إلى أين تقود حكومة نتنياهو الجديدة إسرائيل؟!.. بقلم طلال عوكل

أقلام – مصدر الإخبارية

إلى أين تقود حكومة نتنياهو الجديدة إسرائيل؟!.. بقلم الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

جدل صاخب، لا يخلو من اتهامات، ومخاوف شديدة تتزامن مع الإعلانات، عن توقيع اتفاقيات ائتلافية بين “الليكود” وإيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش تثير جدلاً بشأن الصلاحيات وتأثيرها على بعض الوزارات السيادية، وعلى السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.

المخاوف لا تقتصر على الأوضاع الداخلية، والكثير من الشخصيات العامة الحزبية والعسكرية والأمنية والإعلامية، وإنما تخرج إلى الحيّز الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والجاليات اليهودية.

الصلاحيات الممنوحة لبن غفير كوزير للأمن القومي، المسمّى الجديد لوزارة الداخلية، تمنح هذا الإرهابي، المجال لتشكيل جيش على حسابه في الضفة الغربية، من المستوطنين والشرطة، إضافة إلى “حرس الحدود” الذي سيخرج من صلاحيات الجيش.
أما الوزير سموتريتش فإنه سيقتطع من الجيش، أيضاً، صلاحياته تجاه ملف الشؤون المدنية، من خلال تعيين وزير مفوض بصلاحيات فوق صلاحيات وزير الجيش.

هذه الصلاحيات عملياً تعني إطلاق يد الحركتين الفاشيتين اللتين يديرهما كل من بن غفير وسموتريتش، للعمل باستخدام أقصى العنف، ضد الفلسطينيين، قتلاً، واعتقالاً، ومصادرة أراض، وبناء مستوطنات، وتشريع خمسٍ وستين من البؤر غير الشرعية، وهدم وتهجير وتغيير الواقع القائم في المسجد الأقصى.

وقالت رسالة لوزير الجيش المكلف يوآف غالانت: “إذا تولّيت المنصب، حسب الشروط الجديدة والصلاحيات التي سحبها نتنياهو منك لصالح بن غفير وسموتريتش، ستصبح أنت المقاول لتفكيك المنظومة الأمنية والجيش الإسرائيلي، وستكون وزير دفاع من الدرجة الثانية”.
الوزير المكلّف غالانت كان قد أعلن موافقته على ما تم الاتفاق عليه بين نتنياهو وكل من بن غفير وسموتريتش، ما يعني أن ثمة مخاوف حقيقية، إزاء تفكك المنظومة الأمنية، وربما نشوء أكثر من جيش، فضلاً عن ميليشيات خارج السيطرة.

رئيس الأركان أفيف كوخافي، أكثر من يستشعر الخطر، بسبب موقعه المسؤول ينتقد الصلاحيات التي ستمنح لسموتريتش، رئيس “حزب الصهيونية الدينية”، ويقول فيما يمكن أن يصل إلى حدّ التمرّد، إنه لن يسمح بالاقتراب من تعيين أي جنرال في الجيش، ويرى بأنه لا يوجد لهذا الاتفاق أي جدوى.

وزير الجيش الأسبق، موشيه يعالون، يخرج عن سياق لغة النقد، والدبلوماسية المعتادة، حيث عبّر عن تنديده، بالوضع الفوضوي السائد، حين يعلن بصريح العبارة، أن “حكومة مجرمين” تقوم هنا.
ويضيف يعالون، إن من يقود نتنياهو في تشكيل حكومة تتألف من مخالفين للقانون هو وزير الأمن القومي الذي يزخر ملفه بثماني إدانات، اثنتان منها هي دعم للإرهاب.
وفي تفسيره لسلوك نتنياهو يقول يعالون، إن فكرة تمزيق أجزاء من وزارات، مصدرها وجود رئيس وزراء، يعمل منذ 2017 على بيع البلاد لخدمة مصالحه بغية النجاة من قفص الاتهام.

ينهي يعالون مقابلته الإذاعية بالتحذير من أن إسرائيل ستحصل على “بطاقات حمراء” من الأميركيين.
في ردود الفعل الأولية على المستوى الدولي، تتحدث الخارجية الأميركية، عن عدم استعدادها للتعامل مع الوزيرين بن غفير وسموتريتش، ويحذر وزير الخارجية من تصعيد العنف، ومن بناء مستوطنات جديدة، أو تغيير الواقع في المسجد الأقصى.
يبدو أن الموقف الأميركي، من المتوقع أن يتطور تجاه العلاقة مع “حكومة المجرمين” كما يسمّيها يعالون، بحسب أدائها وسياساتها اللاحقة، ما سينعكس، أيضاً، على الجالية اليهودية في الولايات المتحدة.
الاتحاد الأوروبي، لم يتأخّر في التعبير عن “قلقه”، واستعداده للتعامل مع الوقائع القادمة، ولكنه يفضل التعبير عن هذا “القلق” من خلال الإعلان عن وقف الاتصال والتواصل مع إسرائيل، بشأن تنفيذ مشروع اتفاقية التعاون الاستخباراتي بين الشرطة الإسرائيلية ومنظمة “اليوروبول” (وكالة تطبيق القوانين الأوروبية).

