بعد 9 أشهر على انتخابها نتائج عمل اللجنة التنفيذية… كتلة أصفار

أقلام – مصدر الإخبارية

بعد 9 أشهر على انتخابها نتائج عمل اللجنة التنفيذية… كتلة أصفار، بقلم عضو المكتب السياسي
للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين معتصم حمادة، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

عند انعقاد الدورة 31 للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، في شباط (فبراير) الماضي، ساد اعتقاد (مجهول المصدر) أن ثمة خطوة إيجابية ستخطوها القيادة الجديدة لرئاسة المجلس الوطني، وللجنة التنفيذية في تنظيم عمل كل منهما، بحيث ينتظم انعقاد المجلس المركزي مرة كل ثلاثة أشهر، واللجنة التنفيذية مرة شهرياً كحد أدنى.

كما جاء البيان الختامي، الذي حمل قرارات واضحة بشأن انتظام عمل المؤسسة التشريعية، ويعيد التأكيد على قرارات الدورات السابقة للمجلس الوطني والمركزي، خاصة بما يتعلق بوقف العمل بالمرحلة الانتقالية لاتفاق أوسلو، وإعادة النظر بالعلاقة مع دولة الاحتلال، ووقف الرهان على الرباعية الدولية، لصالح البديل المتمثل بالمؤتمر الدولي لحل القضية الفلسطينية، تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة ومجلس أمنها ورعايتهما.

«خيبة الأمل»، هو التعبير الأكثر دقة الذي يمكن اللجوء إليه في توصيف نتائج عمل اللجنة التنفيذية، في السياق؛ هيئة رئاسة المجلس الوطني، فمنذ شباط (فبراير) أي تاريخ انعقاد دورته الأخيرة، والمجلس المركزي معطل، ولم يلتزم نظام الاجتماع مرة كل ثلاثة أشهر، ويبدو أن بعض أمراض اللجنة التنفيذية قد انتقلت إليه، حين بدأ يستعيض عن اجتماعاته النظامية بما يسمى «الاجتماعات التشاورية»، حيث يلتئم بمن حضر (أي من يحضر من أعضائه في رام الله والضفة الفلسطينية)، وبعض الكلام للحاضرين، تنتهي جولة الكلام ببيان ختامي لا يتجاوز هو الآخر حدود «الكلام»، بدون أي فعل، متخلياً عن صلاحيته، باعتباره يمتلك تفويضاً بصلاحيات المجلس الوطني، لحين تشكيل المجلس الجديد، كأعلى سلطة تشريعية في م. ت. ف، وبذلك تكون هيئة رئاسة المجلس الوطني قد تخلت عن صلاحياتها التي منحها إياها المجلس المركزي في دورته الأخيرة، وتقاعست عن أداء واجبها، وتخلفت عن دورها في تنظيم أعمال المجلس المركزي، رغم كل ما شهده الشعب الفلسطيني من أحداث، وحولت صلاحيات المجلس المركزي، من سلطة تشريعية تملك زمام القرار، إلى مجرد هيئة (منقوصة العضوية) تشاورية، تكتفي بإبداء الرأي (الذي لا يؤخذ به)، وتهبط بالقرار إلى مستوى التوصيات والمطالبات التي سرعان ما تتبخر في سماء الصمت، وسماء الآذان الصامّة.
وهكذا؛ فقد المجلس المركزي دوره كسلطة تشريعية من واجبها مساءلة السلطة التنفيذية على أداء دورها، بموجب البرنامج السياسي الذي كلفها به المجلس المركزي.

أما اللجنة التنفيذية، فالأمر معها أكثر تعقيداً، فهي من جانب، خالفت قرار المجلس المركزي بانتظام اجتماعها شهرياً، وما نذكره من اجتماعاتها، خلال 9 أشهر أربعة فقط، كل ما صدر عنها هو مجرد بيانات، لا تتجاوز حدود الكلام الإنشائي، وتخلو من أية قرارات ذات صلة بالبرنامج الذي رسمه لها المجلس المركزي في دورته الأخيرة.

وفي النظم البرلمانية يمنح البرلمان، أياً كان اسمه (مجلساً وطنياً، مجلس الشعب، مجلس الأمة … الخ)، ثقته للحكومة، بموجب برنامج عمل (بيان وزاري) تتقدم به إلى «المجلس الموقر»، كأساس للمساءلة القانونية، وعلى قاعدة البيان الوزاري (أي خطة عمل الحكومة) يعقد البرلمان جلسات عامة للمساءلة، كما تعقد لجانه البرلمانية كل في اختصاصه، لمساءلة الوزارات المعنية كل وزير على حدة.

وبنت الديمقراطيات البرلمانية، لها في العالم، تقاليد عريقة باتت تشكل مؤشرات واضحة، لمدى نجاح الديمقراطية ورسوخها، في هذا النظام البرلماني أو ذاك، وعندما يتبين للبرلمان أن الحكومة قد أخلت بواجباتها، إما على صعيد الوزارة الواحدة، أو كحكومة بكامل عضويتها، يسحب ثقته، إما من الوزير المعني، أو من الحكومة ورئيسها، ويفتح الباب لمشاورات جديدة، لتشكيل حكومة بديلة ترث السابقة، وتتجاوز أخطاء السابقة ومساوئها، وعندما يفشل البرلمان نفسه في أداء واجبه، يصدر مرسوم بحلّه لإعادة انتخاب برلمان جديد، بحلة جديدة.

