اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى قديم منظم وجديد مُشَرَّع

أقلام – مصدر الإخبارية

اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى قديم منظم وجديد مُشَرَّع، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

من يعرف إيتمار بن غفير كان يدرك تماماً أنه سيقدم على اقتحام المسجد الأقصى المبارك، وسينتهك حرمته، وسينفذ تهديداته، وسيستمر في إطلاق وعوده، وسيواصل تصريحاته الحمقاء ومواقفه الاستفزازية الخرقاء، وسيصر على سياسته الغبية وأفكاره العنصرية المتطرفة، ولن يغيره المنصب أو تعقله المسؤولية، ولن يردعه المجتمع الدولي ولن تخيفه أصوات المعارضة، ولن يلجمه نتنياهو، ولن يضغط للتأثير عليه أو تغيير رأيه، بل سيبقى كما عرفناه أهوجاً مضطرباً، عنصرياً متشدداً، يظن نفسه أنه الأقوى، وأن أحداً لن يرده أو يقوى على صده، فهو يعتمد على القوة العمياء والعنف الأهوج، التي لن تنفعه كثيراً ولن تبقيه أبداً، مهما ظن أنه الأقوى والأقدر، فهو كالثور المذبوح، يرغي ويزبد والدماء تنعب من شرايينه وهو في طريقه إلى السقوط النهائي لا محالة.

لا جديد في اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى المبارك سوى أنه أصبح وزيراً في الحكومة الصهيونية الجديدة، فهو قد اعتاد على محاولات اقتحام باحات المسجد الأقصى، وكان ينظم الكثير منها ويدعو إليها ويعلن بتبجحٍ وتحدي عن مواعيدها، ويطالب المستوطنين بتأييده ومشاركته فعالياته الاستفزازية، وكانت الشرطة والأجهزة الأمنية الإسرائيلية تتابع نشاطه وترصد تحريضه، وتعرف مواعيده، بل وتواكبه عند الاقتحام وتحميه أثناء التجوال، وتيسر الطريق له وتسهل مهمته، وتصد الفلسطينيين إن حاولوا منعه، وتعتقلهم وتطلق النار عليهم، وتتهمهم بأنهم من بادر بالاعتداء وعرضوا حياة المستوطنين للخطر.

الجديد في غزوة بن غفير القصيرة السريعة، التي جرت خلسةً ونفذت على عجلٍ وباضطرابٍ في غير موعدها، أنه بات في قمة السلطة وصاحب القرار الأول في تقنين الاقتحامات وتنظيم الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك، فهو وزير الأمن القومي “الداخلي”، ما يعني أنه قائد الشرطة والمسؤول عن الأمن والحماية، والمعني بأذونات الموافقة وقرارات الرفض، والمسؤول عن الطرد والإقصاء، والمنع والحرمان وتنفيذ الاعتقالات وفرض الإقامات الجبرية المنزلية والمناطقية، حيث تخضع القدس وأحياءها والمسجد الأقصى وبواباته لسلطة الشرطة التي تخضع لتعليماته وتأتمر بأوامره، وتنفذ برامجه، ولا تستطيع الاعتراض على سياسته.

هذا يعني أننا قد نشهد في الأيام القادمة اقتحاماتٍ جديدةً ومحاولاتٍ أخرى كثيرة للاعتداء على حرمة المسجد الأقصى المبارك، طالما أن بن غفير قد أصبح هو المقنن والمشرع، وصاحب السلطة ومالك القرار، وشريكاً في الحكومة وعضواً في الكابينت، علماً أن من سبقه كانوا مثله لكن بنعومةٍ وهدوء، حيث كانوا يسهلون له ولغيره عمليات الاقتحام بسريةٍ وصمتٍ، ودون جلبةٍ أو فوضى، أو تصريحاتٍ ووعودٍ وتهديدات، لكن بن غفير يتطلع إلى المجاهرة والإعلان، والإصرار والتكرار، لكي الوعي الفلسطيني والعربي والإسلامي، وتعويدهم على يوميات الاقتحام ومواقيت الصلاة، وجداول الطقوس وهيئات العبادة.

بالعودة إلى سجل بن غفير الشخصي الذي يفاخر به ولا يخفيه، ويعلن عنه ويتمادى فيه، فسنجد أنه ينتمي إلى تنظيم “كاخ” الإرهابي فكراً، ويتخذ من زعيمه مائير كهانا مرشداً روحياً له، ويتبنى أفكاره ويعلق صوره ويحيي ذكراه، ويمجد باروخ جولدشتاين منفذ جريمة مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، ويعتبره بطلاً قومياً ومخلصاً دينياً، ويرى أن مقتله كان جريمةً كبيرة، وسُبةً ولعنةً وعاراً على الجنود الذين أطلقوا النار عليه، وأنه يجب إعادة الاعتبار له وتكريمه، والاعتذار إلى عائلته وتعويضه، ولعله أسوأ من الاثنين وأكثر عنصريةً منهما، وأشد فحشاً وأكثر دموية، وأوقح أسلوباً وأرعن سلوكاً، فهو مصرٌ بسياساته ومواقفه، وتصريحاته وممارساته، على وصل الماضي الإرهابي بالحاضر الأسوأ.

أمام هذا الواقع الذي قد يستجد ويتكرر، ويتقنن ويتشرع، ويصبح أمراً واقعاً وحدثاً مألوفاً، ينبغي أن يكون أولاً للفلسطينيين موقفهم الصارم والواضح، كموقفهم في مواجهة البوابات الإليكترونية وإغلاق بوابات الحرم، حيث أجبروا سلطات الاحتلال ورئيس الحكومة نفسه نتنياهو على التراجع والانكفاء، وفتح البوابات وإزالة المعدات.

كما يجب على العرب والمسلمين جميعاً، أنظمةً وشعوباً، حكوماتٍ ومنظماتٍ، أن يكون لهم موقفهم القومي والديني إزاء العدوان الجديد، ومواجهته بكل السبل الممكنة للجم العدو وكبته، وإعلامه أن القدس كما المسجد الأقصى عقيدةً دينيةً، وآياتٍ قرآنية، لا يمكن العبث بها أو التساهل فيها، وإلا فإن للفلسطينيين كامل الحق في أن يردوا على ممارسات الاحتلال بمقاومتهم، وأن يجبروه بالقوة على التراجع، وشعبنا على ذلك قادر، وعلى حماية حقوقه ومقدساته ماضٍ مهما كلفه ذلك شهادةً واعتقالاً، وتضييقاً وحصاراً، وحرباً وعدواناً.

الضفة الغربية تقلق الاحتلال وتربك جيشه

أقلام – مصدر الإخبارية

الضفة الغربية تقلق الاحتلال وتربك جيشه، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

القدس والضفة الغربية في الفهم الإسرائيلي والوعي الصهيوني تختلف عن قطاع غزة والأرض المحتلة عام 1948، فهم ينظرون إليها على أنها “يهودا والسامرة”، أي أنها لب المشروع الصهيوني وأساس الحلم اليهودي، التي يعتقدون أنها أرضهم القديمة وممالكم البائدة، وبلاد أنبيائهم ورسلهم وملوكهم الأوائل، وأن القدس هي مدينتهم القديمة، وعاصمة كيانهم الجديد الموحدة، وأنها عنوان سيادتهم ورمز وحدتهم، ومقر حكومتهم وبرلمانهم، وفيها مقدساتهم و”حائط مبكاهم”، وكنيس خرابهم وهيكلهم الثالث المزعوم، فلا ينبغي للقدس أن يسودها “العنف”، وأن تسيطر عليها المقاومة، ولا أن يخرجهم الفلسطينيون من “يهودا والسامرة”، التي يعتقدون أنها أرض الميعاد، ومملكة المن والسلوى، وأنها بقية “شيخيم وأورشليم وحبرون”، لكن المقاومة في القدس والضفة الغربية فرضت نفسها وثبتت اسمها، وبددت وساوسهم، وأفسدت أحلامهم، وعطلت مشاريعهم، وأربكت جيشهم، وشغلته بأدوارٍ لم يتدرب عليها، ومهامٍ لا يقوى عليها.

ملأ الفلسطينيون ضفتهم الغربية وقدسهم المباركة حرساً شديداً وشهباً، وزرعوا أرضهم قنابل ومتفجرات، وسلاحاً وعبوات، وانتشروا في رحابها رجالاً مقاومين، ونساءً باسلاتٍ، وأشبالاً واعدين، وشيوخاً راسخين، يقذفون العدو عن قوسٍ واحدة، ويخرجون عليهم جميعاً من كل جانبٍ، ويترصدونه في كل مكانٍ، ويرمونه بكل سلاحٍ، ويقاومونه بكل الوسائل والأشكال، فقد أقسموا على الثورة، وتعاهدوا على القتال، وتواصوا على الصبر والثبات، وعزموا على الثأر والانتقام، والانتفاض على الاحتلال والانقضاض على حكومته الجديدة، وتلقينها دروساً في المقاومة بليغة، وفي الثبات والصمود عميقة، فهم لن ينحنوا أمامها، ولن يخضعوا لها، ولن يخافوا من تهديداتها، ولن يجبنوا عن مواجهتها، ولن يسلموا ويرفعوا الراية البيضاء لها.

