رائد حماد.. انتصرت على السرطان ومستمرٌ في رسالتي حتى الرمق الأخير

خاص مصدر الإخبارية – أسعد البيروتي

بينما أنت تُمارس عملك في ميدان العمل الصحفي، يَروقُكَ رؤية الأربعيني رائد حماد وهو ينتقل بخفةٍ وحذر بين أقرانه، يعمل بصمتٍ ودقة ليَخرج بأفضل ما لديه حاملًا كاميرا “حديثة” أو هاتف محمول، يُوثّق الجمال من حوله، لينثر شَّذاه الفَواح عبر صفحاته بمواقع التواصل الاجتماعي التي وجد فيها نفسه ليصنع ذاته وينطلق نحو السماء.

آمن بمقولة “قف على ناصية الحلم وقاتل”، وانطلق يرسم مستقبلًا مزهرًا بعطائه وبروحه المَرحة ونشاطه منقطع النظير، لم يمنعه ذلك الضيف الثقيل “السرطان” الذي اجتاح جسده دون استئذان أن يتواجد في الميدان ويُمارس العمل الذي أحبه وعاش معه منذ ما يزيد عن 30 عامًا.

رائد مفيد حماد، اسمٌ يعرفه الصحفيون جيدًا، حيث لطالما كان لكثيرٍ منهم، صديقًا ومعلمًا ومستشارًا ومُلهمًا، بعد استطاع أن يُردي “السرطان” قتيلًا، بإرادةٍ فولاذية وعزيمة لا تعرف الهزيمة، ليكتب فصول قصة نجاحه ونجاته بمداد من صبرٍ وحبٍ ورضا بما كتب الله له.

يقول حماد 49 عامًا: “بدأت قصتي عام 2016 حينما عانيت من آلام شديدة أسفل الضهر مع “نغزات” مؤلمة، ما دفع بي إلى إجراء التحاليل الطبية وصور الأشعة للاطمئنان على نفسي، ظننت في بداية الأمر أنه ارهاق عمل ويزول مع بعض الكريمات أو الراحة لبعض الوقت، لكنني اكتشفت ما لم يكن في الحُسبان”.

ويضيف في حوارٍ مع شبكة مصدر الإخبارية: “بعد صدور الأشعة تبين وجود ورم خبيث في الكِلى اليُمنى (كُتلة سرطانية)، ما اضطرني لخوض غِمار أولى العمليات الجراحية لاستئصال الكلية خوفًا من انتشار المرض في باقي أنحاء الجسم”.

وتابع: “منذ تلك اللحظة تغيرت حياتي وانقلبت رأسًا على عقب، كان بإمكاني الجلوس في المنزل والخُلود إلى الراحة بعيدًا عن ضغط العمل ومشقة العمل الصحفي كونه (مهنة البحث عن المتاعب)، لكن أثرت على نفسي أن أكون بين زملائي أشاركهم الفرح والحزن، الأمل والألم، حتى إن كتب الله لي الموت أموت واقفًا منافحًا عن رسالتي الإعلامية التي كبرت معي وأحبتني وأحببتها”.

وعن شعوره بعد معرفته بنتائج التحليل يُجيب “مصدر” مبتسمًا: “راضٍ بقضاء الله وقدره ولم أستسلم للمرض بل سخّرت خبرتي الإعلامية في خدمة مرضى السرطان في قطاع غزة، عبر إطلاق هاشتاج تحدي السرطان”.

ويُضيف: “من خلال الهاشتاج أُخاطب الجميع وأشارك جميع الفئات مخاوفهم من هذا المرض، وأُقدم لها معلومات عنه وكيفية الوقاية منه، وكنت أول الداعمين لفكرة إنشاء مستشفى متخصص لمرضى السرطان في غزة وأُعتَبَرْ من أوائل المؤسسين لهذه النواة، ونجحت في إيصال صوتي لأصحاب القرار”.

ويُتابع: “من خلال مبادرتي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أقوم بِحَثْ المواطنين من كلا الجنسين على أهمية المتابعة الدورية في قسم الأورام بالمستشفى التركي شمال قطاع غزة، للاطمئنان على حالتهم الصحية من خلال إجراء الفحوصات الدورية ومتابعة تناول الأدوية بانتظام وفق النظام الصحي لكل مريض”.

وحول مخاطر العمل في الميدان الصحفي، يُؤكد “قاهر السرطان” كما يُحب أن يُناديه مَن عرفه، أن بيئة العمل الصحفي ليست مفروشةً بالورود بل إنها محفوفة بمخاطر تتمثل في انتهاكات الاحتلال أو أرباب العمل الذين باتوا لا يُراعون أصول العمل المهني بالتعامل مع الصحفيين وضمان حقوقهم الوظيفية والعُمالية.

ويُضيف: “خلال سنوات عملي في المجال الصحفي، كان هناك تحدٍ كبير يتمثل في تغطية مسيرات العودة الكبرى عام 2018 التي انطلقت على الحدود الشرقية لقطاع غزة، لم يكن أمرًا سهلًا بالمُطلق التأقلم مع قنابل الغاز المُدمع الذي تلقيه طائرات الاحتلال لاحتوائها على مواد سامة”.

يُتابع: “لأنني أعيش بكلية واحدة، كان دومًا هناك خطر مُحدق وهو التعرض للغاز أو إطلاق النار، إلا أن واجبي الوطني الفلسطيني كان أقوى من كل ذلك، واستمريت في التغطية الإعلامية طول مسيرات العودة وتعرضت للاختناق عِدة مرات، وتم على اثرها نقلي إلى مستشفى ناصر الطبي لتلقي العلاج ومتابعة حالتي الصحية”.