أين نحن الآن كفلسطينيين من تلك التجارب. من الواضح أن المجلس المركزي الحالي، الذي تشكل دون الاستناد إلى معايير واضحة (بعضهم انضموا إلى «المركزي» دون أن يكونوا أعضاء في المجلس الوطني، وهذه مخالفة قانونية ودستورية فاقعة، يعلم بها كل أعضاء المجلس المركزي، وصمتوا عنها، لا لشيء سوى لهيمنة الفرد على الجماعة)، ولا ندري ما هي الفترة القانونية لعمر المجلس المركزي الحالي، وقد تمتد دون احتساب للسنوات، تعبيراً عن خلل وفساد في المؤسسة.

عند انتخاب اللجنة التنفيذية الجديدة، كان من الواضح أن مهمتها الرئيسية هي العمل على ترجمة بيان المجلس المركزي، باعتباره البيان «الوزاري» للتنفيذية، فهي وفقاً لقرارات الدورات السابقة للمجلسين الوطني والمركزي، حكومة الدولة الفلسطينية في المنفى، أما المجلس الوطني فهو برلمانها، وبالتالي فإن العلاقة بين «المركزي» الحالي وبين اللجنة التنفيذية، هي العلاقة بين البرلمان وحكومته، بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، واليد العليا في المساءلة هي للسلطة التشريعية.

قلنا مضى على تشكيل (انتخاب) اللجنة التنفيذية حتى الآن 9 أشهر، عقدت خلالها، كما نعرف، أربعة اجتماعات، لكن السؤال الجوهري هو: ماذا حققت من برنامجها القائم على إعادة النظر بالعلاقة مع دولة الاحتلال، وتنفيذ قرارات وقف العمل بالمرحلة الانتقالية، بما في ذلك وقف العمل باتفاق أوسلو، والتزاماته واستحقاقاته السياسية والاقتصادية، والأمنية وغيرها ؟ …

بجملة واحدة: ما زالت قرارات المجلس المركزي معطلة حتى الآن، إذ ما زال اتفاق أوسلو هو البرنامج السياسي للقيادة الرسمية، ولسلطة الحكم الإداري الذاتي، وما زالت الالتزامات باستحقاقات الاتفاق قائمة وملزمة للسلطة وللقيادة الرسمية.

فمنذ 17/11/2020، وبموجب بيان رسمي، أعلنت القيادة الرسمية التزامها اتفاق أوسلو مع وصول الإدارة الديمقراطية برئاسة جو بايدن إلى البيت الأبيض، واعتبرت ذلك انتصاراً (!) على نتنياهو الذي – قيل – أنه اعترف باتفاق أوسلو، دون أن تبادر حكومته، آنذاك، إلى أية خطوة تؤكد هذا الالتزام.

ومنذ 17/11/2020 وحتى الآن، ومسار أوسلو هو خط عمل القيادة الرسمية وسلطة الحكم الإداري الذاتي، وخطط عملها، ومحور تحركاتها السياسية محلياً، وعلى الصعيد الدولي.
فلم يتم تعليق الاعتراف بدولة الاحتلال، إلى أن تعترف بالدولة الفلسطينية على حدود 4 حزيران (يونيو) 67، وتوقف الاستيطان، والاعتراف بإسرائيل ما زال قائماً …

ما زال التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال قائماً، لم يلغِ، وفي اجتماع لجنة المتابعة الأخير في رام الله، أعيد التأكيد على «ضرورة» التنسيق الأمني، باعتبارها الوسيلة لمنع ما يسمى «الفوضى» في مناطق السلطة، دون أي توضيح لمعنى «الفوضى»، هل هي «فوضى» المقاومة الشعبية أم «فوضى» المجموعات المقاومة المسلحة، أم «فوضى» المستوطنين ؟! … علماً أن السلطة لا تتصدى للمستوطنين، وأن من في السلطة لا يكفون عن التأكيد على ضرورة سلطة واحدة، قانون واحد، بندقية واحدة، ورفض العنف والإرهاب، وبذلك يكون معنى «الفوضى» قد بات مفهوماً.

وما زالت العلاقات الاقتصادية في أحسن حالاتها، تطورت أكثر فأكثر في ظل «الحل الاقتصادي»، حل «الاستسلام مقابل الاقتصاد».
وما زالت الرباعية الدولية هي الأمل المنشود، لاستئناف العملية التفاوضية.