رغم أن العام 2022 كان عاماً زاخراً بعمليات المقاومة في الضفة الغربية، وغنياً بالاشتباكات والمواجهات، التي كبدت العدو أكثر من 35 جندياً ومستوطناً، وارتقى خلاله أكثر من 250 شهيداً فلسطينياً من الرجال والنساء والأطفال، والمرضى والأسرى وذوي الحاجات الخاصة، ودمر العدو خلاله عشرات البيوت والمنازل، وعاث فساداً في أرضهم وممتلكاتهم، إلا أن شعبنا في الضفة الغربية كان مقداماً جسوراً، جريئاً شجاعاً، قوياً جباراً، رمى العدو بخيرة شبابه وأقوى رجاله، وخاض ضده أشرس المعارك، وكبده أعظم الخسائر، واقتحم حصونه ووصل إلى أكثر مناطقه الأمنية حراسةً ومراقبة، ونال من جنود نخبته ومن قادة مجموعاته، وسجل أبطاله أروع الصفحات في سفر المقاومة الفلسطينية.

الضفة الغربية تقلق الاحتلال وتربك جيشه

إلا أن الأعوام التي سبقت لم تكن أقل حدةً في المواجهة والتحدي عن العام المنصرم، بل ربما شهد بعضها تصعيداً أكبر ومواجهاتٍ أوسع، وسجل فيها الفلسطينيون انتصاراتٍ كبيرةٍ في القدس وأحيائها، وفي المسجد الأقصى وباحاته، وعلى مداخله وبواباته، وفي نابلس وجنين، ورام الله وسلفيت، وفي الخليل وبيت لحم، وقلقيلية وطوباس، وفي كل مكانٍ من الضفة الغربية التي تضامنت معاً، وهبت جبهةً واحدة، تشتد وتخبو، ولكن جمرها بقي على مدى السنوات متقداً، ينتظر من أهلها أن ينفخوا فيه فيتقد ويشتعل، وقد تعاهدوا فيما بينهم ألا يدعوا جمرة مقاومتهم تخبو، وألا يسمحوا للعدو أن يطفئ نارها أو يتحكم في أوراها.

شعر العدو بهبة القدس والضفة، وانتفاضتها وثورتها، وأيقن أنه على أبواب مرحلةٍ جديدةٍ، وربما انتفاضةٍ ثالثةٍ، بسماتٍ مغايرة وأشكال مختلفة ووسائل صادمة، ابتكرها فلسطينيو القدس والضفة الغربية، فخصها بكتائب جديدة، وعزز قواته فيها بألوية النخبة ووحدات الجيش والأمن المستعربة والمختصة، وغَيَّرَ تعليماته لجنوده وبدل قواعد المواجهة وإطلاق النار على الفلسطينيين، لكنه رغم ذلك لم يستطع أن يكسر شوكتهم، أو أن يضعف شكيمتهم، ويحد من قوة اندفاع شبابهم وتنافس رجالهم، وتضحيات أبنائهم، الذين استطاعوا أن يرسموا أروع صور البطولة وأقوى ملاحم الاشتباك مع جنوده ومستوطنيه، ولعل العمليات التي قاموا قد أصبحت نماذج تحتذى وأمثلة يقتدي بها المقاومون، ويتعلم منها الناشئون ويتنافس على مثلها وأفضل منها المقاتلون.

أهلنا في الضفة الغربية يقومون بالواجب الملقى عليهم متى نادى المنادي، ولا يتأخرون في الدفاع عن حقوقهم وحماية أرضهم والذود عن محارمهم، ولا يبالون في سبيل ذلك بأرواحهم إن قتلوا أو حياتهم إن اعتقلوا، وقد أثبتوا في الميدان وسوح المواجهة أنهم على قدر المسؤولية، وأنهم لا يقلون عن غيرهم جرأةً وشجاعةً، ولا ينتظرون من أحدٍ نصحاً أو إرشاداً، ولا يلزمهم توجيه من سواهم أو إدارةً من غيرهم، ويخططون بأنفسهم وينفدون بمفردهم، ولا ينتظرون من خارج الحدود أو بعيداً عنهم من يحركهم ويوجههم، أو يرسم لهم ويعلمهم، ويخطئ من يظن أن هناك من يملي عليهم ويأمرهم، ويخطط لهم ويوجههم، بل هم أسيادٌ على أرضهم، وأربابٌ في مناطقهم، وأبطالٌ في ميادينهم، يؤدون فرضهم في المقاومة كما يؤدون فروض الصلاة، التي بها تزكو النفوس وتسمو الأرواح، وتتطهر القلوب وتتحرر البلاد.

ليلة عيد الميلاد المجيدة في فلسطين حزينة جريحة

أقلام – مصدر الإخبارية

ليلة عيد الميلاد المجيدة في فلسطين حزينة جريحة، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كما وصل موقعنا:

إنها ليلة عيد الميلاد المجيدة، وإنها مدينة بيت لحم العتيدة، مهد السيد المسيح عيسى عليه السلام، المدينة التي ولد فيها رسول المحبة السلام، وإنها شجرة الميلاد الضخمة التي تنتصب على مداخلها، ومصابيح الزينة التي تضفي على المكان سيما الفرح وعلامات الاحتفال، والفرق الفنية والكشفية قد وفدت إلى المدينة وقريباً من الكنيسة لإحياء هذه الليلة العظيمة، والمشاركة في إحياء طقوسها السنوية، وإنهم قساوسةٌ ورهبانٌ وبطاركةٌ قد تهيأوا لهذه الليلة، وأعدوا لها عدتها، وإن كان القلق يسكنهم والخوف يسيطر عليهم، فالعدو يترقبهم ويتربص بهم ويضيق عليهم، ولا يريد لهم أن يحيوا طقوس هذه الليلة العظيمة.

جموعٌ غير غفيرةٍ جاءت من أكثر من مكانٍ في فلسطين، أعدادها قليلة، وفئاتها واحدة أو متشابهة، والمناطق التي جاؤوا منها محدودة، وأعدادٌ أقل من السياح والحجاج غير الفلسطينيين، جاؤوا إلى المدينة على استحياء ودخلوها بليلٍ بخوفٍ وقلقٍ كبيرٍ، فخلت لقلة عدد الحجاج والسياح والزوار والمسيحيين الفلسطينيين ساحة المدينة، التي اعتادت أن تحيي هذه الليلة كل عامٍ، إذ نصبت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الحواجز على مداخل المدينة وبالقرب من ساحتها، وكأنها تتعمد إفشال الاحتفال، ولا تريد أن يشارك فيه جموعٌ شعبية أو أجنبية حاشدة، وكأنها تحارب المسيحيين في أعظم مناسباتهم، وتضيق عليهم في أقدس أيامهم، وتعتدي عليهم في أعظم الليالي عندهم.

يُدرك المسيحيون الفلسطينيون أن فلسطين في خطر، وأن القدس تتعرض للمؤامرة، وهم يخشون الحكومة اليمينية الجديدة، التي تستهدف الفلسطينيين جميعاً، المسلمين والمسيحيين بلا استثناء، وهم سكان الأرض وأصحاب الحق، فآثر القائمون على احتفالات ليلة الميلاد المجيدة أن تقتصر احتفالاتهم لهذا العام، كما أغلب الأعوام الماضية، على الطقوس الرسمية، والاكتفاء بصلاة منتصف الليل، وإلغاء كافة مظاهر الاحتفال العامة، تضامناً مع شعبهم الذي يستهدفه العدو بلا رحمة، ويعتدي عليه بقسوةٍ وهمجيةٍ.

لن يغفر السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، ولا المسيحيون الصادقون وأتباعه المخلصون، في ليلة عيد الميلاد المجيدة وفي هذه الأيام المباركة، صمت العالم المسيحي على الجرائم الصهيونية، فهم يقترفون بصمتهم وتخاذلهم بحق المسلمين والمسيحيين معاً ذنباً يصعب غفرانه، ولا يمكن التطهر منه بالاعتراف فقط، ولا يقبل كهنة كنيسة المهد أن يتستروا على جريمة الدول المسيحية، أو أن يسكتوا على معصيتهم، فالسيد المسيح عليه السلام، وأتباعه المسيحيون الذين آمنوا به واتبعوه، وصدقوه وناصروه، لا يقبل أن يكون أتباعه ظلاماً من بعده، ومفسدين في الأرض وهم يحملون اسمه، بل يدعوهم إلى حمل رسالة السلام التي جاء بها، وإقرار العدل الذي نادى به.

