوالي 300.000 فلسطيني في القدس الشرقية، وأكثر من مليوني فلسطيني في «الداخل»، ناهيكم طبعاً عن تحكُّم هذه الدولة «إسرائيل الكبرى» بأكثر من مليوني فلسطيني تحت الحصار في قطاع غزة.

هذه السيطرة حسب هذه «النخب» يجب تحت كل الظروف منعها وتجنّب الوقوع بها، لأن إن وقعت «الفاس في الراس» فلن تفلت «إسرائيل الكبرى» من «مصيدة» ــ والكلام لهذه «النخب» ــ «الدولة الواحدة الثنائية القومية».. حينها ــ والكلام ما زال لهم ــ سينهار المشروع الصهيوني من أساسه، أو سنكون أمام دولة أخرى، لا «نعرفها»، جديدة، عنصرية، مرفوضة ومنبوذة، وتهدّد الوجود اليهودي نفسه قبل أن تهدّد الوجود الفلسطيني.

ليس هذا فقط، وإنّما ــ وهذا هو الأخطر ــ قد يُصبح «الترانسفير» هو المدخل «الوحيد والمناسب» للتصدّي للمشكلة في حينه، ما يعني أن أزمة الوجود اليهودي ستكون قد دخلت في نطاق الحالة الانتحارية!
تحت وبسبب هذه المخاوف تناشد هذه «النخب» «الوسط» و»اليسار»، وبعض أطراف «اليمين» «الانضمام» إلى نتنياهو على وجه السرعة لإنقاذ «المشروع الصهيوني» من هذه الهاوية!

بصرف النظر عن بعض المبالغات التي ينطوي عليها مثل هذا الطرح إلّا أن جوهرها حقيقي ــ كما أرى ــ وهي تعكس ما ذهب الكثيرون إليه من أن أزمة المشروع الصهيوني باتت مكشوفة، ولم يعد أمام هذا المشروع من حلولٍ سوى الاختيار بين تراجع تاريخي ينسف جوهر هذا المشروع، أو الاستمرار في اللعبة حتى نهايتها، وهو خيار أقرب إلى الخيار الانتحاري منه إلى أيّ شيءٍ آخر.
فمن أين لنتنياهو أن ينقذ ما لا يُمكن إنقاذه؟

أقرأ أيضًا: إسرائيل بعد شرعنة الفاشية! بقلم عبد المجيد سويلم

إسرائيل بعد شرعنة الفاشية! بقلم عبد المجيد سويلم

أقلام – مصدر الإخبارية

إسرائيل بعد شرعنة الفاشية!، بقلم الكاتب والمحلل السياسي عبد المجيد سويلم، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

أزعم أننا كفلسطينيين ما زلنا نحاول الإجابة الشافية عن السؤال الآتي:

هل أنّ شرعنة الفاشية في إسرائيل، ستؤدّي إلى «تعزيز» دورها ومكانتها؟ وإلى «انتصار» المشروع الصهيوني على الأرض، وتكريس الحل الإسرائيلي، وإلى «تصفية» القضية الفلسطينية من «كل» جوانبها؟ كما يدّعي التيار اليميني، القومي والديني الجارف فيها، وكما يتعهد الجناح الكاهاني بالإشراف المباشر على تحقيق وتطبيق هذه التصفية ــ بعد أن تمّت شرعنته، وبعد أن أصبح وتحول إلى الحزب الثاني في الحكومة القادمة ــ أم أن شرعنة الفاشية في إسرائيل ستؤدي إلى نتائج عكسية، من عنف عارم في الداخل الفلسطيني، وفي الأرض المحتلة، وإلى «صدام» غير مسبوق مع قطاعات سياسية واجتماعية إسرائيلية، ومن صدام وغير مسبوق، أيضاً، مع يهود العالم، وخصوصاً في الولايات المتحدة، وممّن يرون في هذه «الشرعنة» كارثة سياسية على إسرائيل، وعلى يهود العالم وإلى خطر حقيقي على المجتمع الإسرائيلي وعلى ما تبقّى من صورة إسرائيل في العالم، وفي غربه على وجه التحديد والخصوص؟
ويطرح نفس هذا السؤال من زوايا أخرى تتصل به وتتفرّع عنه، أيضاً.
ولعلّ السؤال المنطقي هنا هو: ماذا تبقّى لهذا التيار اليميني الجارف لكي يسعى ويحاول «جرّ» قطاعات جديدة إلى استراتيجيته وفكره السياسي وبرامجه العملية؟
وإذا أصبح «الموت للعرب» كشعار يُناقَش على مستوى «رئيس الدولة» من زاوية أن الموت «لا يجوز» أن يُطرح ضد «كل العرب»، فهل أن الموت لكل العرب هو الذي تبقّى من احتياطٍ استراتيجي لهذا التيار؟
وهل تحول «الترانسفير» بطرد وترحيل قيادات الجماهير الفلسطينية في «الداخل» إلى سورية إلى مجرد «نموذج» لماذا هو قادم في مخططات الترحيل «المتدرّج»، ولكن الصاعد، والصاعد ليشمل «فئات» بكاملها من الأرض المحتلة؟
أهذا ما تبقّى من احتياطات كامنة، أو ما زالت كامنة على هذا المستوى؟
هل الضمّ الزّاحف لم يعد «كافياً»، وأن «بالإمكان» الآن الذهاب إلى إعلانات رسمية «ترافقها احتفالات شعبية»، بضمّ كامل المنطقة (ج) هو الاحتياط الكامن الآخر نحو المزيد من ترسيخ مفاهيم هذا التيار في الحياة السياسية الإسرائيلية؟
هل استكمال قانون الغلبة للكنيست الإسرائيلي بات أحد أهم استهدافات هذا اليمين للإطاحة «بسلطة» القضاء، وإقصاء «المحكمة العليا» عن كامل الحيّز السياسي، وغير السياسي هو بدوره بات إحدى نقاط التحول «الاستراتيجي» الحاسم نحو تحكّم هذا التيار بمفاصل الدولة والمجتمع في إسرائيل؟
وهل أن الجناح الديني في إطار هذا التيار الجارف بات يتطلّع إلى «فرض» الشريعة اليهودية في مجالات معيّنة، وفي مناطق معيّنة، على طريق فرضها لاحقاً بصورة أكبر وأعمق طالما أن هذا الجناح بات يمتلك أكثر من 32 عضواً في هذا الكنيست ؟
وهل أن تصويت 30% من جنود وضباط الجيش للصهيونية الدينية، وحوالى 50% من أجهزة الشرطة والأمن المختلفة ما زال دون المستوى المطلوب؟ وأن الأمر من هذه الزاوية يحتمل المزيد والمزيد من الاصطفاف لصالح الفاشية، ويحتاج أو ما زال يحتاج إلى الوقت الكافي، والوسائل «الضرورية» لاستكمال ضمان الخضوع لبرامج الفاشية في كل الاتجاهات؟

وفي نهاية هذا الشق من السؤال، ولكي يتمّ الربط بينه وبين السؤال الأول يتعيّن علينا ــ على ما يبدو ــ أن نمعن النظر فيما إذا كانت هذه «الاحتياطات الكامنة» ستؤدي في النهاية إلى المزيد من الانزياحات المجتمعية الإسرائيلية إلى ذلك اليمين القومي والديني، تحت قيادة حزب «الليكود» الذي هو الحزب الرسمي للمستوطنين الذين يتوزعون على مفاصل صنع القرار في هذا الحزب، بدعم مباشر من الجناح الديني وبدور مركزي فعّال من الفاشية، أم أن هذه الانزياحات الجديدة ــ إن حصلت ــ هي التي ستطيح بكلّ ما بناه «اليمين» منذ العام 1977، وستؤدي إلى انشقاقات وتصدعات كبيرة بين يهود العالم أنفسهم، وبين اليهود الإسرائيليين، وبين إسرائيل الدولة ودول العالم «الحرّ»، وستؤدّي، أيضاً، إلى عزلة غير مسبوقة لإسرائيل، وإلى حصارها على مستوى مؤسسات القانون الدولي، وملاحقتها ومطاردتها من قبل المجتمع المدني في العالم كلّه، وإلى دخولها المحتوم في نفس النفق الذي كان قد دخل فيه نظام جنوب أفريقيا العنصري الغابر؟