وما زال حدود الهم السياسي يقف عند العمل على «حماية حل الدولتين» (كما صرح بذلك أمين سر اللجنة التنفيذية مؤخراً)، وما زال الهدف المنشود، حالياً، هو البحث عن «أفق سياسي للحل»، كما صرح بذلك رئيس السلطة في لقاءاته مع القيادات العربية في الجزائر.
إذن؛ ما زالت اللجنة التنفيذية، كهيئة تساوي حكومة دولة فلسطين في المنفى، تلتزم اتفاق أوسلو واستحقاقاته والتزاماته.
وما زالت هيئة رئاسة المجلس الوطني تتواطأ مع اللجنة التنفيذية، وتعمل على استبعاد مساءلتها عن أدائها السياسي وفقاً لقرارات المجلس.
فإلى متى تستمر هذه اللعبة السمجة، التي يلعبها الطرفان على حساب المصالح الوطنية العليا لشعب فلسطين؟ وإلى متى تبقى مؤسسات م. ت. ف، التشريعية والتنفيذية، تفتقر إلى ثقة الشارع الفلسطيني بها؟

وما هو الحل؟
كعضو في المجلس الوطني، وفي اللجنة السياسية للمجلس، أدعو كافة أعضاء اللجان البرلمانية ورؤسائها، إلى عقد اجتماعات عاجلة وفورية، لبحث الحالة الفلسطينية (تخلف اللجنة التنفيذية وهيئة رئاسة المجلس الوطني عن أداء دورها) والدعوة إلى دورة عاجلة للمجلس المركزي، يقف فيها أمام ما تحقق من برنامجه الوارد في البيان الختامي للدورة الـ 31، ويحاول أن يضع النقاط على الحروف، في مساءلة جريئة للجنة التنفيذية، بكامل أعضائها ولهيئة رئاسة المجلس، الأمر الذي يتطلب، حقاً من أعضاء المجلس المركزي، التجرد من عضويتهم الحزبية والحركية، وتغليب انتماءهم إلى المجلس المركزي، واحترام عضويتهم فيه، على أي انتماء، وأية عضوية أخرى.

فما يجري في الساحة الفلسطينية خطير ولا يحتاج إلى إعادة شرح، وكذلك ما يجري إقليمياً ودولياً خطير جداً، وما أسفرت عنه الانتخابات الإسرائيلية من نتائج، يدعونا للتعامل مع قضايانا بمنظار أعمق، بعيداً عن الحسابات الفئوية الضيقة.
وبدون ذلك، وإذا ما استمر الأمر على ما هو عليه، سنضطر لإعادة قول ما قلناه سابقاً عن مصير الخطاب الفلسطيني في نيويورك.
إن ما تستحقه اللجنة التنفيذية من علامات، على أدائها السياسي، كحكومة لدولة فلسطين … لا تتجاوز كتلة الأصفار.

أقرأ أيضًا: إعلان الجزائر نتائج واحتمالات بقلم معتصم حمادة

إعلان الجزائر نتائج واحتمالات بقلم معتصم حمادة

أقلام – مصدر الإخبارية

إعلان الجزائر (مقدمات – نتائج – مآلات – احتمالات)، بقلم معتصم حمادة عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

مقدمة
على مدى ثلاثة أيام (11- 13/10/2022)، احتضنت العاصمة الجزائرية مؤتمراً للحوار الوطني الفلسطيني، شارك فيه 13 فصيلاً، الأعضاء في م. ت. ف إلى جانب حركتي حماس والجهاد الإسلامي، أسفر عن إصدار «إعلان الجزائر».
وكان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، قد أعلن وبحضور الرئيس محمود عباس، إبان زيارته للعاصمة الجزائرية (5 – 7/9/2022) عن «مبادرة جزائرية»، لاستضافة حوار وطني فلسطيني من أجل إنهاء الانقسام، واستعادة وحدة الصف الفلسطيني بعدها، وخلال الفترة من شهر كانون الثاني (يناير) إلى شهر أيلول (سبتمبر) 2022، إستقبلت الجزائر الوفود الفلسطينية كل على انفراد، في حوارات ثنائية، قدمت خلالها الوفود الفلسطينية رؤية كل منها ومبادرته واقتراحاته لإنهاء الانقسام، وتوحيد الصف الوطني، إستندت إليها الجزائر في صياغة مشروع ورقة موحدة إعتبرتها صالحة لإنهاء الانقسام، وأكدت أنها استمدتها من آراء الفصائل واقتراحاتها، وأنها تعكس القواسم المشتركة التي تشكل أساساً لإنهاء الانقسام، وهي الورقة التي ناقشتها الفصائل على مدى ثلاثة أيام، إنتهت بالإعلان عنها في مهرجان ختامي في قاعة المؤتمرات في نادي الصنوبر، حيث قام ممثلو الفصائل وفي أجواء إحتفالية مميزة، وبحضور الرئيس تبون بالتوقيع على «الإعلان».

والآن، في أي سياق إقليمي وعربي وجزائري، تندرج «مبادرة الجزائر»؟
وفي أي سياق فلسطيني تندرج إستجابة الفصائل الـ 13 لدعوة الجزائر وتوصلها إلى التوافق على إعلان موحد، حمل اسم إعلان الجزائر؟
وماذا حمل «الإعلان»، وإلى أي مدى إستجاب إلى الحاجة الفلسطينية لإنهاء الانقسام ولم الشمل وتوحيد الصفوف، وبماذا إختلف عن نتائج الجولات السابقة للحوار الوطني الفلسطيني، وماهي التوقعات بشأن مستقبله، وهل يشكل حقاً أساساً لمرحلة جديدة في العلاقات البينية الفلسطينية، تقود خلال سنة من تاريخ توقيعه، كما جاء في إثنين من بنوده، إلى إعادة بناء المؤسسات الوطنية على أسس ديمقراطية بالإنتخابات، تعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني، وتعيد توحيده في إطار استراتيجية وطنية كفاحية تستجيب لضرورات المرحلة ومتطلباتها الوطنية، أم أن «إعلان الجزائر» لن يكون إلا مجرد قفزة في الهواء، كما القفزات التي انتهت إلى الفشل في القاهرة، ومكة، والدوحة، وبيروت، ورام الله، وغيرها … ؟
ولماذا سبقت حوار الجزائر وتلته أجواء غير متفائلة عبَّر عنها الفلسطينيون في مقالاتهم وتعليقاتهم، وعبر وسائط التواصل الاجتماعي؟ وهل فقد الشارع الفلسطيني الأمل في إمكانية إجراء «المصالحة» بين فتح وحماس، وهل فقد ثقته في قدرة فصائل العمل الوطني على تجاوز مرحلة الانقسام والتشظي الحالية لصالح مرحلة جديدة تستعيد فيها الحالة الفلسطينية وحدتها الوطنية ؟