اليوم فلسطين تتوشح السواد، ويلفها الحزنُ، ويسكنها الألم، وينساب منها الوجع، وتنعب بالدماء جراحها، ويسقط على الأرض شهداؤها، ويتنادى للدفاع عن قدسها شبابها وشيبها ونساؤها، وتنتابها موجات من الغضب، ومسيراتٌ صاخبةٌ، ومظاهراتٌ حاشدةٌ، واشتباكاتٌ دائمة، وحالةُ ثورةٍ كامنة، والمسيحيون في فلسطين جزءٌ من هذا الوطن وبعض نسيجه، كنيستهم مستهدفة، ومهد رسولهم مستباحٌ، وأوقافهم تصادر وحقوقهم تغتصب، وأبناؤهم يقتلون ويطردون، ويضطهدون ويعذبون، ويحرمون ويعاقبون، شأنهم شأن إخوانهم المسلمين، الذين يشتركون معهم في الهوية والوطن، ويسكنون وإياهم الأرض والديار.

الإسرائيليون يهينون المسيحيين جميعاً لا الفلسطينيين وحدهم، ويسيؤون إليهم في كل مكانٍ، يقتلونهم ويعتدون على مقدساتهم، ويضيقون عليهم في أعظم مناسباتهم، ويحرمونهم من أبسط حقوقهم، لهذا فإن مسيحيي فلسطين والدول العربية يحملون مسيحيي أوروبا وأمريكا وغيرهم من المؤمنين بالسيد المسيح عليه السلام، المنتشرين في كافة أصقاع العالم وينتسبون إليه، ممن يملكون القوة ويسيطرون على القرار الدولي، المسؤولية عن احتلال مدينة مهد رسولهم، التي يدنسها العدو الإسرائيلي بجنوده، ويجوس فيها مستوطنوه خراباً وفساداً، ويطالبون إخوانهم المسيحيين الأقوياء أن ينتصروا لهم، وأن يقفوا إلى جانبهم، وأن يدافعوا عن حقوقهم، ويحموا أبناءهم ومقدساتهم، وألا يتركوهم فريسةً سهلة بأيدي سلطات الاحتلال التي تنكل بهم ولا ترحمهم، ولا تفرق في عدائها لهم بين مسلمين أو مسيحيين ما داموا جميعاً يداً فلسطينية واحدة.

حزينةٌ هي فلسطين هذا العام كما كل الأعوام التي سبقت والسنين التي مضت، إلا أنه سيأتي اليوم الذي تفرح فيه بأعياد الميلاد المجيدة، وتحتفل فيها وتزدان، وتحتفي بها وتختال، وتتزين شوارعها استقبالاً لها، وتبتهج ميادينها سعادةً بها، وتكون أعياد الميلاد فيها أعياداً عامةً وأياماً وطنيةً، يفرح فيها الجميع في ظلال الحرية والاستقلال، وتتحد فيها الكنيسة والمسجد معاً على شعارٍ واحد، يتردد صداه في القدس وبيت ولحم، وفي الخليل والناصرة، وفي المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، القدس عربية عاصمة فلسطين الأبدية.

الأنظمة العربية المعتدلة في مواجهة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة

أقلام – مصدر الإخبارية

الأنظمة العربية المعتدلة في مواجهة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، بقلم الكاتب الفلسطيني بقلم مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا:

قد تبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض في السياسة الإسرائيلية، ولم يعد هناك أدنى شك في سياستهم التي يظن البعض أنها جديدة، في حين أنها ذات السياسة القديمة التي نشأ عليها والتزم بها، ولم يطرأ عليها أي تغيير يذكر سوى في الشكل والمظهر، التي تبدو أحياناً ناعمة لطيفة كالأفعى، تعطي المجتمع الدولي من طرف اللسان حلاوةً، بينما تروغ في شعبنا الفلسطيني وأرضه وحقوقه كما يروغ الثعلب، وتلغ في دمائنا كالضباع والذئاب الضارية، وتظهر في أحايين أخرى على حقيقتها الخشنة القاسية، التي لا تراعي قانوناً ولا تلتزم نظاماً، ولا تأبه بصورتها العامة ولا بعلاقاتها الخارجية، بل تدوس بأقدامها على الأرض كالفيلة العمياء، تدوس وتخرب وتدمر وتفتك وتقتل وتعتقل وتصادر وتحاصر.

اليوم وقد تشكلت الحكومة الإسرائيلية الجديدة، التي يصفها الإسرائيليون أنفسهم، لا العرب والفلسطينيون فقط، بأنها الحكومة الأكثر يمينية وتطرفاً في تاريخ الكيان الصهيوني، التي لم يسبق أن تمثل فيها متطرفون دينيون ومتشددون قوميون كما يتمثلون فيها اليوم، بوجوهٍ قبيحةٍ لا تحاول الأقنعة الزائفة تجميلها، فهي حكومة مئير كاهانا التي ورث أفكاره وآمن بمبادئه أقطاب الائتلاف اليميني الجديد، الذين لا يخفون أبداً عزمهم على ابتلاع أرض فلسطين كلها، وطرد أهلها، وهدم بيوتها، ونهب ثرواتها، وهدم مقدساتها، وتغيير معالمها، وتهويد مظاهرها، وفي سبيل ذلك فقد أطلقوا العنان لقطعان مستوطنيهم وشرطتهم وجيشهم للإثخان في الفلسطينيين أكثر، وتجاوز كل الحدود والضوابط لقتلهم، وقد بدأوا تنفيذ خططهم وتحديث برامجهم بما يتماشى مع أحلامهم القديمة وسياساتهم الجديدة.

أمام هذه الصورة الواضحة المعالم، واللوحة القاتمة السوداء، والمواقف المتطرفة والسياسات المتشددة، لم يعد أمام الأنظمة العربية التي يحلو للبعض وصفها بأنها أنظمة معتدلة، وهي تلك التي اعترفت قديماً أو حديثاً بالكيان الصهيوني وطبعت العلاقات معه، وتبادلت وإياه التمثيل الدبلوماسي، وسمحت لفرقها الموسيقية في المطارات وقصور الحكم بعزف “النشيد القومي الإسرائيلي”، ورفع الأعلام الإسرائيلية في سمائها، وعلى طول الطريق إلى مقرات استضافة مسؤوليهم، وفتحت أجواءها للرحلات الإسرائيلية التي تبدو أنها سياحية، وهي في أكثرها أمنية مشبوهة، وسياسية خبيثة.

لم يعد في ظل هذه النوايا الإسرائيلية الخبيثة أمام الأنظمة العربية أي مبررٍ للوفاق أو الاتفاق مع الكيان الصهيوني، أو الاعتراف بهم وتوثيق العلاقة معهم، أو الصبر عليهم واختبارهم، وتجربتهم والرهان عليهم، فالحكومة الإسرائيلية الجديدة تريد شطب القضية الفلسطينية، وإعلان السيادة الإسرائيلية الكاملة على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، وتريد هدم المسجد الأقصى المبارك، لتبني على أنقاضه الهيكل الثالث المزعوم، وقد آن الأوان بزعمهم لاستعادة ملكهم، وبناء هيكلهم، ونفخ بوقهم، وأداء سجودهم الملحمي، وذبح الخراف وتقديم القرابين التزاماً بتعاليم التوراة ووصايا الرب لهم.

إنها حكومة الحسم وساعة الفصل، بل هي ساعة الصدق والمواجهة، فعلى الأنظمة العربية “المعتدلة” التي يراهن عليها نتنياهو ويفاخر بأنه هو الذي بدأ العلاقات معها، ويعلن أنه سيمضي في تطوير علاقات كيانه معها، أن تعلن موقفها وتقول كلمتها وتحسم أمرها، فالمسألة لم تعد تدور حول مشروع السلام وحل الدولتين، واستعادة الحقوق وعودة اللاجئين، أو اتفاقية أوسلو والحكم الذاتي المحدود، بقدر ما هي مسألة شطب اسم فلسطين من الوجود، وتجريد الفلسطينيين من حقوقهم، وإلحاقهم بغيرهم أو منحهم حقوق الإقامة المؤقتة، شأنهم شأن أي جالية أجنبية في دولةٍ أخرى، التي تملك حق سحب تراخيص الإقامة منهم وطردهم من “دولتها”.

