استراحة السلاح..! كتب أكرم عطا لله

مقالات – مصدر

كتب أكرم عطا لله:

“أعرف أن هذا المقال لا ينسجم مع اللحظة العاطفية التي باتت تسيطر على المزاج العام للشعب الفلسطيني ولكنّ للسياسة أحياناً ما يستدعي التفكير بعيداً عن تلك اللحظة، فالسياسة أكثر تعقيداً من حسابات الرياضيات المجردة، والقوى الحية تفكر في أدواتها وبرامجها ومدى نجاعتها وتتنقل بين تلك الأدوات برشاقة بما يضمن تحقيق الهدف.
في إسرائيل حكومة عدوانية لا ترى بالفلسطينيين الموجودين سوى غرباء على تلك الأرض، هكذا قال سموتريتش الذي تسلّم صلاحيات حكم الضفة الغربية وهو نموذج لهذه الحكومة غير المتواضعة في القتل الذي أصبح بالجملة، فلا يكاد يمر أسبوع بلا مجزرة «الأربعاء مجزرة في جنين والخميس في جبع» ولا نعرف ماذا سيحدث بعد أن دخل هذا المقال للمطبعة ليلة أمس وسط إدانات باهتة تصدر عن المجتمع الدولي العاجز عن حماية الشعب الفلسطيني.
صحيح أن إسرائيل لا ترى سوى بالقوة وسيلة لاستمرار سيطرتها على الشعب الفلسطيني، ولم تعد مسالة الاحتلال محل خلاف حتى لدى المعارضة التي تتظاهر ضد حكومة اليمين المتطرف وتعتقد أن إخضاع الفلسطيني أصبح ممكناً إذا ما كثفت من أدوات القوة وحولت القتل إلى فعل دائم.
في هذه اللحظة بات من الضروري أن يستدعي العقل الفلسطيني ما يحيد تلك القوة، ويبتدع أشكالاً أكثر مرونة وأقل كلفة وسط هذا الصمت العالمي والعربي.
في التاريخ الفلسطيني هناك ما يمكن الاتكاء عليه لاستخلاص العبر وللنظر في البرامج، فليس كل حكومة في إسرائيل يمكن مواجهتها بنفس الوسائل والبرنامج أو الوسيلة التي تحقق الهدف قد لا تحققه في مرحلة أخرى، ما يعني أن لشعب حي مثل الشعب الفلسطيني ما يفرض توفر هذا القدر من المرونة للبقاء ولإبقاء كفاحه مستمراً حتى نيل حقوقه.
الحقيقة أنه في العام الأخير تقدمت مجموعات من الشباب في ظل فراغ ميداني للقوى وللفعل الفلسطيني لتأخذ على عاتقها استمرار وإدامة حالة الاشتباك مع الاحتلال، وصحيح أنها تمكنت من إيلامه في أكثر من مكان ولكن بالمقابل كان الألم الفلسطيني كبيراً حيث تمكنت إسرائيل من الوصول للكثير منهم نظراً لغياب التأهيل العسكري وانعدام الخبرة، فقد كانوا يقاتلون ببراءتهم وليس بخبرتهم ما زاد من الخسارة والتي لم تحدث أي تغير في السياسات الإسرائيلية بصرف النظر عن طبيعة الحكومات.
وما بين التصعيد بالعمل المسلح والاستسلام كطرفي نقيض أقصويين هناك برنامج وسطي يمكن تلمسه إذا ما استدعى الفلسطيني من تجاربه، فالعمل العسكري أصبح مكلفاً بل ويفتح ربما على زيادة الضغط على الفلسطينيين ما يهيئ لبرنامج الحكومة المعروف بالرغبة والعمل على إخلاء الأرض من «الغرباء» كما يقول سموتريتش وتلك مسألة ينبغي التوقف أمامها، أما الاستسلام فلا يقل خطورة حيث التسليم والخضوع لحكم عدواني وانتهاء الحلم الفلسطيني.
قبل أكثر من ثلث قرن كان الشعب الفلسطيني في لحظة ضعف بعد خروج منظمة التحرير من بيروت وإبعادها عن ساحة الاشتباك المباشر، ووسط ضعف وغياب قوى الداخل كان يأخذ على عاتقه الأمر مبتدعاً شكلاً من أشكال الصدام قليل التكلفة وكثير الإنجاز وهو يفرض على العالم انتفاضته الأولى التي أحدثت هذا الجدل في إسرائيل عن جدوى حكم شعب آخر مسلحاً بالحجر الذي تمكن من تحييد القوة الإسرائيلية وفقدان جدواها في مواجهة شعب بأكمله.
لكن في الانتفاضة الثانية كان الفلسطيني يذهب إلى حيث الميدان الإسرائيلي يقاتل بالسلاح ليستنزف قوته خلال أربع سنوات أعطى فيها بكامل طاقته ثم أصابه الإعياء والتعب.
صحيح أنه تمكن من توجيه ضربات لكنه لم يحقق أياً من النتائج أو يعيد النقاش للداخل الإسرائيلي حول جدوى الاحتلال كما فعلت الانتفاضة الأولى والتي لم يستطع الفلسطيني استغلال ما وفرته سياسياً لينتهي الأمر باتفاق مؤقت خدعت فيه إسرائيل الجميع، لكن بالانتفاضة الثانية تعزز الاحتلال أكثر وفصلت إسرائيل المدن بل وتمت إزاحة القضية عن جدول الأعمال الإسرائيلي والدولي وحدث الانقسام والتشظي الفلسطيني.
صحيح أن اللحظة العاطفية لا تسمح بالحديث عن تنحية السلاح جانباً في هذه المرحلة المشبعة بروح الانتقام على فقد الأعزاء، لكن السياسة لا تصنع برامجها وفقاً للعواطف والمزاج ولا تتخذ القرارات بناء عليها فالسياسة تقيس الأمر بميزان الإنجازات والتقدم نحو الهدف، ففي الانتفاضة الأولى كان يقترب الفلسطيني من الهدف أكثر والآن لا تبدو الصورة كذلك فالبيئة السياسية تغيرت.
في الانتفاضة الأولى كان هناك متسع لمشاركة كل الشعب دون استثناء، «الحجر ليس كالسلاح الذي يحصر الكفاح لدى نخبة صغيرة» فلم يكن خطر الموت يلوح بالشكل الذي يردع المشاركين فيها ولا فترة الاعتقال حتى لمن يضبط متلبساً بالحجارة كانت تشكل عائقاً أو عبئاً ثقيلاً، بل كان الجميع يتسابق لتكون تلك الأشهر القليلة جزءا من تاريخه، وتمكن خلالها الشعب من تحييد القوة الإسرائيلية الغاشمة وصمد على أرضه رغم كل محاولات الاقتلاع ونما وتكاثر لينقل الأزمة إلى إسرائيل.
في الحرب الفيتنامية كان الأميركيون يحرسون قواعدهم بطيور الإوز المشهور بالحراسة، فابتدع الفيتناميون فكرة إحضار حيوان الوعر الذي يصيب الإوزة بصدمة فتتجمد مكانها وتعجز عن إصدار أصوات.
وعندما حفر الفيتناميون الأنفاق استدعى الأميركيون الجنود قصار القامة من وحدات المارينز للنزول داخلها لمحاربة الفيتكونغ فقام الفيتناميون باستخدام ثعبان الكوبرا لمواجهة المارينز.
هكذا تمكنوا من تحييد القوة الأميركية وإرغام أميركا على قتالها بأدوات العصر الحجري، لا تهم الوسيلة بل الهدف.
وهنا بات الفلسطينيون أمام ضرورة تحييد القوة الإسرائيلية واستمرار الاشتباك بأقل من السلاح، وهذا ممكن لإجهاض برنامج الحكومة وللحفاظ على صمود الشعب”.