(1)
الدعوة الجزائرية للحوار في سياقها الإقليمي والعربي والجزائري

مع وصول الرئيس عبد المجيد تبون، إلى سدة الحكم، بعد سنوات من الانشغال بالذات، بدأت الجزائر تستعيد تلك السياسة الخارجية التي تعكس ثقلها الإقليمي والعربي الذي تمتعت فيه طويلاً قبل الغرق في هموم العشرية السوداء، وما تلاها من تطورات:

1- فعلى الصعيد الإقليمي عملت على إعادة ترميم علاقاتها أوروبياً، خاصة إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، حيث للجزائر علاقات إقتصادية متشابكة، أهمها الطاقة التي تحتاجها أوروبا والتبادل الاقتصادي والاستثمارات. ولم تقف علاقاتها الخارجية عند حدود أوروبا الغربية، بل إمتدت شرقاً نحو روسيا الاتحادية والصين، في ظل تطورات دولية، باتت تؤشر لمرحلة جديدة في العلاقات الدولية، من شأنها أن تعزز وضع الجزائر ودورها في الحسابات والموازين الدولية.

2- أما على الصعيد المغاربي، فقد وجدت الجزائر نفسها أمام «إتحاد الدول المغاربية» الذي فقد دوره منذ زمن، فموريتانيا مشغولة بهمومها السياسية والاقتصادية الداخلية، والمملكة المغربية ذهبت بعيداً في «التحالف» مع إسرائيل، التي أصبحت عملياً على الحدود الجزائرية، في ظل عودة حُمَّى الصراع على الصحراء الغربية، خاصة بعد اعتراف واشنطن بها جزءاً لا يتجزأ من المغرب.
أما شرقاً فإن الأزمة الليبية شكلت مصدر خطر على الجزائر، منها تتسلل المجموعات الأصولية، وتتقاطع مع أقرانها في الصحراء الكبرى (دول الساحل الإفريقي)، وبقيت تونس، التي تنازع للخروج من أزماتها السياسية التي أدخلتها فيها «النهضة»، الإسلاموية، طرفاً مغاربياً، تتوفر معه الأسس الكفيلة بإقامة تحالفات إقليمية، تستند في كثير من جوانبها إلى تاريخ مشترك من التعاون.

3- أما على الصعيد العربي، فإن المشهد يبدو، بالنسبة للجزائر أكثر تعقيداً، زاده تعقيداً تحالف «أبراهام» الذي أدخل النظام العربي في مرحلة من فقدان التوازن القومي، الأمني، والاقتصادي، بحيث بات النظام العربي نظاماً هجيناً، وباتت جامعة الدول العربية أشبه بالهيكل الخاوي، يزداد موقعها، مع مرور الأيام تهميشاً، ولقد حاولت الجزائر بصفتها الدولة المضيفة للقمة العربية القادمة، أن تفتح صفحة جديدة في العلاقات العربية – العربية، عبر محاولتها إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية في المؤتمر، في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، ما أعطى مؤشراً على عمق أزمة النظام العربي. وإذا كانت الجزائر لم تنجح في تقديم حالة عربية جديدة عبر القمة التي سوف تحتضنها، فإنها في المقابل رأت في القضية الفلسطينية العنصر الجامع الذي لا يمكن لأحد إنكار أهميته، خاصة وأن تاريخ العلاقات الجزائرية – الفلسطينية حافل بكل أشكال التعاون والإسناد النزيه والدعم المتبادل، خاصة من قبل الجانب الجزائري لصالح القضية الفلسطينية