قد تكون هذه الفرصة مناسبة لإعادة النظر في السياسات السابقة، ومراجعة الأخطاء التي وقعت فيها بعض الأنظمة، والاستفادة من السانحة التي تعرض عليهم، ليعودوا إلى الحق، ويتمسكوا بالثوابت الوطنية والقومية والإسلامية، التي تعتبر فلسطين قضية العرب الأولى، وأحد أهم المقدسات الإسلامية التي خلدها الله عز وجل في كتابه الكريم، وشرفها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالإسراء إليها والمعراج منها، فالتوبة استقامةٌ، والإنابة صدقٌ، والإقلاع عن الخطأ طهرٌ، والندم عليه شرفٌ، يُكفر عما مضى ويعفو عما سبق.

أما الإصرار على الباطل فهو عنادٌ، والمضي فيه ضلالٌ، والاستمرار فيه ضياعٌ، والرهان عليه خسارة، فضلاً عن أنه استخفافٌ بالمقدسات وتفريطٌ بالحقوق وخيانةٌ للأمانة، التي ستجر عليهم عبر التاريخ حسرةً وندامةً، ولعنات المؤمنين إلى يوم القيامة، وتاريخ الأمة خير شاهدٍ، وسفر الخلق وسنة الحياة وسير الأمم والشعوب أفضل حكم وأعدل قاضٍ.

الفلسطينيون الذين يأملون من أشقائهم العرب خيراً، ليسوا خائفين من هذه الحكومة، ولا ترتعد فرائصهم من سياستها، ولا يعتريهم الفزع من تصريحاتها، فقد خبروا من هم أسوأ منها وأشد، وتعاملوا مع من هي أقسى وألد، وتمكنوا من صدهم وتحدي سياساتهم، وثبتوا في وجوههم وكبدوهم خسائر أيقظتهم من سباتهم وأعادتهم إلى وعيهم، وأجبرتهم على إعادة التفكير فيما أعلنوا عنه وخططوا له، فالفلسطينيون هم أهل الأرض وأصحاب الحق، لا يفرطون في أرضهم ولا يتنازلون عن حقوقهم، ولا يتعبون من مقاومتهم، ولا يملون من تضحياتهم، حتى تتحقق آمالهم وتتحرر أرضهم، ويطردون العدو الباغي منها، ويطهرونها ومقدساتها من دنسهم وخرافاتهم.

أقرأ أيضًا: ناصر أبو حميد الأسير حيًا ومريضًا وشهيدًا

ناصر أبو حميد الأسير حيًا ومريضًا وشهيدًا

أقلام – مصدر الإخبارية

ناصر أبو حميد الأسير حيًا ومريضًا وشهيدًا، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

ناصر أبو حميد، الاسم العلم، المناضل البطل، المقاوم العنيد، الفلسطيني الأصيل، الأسير الثائر في قيوده، والمنتفض في أغلاله، الشامخ في الزنازين، والحر خلف القضبان، صاحب الصوت الهادر من وراء الجدران، والإرادة الصلبة رغم أنف السجان، القابض على الجرح، الواثق رغم المرض، الصامت رغم الألم، شقيق الأسرى وأخو الشهداء، ابن الأم الصابرة والعائلة الصامدة، يترجل عن جواده ويرحل، ويستجيب لنداء ربه ويعجل، غير آبهٍ على عمر في السجون مضى، وغير آسفٍ على شبابٍ خلف القضبان ذوى، فالشهادة كانت أمنيته، ورضا الله كانت غايته، كما كانت المقاومة دربه، والنصر حلمه، والتحرير والعودة أمله.

ناصر أبو حميد أحد مؤسسي كتائب سعداء الأقصى التابعة لحركة فتح ليس كأي أسير فلسطيني آخر، فهو محكوم بسبعة مؤبدات وخمسين سنة، قضى منها متفرقة أكثر من خمس وعشرين سنة، وهو ابن عائلة قدمت خمسة من أبنائها أسرى، حكم عليهم العدو بالسجن مؤبدات كثيرة، وقد ترك في السجون الإسرائيلية خلفه أربعة منهم، يتنافسون على المقاومة، ويصرون على النصر، وكان خامس قد سبقهم شهيداً، وأمهم التي بقيت كالجبل الأشم بعد وفاة أبيهم صامدة صمود الرجال، صلبة القلب كصخرة، شامخة الرأس عالية الصوت موفورة الكرامة، تعاني وتتألم لفراق أحببتها، لكنها لا ترُي العدو ضعفها ولا تشعره أبداً أنه كسرها، بل تعده بالحرية والتحرير، وتهدده بالفناء وتتوعده بالرحيل، وهو يخشاها ويتجنب مواجهتها ويبتعد عنها ولا يصطدم معها، ليقينه أنها أقوى منه، وأشد ثباتاً ورسوخاً من جيشه وكل مستوطنيه.

أيا أيها الأسير الشهيد ناصر، ليس مثل أمك تضحية وصبراً وعطاء وجلداً أمُ، فقد فاقت الخنساء صبراً وأم نضال بذلاً، وأنتم فلذات أكبادها الخمسة، تذوي أعماركم في السجون أمامها، ويضيق عليكم السجان جدرانها، وهي لا تستطيع استنقاذكم، ولا تتمكن من التخفيف عنكم، ولكن قامتها لا تنحني، وإرادتها لا تنكسر، وكبرياؤها لا يخضع، ولا تُسر العدوَ بشكوى أو أنين، ولا تفرحه بندمٍ أو حنين، وهي على يقين أنها ستلقاه وستجتمع به، وإن كان إلى الجنة فرطها فهي معه وإلى جواره أبداً.

سلامُ الله عليك ناصر وقد ارتقت روحك وسمت، وأصبحت في حواصل طيرٍ خضرٍ في قناديل تحت عرش الرحمن، فارتاحت روحك وزكت نفسك، والتأم جرحك وشفيت من مرضك، ولبست ثوب الطهر وستر الرحمن، وازدانت السماء لاستقبالك، وخفت ملائكة الرحمن للقائك، وفتحت أبواب الجنان لك وأمثالك، فسلام الله عليك ناصر في الخالدين، سلام الله عليك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وشهداء أمتنا الأخيار وأبطالنا الأبرار، نستودعك الله عز وجل وهو الذي لا تضيع عنده الودائع، ونسأله سبحانه وتعالى أن يريك ما تقر به عينك، ويطمئن إليه قلبك، وتسعد به نفسك، وترتاح إليه روحك.

نحن نعلم يا ناصر أنك كنت على موعدٍ مع الحرية، وأنك كنت تتهيأ قريباً لملاقاة أهلك ومصافحة أحبتك وتقبيل يد أمك، وأن هذا الأمل ما مات في قلبك وما خبا، وما تسلل الشك إلى قلبك وما عرف غير اليقين بالفرج، فقد أقسمت المقاومة على أن ترغم العدو على أن يطلق سراحكم، ويفك أسركم، وأن تعودوا إلى بيوتكم أحراراً، وإلى بلداتكم وقراكم أعزةً أبطالاً، وهي على ذلك بإذن الله عز وجل قادرة، وستفي بوعدها وتحقق هدفها، وسينعم إخوانك ومن تركت خلفك في السجون والمعتقلات بالحرية، وسيرفلون بثياب العزة والكرامة، وستكون –وأنت في كنف الرحمن- بحريتهم سعيداً، وبلقاء أهلهم والعودة إلى بيوتهم فرحاً مسروراً.

إنَّا على فراقك يا ناصر لمحزونين، وإن قلوبنا عليك موجوعة ونفوسنا مفجوعة، وعيوننا تبكيك دمعاً وألماً، فقد عانيت وتألمت، وضحيت وأعطيت، وبذلت ثلثي عمرك في السجون والمعتقلات، ونَحَتَ المرضُ جسدك وأوهى السرطان قوتك، وأوجعك ثقله وآلمك، وأضناك البعد وأسهدك الحرمان، وجَوَى قلبَك الشوقُ ورقه الحنينُ، وقد كنا عاجزين عن نصرتك، وغير قادرين على نجدتك، ولا نستطيع تخفيف آلامك أو وقف معاناتك، وكنا نتحسر ونحن نرى السجان يضيق على معصميك القيود، ويضع في رجليك الأغلال، ويقيدك وأنت المريض إلى أسرة المستشفيات، تعاني ألماً فوق المرض، وتشكو وجعاً أَمَضَّ من السرطان.