اقرأ ايضاً: كتب توفيق أبو شومر: جاءكم نتنياهو السادس!

عن خصائص حكومة التطرف والخراب الإسرائيلية.. بقلم أكرم عطا الله

أقلام-مصدر الإخبارية

لم يكن أحد يتصور أن الحكومة الإسرائيلية بتركيبتها الحالية ستلتزم بوقف الاستيطان مقابل تراجع الفلسطينيين عن الشكوى لمجلس الأمن، فالرجل الأقوى في هذه الحكومة على الإطلاق هو بتسلئيل سموتريتش وزير المالية ونصف وزارة الجيش بما يخص الضفة والاستيطان رئيس «الصهيونية الدينية».

لذا بات من الضروري متابعة وفهم كيف يفكر ويتصرف هذا الرجل لمعرفة إيقاع الحركة السياسية وتطورات الصراع مع الفلسطينيين.

كل السياسيين الذين عملوا في الحكومات الإسرائيلية تنازلوا بعض الشيء عن مواقفهم وشعاراتهم السابقة نحو الحلول الوسط من أجل الشراكة إلا سموتريتش العقائدي المتصلب، والذي يعرف جيداً باعتباره حجر الزاوية لهذه الحكومة مكامن قوته القادرة على إسقاط نتنياهو وإرساله للمحكمة.

كيف لحكومة اتفقت في اتفاقاتها الائتلافية على أن “أرض الضفة الغربية هي أرض شعب إسرائيل يستوطن فيها كيفما شاء” أن توافق على وقف الاستيطان؟ كان الأمر بحاجة إلى هواة في السياسة ليصدقوا أن الحكومة الإسرائيلية ستقدم تنازلاً أيديولوجياً لوقف الخطوة الفلسطينية والتي لا تعني شيئاً بالنسبة للصهيونية الدينية، لكن الأمر لم يكن أكثر من محاولة أميركية رديئة الإخراج ضد الداهية بنيامين نتنياهو لتفكيك حكومته.

الديمقراطيون يكرهون نتنياهو ليس فقط منذ عهد أوباما بل منذ عهد كلينتون، وقد عمل بايدن كل ما في وسعه للحيلولة دون انتخابه، لكنه فاز ليشكل حكومة أشد تعارضاً معهم وتسبب لهم كل هذا الإحراج، سواء بالسياسات التي تتخذها أو بتغيير منظومة القضاء ما «يقضي على القيم المشتركة مع الولايات المتحدة».

سُعار الاستيطان دفع الفلسطينيين للذهاب لمجلس الامن، وهنا كان الموقف الأكثر حرجاً للولايات المتحدة، فهي من جهة ترفض هذا النهم الذي يقضي كما تقول على حل الدولتين ويفتح على خيارات الجحيم، ولكنها بالمقابل لا تستطيع التصويت بالموافقة وتنقلب فجأة على العلاقة الاستراتيجية السائدة ببين الدولتين. بل إن بايدن رأى أن الأمر بتلك البساطة يمكن أن يشكل فرصة لإسقاط حكومة نتنياهو من خلال نقل المعركة بين أعضائها حين يطالب بوقف الاستيطان، وهو يعرف أن هذا الشرط كفيل بانسحاب سموتريتش فوراً، وربما أن الفلسطينيين رأوا في تلك فرصة تستحق المغامرة بلا حسابات دقيقة ليقوموا بسحب مشروعهم.

لكن نتنياهو أكثر دهاء من ذلك، فهو سياسي محتال وخبير في لعبة البقاء، ولم تكن محاولة بهذه السذاجة يمكن أن تمر قبل أن يقلب الطاولة على رأس الفلسطينيين والإدارة الأميركية، ويذهب لصناعة معركة أمنية يغطي غبارها على كل الأحداث تبدأ في نابلس وتنتهي بصواريخ غزة وتستنفر مساعي التهدئة وتتكرم إسرائيل برد محدود إكراماً للوسطاء يكون موضوع الاستيطان قد اختفى تماماً، حيث لم يعد على الأجندة سوى الحيلولة دون حرب، وهكذا يكون نتنياهو قد خدع الجميع ليس فقط الفلسطينيين الذين خسروا مجلس الأمن وخسروا الميدان، بل الأهم كمين بايدن الذي أراد أن يستدرج نتنياهو نحوه.
لقد فكرت الإدارة الأميركية بمصلحتها فقط، فحكومة نتنياهو تصيبها بحرج شديد وتتمنى ان تصحو صباحاً وتجدها قد سقطت، فالحكومة ستعرضها للكثير من المواقف والضغط. ولكن لماذا يعتقد الفلسطينيون أن مصلحتهم باتت في إسقاط هذه الحكومة؟ فالسياق التاريخي يقول عكس ذلك.

ومن أجل إثبات ذلك علينا أن نرسم سيناريو سقوطها وبإجراء حسبة بسيطة يمكن أن يكون الأمر أكثر وضوحاً.

إذا ما سقطت حكومة نتنياهو وتم انتخاب بديل فعلى الأغلب سيكون يائير لابيد، سيتنفس الأميركيون الصعداء سيحتضنونه مثل لعبة جميلة، وستحظى إسرائيل بحضن دولي دافئ يسمح لها بمزيد من القتل «حكومة العام الماضي سجلت رقما قياسيا «ومزيدا من مصادرة الأراضي ومزيداً من الاستيطان ومزيداً من تجاهل الفلسطينيين.