(2)
السياق الفلسطيني لولادة إعلان الجزائر

■ بعد «معركة القدس» التي توجتها عمليات «سيف القدس»، وفي ظل تصادم الرغبات والتطلعات السلطوية الفئوية لطرفي الانقسام، والتي أدت فيما أدت إليه إلى تبديد قسم كبير من إنتصارات المعركة وتضحياتها، دخلت القضية الفلسطينية على مستوى العلاقات بين السلطتين، وفي مدار كل منهما الإقليمي والدولي، منخفضاً جوياً، أدى إلى تهبيط سقف الاهتمام بالقضية الفلسطينية خاصة بعد سلسلة زيارات الوفود الأميركية إلى المنطقة، وعلى رأسها وزير الخارجية بلينكن، وبعد خواء لقاء بيت لحم بين الرئيسين بايدن وعباس، من أية نتائج عملية، ما أدى إلى حصار كل من السلطتين في خيار «الحل الاقتصادي مقابل الأمن الإسرائيلي» من جهة، و«الأمن الغذائي مقابل التهدئة» من جهة أخرى.
حتى الحالة الناهضة في الضفة الفلسطينية، ومن ضمنها القدس، في إنتفاضة تأخذ أشكالاً متعددة، تنتقل من مكان إلى آخر، لم تنجح في زحزحة طرفي الانقسام، للتراجع عن سياستهما الفئوية، وإن شكلت لكل منهما إحراجاً سياسياً عبر عنه كل طرف بطريقته الخاصة، التي تنسجم واستراتيجيته وتكتيكاته.
وفي ظل إتساع دائرة التطبيع العربي مع إسرائيل، وإمتداد ضباب وتداعيات إضطرابات العلاقات الدولية إلى المنطقة، ضاق هامش التحرك العربي – الفلسطيني، وكاد أن يحصر في عاصمتين عربيتين، هما القاهرة وعمان، بالنسبة لسلطة الحكم الإداري الذاتي، الدوحة وأنقرة بالنسبة لسلطة الأمر الواقع في قطاع غزة.

المبادرة الجزائرية، التي باغتت الرئيس عباس في زيارته إلى الجزائر في أيلول (سبتمبر) 2021، كان رد الفعل إزاءها مركباً، فهي من جهة ستربك تحركات رام الله نحو البحث عن «حل إقتصادي ذي أفق سياسي»، وستعيد وضع قضية الانشغال بإنهاء الإنقسام في دائرة الاهتمام، بما شكل رسائل غير مطمئنة لكل من إسرائيل والولايات المتحدة.
أما بالنسبة لحماس، فإن الأمر كان مختلفاً، إذ رأت في المبادرة الجزائرية مساحة إضافية توسع عبرها علاقاتها العربية والإقليمية، وتمحو بعض ما علق في أذيال حماس من إنتقادات لزيارة رئيس مكتبها السياسي إلى الرباط، في ظل خطوات تحالفية مع إسرائيل خطتها سريعاً حكومة حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي بقيادة العثماني.
لذلك لا غرابة أن يستقبل طرفا الانقسام المبادرة الجزائرية بالترحيب من جهة، وبالتراشق الإعلامي بينهما من جهة أخرى، يحمل فيه كل فريق، الفريق الآخر، مسؤولية إجهاض المبادرة وتعطيلها، حتى قبل أن تبدأ المشاورات الثنائية بين العاصمة الجزائر، وكل من الأطراف الفلسطينية، وفي الحوارات الثنائية التي شهدتها الجزائر مع كل من فصائل العمل الوطني الـ 13 (فصائل م. ت. ف + حركتا حماس والجهاد الإسلامي) وصف من الشخصيات الوطنية (منيب المصري وآخرون)، قدم كل طرف رؤيته لإنهاء الانقسام، وهي رؤى لم تحمل جديداً، كانت الفصائل قد أطلقتها عشية إنعقاد المجلس المركزي، في م. ت. ف في 6 شباط (فبراير) 2022، وجاء تسريب أوراق حماس وفتح إلى الرأي العام، ليؤكد بما لا يقبل الشك وقوف كل من الطرفين وراء مواقفه؛ من دعوة فتح إلى مصالحة مدخلها حكومة وحدة وطنية مقبولة دولياً، وتلتزم الاتفاقات الموقعة، تستعيد عبرها السلطة في رام الله سيطرتها على قطاع غزة، مقابل دعوة من حماس، لتشكيل مجلس وطني جديد، كخطوة أولى، تكون حماس، في ظل دوام سلطتها على القطاع، شريكاً في تشكيله، وفي تركيب لجنته التنفيذية وتوزيع دوائرها على أعضائها.

■ باقي أطراف الحالة الفلسطينية إنقسمت فما بينها في تمحور فاقع بين من هم إلى جانب حماس، مقابل من هم إلى جانب فتح.
من جانبها قدمت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين؛ مبادرتها التي باتت معروفة، تدعو إلى حل يقوم على خطوات متوازنة ومتوازية، تأخذ بعين الاعتبار، ما وصفته المبادرة بمصالح كافة الأطراف، آخذاً بالاعتبار أن الانقسام ليس بين حزبين، أو فصيلين، بل هو بين سلطتين، لكل سلطة مصالحها وتطلعاتها (راجع مبادرة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين مرفقة بالمقال)، قبل الحوارات الثنائية وبعدها، بقيت نيران التراشق الإعلامي مستعرة بين طرفي الانقسام، وتبادل الاتهامات بالعمل على إجهاض المبادرة الجزائرية، بما في ذلك تلك التصريحات النارية التي أطلقها القيادي في حركة حماس، محمود الزهار، قبل أيام معدودة من لم شمل الأطراف الفلسطينية، حين تنبأ بعبارات فصيحة بفشل الحوار وفشل المبادرة الجزائرية.
وفي ظل من أجواء اللايقين، على الصعيد الشعبي، بل وعلى صعيد صف واسع من النخب السياسية والمجتمعية، تقاطرت الوفود الفلسطينية إلى الجزائر مع مطلع 10/10/2022، وقد سبقتها إلى الإعلان النقاط العشر، التي تقدمت بها العاصمة الجزائرية مشروعاً أولياً للتوافق الوطني (راجع النقاط العشر في صيغتها الأولى مرفقة)