ويُردف: “في كل مرة كنت أشتم فيها رائحة الغاز المنبعث من قنابل الاحتلال كنت أشعر أنها النهاية وأنني ألفظ أنفاسي الأخيرة”، توقف لحظات ثم بتنهيدةٍ تمتم: “بصراحة كانت لحظات قاسية، كثير قاسية.. ربنا يتقبل ويعيننا على يلي جاي”.

قصة نجاحي
يقول المختص الإعلامي رائد حماد: إن “قصته مع مرض السرطان والانتصار عليه، كان أمرًا ملهمًا، استهوى وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، واستطاع أن يتصدرها عن جدارة، ولم يكن الأمر بالهيّن لكنه فعله وصنع لنفسه مكانًا في المقدمة”.

ويُشير، إلى أنه “خلال تغطيته مسيرات العودة على الحدود الشرقية لمحافظة خان يونس جنوب قطاع غزة استطاع توثيق جرائم الاحتلال بحق الشبان والنساء والأطفال وكِبار السن وأن ينقلها إلى العالم عبر منصات التواصل الاجتماعي، وبهذا ساهم في إيصال الرواية الفلسطينية بالصوت والصورة”.

واستطرد: “لم أدع ميدانًا إلا وجعلت لي به بصمةً تُكسبني احترام زملائي وزميلاتي في مهنة صاحبة الجلالة، أسست مبادرة الواحة الإعلامية التي تُسلّط الضوء على النماذج المشرفة في غزة وتُفرد مساحةً لنشر قصص نجاحهم وبصماتهم في المجتمع الفلسطيني إكرامًا لهم وتعزيزًا لدورهم ومكانتهم”.

الصحفي الاجتماعي
المتابع لأنشطتك وأخبارك عبر فيسبوك يُلاحظ تواجدك الدائم في مناسبات الزملاء الصحفيين.. من أين لك بكل هذا الوقت؟ يُجيب مبتسمًا: “لم يُطلق عليّ الصحفي الاجتماعي من فراغ، أحرص كل الحرص على مشاركة جميع الزملاء مناسباتهم سواءً أكانت الفرح أو الحزن، دون النظر إلى انتماءاتهم أو أحزابهم السياسية”.

يُضيف: “لا تكاد تغيب عني مناسبة لأحد الزملاء إلا أحرص أن أتواجد فيها، لأنني متيقن أن الانسان في هذه الدنيا ذكرى، فلتكن ذكرى حسنة وذكرى تبعث في النفس الطمأنينة والدعاء عند ذكرها”.

يُكمل: “كما أحرص دائمًا على التواجد في جميع المناسبات الوطنية، وأشارك الجميع فعالياتهم وأقوم بعملي الصحفي في التغطية الإعلامية، ما أكسبني محبة الجميع واحترامهم وهذا ما سعيت له دائمًا”.

رائد حماد في عيون المؤسسات الحكومية والمدنية

يُشير الصحفي ابن محافظة خان يونس، إلى أن جهوده لاقت استحسانًا واسعًا مِن قِبل المؤسسات الحكومة والخاصة والجمعيات، خاصةً وأنه استطاع خلال السنوات الماضية أن يكون صانع محتوى هادف، يُقدّم رسالةً سامية في ظل حالة الانحدار التي باتت تُخيّم على منصات التواصل الاجتماعي.

ويُضيف: “كرّمت مِن قِبل المكتب الإعلامي الحكومي، والمجلس الأعلى للشباب والرياضي كواحدٍ من أفضل صُنّاع المحتوى في غزة، وبلدية غزة ووزارة التربية والتعليم وغيرها من الأُطر الصحفية ومؤسسات المجتمع المدني”.

وشدد: “مستمرٌ في مسيرتي الإعلامية ولن يُثنيني المرض عن المُضي قُدمًا، فما زال للحُلم بقية، وللقصة تتمة، ما دامت الروح في الجسد، سأظل حاملًا قلمي منافحًا عن رسالتي الصحفية، رغم عِظم وثِقل الأمانة سنبقى دومًا في الصَدارة والرِيادة”.

ويُعد “الحِرمان من السفر للعلاج أبرز التحديات التي تُواجه مرضى السرطان في قطاع غزة، إلى جانب عدم توفر الأجهزة اللازمة كالمسح الذري وبعض الأدوية نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ 16 عامًا على التوالي” وفق حمّاد.

كما أن “عدم توفر أماكن مُخصصة لمرضى السرطان تحفظ لهم خصوصيتهم وتُراعي مشاعرهم كالنوادي والمتنزهات بأسعار مجانية بهدف دعمهم معنويًا والترفيه عنهم يُعد تحديًا بارزًا تُعاني منه شريحة كبيرة من مرضى السرطان في غزة، الذين هم بأمس الحاجة إلى مواد توعوية تثقيفية عن المرض وعلاجه وطرق الوقاية منه عبر إرشادات يُقدمها مختصون في علم النفس والصحة والتغذية”.

كلمة ختام

توجه “رائد” بطل الحكاية برسالةٍ إلى مرضى السرطان الذي أنهك المرض أجسادهم، وكان ضيفًا ثقيلًا على حياتهم ولم يكن أمام المصابين إلا التكيّف معه والتأقلم مع أوجاعه قائلًا: “كونوا أقوى من المرض وتغلبوا عليه، تسلحوا بالإيمان والإرادة، وأقبلوا على الحياة فإنها جميلة بجمال أرواحكم وبراءة ضحكاتكم”.

Exit mobile version