كل هذا سيكون بتشجيع ورعاية أميركية وأوروبية بل وسيطلب العالم من الفلسطينيين السكوت نهائيا حتى لا يتم التشويش على لعبته الجديدة، هذا على الصعيد الدولي، أما على الصعيد الداخلي فستكون حكومة القانون وتنهي التفسخ في المجتمع الإسرائيلي وتزيد مناعته وتقوي اقتصاده.

الحكومة القائمة هي عامل مريح لكل خصوم إسرائيل وتحديداً الفلسطينيين، فهي حكومة أدت إلى شرخ في المجتمع الإسرائيلي وبوادر شرخ في علاقاتها الخارجية، فحتى الآن لم توجه دعوة لنتنياهو لزيارة واشنطن، وهي حكومة أدت إلى تخريب دولة القانون بخطة القضاء، حكومة تتسبب في انهيار اقتصادي وهجرة شركات ورؤوس أموال وتوقف المستثمرين عن الاستثمار بها، وستؤدي إلى تخفيض التصنيف الائتماني، بل إن أفضل ما تقدمه هذه الحكومة هو هذا الوجه البشع خارجياً والمتطرف داخلياً تجاه فئات المجتمع الأخرى. فلماذا يتعاون الفلسطينيون لإسقاطها لأجل حكومة معاكسة لكل هذا؟

هذه مصلحة أميركية بالكامل، ولكنها ليست بالضرورة مصلحة فلسطينية بل على حساب الفلسطينيين وضد مصلحتهم، وخاصة للتساوق الفلسطيني مع مصالح الإدارة الأميركية بثمن كبير على نمط التنازل عن الشكوى في المؤسسات الدولية؟ … السياسة بحاجة لحسابات أكثر هدوءاً، حسابات المصلحة لا حسابات العواطف، فلا متسع للحب والكراهية في حسابات السياسة… الفلسطينيون يكرهون حكومة نتنياهو – سموتريتش- بن غفير لكن السياسة لا تقاس بالعواطف، إسرائيل تكره «حماس» وبشدة لكنها تمرر لها 30 مليون دولار شهرياً. فهل يمكن أن يتعلم الفلسطينيون درسين، الأول إنهاء هذا الانقسام، والثاني المساهمة بالإبقاء على حكومة التطرف والخراب.

بين المطرقة والسندان ..كيف سيفلت نتنياهو ..!

أقلام – مصدر الإخبارية

يتعمق أكثر مأزق نتنياهو في هذه الحكومة مع شهية شركائه المفتوحة للاستيطان وحسم الصراع مع الفلسطينيين بأي ثمن وبسرعة شديدة، هؤلاء الشركاء يقرؤون الخارطة جيدا ويدركون أن لا مفر أمام نتنياهو إلا الاستجابة صاغرا لكل مطالبهم فهم الأقوى في حكومته. لكن ذلك يؤدي لزيادة مأزق نتنياهو مع الخارج وخصوصا الولايات المتحدة التي أرسلت ما يكفي من الإشارات قبل أن يرد عليها بن غفير الذي يعرف ممكنات قوته بسخرية مهينة للبيت الأبيض.

بين مطرقة سموتريتش – بن غفير وسندان الخارج يجد رئيس وزراء إسرائيل نفسه، وهذه المعادلة هي ما سيتسبب بسقوطه فهو يحاول إمساك العصا من الوسط ويتصرف باحتيال كعادته، لكن لن يتمكن طويلاً من اللعب على حبال حادة وخصوصا أنه أمام شركاء مخلصين لمواقفهم لا تهمهم الحكومة، ولهم سابقة في ذلك قبل عامين عندما رفض سموتريتش أن يكون في حكومة يدعمها منصور عباس، والمسألة الأهم أن نقطة ضعف نتنياهو مكشوفة أمامهم والبديل هو السجن.

وصلت الأزمة لنقطة فاصلة أول من أمس مع إخلاء الجيش الإسرائيلي لكرم زراعي استيطاني في الضفة بعد قرار المحكمة بأنه أقيم على أرض خاصة وتعليمات وزير الجيش يوآف غالانت بإخلائه، وكان هذا عكس إرادة سموتريتش الذي يتقاسم الوزارة بما يتعلق بالضفة الغربية مع غالانت ما أثار زعيم حزب الصهيونية الدينية الذي يبدو أنه يوصل نتنياهو للحظة حرجة قائلا: «إما صلاحيات الضفة كاملة أو ينتهي التحالف».

الأسبوع الماضي قام فلسطيني بدهس ركاب على محطة باص في القدس فكانت ردة فعل وزير الأمن الداخلي بن غفير شديدة أفلت لسانه بتصريحات تتوعد بالانتقام على نمط «سور واقي 2» وزيادة الاستيطان، تلك التصريحات كانت محل سخرية في الفضاء الإسرائيلي لكن تبين أن بن غفير لم يأتِ للحكومة ليتحول إلى مهرج ويخسر قاعدته بل ليضع نتنياهو على المحك أو حل الحكومة، ولم يكن أمام نتنياهو إلا أن يصادق على شرعنة تسع بؤر استيطانية.

لن يقدم سموتريتش أي تنازل فهو في موقع قوة ويعرف نتنياهو جيدا ويعرف ألاعيبه، فهو من قال عن رئيس الوزراء في تسريب صوتي قبل أشهر «كذاب ابن كذاب» وبالتالي ليس أمام نتنياهو إلا أن يسلمه الصلاحيات كاملة وخاصة بعدما قال سموتريتش وبن غفير أول من أمس إن «السياسة الحالية للحكومة تتناقض مع الاتفاقيات الائتلافية « وألمحا بأن الأمر من شأنه يعرض وجودها للخطر وهذا لمن يعرف الخارطة السياسية لم يكن تهديدا عابثا.

لن يتمكن نتنياهو طويلا من اللعب على الحبال، فإما أن تحل الحكومة بأسرع من التوقعات إذا لم يستجب لكل ابتزازات ثنائي قائمة الصهيونية الدينية وهذا كابوس لن يتعجل به نتنياهو لأنه يعني النهاية التي يخشاها أو أن يستجيب لسياساتهم والتي بالإجمال لا تصطدم مع توجهات نتنياهو اليمينية ويخسر أكثر على الساحة الدولية ويضحي بالعلاقة الراسخة مع الولايات المتحدة التي تشكل ضمان القوة الإسرائيلية.

معهد السياسة والإستراتيجية IPS الذي يترأسه اللواء احتياط عاموس جلعاد نشر أول من أمس ورقة يتناول فيها العلاقة بين السياسة الداخلية لإسرائيل وبين علاقتها مع الخارج جاء فيها «المبادرات الحكومية تجاه سلطة القانون وتجاه الفلسطينيين من شأنها أن تؤثر على قوة إسرائيل الإستراتيجية، هذه تعتمد على مدماكين مركزيين الأول: قوة الجيش وجهاز الأمن والثاني: الفهم السياسي الذي يسمح بحرية عمل استراتيجية، وبينما تأخذ القدرات العسكرية والأمنية في التحسن قد ينشأ تآكل في منظومة العلاقات مع الإدارة الأميركية والدول العربية وذلك سيؤثر سلبا على القدرة على بلورة جواب استراتيجي على التهديد الإيراني وتحقيق التطبيع مع السعودية».