(3)
مشروع النقاط العشر … فحواه، خلفياته

لا شك في أن الجزائر، وهي تخوض غمار رعاية الحوار الوطني، آثرت الابتعاد عن كل ما يمكن إعتباره «حقل ألغام». وكما أكدت مصادر جزائرية إعلامية موثوقة، فقد واصلت الجزائر وهي تدير الحوار الوطني الفلسطيني التشاور مع كل من القاهرة والدوحة، القاهرة ذات الباع الطويل في إدارة الحوارات الفلسطينية، وذات التفويض العربي لإدارة هذا الملف والقاهرة، في الوقت نفسه، بما لها من أريحية على الفلسطينيين وعلى حركة فتح. أما الدوحة فهي ذات أريحية على سلطة الأمر الواقع في القطاع، وعلى حركة حماس، ولها باع طويل في الوساطة بين الطرفين، ومن منا لا يذكر المحاولة المريرة لوزير خارجية قطر في العام 2006 للوصول مع فتح وحماس، لتشكيل حكومة هنية الثانية.
لذلك آثرت الجزائر الابتعاد عن التفاصيل والوقوف عند عتبة العناوين الكبرى، باعتبارها إعلان نوايا، أو على الأصح إعلان مبادئ، لا خلاف حول مضمونها الظاهري، كالتأكيد على الوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام، واستعادة وحدة المؤسسات، وتأكيد شرعية م. ت. ف ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني وكافة قواه السياسية، وإعادة بناء المؤسسات الوطنية في السلطة وفي م. ت. ف عبر الانتخابات، وفق القوانين المرعية، بما في ذلك نظام التمثيل النسبي الكامل، والتأكيد على دور الأمناء العامين، كصيغة فلسطينية قائمة (ومعطلة) للإشراف على تنفيذ الاتفاق. أما الإضافة اللافتة للنظر فهي تقديم الجزائر «الإعلان» – بعد المصادقة الفلسطينية عليه – إلى القمة العربية ودعوتها لتشكيل لجنة متابعة عربية فلسطينية برئاسة الجزائر، لرعاية تطبيق «الإعلان».

في هذا السياق لا بد من الوقوف أمام الملاحظات التالية:
1- إن «إعلان الجزائر» أتى منسجماً مع ما ورد في مبادرة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين لإنهاء الانقسام، القائمة على خيار الخطوات المتوازية والمتوازنة، حين دعا إلى إنتحابات تشريعية ورئاسية، تواكبها في الوقت نفسه عملية تشكيل مجلس وطني جديد، وفي الحالتين، خلال عام من تاريخ التوقيع على الإعلان، وهو ما من شأنه أنه يدفع باتجاه إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني في مسار ديمقراطي يكفل للطرفين المتنازعين دوره في صياغة نتائجه.

2- إن البند الخاص بالانتخابات التشريعية والرئاسية، حرص على التأكيد على أن تشمل الانتخابات مدينة القدس، ويمكن لأي محلل أن يقرأ الأمر من وجهيه: الأول إيجابي في التأكيد على القدس باعتبارها عاصمة الدولة الفلسطينية، وجزءاً لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 67، أما من الجانب السلبي، فيمكن قراءة الإشارة إلى القدس باعتبارها استعادة لموقف رئاسة السلطة الفلسطينية التي جعلت من الانتخابات في القدس ذريعة لإلغاء الانتخابات التشريعية التي تقررت في جولتي الحوار الوطني بالقاهرة مطلع العام 2021، إذ وبناءً على تقديرات أن فتح لن تفوز بالموقع الأول في إنتخابات المجلس التشريعي، عمد الرئيس عباس في 29/4/2021 إلى الإعلان عن تأجيل (إلغاء) الانتخابات حتى إشعار آخر، «إلى أن توافق إسرائيل على تنظيمها، في القدس بذات الطريقة التي يتم تنظيمها في رام الله»، مع أن أصواتاً وازنة في الحالة الفلسطينية، وصفاً واسعاً من النخب السياسية، دعا إلى إجرائها في القدس، وتحويل الانتخابات فيها إلى معركة سياسية تعيد تظهير ملف المدينة وقضيتها، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الضفة المحتلة، وعاصمة لدولة فلسطين.

