كتب الأسير محمد رشدة، يشرح تجربة التعليم داخل سجون الاحتلال انطلاقا من كون السجن حاله مركبة من التفاعلات الإجتماعية والسياسية والثقافية والنفسية والذهنية ، يفرض علينا تحاليل مركباته .
فهي من ناحية تعطيل وشلل للحياه الإجتماعيه، ومن ناحية ثانيه، هو زمان اجتماعي خاص ينمو به الأسير ضمن شروطه الصعبة ، ويرتبط ذلك بدرجة الوعي السياسي لدى الأسير والذي يتطور ضمن المعطيات المتوفرة ويتصلب هذا الوعي من خلال ادخال الفكره التي تحملها التجربة وكما قال (ناظم حكمت) (الشاعر التركي) : ” ان السجن هو اختبار الفكرة”، وقد تسقط الفكره وقد تستمر لأن حالة السجن حاله اجتماعية فبالتالي هو خاضع لقوانين الحركة الإجتماعية وهي من أعقد الحركات ( حسب الفلسفه المادية) ويولّد السجن حاله نفسية وذهنية في غاية التعقيد الى الشعور بالوحدة والهجوم المستمر من السجان فيشعر الأسير أنه منتهك ومستنزف ويصبح ماده للتقرير والأبحاث الجامعية والأمنية فيتحول الى معرفة اجتماعية لا سيطرة عليه و ضبط سلوكه وتفكيره، حسب فلسفة المدرسة التشكيلية، واحد من رواد الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو، وفي ضوء هذه المفاهيم سنحاول قراءة تجربةالأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وتحديداً حول تجربة التعليم الجامعية ، (اذا لم تكن المعرفة الثورية ستكون انطلاق الظلم اذا لم تكن النور ) هكذا قال المفكر الشهيد مهدي عامل ومن معمعان هذه تجربة المعرفه يستطيع الأسير الحصول على لقب اكاديمي وفي نفس الوقت يتطور الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي حيث يكون الأسير (ثوري مثقف) لأنه الحالة الثورية سبقت الأكاديمية، كان بمكان المناضل قبل ان يكون في السجن أن يلتحق بالجامعة ويسلك هذا المسار .
وما يميزها انها لا تستطيع الإ ان تكون ثورية نقدية تحريرية، وهذا من مقومات صمود الأسير .
وترى الأكاديميه في ضوء السجن وليس السجن في الأكاديمية ، واضف الى ذلك التخصص الموجود المتمحور حول الشؤون الإسرائيليه وكما قال الدكتور مروان البرغوثي المشرف على هذا البرنامج: ( أن هذا الاختصاص لم نختاره هو الذي اختارنا ) كونه يغوص في تفاصيل العدو الصهيوني إلا ان تركيبته الاجتماعية والسياسية والأسمية ونظامه السياسي وتاريخه وممارساته عبر التاريخ واقتصاده وارتباطه الحضاري واجهزته الأمنية وحروبه الإرهابية تنقسم هذه المواد الى ١٢ كورس مع متطلباته كالأبحاث والأوراق البحثيه والتلخيصات وتقارير البحثيه والامتحانات الفحصية والامتحانات النهائية وكل فصل ٣ كورسات ، إضافة الى المحاضرات اليومية بمعدل ٣ ساعات الى ساعتين ونصف وتتناول مواضيع شتى وليس فقط الشأن الإسرائيلي هذا ما عكس نفسه على الأفواج من سجن هدريم سابقا الى سجن نفحة حالياً.
تجربة التعليم الأكاديمي في سجون الاحتلال الإسرائيلي هي تجربة اجتماعية وثقافية وسياسية وذهنية، إنها تعبير مكثف عن الحاله الوطنية التعددية تسود بها ثقافة وتقبل الآخر مع الإختلاف الفكري مع وجود حالات انسحبت من هذه الحلقة لأسباب إيديولوجية وانعكاس هذه الحلقة على الوعي السياسي ليس فقط في المسألة الفلسطينية بل تعدت ايضا لمسأله قومية كسوريا والعراق واليمن ومصر ولبنان وغيرها من أقطار الوطن العربي وعلى المستوى الدولي أيضا وتحديدا في توجه العالم الحالي من عالم وحيد القطب الى متعدد الأقطاب ويكون للشعوب الواقعة تحت الإستعمار والهيمنة الدور المساهم في تغير العالم نحو الأفضل. وقد تشكلت لدى الأسرى وجهة نظر على كل المستويات الفلسطينية، يرون انه يجب تجاوز كل الأدوات والافكار القديمة واعتبارها إرث نعتز به وعدم اشترار الماضي بل العمل على بلورة برنامج عربي فلسطيني.
التخلص من النزعة القطرية التي تتعارض مع الهوية القومية وايجاد الأدوات والأفكار الجديده لمواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني كونه يجدد نفسه أيضا ، وعربياً يجب تشكيل كتله قومية تاريخية على تعبير المفكر الماركسي غرامشي، وكل من له مصلحه في وطن عربي موحد ديمقراطياً مستقل إقتصاديا وتنمويا ويستطيع مواجهة قوه الظلام و الطائفيه والعثمانية الجديدة بنكهه إخوان منحرفة، و العمل على حماية التعدد الفكري والديني والحريات العامة والخاصة وإنتاج المعارف والعلوم الحديثة، وهذا كله من خلال تجاوز الأنظمة الرسمية ذات النزعات القطرية الضيقة ووكلاء الرأسمالية،والعمل على طرد أمريكا ومواجهة الصهيونية، ودوليا يجب العمل على جبهة الشعوب والدول المناهضة للهيمنة الغربية الاستعمارية والحروب بالوكالة ونهب وحرمان الشعوب التي من حقها الحياة.
إن الثقافة الأكاديمية تحمي الشعوب من ضياع الهوية ان كانت منتجة وتقدمية لذلك يجب حماية هذه القلعة في السجون وخارج السجون، والثقافه تخلق حاله من التفاعل ( حالة شعبية ) حول القضايا المصيرية وعلى المستويين الفلسطيني والعربي.
اقرأ أيضاً:الأسير رائد الشافعي يدخل عامًا جديدًا بسجون الاحتلال