ولفت المعهد إلى أن الإدارة الأميركية تمتنع حتى الآن وبشكل استثنائي عن أن ترسل دعوة علنية لرئيس الوزراء للولايات المتحدة بالإضافة إلى إشارات التحذير من مؤسسات اقتصادية في أميركا وأوروبا بالمس بالتصنيف الاقتصادي لإسرائيل.

وكان بن غفير قد تسبب بإلغاء زيارة كان نتنياهو يحلم بها إلى دولة الإمارات باقتحامه للمسجد الأقصى قبل أسابيع بل وأصبحت الإمارات التي قامت بالتطبيع بلا شروط الدولة التي تقدم الشكاوى ضد إسرائيل في مجلس الأمن بحكم عضويتها.

يعد نتنياهو أذكى رؤساء وزراء إسرائيل، فهو كالساحر الذي اعتاد على إخراج الأرانب من القبعة ما جعل بعض المراقبين يحاولون اكتشاف المخرج الذي سيجده نتنياهو واضعين الحرب كأحد خياراته تجاه غزة أو إيران أو حزب الله، لكن الأمر ليس بهذه السهولة هذه المرة، فقرار الحرب مع إيران ليس بيده وقد حصل واتخذ قرارها سابقا أكثر من مرة إحداها بالشراكة مع إيهود باراك حين كان وزير دفاعه العام 2010 واصطدمت برئيس الأركان غابي أشكنازي صاحب الصلاحيات بحكم موقعه، ثم كررها بعد مغادرة أشكنازي واصطدمت مرة أخرة بخليفته بني غانتس.

كذلك تضاءلت فرص نتنياهو في الحرب مع حزب الله بعد توقيع اتفاق الغاز، وربما تصطدم بموقف رئيس الأركان حيث لا سبب للحرب في ظل حالة الهدوء التي تعيشها إسرائيل على الجبهة الشمالية.

تبقى الساحة الوحيدة هي إحراق السفن مع الفلسطينيين تحضيراً لحرب تدخل بها غزة وصواريخها، وها هم شركاؤه يتكفلون بهذا التحضير من اجتياحات في القدس وتضييقات للمواطنين وتوسيع المشروع الاستيطاني والقرارات الطفولية لبن غفير ضد الأسرى حول الخبز والمياه والاستحمام، فهل يقترب الفلسطينيون وإسرائيل من لحظة الصدام أي يستخدم الشركاء ضد مصلحتهم؟ وهل أصبحت حاجة نتنياهو ملحة لمعركة يقلب فيها الطاولة أمام الإدارة الأميركية التي ستأخذ مواقف أكثر مرونة لصالحه من صواريخ غزة وأمام المعارضة التي تتظاهر وأمام شركائه المناكفين؟. هو مناور حقا لن يسلم بسهولة، وينبغي قراءة اللحظة بعمق.

اقرأ/ي أيضاً: زلزال احتلالي تخلفه آلات الحرب الإسرائيلية

هل تحتاج حكومة نتنياهو لصدمة الإفاقة ..؟

بقلم -أكرم عطا الله:

تشكلت الحكومة في إسرائيل والتي وصفتها في المقال السابق بالحكومة الداعشية، هي كذلك فمن يقرأ ويستمع لتصريحات مكوناتها يمكن أن يلمس ببساطة السمات المشتركة مع داعش وخصوصا رؤيتها للآخر، وكان بن غفير الأكثر وضوحا في التعبير.

تشكلت الحكومة من خليط من الهذيان الديني والفساد، فقبل أن تدخل حيز التنفيذ كانت تفصل قانونا لكل فرد فيها تقريبا في حالة كاريكاتورية لا مثيل لها، قانون لسموتريتش والجيش، وقانون لبن غفير والشرطة، وقانون لدرعي للتحايل على القضاء وتمكينه من أن يصبح وزيراً بعد صفقة الفساد مطلع العام، وفي الطريق نحو قانون السمكة الكبيرة نتنياهو وهو التشريع الذي سيتوج هذا الفساد، وبالمناسبة في الولايات المتحدة يمنع الدستور تشريعات تخص أفراداً.

حكومة بن غفير سموتريتش التي تعتمد على نصوص التوراة كمرجعيات فكرية لبرامج سياسية بات واضحا ومن طبيعة الاتفاقيات الائتلافية أنها تتحضر لتحويل تلك النصوص إلى وقائع سياسية عنوانها الفلسطينيون والضفة الغربية. فمن جهة تعتبر أن الضفة الغربية كانت مسرح أحداث التوراة القديمة وبالتالي فإنها ترى أن الشعب الفلسطيني عبارة عن مجموعة بشرية زائدة على هذه الأرض، نُذُر ذلك ليس في التصريحات التي يطلقها هواة السياسة من الهذيانيين بل تم تنظيمها بتشريعات وصلاحيات في الشرطة والجيش والإدارة المدنية.

يتصرف أعضاء الحكومة النافذون الذين قاتلوا من أجل الاستحواذ على صلاحيات القوة من شرطة وجيش في الضفة الغربية وصلاحيات الاستيطان كأنهم وحدهم، وكأن الشعب الفلسطيني مجرد من ممكنات القوة التي يحتكرونها وخلفهم هذا الجيش وقنابل نووية، وهنا الخطورة لأن فائض القوة مع الشعور بضعف الآخر سيفتح الشهية على كل سيناريوهات الجنون.

كيف يمكن أن يقتنع هؤلاء بأن الصراع أكثر تعقيداً من سطحية الهواة، وأن الشعب الفلسطيني يقاتل بأسنانه منذ ثلاثة أرباع القرن صامدا وصاعدا نحو حقوقه الوطنية رغم فداحة الثمن. وأن كل تلك القوة التي يتسلح بها أعضاء الحكومة لم تردع الشعب الفلسطيني وأن تجربة التاريخ الدامي وصلت لنتيجتها بأنه يجب تقسيم الأرض طبعا بما يتناسب مع موازين القوى وحل الدولتين، يجيء هؤلاء لإعادة بداية درس التاريخ عند النقطة الأولى.