نم قرير العين ناصر، واهنأ نفساً وطب روحاً، واعلُ صرحاً واسمُ نجماً، واعلم أن ثرى فلسطين سيشرف بك، وستوارى فيه رغم أنف العدو وصلفه، وأنه وإن احتجز جثمانك ومنع تشييعك، فإنه سيذل وسيخضع، وستعود إلينا فوق أعناق الرجال بطلاً نرثيك، ومقاوماً باقياً، ومقاتلاً أبداً، وستسير فلسطين وشعبها في الوطن والشتات في جنازاتك المهيبة، ومسيراتك اللجبة، حتى يلعن الاحتلال نفسه حسرةً، ويعض أصابعه ندماً.

أقرأ أيضًا: الأسير الشهيد ناصر أبو حميد.. بقلم الكاتب سري القدوة

الفائزون الأربعة في مونديال قطر 2022

أقلام – مصدر الإخبارية

الفائزون الأربعة في مونديال قطر 2022، بقلم الكاتب والمحلل السياسي مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

انتهى المونديال وأسدل الستار على مبارياته، وأغلقت ملاعب قطر الكبرى أبوابها وأطفأت أنوارها، وخسرت فرنسا كأسها وتسلمته الأرجنتين وفريقها، ورحل المشجعون وغادر الرياضيون بغير الوجه الذي دخلوا فيه، فبعضهم غادرها سعيداً مبتهجاً وقد فاز فريقه، وبعضهم تركها حزيناً مبتئساً وقد خاب فريقه، لكنهم جميعاً غادروها وهم يشعرون بالنشوة والفرح والبهجة والسعادة، وقد خلفوا وراءهم في دوحة قطر قصصاً وحكاياتٍ، واحتفظوا برواياتٍ وذكرياتٍ، وسجلت عيونهم وعدسات هواتفهم مشاهد لن ينسوها، وصوراً لم يعهدوها، فقد هالتهم قطر ودوحتها، وفاجأتهم دولتها وحكومتها، ولفت أنظارهم ترتيبها وتنظيمها، ونظافة شوارعها وتنسيق مبانيها، ودماثة خلق أهلها وبشاشة وجه سكانها، وسرهم رحابة صدرهم والابتسامة على وجوههم، واستجلب استحسانهم جودهم وسخاؤهم، وكريم استقبالهم وحسن وفادتهم.

إلا أن الحديث عن مونديال قطر لن يتوقف بانتهاء المونديال، ولن تنتهي فصوله بخلو شوارعها من المشجعين وإغلاق ملاعبها أمام الرياضيين، بل سيبقى مونديال قطر 2022 الذي ملأ الدنيا صخباً وضجيجاً، وأشغل العالم متابعةً واهتماماً، علامةً فارقةً في تاريخ كرة القدم ومسيرة كأس العالم، وحديث العامة والخاصة، ومحل إعجاب المنظمين وإشادة المراقبين، وسيفرض نفسه على مدى العقود القادمة والدورات التالية، مثالاً يحتذى ونموذجاً للمقارنة، وسيتعب من بعدهم، وسيرهق من سيحاول أن يقلدهم أو أن ينظم مثلهم.

فقد أثبتت قطر أنها على قدر التحدي وأنها تستحق الاستضافة بجدارةٍ، وأن دوحتها الأصيلة لا تقل قدرةً وكفاءةً عن العواصم الكبرى التي سبق لها استضافة المونديال، بل بزتها وتجاوزتها، وتفوقت عليها وسبقتها، وتركت بصماتها المميزة وعلاماتها الفارقة، التي يصعب على الزمان مهما طال أن يشطبها أو يبهتها.

تلك كانت قطر، أول الفائزين الأربعة وأكثرهم سعادةً بالفوز وابتهاجاً بالنجاح، فقد تحدت العالم كله، ووقفت في وجه المتشككين، وأثبتت أنها تستطيع أن تقوم بأكثر مما قام به السابقون، وفضلاً عن النجاح الباهر الذي شهد به المحبون والشانئون، والمؤيدون والمنافسون، فقد نجحت في فرض الهوية العربية والثقافة الإسلامية على مونديالها، وأظهرت وجه العرب الأصيل وحضارة الإسلام العظيم، وسلطت الضوء على العادات العربية المميزة والمفاهيم الإسلامية المتنورة.

رفع العرب رؤوسهم عاليةً بقطر العروبة، واختال المسلمون فرحاً بالحضارة الإسلامية، وازدانوا أمام الضيوف والوافدين بدينهم وثقافتهم، وبلغتهم وهويتهم، واستعرضوا أمامهم أزياءهم وطعامهم، واختالوا بنظافتهم وباهوا بتنظيمهم، حتى غدا فوز قطر فوزاً عربياً إسلامياً نفخر به ونعتز.

أما الفيفا فقد كانت الفائز الثاني في مونديال قطر 2022، ولها ينسب الفضل في جوانب كثيرة تميز فيها المونديال وأبدع، فقد نجحت بالتعاون مع القطريين في تنظيم أول مونديالٍ في المنطقة العربية، وأثبتت أنها كانت على حق عندما صادقت على عقد المونديال في قطر، رغم حملات التشكيك والاتهامات التي تعرض لها مسؤولوها، إلا أن النتائج المبهرة التي رأوها، والتنظيم المهول الذي شهدوه، أثلج صدورهم وأسعدهم، وعوضهم عن مراحل القلق وشبهات الانحياز والاتهام.

أما الأرجنتين التي استعادت كأس العالم بعد ست وثلاثين سنة من آخر فوزٍ حققته عام 1986، فقد كانت ثالثة الفائزين وأول الكاسبين، وأكثر الفرق الرياضية فرحاً باستعادة اللقب وتحقيق النصر الذي عملوا كثيراً على تحقيقه، وتدربوا طويلاً على استحقاقه، وحق لهم أن يفوزوا ويفرحوا، وأن يحتفلوا ويخرجوا، فقد لعبوا بجدارةٍ، وقدموا صوراً في المباراة رائعة، وانتزعوا نصراً سريعاً وأظهروا تفوقاً لافتاً، وسجلوا في شباك الخصم أهدافاً مبكرة، وعندما هاجمهم الفريق الفرنسي وعدل النتيجة معهم، صمد اللاعبون الأرجنتينيون وقاوموا، وأصروا على الفوز ولو في الأشواط الإضافية أو الضربات الترجيحية، فتحقق لهم ما أرادوا، فاستحقوا الفوز والفرح والكأس.

أما الفائز الرابع الأكبر والمنتصر الأول فقد كانت فلسطين وقضيتها، وشعبها وأهلها، والمؤمنون بها والمؤيدون لها، والموالون لها والعاملون معها، فقد تميزت فلسطين في المونديال وسطعت في سماء الدنيا شمسها، وسما في ليالي الدوحة نجمها، ورفرف علمها، وانتشرت في شوارع الدوحة صور أبطالها ورموز مقاومتها، وعجز المناؤون لها والمعادون لشعبها في إسكات الصوت العربي الهادر، والتضامن الإسلامي الصادق، والتأييد الدولي اللافت.

ولعل ما حققته القضية الفلسطينية في ميادين الدوحة وملاعب المونديال يرقى إلى مصاف المقاومة ومدارج النضال، وهو ما أغاض العدو وأحزن حلفاءه، إذ ساءهم ما شاهدوا، وأغضبهم ما رأوا في شوارع الدوحة وملاعبها، والأعلام التي رفعت والكلمات التي صدحت، والمواقف التي عبر عنها اللاعبون والمشجعون، والمنظمون والمستضيفون.

ربما الفائزون في مونديال قطر 2022 أكثر مما ذكرت، وأشمل بكثيرٍ مما استعرضت، لكن الأربعة الذين سبقوا كانوا هم المتربعين على كأس العالم، وكانت القضية الفلسطينية شريك الفائزين والقاسم المشترك في يوميات المونديال، فهي الفائز الأول الذي صبغ المونديال بهويتها، وفرض مظلوميتها، ورفع مقام المؤمنين بها، وأخزى وجوه المعادين لها والظالمين لأهلها.

أقرأ أيضًا: المشهد في الضفة الغربية بعين أمنية إسرائيلية

اليمين الإسرائيلي لم يَعُدْ والتطرف الصهيوني لم يَغِبْ

أقلام – مصدر الإخبارية

اليمين الإسرائيلي لم يَعُدْ والتطرف الصهيوني لم يَغِبْ، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

مخطئٌ من يظن أن الكيان الصهيوني قد تغير، وأن سياسته قد تبدلت، وأن نتائج الانتخابات الأخيرة قد صدمت الفلسطينيين وأخافتهم، وفاجأت دول العالم وأربكتهم، وأنها جاءت عكس التوقعات ومخالفة للعادة، وأن المنتخبين منبتين عن أصولهم ومختلفين عن أسلافهم، وأن أفكارهم العنصرية جديدة وسياساتهم الفاشية مستحدثة، وأن من كان قبلهم كانوا وسطيين معتدلين، ولم يكونوا متطرفين متشددين، ولا عنصريين فاشيين.