3- كشف البند السابع (المفترى عليه) في مشروع «إعلان الجزائر» حقيقة نوايا الحركتين، فحماس على سبيل المثال، رفضت تشكيل حكومة وحدة وطنية «تلتزم قرارات الشرعية الدولية»، وفي ذهنها أن ذلك يعني الموافقة على «الرباعية الدولية»، والاعتراف بإسرائيل، علماً أن ثمة دولاً عربية تقرّ بالشرعية الدولية، ولا تعترف بدولة إسرائيل، ومنها سوريا ولبنان والجزائر والعراق وتونس على سبيل المثال، وبالتالي يمكن تحميل عبارة «الشرعية الدولية» ما يمكن تخيله، آخذين بالاعتبار الزاوية التي ننظر فيها إلى الشرعية الدولية، والسياق السياسي لتلك النظرة، كما يمكن في الوقت نفسه أن تجعل من هذه العبارة عقبة لتعطيل حكومة وحدة وطنية، من مهامها أن توحّد المؤسسات، وأن تنهي حكومة وسلطة الأمر الواقع في قطاع غزة.
أمام إعتراض حماس تم التوصل إلى عبارة يمكن وصفها بأنها دقيقة في انتقاء كلماتها، كالتأكيد على الإقرار بالقوانين الدولية وبقرارات الأمم المتحدة، التي تكفل الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وكما هو معروف، فقد توافقت الأطراف على هذه العبارة، إلا أن وفد حركة فتح إرتد عن الموافقة، بناءً على تعليمات عليا، ما أربك الجانب الجزائري، خاصة وقد تم الإعلان عن التوافق وجاء الرئيس عبد المجيد تبون شخصياً ليهنئ المتحاورين، كانت صدمة، وضعت الجميع في أجواء تشاؤمية، لولا حكمة الراعي الجزائري الذي كان حريصاً على الوصول بالاتفاق إلى النجاح، فنال اقتراحه بشطب بند «الحكومة» (البند السابع) كاملاً من الإعلان الموافقة.
لقد كان هذا البند هو عملياً البند الذي يحمل في طياته آلية لتنفيذ ما اتفق عليه، فالحكومة هي المعنية باستعادة وحدة المؤسسات في السلطة، وإنهاء الانقسام، بين الضفة والقطاع، وتنظيم وإقامة مشاريع التنمية وإعادة الإعمار، وتبني استراتيجية وطنية (اقتصادية، تنموية …) لتعزيز صمود الشارع وثباته في مواجهة الاحتلال … وشطب البند السابع، والقفز عن مشروع تشكيل حكومة وحدة وطنية خطوتان توضحان، بما لا يدعو لأي لبس، حقيقة نوايا الطرفين، ومدى استعدادهما للذهاب بجدية نحو الالتزام بما تم التوافق عليه.

4- ولأن واضعي «الإعلان» آثروا عدم الدخول في التفاصيل (حيث تكمن الشياطين)، وفضلوا البقاء عند حدود «المبادئ» التي لا خلاف حولها، فقد خلا الإعلان من أي ذكر أو تناول للقضايا المدرجة على جدول أعمال الحالة الراهنة، كقرارات المجلسين الوطني والمركزي في إعادة النظر بالعلاقة مع دولة الاحتلال، ووقف العمل بالمرحلة الانتقالية لاتفاق أوسلو، والتزاماته واستحقاقاته، بما في ذلك وقف التنسيق الأمني، ونيل العضوية العاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، ونقل جرائم الاحتلال إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتدويل قضية الأسرى، وبسط السيادة الوطنية على كامل أراضي الدولة الفلسطينية، وملف القدس بجوانبه المختلفة (تهجير السكان، تهويد المدينة، قضايا المقدسات الإسلامية والمسيحية …) وقضايا اللاجئين وحق العودة … الخ، لذلك يمكن القول إن «إعلان الجزائر» لم يرتقِ إلى مستوى الوثائق التوافقية التي أنتجتها جولات الحوار السابقة.

5- ثمة من يصف «الإعلان» بأنه يفتقر إلى آليات التنفيذ. بتقديرنا، ليست هنا القضية، فقد أنتجت دورات الحوار السابقة آليات عديدة للتنفيذ، منها على سبيل المثال، ما يتصل بآليات الانتخابات العامة (2021)، ومنها ما خصَّ تشكيل حكومة «الوحدة الوطنية» (إتفاق الشاطئ نيسان/ إبريل 2014)، ومع ذلك لم تشق هذه الآليات طريقها وتم تعطيلها، من هنا أو من هناك، في خدمة إدامة الانقسام.
إن القضية الجوهرية هي في امتلاك الأطراف المعنية الإرادة الوطنية، لإنجاز وتنفيذ ما يتم التوافق عليه، ولعل إحساس الشارع باللايقين، واستقباله بفتور نتائج حوار الجزائر، تعكس موقفاً من الحركتين المختلفتين، فالثقة باستعدادهما للتوافق على التخلي عن المصالح الفئوية والفصائلية لدى الطرفين ثقة ضعيفة، بل تكاد تكون معدومة، خاصة وقد انكوت الحالة الجماهيرية بالتجارب المرة على أيدي الطرفين، الأمر الذي يضع الجميع أمام السؤال الأهم: ما هو المصير المرتقب لـ«إعلان الجزائر»، وما هي مآلاته واحتمالاته ؟! …