هذا الوهم بحاجة إلى التبدد لأن استمراره شديد الكلفة. وواضح أن أبرز علاج للوهم هو الصدمة وقد حدث ما يشبه هذه اللحظة قبل حوالى ربع قرن عندما فاز بنيامين نتنياهو العام 1996 برئاسة الحكومة، كان مثلهم شابا في الأربعينيات ابنا لواحد من أبرز مفكري اليمين هو بن تسيون نتنياهو، يجيء من إرث التاريخ المحمل بالكراهية للعرب ويترأس حزبا تعهد بإسقاط أوسلو وقد حانت الفرصة لفعل ذلك ووضعت كل الإمكانيات تحت تصرفه لتنفيذ برنامج غيئولا كوهين.

حينها أوقف المفاوضات ورفض لقاء ياسر عرفات، تصرف بعنجهية تشبه عنجهية ثنائي الصهيونية الدينية بن غفير وشريكه، فما كان من ياسر عرفات إلا أن يعالج الموقف بالصدمة وكانت انتفاضة النفق التي استعرض فيها الزعيم التاريخي القوة الفلسطينية، ليست القوة المسلحة بل قوة الإرادة والإصرار وجاهزية التحدي والاستعداد لفتح الصراع من جديد مهما كلف الثمن وأن ليس لدى الشعب الفلسطيني خيار ترف التنازل والتسليم بيمين مسكون بهواجسه الهاذية، لأن ذلك يعني القبول بالحياة الذليلة تحت الاحتلال للأبد والتفرغ لإحصاء دونمات الأراضي التي تتم سرقتها منهم يوميا.

أذكر حينها كيف صدم نتنياهو المستجد على السياسة عندما تلقى أول دروسها، وأذكر كيف جعلته الصدمة يتوسل للرئيس الأميركي آنذاك بيل كلنتون أن يجمعه بياسر عرفات وبسرعة. وفعلا تم اللقاء الذي كان محرما، تم بعد أن انكسر نتنياهو بل وكان هول المفاجأة يجعل نتنياهو جاهزا لأي شيء فقد تجددت المفاوضات وذهب أبعد من حزب العمل صاحب اتفاق أوسلو ليوقع على اتفاق واي ريفر وينسحب جزئيا من الخليل فيما عرف بالنبضة التي لم يفعلها شمعون بيريس «رجل السلام «.

هل كان هذا درسا كافيا جعل نتنياهو رجل سلام ؟ بالتأكيد لا، ولكنه جعله أقل جنونا حين أدرك الفرق الهائل بين نظرياته في كتابه الذي كان قد نشره قبل سنوات من وصوله آنذاك «مكان بين الأمم» الذي وصف فيه الضفة بأرض الآباء والأجداد تماما كما يقول بن غفير الآن وبين الواقع المعقد الذي يجلس فيه شعبنا منذ آلاف السنين رافضا مغادرة الجغرافيا والتاريخ رغم كل المحاولات.

يبدو أن حكومة الثنائي الجديد بحاجة إلى شيء كهذا كي تدرك أن التاريخ أكثر واقعية من الأحلام، وواضح أنها ستدفع نحو هذا السيناريو في بدايات حكمها حين تبدأ برنامجها في الضفة والقدس وسيكون الصدام، لكن هذه المرة بشكل أكبر لأن غزة ستدخل على الخط. لكن حكومة التطرف لا تعرف هذه المرة أن العالم من الخلف سيشجع الفلسطينيين على تأهيل حكومة نتنياهو الجديدة وسيكون مرناً حتى مع الفصائل المسلحة في غزة لأن له مصلحة في هذا التأهيل بسبب الإحراج الذي تسببه تلك الحكومة حتى للبيت الأبيض، ستنشأ مصلحة مشتركة للجميع بعقلنة هذه الحكومة والسياسة هي وليدة تقاطعات المصالح ..وهذا لن يكون بعيداً..!

اقرأ أيضاً في مقالات: ناصر أبو حميد الأسير حيًا ومريضًا وشهيدًا

التباس العودة.. حماس وسورية!

أقلام – مصدر الإخبارية

التباس العودة حماس وسورية!، بقلم الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني أكرم عطا الله، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

لم يرغم أحد حركة حماس حتى تذهب بعيداً بهذا الموقف الحاد من الصراع الذي دار في سورية لتُحمل نفسها وزر هذا الاعتذار في بيانها الأخير.
ولم يكن مطلوباً منها موقف كحزب سياسي، فهي ليست مسؤولة عن تحرير الشعوب العربية من قبضة حكامها ولا نشر الحريات في العالم العربي وخصوصاً أن التجربة الفلسطينية والتي هي جزء من تجسيدها لم تكن سوى امتداد لأداء النظم العربية في صراعاتها وحريات المواطن وسطوة النظام والأمن .

البيان الذي أصدرته حركة حماس والذي جاء بعد حوالي الشهر من الحديث عن عودة العلاقة بين الجانبين أثار ما يكفي من المعارضة حين ذكر أن «حركة حماس تقف مع سورية شعباً وقيادة». وهذه المرة من داخل الحركة نفسها ومن الإسلاميين الذين عملت الحركة على شحنهم وتعبئتهم على سورية «قيادة» وضرورة إسقاطها باعتبارها تقتل المسلمين، وباعتبار أن عملية الشحن كانت تأخذ طابعاً عقائدياً لا يقبل المرونة بدا أن الموقف الجديد كأنه خروج عن العقيدة، وهنا أزمة السياسة حين تحتكم للمرجعيات الدينية فلا تترك مجالاً للمرونة، وخصوصاً أن هذا الموقف كان يتعزز بفتاوى دينية وصلت أن تطلب مرجعيتها ممثلةً بالقرضاوي «تدخلاً أميركياً» لضرب النظام السوري.

ولكن لا يمكن قراءة الموقف القديم ولا الجديد بمعزل عن مناخات اللحظة التي اتخذت فيها حركة حماس ذلك الموقف الحاد. فلم يكن الموقف أيديولوجياً دينياً صرفاً، وإلا لما أقامت الحركة لسنوات في كنف النظام العلماني الذي قاتل جماعة الإخوان في حماة أصلاً، لكن مشكلته أنه تم إلباسه ثوباً دينياً مع مستجدات الصراع السوري، كان موقفاً سياسياً مصلحياً استدعته الفرصة التي توفرت وتطلبت الانقلاب على الحليف، لأن حليفاً أكثر قرباً كان يتراءى خلف الأحداث.

علينا العودة لتلك اللحظة، حينها بدأت دول خليجية من حلفاء حركة حماس تقود إسقاط النظام، وكانت تلك الدول تحتضن مرجعيات دينية، وفي تلك اللحظة كانت المعارضة السورية تتحضر على أبواب دمشق لاقتحامها، وبدا أن النظام في طريقه للسقوط، فلماذا لا تقف ضده وتحسب الموقف حتى وإن كان حليفاً، فالتاريخ أوشك أن يطوي صفحته.