كما أننا لسنا أمام “إسرائيل” جديدة، مختلفة عن سابقتها، ولا تشبه تاريخها، ولا تكرر ذاتها، ولا تعيد إنتاج سياساتها بتبديل وجوهها وتغيير أحزابها، رغم أن الكثير من المنتخبين ليسوا جدداً، بل كانوا موجودين وفاعلين، ولو أنهم كانوا في المعارضة وخارج الحكومة، إلا أنهم كانوا حاضرين بأفكارهم، وطاغين بعنصريتهم، ويفرضون أنفسهم بتصرفاتهم، وفي مقدمة العائدين زعيمهم ورئيس حكوماتهم السابقة بنيامين نتنياهو.

الحكومات الإسرائيلية السابقة، ومعها قيادة الجيش الذي لا تتغير سياسته ولا تتبدل نظريته، وإن كانت أدواته تتطور ووسائله تتنوع، لم تتوقف يوماً عن أعمال الإرهاب وجرائم العنصرية والفاشية، فقد أرست الحكومات السابقة دعائم الدولة اليهودية القومية، وأنكرت حقوق الآخرين في العيش في فلسطين، وصادرت أرضهم وخربت ممتلكاتهم، وحرقت زروعهم وخلعت أشجارهم ودمرت بيوتهم، وقتلت رجالهم واعتقلت أبناءهم، وبنت مئات المستوطنات، وصادرت آلاف الدونمات، وسرقت المياه الجوفية وخيرات فلسطين النفطية والغازية، وحرمت الفلسطينيين وهم أصحاب الحق وأهل الوطن من كل حقوقهم المشروعة.

وهي الحكومات نفسها التي أطلقت يد المتطرف العنصري اليميني إيتمار بن غفير، وسمحت له بالإقامة في حي الشيخ جراح، والتضييق على أهله وطرد سكانه، وشكلت له حماية كاملة خلال عمليات اقتحامه المتكررة للمسجد الأقصى، وأيدته في حملته لطرد الفلسطينيين واقتلاعهم من أرضهم، وترحيلهم من مناطقهم، وسكتت عن حمله السلاح وتهديده المواطنين الفلسطينيين، وسمحت له بالتحريض والتعبئة، وتوجيه الجيش والمستوطنين نحو مزيدٍ من التشدد والتطرف في التعامل مع الفلسطينيين، وعدم التهاون معهم، أو التخفيف في تعليمات إطلاق النار عليهم.

أما بسليئل سموتريتش فقد كان وحزبه، كما إيتمار بن غفير، ممثلاً في دورات الكنيست السابقة، وكان له دوره وأثره، ومارس من موقعه تطرفه حتى النهاية، وعبر عنه بكل سفورٍ ووقاحةٍ، ولم يدخر وسيلةً أو سبيلاً في الإساءة إلى الفلسطينيين إلا استخدمها، ولم يستغن عن كل الأدوات القذرة في تنفيذ سياساته والتعبير عن رغباته، وبالتالي فقد كان موجوداً ولم يغب، وكان حاضراً فاعلاً ومؤثراً، بما لا يجعل من عودته إلى الكنيست أو احتمال مشاركته في الحكومة تغييراً في السياسة، أو تبديلاً في المواقف.

وبالعودة إلى حكومات نتنياهو السابقة، ألم يكن حليفه في بعضها القومي المتشدد أفيغدور ليبرمان، وكان وزيراً في أكثر من حكومةٍ، قبل أن يصبح وزيراً للخارجية التي لعب فيها دوراً كبيراً في الانفتاح على الدول الأفريقية، وخلالها هدد مصر بتدمير سدها العالي، وتآمر عليها في سد النهضة مع إثيوبيا، وكذلك كان وزيراً للحرب التي كان ينفخ في رمادها ويسعر جمرها، ويدعو إلى إشعالها، وقتل قادة الفلسطينيين واستئناف سياسة الاغتيالات القديمة.

كذلك كان حليفه وربيبه نفتالي بينت، وهو اليميني المشدد، والصهيوني المتطرف، ومعه إيليت شاكيد التي لا تقل عنه تطرفاً وعنصرية، وكما كانت شاكيت وزيرة للعدل، فقد كان نفتالي بينت في ظل حكومة نتنياهو وزيراً للحرب، وكان كلاهما يدعوان إلى قتل الفلسطينيين وإخراجهم من أرضهم، وكانا يسعيان إلى تشريع الاستيطان وتسريعه، وتأمين المستوطنين والاستجابة إلى طلباتهم، وتحقيق الحلم اليهودي باقتحام المسجد الأقصى والتمكين لهم في باحاته، وفرض تقسيمه على العرب أو الحلول مكانهم والاستيلاء على مقدساتهم.

لا تغيير حقيقي في العقلية الإسرائيلية أو الجبلة اليهودية، ولا تبديل في المنهجية العسكرية الاستيطانية للاحتلال، فالسياسات التي كانت ستبقى، والإجراءات التي كانت متبعة ستتواصل، والخطط التي رسمت ستنفذ، والمشاريع التي أقرت ستفرض بالقوة كما كانت تفرض، والممارسات القمعية المتبعة في التعامل مع الفلسطينيين ستستمر وقد تزداد وتيرتها وتضعف كما كان شأنها في الحكومات السابقة.

ربما يدرك الفلسطينيون أكثر من غيرهم أن الجلبة المثارة حول نتائج الانتخابات التشريعية الإسرائيلية جلبةٌ كاذبة وجعجعةٌ قد اعتادوا عليها وعرفوها، وخبروا سوءها وذاقوا مرارتها، وعانوا من قادتها وواجهوا سياستها، فهم لا يخافون من الاحتلال برمته، ويرونه عدواً مبيناً أياً كان قائده ورئيسه، ويعرفون أنه لا تغيير ولا تبديل في جوهرهم، كما لا اعتدال ولا وسطية في سياستهم، وأن تطرفهم إن غاب حيناً فهو لسبب، وأن عنصريتهم إن توارت مرةً فهي لغاية، فهم امتدادٌ لأصلٍ خبيثٍ، وخلفٌ لسلفٍ فاسدٍ، وذريةٌ لأقوامٍ ضالين، ويمينهم المتطرف ما غاب أبدً ليعود اليوم، وعنصريتهم البغيضة ما اختفت تاريخياً لتبرز من جديدٍ.

أقرأ أيضًا: فلسطينُنا أرض وبحر وفيء وسماء ونهر ونفط وغاز وماء

فلسطينُنا أرض وبحر وفيء وسماء ونهر ونفط وغاز وماء

أقلام – مصدر الإخبارية

فلسطينُنا أرض وبحر وفيء وسماء ونهر ونفط وغاز وماء، بقلم مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

كل الأرض الفلسطينية من البحر غرباً إلى النهر شرقاً، ومن رفح جنوباً حتى رأس الناقورة شمالاً، أرضٌ عربيةٌ فلسطينيةٌ، أرضها وسماؤها وبحرها، كانت لنا وحدنا، وإلينا ستعود حرةً مهما طال الزمن وتعذرت الظروف وتعثرت المحاولات، ولعلها اليوم إلى الحرية أقرب وإلى النصر أسرع، وما دماء شعبنا ومقاومته إلا إيذاناً ببزوغ الفجر ودنو ساعة الحرية والخلاص، فقد اقتربنا من ساعة الحسم ويوم النصر، وها هو العد يشعر ويدرك، ويخشى ويقلق، وقد علمتنا سير الشعوب وتجارب الأمم، التي صمدت وقاومت، وصبرت وضحت، أن النصر حليفها والحرية مآلها، وأن العدو مهما طال وتمكن، ومهما طغى واستعلى، فإنه إلى رحيلٍ وفناءٍ، وكيانه إلى تفككٍ وزوال.

أرضنا الفلسطينية المباركة، جوفها العميق وبحارها وأنهارها، بحدودها التاريخية المعروفة، ومساحتها الموثقة والمسجلة، وتاريخها القديم الموغل في أعماق الزمن، هي للفلسطينيين العرب وحدهم، لا ينازعهم عليها أحد، ولا يدعي ملكيتها سواهم، ولا يحرمهم منها إلا غاصباً محتلاً.

وما حوت أرضنا الفلسطينية من خيراتٍ طبيعية وكنوزٍ دفينةٍ وآمالٍ مستقبلية هي لنا وحدنا، النفط والغاز والمعادن والمياه وغيرها مما تفيض به علينا السماء وتفيء به الأرض، وتكشف عنه الأيام، ويتكون فيها على مر الزمان، وقد أظهرت مختلف البحوث العلمية والمسوحات الميدانية، أن فلسطين غنية بالخيرات وزاخرة بالكنوز، وأن ما فيها يكفيها ويفيض عن حاجتها، ويجعلها غنيةً ثريةً، ويجعل أهلها أعزةً كراماً.