(4)
تقدير موقف حول مآلات الإعلان واحتمالاته …

شكلت جولة الحوار في الجزائر تظاهرة سياسية، أحاطها الطرف الراعي بكل أشكال الحفاوة والتضامن للخروج بأفضل النتائج الممكنة، وهذا أمر يقدر للجزائر دون أدنى شك. وجاءت إحتفالية التوقيع على الإعلان، في قاعة المؤتمرات في مقر الصنوبر، في حركة لافتة أرادت الجزائر من خلالها أن تعيد التذكير بدورها المفصلي والتاريخي في إسناد ودعم القضية الفلسطينية في زمن الرئيس الراحل هواري بومدين، والشاذلي بن جديد، خاصة إعلان قيام دولة فلسطين (إعلان الاستقلال) في 15/11/1988.
غير أن بهجة المهرجان سرعان ما تلاشت مع عودة معظم الوفود المشاركة إلى الأراضي الفلسطينية، وبوقائع الصدام اليومي مع قوات الاحتلال، وسقوط شهداء وجرحى، وهو الأمر الذي يطرح على بساط البحث السؤال حول مصير الإعلان، وكيف، بل، وهل سيجد طريقه إلى التطبيق، أم أنه سيلقي مصير ما سبق من اتفاقات واعلانات و توافقات أنجزتها جولات الحوار السابقة، تبخرت في أجواء الصراع على السلطة، بين طرفي الانقسام، وفي أجواء الرهان على حلول تأتي من خلف البحار، تقوم على تهميش العامل الفلسطيني (الدور الذاتي) وتعلي – بالمقابل – من شأن الدور الخارجي.
ومع هذا، فإننا لا يمكن أن نتجاهل أن من الايجابيات السياسية المباشرة، أن الجزائر، البلد المضيف للقمة العربية، سوف يقدم القضية الفلسطينية قضية أولى على جدول أعمال القمة رغم الانزياحات السياسية العربية نحو اسرائيل، والانشغالات العربية النفطية، والمشاغبات بين السعودية والولايات المتحدة وقضايا المياه وسدود نهر النيل ، والخلافات المغاربية (الصحراء- ليبيا) لا يستبعد أن توافق القمة العربية على تشكيل لجنة متابعة عربية – فلسطينية برئاسة الجزائر(الرئيس الدوري للقمة العربية وراعي حوار «إعلان الجزائر»)، وأن تعقد هذه اللجنة إجتماعاً أو أكثر، لكن تقديرنا أن حدود نفوذها وتأثيرها، لن يتجاوز حدود النصيحة الأخوية والدعم العملي لصمود الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة.
إن تقديرنا، إن إنهاء الانقسام، عملية سياسية شديدة التعقيد ذات صلة مباشرة بالاتفاق على طبيعة النظام السياسي الجديد، ولن يكون إنهاء الانقسام عودة إلى ما قبل 14/6/2007 بل نقلة نوعية، نحو نظام سياسي جديد لن تكون فيه فتح الطرف الأقوى، والنفوذ المنفرد، بل سيكون إلى جانبها في الحد الادنى، حركة حماس، مع احتمال كبير أن نشهد التوازنات الفلسطينية متغيرات، تعيد ترتيب مواقع الفصائل في التراتبية السياسية والجماهيرية، خاصة اذا ما شهد النظام السياسي استقراراً في دوراته الانتخابية والتي من شأنها، كأمر واقع أن تدخل على الحالة الراهنة، في كل دورة، متغيراً ما.
وبالتالي ليست القضية فيما جاء في «إعلان الجزائر»، كما أن القضية ليست في لجنة المتابعة، بل تتعلق القضية اولاً وآخراً، بالإرادة الوطنية لدى الأطراف الفلسطينية كل من موقعه، ومدى استعدادها السياسي والطبقي، لإنهاء الانقسام وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني.
هذه معركة سياسية من الطراز الأول، مفتوحة على مصراعيها، تخاض داخل المؤسسة ومع الحركة الجماهيرية، والارجحية فيها لمن يحافظ على موقعه المستقل، دون أن ينجر إلى تمحور هنا وتمحور هناك، أياً كان عنوان هذا التمحور، وأياً كانت شعاراته.
وبرأينا، فإن المبادرة التي تقدمت بها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والتي أخذ «إعلان الجزائر» بعض ما فيها من أفكار (الحل المتوازن والمتوازي في انتخابات المجلس الوطني والتشريعي والرئاسي) تشكيل أساساً صالحاً، لإحداث نقلة على طريق تقريب المسافات واختصار الزمن لإنهاء الانقسام، وإعادة بناء النظام السياسي.
وهي مبادرة، يتوجب أن تشكل بنداً دائماً على جدول أعمال الجبهة ومنظماتها الحزبية والجماهيرية، وأن تشكل عامل استقطاب، ما يعزز نفوذها، ويعزز قدرتها على شق الطريق نحو التحول إلى مشروع وطني، يتبناه الصف الواسع من الطيف السياسي في الحالة الفلسطينية.

ختاماً؛
رغم إدراكها عمق الانقسام بين فتح وحماس، وحجم التعقيدات التي تحيط بالحالة الفلسطينية، بما في ذلك إتساع الخلاف حول الخيارات السياسية الوطنية، فإن الجزائر، وهي تتبنى الدعوة إلى الحوار الفلسطيني، تكون قد تحملت مسؤولية قومية وأخوية، رغم إدراكها أنها محفوفة بمخاطر نسبية النجاح، ونعتقد أن هذا، بحد ذاته، يشكل واحداً من الأسباب الكبرى التي تدعونا إلى تثمين الدور الجزائري، في تبنيه للحالة الفلسطينية، ودعم وإسناد شعبها، وتشريع أبوابها أمام الوفود الفلسطينية، يحدوها عزيمة على المساهمة في بذل الجهد الضروري لإنهاء الانقسام، ولمّ الشمل، وتوحيد الصف الفلسطيني في مرحلة مفصلية، يعيشها العالم، وفي القلب منه إقليمنا وقضيتنا الفلسطينية.

أقرأ أيضًا: مؤسسات منظمة التحرير تحت المجهر بقلم معتصم حمادة

Exit mobile version