وفي تلك اللحظة كانت حركة الإخوان المسلمين تشق طريقها للحكم في القاهرة وهي الدولة المركزية قائدة الإقليم وبها رأس الإخوان، وتتحضر لسقوط باقي العواصم في يد الإخوان… كانت لحظة تاريخية مثلت ذروة النشوة الإخوانية بحيث لم يعد ضرورة للأنظمة السابقة التي تحالفت معها مؤقتاً رغم فوارق الأيديولوجيا. وكانت سورية على وشك السقوط، ولأن حركة الإخوان في العواصم هي الحركة المؤهلة لتسلم الحكم باعتبارها الأكثر تنظيماً بعد أن قضت النظم العربية على المجتمعات المدنية والأحزاب السياسية، كان لدى حركة الإخوان من القدرة ما يمكن أن يملأ فراغاً يخلفه رحيل النظم، كان هذا في مصر وتونس وكانت دمشق على الطريق.

تلك كانت أشبه برمية النرد بالنسبة للحركة، وأحيانا تحتمل السياسة تلك المقامرات، وخصوصاً أن المسرح كان مهيئًا لتلك الرمية من تساقط أحجار الدومينو تباعاً في مصر وليبيا وتونس واليمن، ولم تحسب أن سورية كانت امتداداً لمصالح كونية كبرى اختلفت عن سابقاتها وأن الأراضي السورية ستكون الحلبة التي ستدور عليها المصارعة الدولية، وأن هناك أطرافاً لن تسمح بسقوط النظام. ولو سقط النظام في سورية ولو لم يسقط الإخوان في القاهرة وسارت الأمور حسب الأحلام كان سيكون موقف «حماس» في الجهة الرابحة، لكن لسوء حظها لم تأت رياح الإقليم بما اشتهته سفنها وكان التاريخ يسير معاكساً.

التباس العودة حماس سورية

وحينما لا يحالف لاعبَ النرد الحظ يصبح تلقائياً في الاتجاه الخاطئ من التاريخ، ولا شك أنه سيدفع الثمن. فالسياسة ليست ابنة الآمال ولا ابنة الأيديولوجيا وهي متغيرة، وهنا أزمتها مع العقيدة لأنها متغيرة فيما العقيدة ثابتة، وهنا حدث الاصطدام مع قواعد ونشطاء التيار الإسلامي حول العالم مثل ابراهيم حمامي وياسر زعاترة وغيرهما الذين يشنون هجوماً على حركة حماس، أما فيصل القاسم الذي يلتحق بموجة الهجوم فهو رواية أخرى.

لم يكن النصف الثاني من موجة الربيع العربي في صالح حركة الإخوان التي صعدت لتملأ فراغ البدايات وتأخذ كل تلك المواقف، باعتبار أن التاريخ ي فتح لها أذرعه وأن المنطقة تستعد لحكم حركة الإخوان في عواصمها. فقد كانت الضربة الأكبر في القاهرة والتي احتاجت «حماس» سنوات لإعادة العلاقة مع الحكم الذي أزاح الإخوان بعد أن وقفت بنفس الحدة ضده وأيقنت أن متطلبات السياسة تستدعي التنازل عن الأيديولوجيا، وأنهما في لحظة ما نقيضان لا يلتقيان بل إن أحدهما لا بد وأن يمس بالآخر، ثم خسرت الحركة تونس والسودان ولم تتسلم الحكم في ليبيا ولا اليمن وسقطت في الانتخابات في المغرب. وبدا أن اللحظة تشهد أفول حركة الإخوان وتذهب بها الى مخازن التاريخ، وهنا كان لا بد للفرع الفلسطيني منها إلا أن يتأثر، وخصوصاً أن دول الإقليم التي حملت المعارضة السورية على أكتافها وأموالها بدأت بالتحلل منها، فتركيا طالبتهم بالمغادرة وترسل رسائل للنظام، وقطر توقفت عن حمل الراية وتعيد علاقاتها مع الدول النقيضة للإخوان.

التباس العودة حماس سورية

كان موقف «حماس» محاولة لاستغلال لحظة تاريخية عندما ألقى زعيمها خطبته الشهيرة في الأزهر حاملاً علم الثورة السورية في كنف نظام الإخوان بمصر مطالباً بسقوط النظام …كانت اللحظة تستدعي هذا الموقف بلا منازع، لكن على الحركة الفلسطينية أن تكون أكثر ذكاءً في ممارسة السياسة وتترك خطاً واحداً للعودة بدل أن تقطعها جميعاً، لأن إعادة وصلها بعد ذلك مكلفة سياسياً وأيديولوجياً. وهذا لا تحتمله حركة لديها حمل ثقيل كقضية فلسطين لا تحتمل التلاعب ولا المواقف المرتبطة بالخارج ومصالحه ونزواته.

هذا درس أبرز صفحاته أن مرونة السياسة لعبة أبعد كثيراً من دوغمائية الأيديولوجيا، وأن الارتباطات الخارجية تسحب القوى بعيداً حتى عن مواقفها الوطنية وما تتطلبه من حياد، وأن الأيديولوجيا عبء على السياسة ولا يلتقيان، ليس فقط على صعيد الخارج بل والأخطر على الداخل، وتلك تستدعي مراجعة كبيرة حتى أبرز من المراجعة مع سورية، فتلك بالنهاية دولة أخرى، لكن الأهم ألا يستدعى ذلك مراجعة أخطاء الأيديولوجيا في الداخل الفلسطيني؟

أقرأ أيضًا: مأزق إسرائيل الحاد.. وماذا بعد؟ بقلم أكرم عطالله

جدة وطهران: قمم التمرد على اليانكي

أقلام – مصدر الإخبارية

جدة وطهران: قمم التمرد على اليانكي، بقلم الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني أكرم عطا الله، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

عندما كان يقال قبل سنوات إن العالم يتغير وإن مفاصل القوى يعاد توزيعها من جديد كان يبدو كأنه حديث رغبات من المتضررين من النظام الدولي القائم، وحين قيل منذ فترة إن أجنحة النسر الأميركي آخذة بالوهن كان يظهر كأنه حديث يستعجل قراءة وقائع لا تعكس حقيقة تلك الموازين. لكن كان يجب أن يحضر الرئيس الأميركي للمنطقة وبكل ما حملته تلك الزيارة من صور حتى ندرك أن العالم يتغير وأن لحظة ما تنشأ في العالم على شكل زلزال يبدأ على الحدود الأوكرانية وتنتهي هزاته الارتدادية في كل العواصم.