فلسطينُنا أرض وبحر وفيء وسماء ونهر ونفط وغاز وماء

إلا أن العدو الغاصب والكيان اللقيط يسرقها وينهبها، ويغتصبها ويصادرها، ويجوع أهلها ويحرمهم منها، ويدعي زوراً وبهتاناً أنه مالكها وصاحب الحق فيها، ويعينه على بغيه آخرون فيعترفون بشرعية ما اغتصب، ويفاوضونه على تقاسم ما نهب، ويعملون معه على انتزاع الحقوق وتأمين استخراج خيرات الأرض، وضمان بيعها وتصديرها، والتكفل بحمايتها وعدم الاعتداء عليها.

لا يكتفي العدو الصهيوني باغتصاب الأرض وطرد السكان، وقتل الإنسان، ومصادرة الحقوق، والتضييق على المواطنين وحرمانهم من أبسط حقوقهم في الحياة، وكما اعتدى قديماً على المياه الجوفية واستأثر بها، وعلى الأنهار وسرقها، فها هو اليوم يسرق ذهبنا الأسود وغازنا الطبيعي، ويباهي دول العالم بأنه أصبح كياناً نفطياً، ويحق له أن ينظم إلى نادي الدول النفطية، فها هو يتحكم في بحارٍ من النفطِ، وحقولٍ غنيةٍ بالغاز، ويقدم نفسه لأوروبا الخائفة من البرد، وأمريكا المفزوعة من ارتفاع الأسعار، أنه المنقذ والمخلص، وأنه القادر على المساعدة والخدمة، وضبط الأسعار وتعويض النقص.

أمام هذا التغول الكبير والاعتداء الغاشم والحرمان المقيت والحصار القاسي، ينبغي على الفلسطينيين أن يطوروا من مفاهيمهم النضالية، وأن يعددوا وسائلهم المقاومة، وأن يغيروا خطابهم ويشرحوا معاناتهم، وأن يعلم العالم كله مدى الظلم الذي يلحق بهم، وحجم الأذى الذي يتعرضون له، فقد أصابهم في ظل معايير النظم العالمية الظالمة، التي تسكت على سياسات الحصار والتجويع، والحرمان والعقاب الجماعي، كما يقول المثل العربي القديم، كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء على ظهورها محمول، فنحن لسنا فقراء حتى نجوع، وأرضنا ليست جافة حتى نعطش، ومياهنا ليست شحيحة حتى منها نحرم، وخيراتنا ليست قليلة حتى تنضب.

نحن نريد أرضنا بكل ما فيها من خيرات، وسنناضل من أجل عودتنا إليها والعيش فيها والاستمتاع بما أفاء الله به علينا فيها، ولن نسكت عن حقنا فيضيع، ولا عن نفطنا فيسرق، ولا عن غازنا فينهب، ولا عن أي شيءٍ لنا فيها وعليها فينسى.

لا فرق بين الغاز والقدس، ولا بين النفط والأقصى، أو الأرض والمياه، والحقوق والمقدسات، والمواطن والحرمات، والتاريخ والموروثات، والقبور والمقامات، والمساجد وحرية الصلاة، فكلها حقوقٌ وطنيةٌ فلسطينية، وجب علينا تحريرها واستعادتها، والمقاومة في سبيلها والتضحية من أجلها، والتمسك بها وعدم التفريط بها أو المفاضلة بينها، فهي كلها سواءٌ لا فرق بينها، فمن يفرط في قطرة ماء يفرط في شبر أرض، ومن يتنازل عما في جوف الأرض يخسر ما فوقها، ويهون عليه ضياع خيراتها، ومن يساوم على الحقوق يساوم على الأرض، ومن يقبل بأنصاف الحلول لا يلوم القوي إن طرده والباغي إن حرمه.

أقرأ أيضًا: ترامب يشيد بالإسرائيليين ويستجدي الأصوات اليهودية

ترامب يشيد بالإسرائيليين ويستجدي الأصوات اليهودية

أقلام – مصدر الإخبارية

ترامب يشيد بالإسرائيليين ويستجدي الأصوات اليهودية، بقلم الكاتب والمحلل السياسي مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

سئل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عما سيفعله بعد انتهاء فترة حكمه كرئيسٍ للولايات المتحدة الأمريكية، فأجاب وهو يظن أنه سينتخب للولاية الرئاسية الثانية، وسليتف حوله المواطنون الأمريكيون، ولم يكن لغرورٍ فيه وغطرسةٍ في نفسه يتوقع الهزيمة والفشل، أو تلك النهاية المخزية التي وصل إليها، بل كان يظن أنه الرئيس الأمريكي الأقوى والأكثر شعبية في تاريخ الولايات المتحدة، وأنه جعل أمريكا أكثر قوةً وعظمةً مما كانت عليه، فكانت إجابته التي ظن البعض أنها مزحة عابرة أو نكتة خفيفة، أنه سيترشح لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، وسينتخبه الإسرائيليون إيماناً منهم أنه الأقوى بينهم والأفضل فيهم، والأكثر حرصاً على كيانهم، وعملاً لمشروعهم، وإخلاصاً لمعتقداتهم.

لا يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان يمزح ويسخر، أو يحلم ويهرطق، بل كان جاداً في تصريحه، ومقتنعاً بما يقوله، وواثقاً أنه سينال ما يريد إن عزم على الترشح وخوض غمار الانتخابات الإسرائيلية، فقد قدم للكيان الصهيوني ما لم يقدمه أي رئيسٍ أمريكيٍ سابق، وتعهد لهم بأكثر مما يتوقعون ويأملون، وظن أنهم سيحفظون وده، وسيوفون له بعهده، وسيكافئونه على ما قدم وأعطى، وسيقفون إلى جانبه عندما يحتاج إليهم أو يستصرخهم.

كأنه لا يعلم أن “اليهود” هم أكثر من ينكر العشير ويكفر بالمعروف، وينسى الفضل ولا يعترف بأهله، والمشهور عنهم أنهم ينقلبون على حلفائهم، ويغدرون بأصدقائهم، ولا يوفون عهودهم، ولا يحفظون كلمتهم، ويخونون أقرب الناس إليهم وأكثرهم خدمةً لهم وصدقاً معهم، وأن مصالحهم مقدمة على المبادئ، ومنافعهم تسبق القيم والمثل، وأنهم الذين قتلوا أنبياءهم وتخلوا عن رسلهم، لن يصعب عليهم الانقلاب على من أسدى إليهم معروفاً، والتخلي عمن ضحى من أجلهم.

اليوم وقبل أيامٍ قليلة على الانتخابات النصفية التشريعية الأمريكية، وقبل سنتين من الانتخابات الرئاسية، التي ستجري في منتصف العام 2024، يعلو صوت الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي سيترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، وسيدعم مرشحيه في الانتخابات النصفية، بغضب ضد اليهود الأمريكيين، متهماً إياهم بعدم الولاء له، وعدم تقدير جهوده، وأنهم لا يدعمون حملته الانتخابية، ولن يصوتوا له في الانتخابات الرئاسية، رغم أنهم يعلمون حجم الخدمات التي قدمها للكيان، وبالمقابل فقد وصف اليهود في “الكيان الصهيوني” أنهم أكثر صدقية معه ووفاءً له، شأنهم شأن المسيحيين الانجليين الذين يرونه المنقذ والمخلص.

يبدو أن يهود الولايات المتحدة الذين لا يقلون عنصريةً وصهيونيةً عن ترامب، ولا عن أي يهوديٍ آخر يعيش غاصباً مستوطناً في فلسطين المحتلة، لم تعجبهم تصريحات ترامب، ولم يرق لهم نقده وتوجيه الاتهامات لهم، فدعوه إلى الصمت والكف عن مثل هذه التصريحات، ورأوا أن أفعاله تتناقض مع القيم الصهيونية، التي تدعو إلى خدمة “إسرائيل” بصمت، وإلى التضحية في سبيلها بلا مقابل، بيد أنه يصخب بأعماله، ويجاهر بإنجازاته، ويستفز الجميع بخدماته، وينتظر من “اليهود الصهاينة” بدلاً لجهوده، وثمناً لمواقفه.

