إذا كان الأمر كذلك، فإنني لاسامي

أقلام _ مصدر الإخبارية

بقلــم: عكيفا الدار

حتى أكبر أتباع “امنستي” لا يدعون بان منظمة حقوق الانسان المخضرمة تعتبر أحد المعجبين بالحركة الصهيونية. علاوة على ذلك، التقرير الجديد الذي يتهم اسرائيل – على جانبي الخط الاخضر بجريمة الأبرتهايد، هو وثيقة مناوئة للصهيونية. توصية كُتّابه بان يتم فتح ابواب اسرائيل على مصراعيها أمام لاجئي 1948، هو حكم بالإعدام على حل الدولتين. التوصية بتطبيق حق العودة يعتبر ما بين اشكالي وحالم حتى في معسكر اليسار، بما في ذلك ميرتس، التي تؤيد اعتبار دولة اسرائيل دولة اليهود وكل مواطنيها. لهذا كتب هنا في الاسبوع الماضي وبصورة محقة البروفيسور مردخاي كرمنتسار بان “امنستي” ارتكبت خطأ “لا يستطيع أحد حمل بطيختين بيد واحدة”. هذا التقرير أفاد من انتقدهم – من انتقدوه، بشكل خاص اولئك الذين تخصصوا طوال عشرات السنين في خطأ أخطر بكثير من “لا تستطيع ان تمسك بطيختين” (المناطق المحتلة وحقوق الانسان).

من أجل صرف الانظار عن سلسلة طويلة من البيانات والشهادات التي تشير الى مظالم الاحتلال، فان المتحدثين باسم الحكومة يستخدمون الخدعة القديمة المتمثلة بتشويه سمعة المندوب، وليس هنالك اتهام يعمل بصورة اقوى من اللاسامية. رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو تخصص في تحويل كل وثيقة تجرأت على انتقاد الاحتلال الى طبعة جديدة من بروتوكولات حكماء صهيون. تقرير عن وضع حقوق الانسان في المناطق شكل فرصة لاستلال سيف الكارثة. رئيس الحكومة البديل ووزير الخارجية يئير لبيد تبنى هذه المقاربة بل وطورها.

في بيان عشية نشر التقرير قال لبيد، ان “امنستي” ليست منظمة حقوق انسان، بل “مجرد منظمة راديكالية اخرى تردد اصداء دعاية دون أن تفحصها بجدية”. لقد تساءل لماذا “امنستي” لا تسمي سوريا دولة أبرتهايد والتي فيها قتل النظام نصف مليون من مواطنيه ولا تسمي بالأبرتهايد إيران، ولا انظمة قاتلة في افريقيا وفي امريكا اللاتينية، فقط تسمي اسرائيل. لو لم يكن يردد دعاية بدون أن يفحصها بجدية فان لبيد كان سيكتشف أن “امنستي” طلبت بان يقدم للمحاكمة بشار الاسد وحكومة آيات الله بسبب جرائم ضد الانسانية وبسبب جرائم حرب. بالمقابل، فانه في النادي الديمقراطي الذي تتباهى اسرائيل بالانتماء اليه اي دولة تسيطر طوال 55 عاما على ملايين الاشخاص بقوة الذراع.

لبيد أوضح انه يكره استخدام الادعاء القائل انه لو لم تكن اسرائيل دولة يهودية فان احدا من “امنستي” لم يكن ليتجرأ على الادعاء ضدها بانها دولة أبرتهايد. يكرهه، ولكنه يستخدمه. هذا الادعاء يتكرر في بيان مكتبه، الذي استغل يوم الذكرى العالمية للكارثة في الاسبوع الماضي من اجل مناكفة “امنستي”. “نحن نتعلم ثانية ان اللاسامية ليست فقط جزء من التاريخ بل للأسف ايضا جزء من الواقع الحالي”، على حد تعبير رد وزارة الخارجية. “تقرير “امنستي” هو بالفعل الضوء الاخضر للمهاجمين وامثالهم للمس ليس فقط بإسرائيل، بل أيضا باليهود في ارجاء العالم”.

إذا كان وصف الوضع في المناطق منذ 1967 هو لاسامية، فإنني لاسامي. إذا كان الادعاء بان اسرائيل تعاني من ظواهر آخذة في الاشتداد للأبرتهايد هو لاسامية، فإنني لاسامي. لا تقولوا لي ان وضع حقوق الانسان في المناطق يهم الكثيرين هنا. كم من القراء يعرف أن اللبن الرائب من الاغنام من انتاج (حلاف “هآرتس”) ينتج في ملبنة مستوطنين تقع على أراضي سوسيا، ومن اغنام قطعان البؤر الاستيطانية الاجرامية (عفوا ابطال “الاستيطان الفتي”)؟ الاهم لديهم مقاطعة معكرونة أوسم.

إذا كان هناك عدد لا يحصى من المقالات وكتاب سميك (“سادة البلاد” مع عديد زرتل)، والتي تصف السيطرة على السكان الفلسطينيين في المناطق المحتلة بواسطة سياسة اراضي مميزة وانفاذ للقانون مميز، تعتبر لاسامية – فإنني لاسامي. إذا كان اتهام حكومة اسرائيل بسياسة منحازة من مصادرة حقوق الفلسطينيين في شرقي القدس من اجل ابعادهم من المدينة، هي لاسامية فإنني لاسامي. إذا كان التظاهر ضد طرد عائلات فلسطينية من بيوتها في الشيخ جراح من أجل توطين يهود فيها، هو لاسامية – فإنني لاسامي.

كاتبو تقرير “امنستي” كتبوا بان اعتبارات ديمغرافية هي التي وجهت منذ البداية التشريع ووضع السياسات الاسرائيلية. هم اشاروا الى أن الفلسطينيين، داخل اسرائيل وفيما بعد في المناطق ينظر لهم كتهديد على قاعدة اغلبية يهودية والحفاظ عليها، وكنتيجة لذلك عانوا من الطرد والتقسيم، والفصل، والقمع ومصادرة الممتلكات والاراضي وحرمانهم من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية. التقرير يشير الى قانون المواطنة والذي يدفع به قدما مؤيدوه بذرائع امنية.

إذا كان الادعاء بان هذه تبريرات تستخدم كقناع للتمييز على خلفية قومية هو لاسامية فإنني في صحبة جيدة. في نقاش في قائمة “يوجد مستقبل” في شهر تموز اعترف الرئيس لبيد بان قانون المواطنة هو “أحد الادوات التي استهدفت ضمان اغلبية يهودية في دولة اسرائيل”. هذه هي المشكلة ان لبيد وزملاءه في الائتلاف من المعسكر الصهيوني، والذين يسلمون بالاحتلال، تحولوا الى شركاء بشأن جريمة الأبرتهايد لليمين الاستيطاني.

بعد يوم – يومين وربما حتى قبل أن ينشر هذا المقال، فان تقرير “امنستي” سوف يختفي من الجدول اليومي. وسيكون مجرد وثيقة اخرى ستنضم الى عدد لا يحصى من وثائق مشابهة لمنظمات حقوق الانسان الدولية والاسرائيلية، والتي استخدمت ككيس للضرب لفترة قصيرة ومن ثم تم حفظها في الارشيفات. ولكن حتى متى تستطيع اللاسامية (ولشديد الاسف ما زالت حية ترزق) ان تخفي عار الأبرتهايد.

Exit mobile version