مقدمات الزلزال كانت تظهر بعض التشققات في قشرة السياسة وما تعرض له العالم بعد جائحة « كورونا » كشف عري النظام الدولي وأزمة الاقتصاد والسياسة، وفي ظلها كانت تتقدم دول وتتراجع أخرى ثم تتلوها حرب لأول مرة يجري فيها استعراض القوة النووية كواحدة من ممكنات أدواتها وهو ما شكل مانعاً لقوة سميت بالكاسحة لعقود ماضية لتقف عاجزة عن حماية الحلفاء أو ضمان النصر الساحق كما جرت العادة، وتلك كانت فارقة في الصراعات الكونية كان لابد وأن تنذر بانقلاب في العلاقات الدولية.

ولأن السياسة هي ابنة مناخات ولأنها كائن حي تتجدد خلايا وتموت أخرى تتبدل الملامح مع تقدم السنوات كان ولا بد أن نقف بعد جائحة وحرب أمام عالم يتغير، وأن يشهد جدار القوة الأميركية بعض التصدع وأن ممكنات قوة تسقط فجأة وفي لحظة معينة بيد قوى ودول هامشية عندما تتغير وسائل وأدوات الصراع كان لا بد أن تحمل معها تغيراً في طبيعة القائم وتلك طبيعة الأشياء.

يمكن أن نقف أمام مناخات السياسة في الإقليم مع قمتين عقدتا في مدينتين متنافرتين جدة وطهران ولكنهما اتفقتا بشكل غير مباشر على وهن القوة الأميركية الأولى. حيث فيها التي استقبلت رئيساً أميركياً قبل خمس سنوات على وقع الرقص بالسيوف وهو يعبئ أكياس المال بالقوة تستقبل الآن رئيساً ساقته الأقدار وسط عاصفة كونية ليستجدي النفط للتوازن في حرب القارة التي تكافح بما تملك على جانبي المحيط للانتصار على الدب الروسي سواء بالضربة القاضية أو بالنقاط، وإن كانت النقاط هي قطرات النفط التي يملك مفاتيحها الشرق.
|
ولسوء حظ الولايات المتحدة وإسرائيل فإن دراساتها ومراكز تفكيرها لم تنفصل بعد عن سيكولوجية القوة وهي تنظر للعالم من على قمة النسر، وترى الأشياء أصغر كثيراً من حجمها وترسم سياسة مسحورة بممكنات القوة الكاسحة بصرف النظر عما تستنزفه من موارد تسرع عملية الإفلاس ليس المالي فقط بل السياسي والأخلاقي. وهنا كانت أزمة الامبراطوريات جميعها حين وصلت ذروة قوتها كانت تستنزف من الرصيد.

قمتا جدة وطهران كانتا تعلنان التمرد، وإذا كانت قمة طهران قد ضمت رئيس دولة عظمى يقف على ترسانة نووية فإن قمة جدة لم تضم سوى بعض الدول التي كانت حتى الأمس تخشى كثيراً رد الفعل الأميركي وتضبط إيقاعها على وقع خطوات البيت الأبيض ولا يحسب حسابها في موازين القوى الدولية، لكنها ظهرت فجأة بأنها قادرة على استغلال اللحظة التاريخية التي توفرت.

صحيح أن هناك مناخات تمرد على الولايات المتحدة ليس في المنطقة فحسب بل في العالم، لكن الحقيقة أن هناك جيلاً جديداً يظهر في الخليج أكثر كفاءة في إدارة السياسة من الأجيال السابقة وإن وفرت له اللحظة التاريخية فرصة يحسب له أنه تمكن من التقاطها وتحويل ممكنات الاقتصاد إلى فعل سياسي شكل مادة للصحافة الأميركية وهي تتندر على الرئيس الأميركي وهو يصافح ولي عهد السعودية مستجدياً النفط.

مناخات جديدة في المنطقة صنعتها الأحداث والحروب والإمكانيات. إذ ظهر فجأة أن النفط سلاح يعادل أو يتفوق في لحظة الضرورة على غيره من الأسلحة، وهنا كان خطأ واشنطن ودبابات الفكر خلف واجهاتها الزجاجية وهي تقدر اكتشافات النفط هناك وتقرأ المستقبل بممكنات القوة وتضع احتماليات تراجع أهميته مع تلك الاكتشافات أولاً ومع التطور التكنولوجي الذي يعني في كثير من جوانبه الاستغناء عن النفط لصالح الكهرباء، وبالتالي كان ذلك يعني التفكير بانسحاب من منطقة اعتبرت حديقة خلفية لمصالح البيت الأبيض منذ ما بعد أربعينيات القرن الماضي، وبدأت تلك الانسحابات في عصر أوباما.

ترافقت تلك مع اضطراب في الإقليم ورغبة إسرائيلية كانت محركاً مركزياً في أحداثه، تلك الرغبة بالتطبيع أرادت استغلال الانسحاب الأميركي لتقديم إغراء الحماية لدول لم تعتمد على نفسها بعد، كانت الفكرة قد بلغت ذروتها منذ عامين بموجة التطبيع ولكن لم ينتبه أحد أثناء ذلك أن دولاً عظمى أخرى كانت تتقدم وتستعيد مكانتها وأن تلك قد تشكل بدائل جدية، وهو ما حدث من اتفاقيات لبعض دوله مع الصين وروسيا وهو ما أدركه مؤخراً الرئيس الأميركي وهو يتحدث عن عودة أميركا للمنطقة لقطع الطريق على هاتين الدولتين. ولكن التاريخ هنا لا يسامح مغفلي السياسة فهي كالماء تتسرب أينما وجدت شقوقاً وقد تشققت العلاقة مع واشنطن.

في ظل مناخات الإقليم القائمة والصور البصرية التي نقلتها وسائل الإعلام والخطابات سواء في قمة جدة كانت مصر تعبر عن حضورها التاريخي أو السعودية التي تستعيد ثقتها بنفسها بعد مرحلة ترامب. وكانت القمتان تعكسان انكماش الحضور الإسرائيلي.

إذ ظهرت إسرائيل كدولة هامشية أمام تلك التحولات الكبرى إلى الدرجة التي لم تأت فيها زيارة رئيس أركانها للمغرب وسط هذه المناخات لأنها جزء من سياق تطبيعي بدأت أطرافه تدرك هامشيته وعدم الاتكاء عليه لصناعة شرق أوسط مختلف.

وإذا كانت الأعوام الماضية قد عبرت عن ممكنات قوة لدى إسرائيل فقد ظهر فجأة في الصراعات الكبرى أن ممكنات القوة في عواصم أخرى أكثر فاعلية على المستوى الدولي وهنا كانت اللحظة التاريخية.