ترامب يشيد بالإسرائيليين ويستجدي الأصوات اليهودية

يحاول ترامب استفزاز كل الأطراف لتعمل في حملته الانتخابية، وتقوم على خدمة برنامجه والدفع به إلى سدة الرئاسة الأمريكية من جديد، فهو يمتدح يهود “إسرائيل” وينفخ فيهم ويغريهم، ويظن أنهم يحبونه ويوالونه ويقدرون جهوده، كما يمدح المسيحيين الإنجيليين ويحرضهم على دعمه وتأييده، ويرى أنهم الأكثر صدقاً ووفاءً مع “إسرائيل”، لكنه ينتقد يهود أمريكا ويقسو عليهم، ويتهمهم بالخيانة وازدواجية الولاء، بينما تتطلع عيونه إليهم، ويتوقع أن تصب أصواتهم في صناديقه الانتخابية، فلا ينتخبون غيره، ولا يدعمون حملة من ينافسه.

ليس من المستبعد أبداً أن ينجح ترامب في العودة إلى سدة الرئاسة الأمريكية من جديد، وقد يفرح اليهود بعودته، وقد يسعد الإسرائيليون بانتصاره، وقد يمهد الإنجيليون لانتخابه، وقد يكون سبباً في العلو الإسرائيلي الأخير وفسادهم الأكبر، ولكنه سيكون حتماً علو السقوط، وزهو الموت وعتبة النهاية، فما بعد هذا العلو ليس إلا عباداً لله وجنداً للحق، يجوسون خلال الديار ويتبرون ما علوا تتبيراً، يحررون الأرض ويطهرون المقدسات، ويدخلون المسجد الأقصى، ويعيدون مجد الأمة.

أقرأ أيضًا: تصعيد قادة الكيان ضد الضفة وإعلان الحرب عليها

تصعيد قادة الكيان ضد الضفة وإعلان الحرب عليها

أقلام – مصدر الإخبارية

تصعيد قادة الكيان ضد الضفة وإعلان الحرب عليها، بقلم الكاتب والمحلل السياسي مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

لم يبق مسؤولٌ إسرائيلي على كل المستويات السياسية والأمنية والعسكرية، إلا وعقب على ما يجري في القدس والضفة الغربية، وكان له رأي واقتراح في أفضل السبل لإخماد الأحداث، وملاحقة المطلوبين، واستئصال شأفة المقاومين، والتصدي لعملياتهم، والضرب بيدٍ من حديدٍ على قادتهم والمحرضين على “العنف”، وضمان سلامة المستوطنين، وتأمين طرقهم وحماية شوارعهم ومرافقهم، والحد من تنامي “أعمال العنف” ومنع انتقالها من منطقة إلى أخرى، أو انزلاقها إلى انتفاضة شاملة يصعب تطويقها والسيطرة عليها.

فقد هالتهم العمليات العسكرية المتنقلة، وأفزعتهم كثرتها، وأقلقهم نجاحها، وقدرة منفذيها على القيام بها والانسحاب من المكان بسهولة، والتواري عن الأنظار ولو لفترةٍ قصيرةٍ، وبثت أسلحتهم النارية، التي لم تعد “كارلو قديمة “أو مسدسات غير فاعلة، بل أصبحت بنادق أوتوماتيكية حديثة، تحمل ذخائر أكثر، وتصل طلقاتها إلى مدياتٍ أبعد، ويمكنها أن تلحق في صفوفهم خسائر أكثر وإصاباتٍ أكثر دقةٍ، ووصف بعضهم ما يجري من أحداثٍ في القدس والضفة الغربية بأنها انتفاضة مسلحة ضد الجيش.

كما أزعجت الأجهزةَ الأمنيةَ العملياتُ الفردية، التي تصفها بعمليات “الذئاب المنفردة”، وتصنفها بأنها خطيرة وصادمة، إذ كشفت عن عجزها عن اكتشافها أو التنبؤ بها، وأظهرت عدم قدرتها على مواجهتها والتصدي لها، أو الحد منها وحصارها، فعناصرها هم الشعب كله، وعامة المواطنين جميعاً، ممن لا يلفتون نظراً أو يثيرون ريبةً، مما يضعف قدرة الأجهزة الأمنية على تمييزهم أو معرفة نواياهم، وبالتالي تحييدهم أو اعتقالهم، ذلك أن سجلات أغلبهم نظيفة، ولم يسبق اعتقالهم أو توجيه اتهاماتٍ لهم، ولا ينتمي كثيرٌ منهم إلى التنظيمات العسكرية والفصائل الفلسطينية الناشطة.

تصعيد قادة الكيان ضد الضفة وإعلان الحرب عليها

أمام هذا الواقع الذي بات يكبر يوماً بعد آخر، ويزداد خطورةً من منطقة إلى أخرى، وينذر باحتمالات انفجار ثورة أو اندلاع انتفاضة، انبرى المسؤولون الإسرائيليون لمواجهتها والتصدي لها، بل والاشتباك معها وإعلان الحرب عليها، رغم أن العديد من قادة الأجهزة الأمنية، وكبار ضباط الجيش المتقاعدين، يرون أن الأسلوب الذي تتبعه الحكومة في معالجة أحداث الضفة الغربية ستكون له نتائج أكثر سلبية، وسيقود إلى تأجيج الأحداث وتسخين مختلف المناطق، وينصحون لمعالجتها باللجوء إلى السلطة الفلسطينية، ومنحها صلاحياتٍ أوسع، والكف عن إحراجها ومصادرة أدوارها.

وقد وجد عضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير ضالته في تصاعد العمليات المسلحة في القدس والضفة الغربية، فشهر مسدسه وجاب به في أحياء مدينة القدس ومستوطنات الضفة الغربية، يهدد ويتوعد، ويحرض ويتهم، ويوجد النقد واللوم إلى رئيس حكومة الكيان يائير لابيد ووزير حربه بني غانتس، متهماً إياهم بالعجز عن حماية المستوطنين الذين يتعرضون للقنص والرجم بالحجارة وقنابل المولوتوف، بينما يقف الجيش وعناصر الشرطة عاجزين عن حمايتهم، وغير قادرين على التصدي للشبان الفلسطينيين الذين يهاجمونهم في مراكزهم وعلى نقاط التفتيش ويقتلونهم.

أما العميد مئير إلياهو، فيحذر قبل استلامه رسمياً لمهام عمله الجديد كقائدٍ للحرس الوطني الإسرائيلي، من أن الأحداث الجارية في الضفة الغربية قد تكبر، وليس من المستبعد أن تجر الجيش للقيام بعملية حارس أسوار أخرى، ولهذا فهو يدعو المستوطنين وعامة الإسرائيليين إلى تجنب الاحتكاكات المستفزة مع الفلسطينيين، لأنها قد تقود إلى مواجهة أوسع وأشمل، مع ما يكتنف هذه العمليات من أخطار وخسائر لا يمكن توقعها وتجنبها، وأمام هذه الأخطار المتزايدة، فقد خصصت قيادة الجيش أربع سرايا احتياط من حرس الحدود للعمل تحت قيادة الحرس الوطني.

أما رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد، الذي يعمل بكل السبل الممكنة لتبريد المناطق، وتهدئة الأحداث في القدس والضفة الغربية، وتطمين المستوطنين وتسكين روعهم، ليضمن تفوقه في الانتخابات التشريعية القادمة، فقد وجد نفسه مضطراً للانغماس في معترك التصريحات والتهديدات، فأكد أن جيشه سيتخذ كل الإجراءات المطلوبة، ومعه كامل الصلاحيات اللازمة، لضمان الأمن وتحييد الخطار وتفكيك الخلايا المسلحة، وبدا بذلك منسجماً مع وزير حربه بني غانتس، الآخذ في الطواف على مناطق الاشتباك والتوتر، يتفقدها ويزور جنوده وضباطه الجرحى، مستغلاً جولاته في تهديد المقاومة، وتأكيد قدرة جيشه على ضبط الأوضاع، وأنها مسألة وقتٍ لا أكثر.

لا ينفك المسؤولون الإسرائيليون يهددون ويتوعدون، ويزبدون ويرغون، مستخدمين أشد الكلمات خشونةً وقسوةً، وأكثرها استفزازاً وتحدٍ، ولا يتوقف جيشهم عن عمليات الاجتياح والهدم والتدمير والاعتقال، التي تتخللها عمليات قتلٍ وإطلاق نارٍ على عامة الفلسطينيين، إلا أن جذوة المقاومة تتقد، ونارها تشتعل، وأوراها يلتهب، وشبابها بها يلتحقون أكثر، ويشكلون مجموعاتهم الجديدة وقواهم الصاعدة، التي تتصدى لجيش العدو وتصده، وتباغته وتهاجمه، فلا يقوى على كسر جوزتها أو اقتحام عرين أسودها، الذي بات يكبر ويتسع، وإليه تنتسب أسودٌ جديدةٌ وليوثٌ متمردةٌ.

أقرأ أيضًا: مصير الاحتلال بين صواعق التفجير وحتمية التفكيك

Exit mobile version