ولهذا فإننا كفلسطينيين نمتلك اليوم احتياطات استراتيجية كامنة، أو أن جزءاً كبيراً ما زال كامناً لخوض معركة وطنية تشمل كل الشعب الفلسطيني لبناء تحالفٍ عالمي، أو جهةٍ عالمية متحدة وموحّدة سيكون في مركز أهدافها، وفي القلب من برنامجها مناهضة الفاشية والعنصرية في إسرائيل.
واضح أن صعود الفاشية وشرعنتها سيدخلان إسرائيل في مرحلة أعلى وأعمق من أزمتها الناتجة عن أزمة المشروع الصهيوني نفسه، والذي استنفد إمكانيات البقاء، والقدرة على الفعل والتأثير إلّا بتجاوز شروطه التاريخية السابقة، التي أنجبته من رحم المشروع الاستعماري الغربي وتطور بأدوات وأفكار وسياسات هذا المشروع إلى أن وصل اليوم إلى مفترق طرق فاصل.

فإمّا أن تنتصر في الغرب «حاضنة تاريخية جديدة» تتمثل بـ «اليمين المحافظ» في الولايات المتحدة وأوروبا، أو أن المشروع الصهيوني نفسه يعيد «تكييف نفسه ويكيّفها» مع عالم يولد أمام أعيننا لم يعد يتحمّل كل هذا العبث الذي مثّلته إسرائيل، وكل هذا العبء الثقيل على التوازن الدولي وعلى الضمير الإنساني في آن معاً.

الأزمة الإسرائيلية في طورها الجديد هي في أن الوجه القبيح لإسرائيل كان أو كاد يكون «محصوراً» في الاحتلال على مدى سنوات وسنوات، أما اليوم، وفي الغد القريب فإن هذا الوجه أصبح ملطخاً وهو سيتلطّخ بدم الشعب الفلسطيني أكثر فأكثر، وستتحول معركة المساواة ومناهضة العنصرية والفاشية إلى معارك وطنية وإقليمية وعالمية يشارك فيها يهود العالم من ذوي الأفكار التقدمية أو الليبرالية، وتشارك فيها قطاعات إسرائيلية متزايدة، ناهيكم طبعاً عن مشاركة فاعلة من القوى والمنظمات والأحزاب الديمقراطية على امتداد عالم بكامله.

صعود الفاشية وشرعنتها لم يعودا يتيحان لأحد في الساحة الفلسطينية المراوغة أو الخداع والانخداع، أو الاستمرار في لعبة الانقسام وألاعيب المراهنات على حلول ترقيعية للإبقاء على حالة الشلل الوطني الشامل، والعجز عن إنهاء هذا الانقسام وهذا الشلل.
العالم لن ينتظرنا حتى ننجز في أسابيع أو شهور، أو حتى سنة كاملة ما فشلنا في إنجازه على مدى ثلاثة عقود من المراوحة، وعلى نصف هذه العقود الثلاثة لإنهاء الانقسام.

هذا هو التحدّي الأكبر اليوم، وهذه هي الفرصة الأخيرة لكل من يعتقد في نفسه، أو هو نصّب نفسه كقيادة لهذا الشعب في كل مكان وفي كل مجال.
الصراع في عالم اليوم يأكل المسافات الطويلة في أيامٍ وأسابيع، واللحم الفلسطيني الحي يتآكل كل يوم، والجسد الفلسطيني لا يتوقف عن النزف يوماً واحداً، والوقت يضيق على الجميع دون أي استثناء على الإطلاق.

أقرأ أيضًا: بيان أو وثيقة الجزائر بقلم عبد المجيد سويلم

Exit mobile version