وإذا كانت قمة طهران تعكس الخسارة الأميركية والإسرائيلية الواضحة بالتمرد على حصار إيران وعقد اتفاقيات معها لم تكن قمة جدة أقل فداحة في كسر معادلة اعتبرت لعقود أحد أبرز مرتكزات المصالح الأميركية التي خاضت الحروب من أجلها معادلة الخوف والطاعة العمياء فقد حدث التشقق واختبر العرب أنفسهم وممكناتهم ما يعطي قوة نفسية أكبر في ممارسة السياسة.

واذا كانت الولايات المتحدة تنسحب لتدفع العرب نحو إسرائيل جاءت لحظة تاريخية لتدفع تل أبيب للوراء.
فقد أفلتت اللحظة وبات واضحاً أن من سيدفع ثمن المناخات الجديدة هو إسرائيل، وربما أنها قد تكون فوتت فرصة السلام خلال عقود كانت الولايات المتحدة أكثر حضوراً وكانت نفسها أكثر مركزية، العالم يتغير…!

أقرأ أيضًا: وزير الخارجية السوري يشن هجومًا على أردوغان بسبب قمة طهران

محلل سياسي: يبدو أن الاتفاق بين فتح وحماس يتجه للوحدة الوطنية بشكل جديّ

وكالات-مصدر الاخبارية

سرعت حركتا فتح وحماس مؤخراً وتيرة خطوات التقارب بينهما بعد سنوات من الخلافات، في وقت تجابه فيه القضية الفلسطينية تحديات جسيمة وغير مسبوقة.

وتتجه الحركتان إلى التوافق على إجراء انتخابات عامة لأول مرة منذ عام 2006 في محاولة جديدة لإنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي،ومن المتوقع أن يتم تحديد موعد الانتخابات خلال اجتماع سيعقد خلال أيام.

وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية خلال اجتماع مجلس الوزراء أمس الاول الاثنين، إن الحكومة ستبذل كل الممكن لإنجاح الانتخابات التي تم الاتفاق عليها بين حركتي فتح وحمـاس وبقية الفصائل الفلسطينية.

وصرح أمين سر اللجنة المركزية لفتح، جبريل الرجوب، بأن الاجتماع سيترأسه الرئيس محمود عباس من أجل “إقرار الرؤى والاستراتيجية والآفاق المستقبلية للقضية الفلسطينية”.

وكان عباس ترأس في الثالث من الشهر الجاري اجتماعا للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في رام الله وبيروت، عبر الإنترنت، وبينها فتح وحماس، لأول مرة منذ سنوات طويلة.

وأعقب ذلك اجتماعات بين وفدين من قيادتي فتح وحماس استمرت ثلاثة أيام الأسبوع الماضي في مدينة اسطنبول التركية، واختتمت بإعلان اتفاقهما على “رؤية مشتركة” ستقدم للحوار الشامل.

وكتب المحلل السياسي أكرم عطا الله مقالا بعنوان “مصالحة السلحفاة التي استعارت أقدام الفهد” في إشارة إلى مظاهر التعثر الشديدة التي رافقت تفاهمات سابقة للحوارات بين فتح وحماس.

ورأى عطا الله أن “الحوار هذه المرة يتخذ شكلا أكثر جدية من المرات السابقة، لا من حيث النتائج بل الدوافع التي دفعت بالأطراف”، مؤكدا “أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا”.

وأعلن مسؤولون في فتح أن التفاهمات مع حماس تقوم على إجراء انتخابات تشريعية ثم رئاسية وأخرى لمنظمة التحرير خلال مدة 6 أشهر.

وقال الدبلوماسي الفلسطيني السابق نبيل عمرو لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، إن الفلسطينيين سيراقبون تطبيق ما تم الاتفاق عليه بين الحركتين لاسيما ما يتعلق بإجراء الانتخابات.

ويشدد عمرو على أن الانتخابات يجب أن تتضمن تجديد المؤسسات والقيادة الفلسطينية بما يتيح دخول أفكار جديدة، “بدون احتكار فصائلي مستمر منذ سنوات”.

وشدد عمرو على أن “الانتخابات حاجة ملحة لإعادة الثقة بالمواطن الفلسطيني ومؤسساته وتقديم صورة حضارية وديمقراطية أمام العالم لكسب دعمه بكافة الأشكال المتاحة”.

ويعاني الفلسطينيون من الانقسام منذ منتصف عام 2007 إثر سيطرة حركة حماس على قطاع غزة فيما فشلت عدة تفاهمات برعاية خارجية متعددة على مدار أعوام في تحقيق المصالحة.

ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي من غزة، هاني حبيب، أن ما يجرى هذه المرة في محادثات المصالحة قد يشكل “إعادة هندسة النظام السياسي الفلسطيني”.

وقال حبيب إن ذلك يحدث “في ظل مستجدات بالغة الخطورة على الوضع الفلسطيني، لاسيما بدء تنفيذ صفقة القرن (الأمريكية) بما فيها خطة الضم الإسرائيلية لأراض فلسطينية.

وأشار إلى “موجة التطبيع بين بعض الأنظمة العربية مع إسرائيل، الأمر الذي مهد الطريق وفرض على القيادات الفلسطينية اتخاذ خطوات أكثر جدية، وتوفير إرادة حقيقية تتجاوز كل العقبات السابقة من أجل إنهاء الانقسام الداخلي”.

وشدد حبيب على أن النظام السياسي الفلسطيني “بحاجة لإعادة هندسته لمواجهة المخاطر والتداعيات والتحديات كافة، مع التأكيد على أن الانتخابات استحقاق وطني ديمقراطي فلسطيني”.

وتضمنت تفاهمات فتح وحماس تشكيل “قيادة مقاومة موحدة” لتفعيل الحراك الشعبي ضد إسرائيل في وقت يتم فيه الدعوة لرد فعل فلسطيني في مواجهة المخاطر الحاصلة.

ويعتبر المحلل السياسي عبد الناصر النجار أن “انتفاضة فلسطينية ثالثة مسألة وقت لأن الخيارات الأخرى أمام الشعب الفلسطيني لم تعد قائمة”.

وقال النجار إن “عوامل الانفجار عديدة لدى الفلسطينيين، وبينها الضغوط التي يتعرضون لها داخليا وخارجيا بحيث لم يعد أحد قادراً على تحمل المزيد منها”.

وأضاف: “ليست الضغوط الاقتصادية أو المالية فقط، ولكن الانتهاكات الإسرائيلية وعلى رأسها الاستيطان، فنحن نرى هجمة استيطانية بلا حدود مدعومة من الحكومة والأحزاب الإسرائيلية، ومن الإدارة الأمريكية ” بما يقوض كل ما تبقى من فرص لحل الدولتين.

Exit mobile version