إسرائيل عبّرت عن غضب حاد إزاء الانتقاد بإعدام الشهيد عمّار مفلح من قبل المبعوث الخاص للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا البانيز، والمنسّق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند، وتعتبرهما متعاطفين مع الإرهاب. وربما تبادر الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ إجراءات عقابية بحقهما.
الموقف من المبعوثين الدوليين، ينطوي على إشارة إلى طبيعة الردود المجنونة والتي تنطوي على غضب وارتباك، وتشير إلى مخاوف إسرائيل من تصاعد النقد والغضب تجاهها من قبل المجتمع الدولي.
على الصعيد الميداني، ثمة مخاوف من تصعيد إسرائيلي كبير خلال هذه الأيام وقبل إتمام المفاوضات لتشكيل نتنياهو حكومته، ربما بدافع خلط الأوراق، وتعقيد الأوضاع أمام الحكومة المقبلة.

يوم الثلاثاء المنصرم، كان وزير الجيش بيني غانتس قد أصدر تعليمات للجيش بالاستعداد لاحتمال وقوع تصعيد من الفلسطينيين في الضفة، أو وقوع حدث نوعي كبير، ويمكن أن يرتبط ذلك، أيضاً، ب غزة وفق تعبيره.
هذا يعني أن إسرائيل ربما تفكر بخلق مثل هذا الحدث لتبرير تصعيد كبير وواسع يشمل قطاع غزة بهدف إرباك الحكومة الجديدة فوق ما تعاني من إرباكات.

في اليوم ذاته وربما على صلة، نقلاً عن “يديعوت أحرونوت” فإن مسؤولا كبيرا سابقا في شرطة الاحتلال يتوقع أن تحدث موجة جديدة من المواجهات في مدن “الداخل” أكبر بكثير من تلك التي حدثت خلال الحرب الأخيرة على غزة، ويحذر من مذابح خطيرة، يمكن أن تندلع في أي لحظة، ودون سابق إنذار وهو يعتقد أن الشرطة غير مستعدة لمثل هذا السيناريو.
في الخلاصة، فما أن يتم نتنياهو اتصالاته لتشكيل “حكومة المجرمين” فإن من المتوقع أن تتسع دائرة الانقسامات والاحتجاجات وربما التمرّدات داخل المؤسسة الإسرائيلية، ومع بداية عمل هذه الحكومة فإن المشهد الدولي تجاه إسرائيل وفلسطين، ينطوي على تغييرات، بالتأكيد ليست في صالح إسرائيل.

أقرأ أيضًا: الاحتلال هو العنوان.. بقلم الكاتب طلال عوكل

الاحتلال هو العنوان.. بقلم الكاتب طلال عوكل

أقلام – مصدر الإخبارية

الاحتلال هو العنوان.. بقلم الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

مأساة أخرى، تقشعرّ لها أبدان، من يملك ضميراً أو بعضاً من ضمير، واحد وعشرون فرداً من عائلة أبو ريا، قضوا في حادثٍ، ليس استثنائياً في ظروفٍ كالتي يعيشها سكان قطاع غزة .

كثيراً ابتعدت الشائعات عن وضع اليد على أسباب وأبعاد تلك المأساة، وثمة من بادر إلى تسييس الحادثة المؤلمة، الأمر الذي يحصل في كثيرٍ من الأحيان، كمؤشّر على مدى الخطورة التي ينطوي عليها استمرار الانقسام بين الفلسطينيين.

لا ينتظر البعض نتائج لجان التحقيق، التي تتابع الأمر بسرعة وعن كثب ما يعكس عمق أزمة الثقة، وسيطرة الشكوك، على من يقوم بمثل هذه التحقيقات.

ينسى البعض، ويتناسى بعض آخر، أن ثمة جهات رقابية من المجتمع المدني، وحتى لو غاب المجلس التشريعي عن القيام بهذا الدور، فإن منظمات المجتمع المدني لا يمكنها أن تتخلّى عن واجباتها الرقابية، وملاحقة تفاصيل الحدث بكثير من المهنية، والشفافية والجرأة.

الشائعات مرض خبيث، يُعرِّض المجتمع، لتناقضات ومشاحنات لا أساس موضوعياً لها، ويعمّق أزمة الثقة بين أفراده، وبين المواطن والسلطات القائمة بإنفاذ القانون، ولا تخدم سوى الاحتلال، الذي يبدع في نشر هذا المرض.

قد ينطوي الحدث المأساوي على بعض التفاصيل، التي تحتاج إلى إيضاح، وحين لا يتعلق الأمر بحوادث انتحار، أو اغتيال أو تفجير، وكل ذلك بعيد عمّا وقع، فإن البحث ينبغي أن يتجه نحو الأسباب الحقيقية التي قد يهملها البعض عن غير قصد.

السؤال الأساسي هو: ما الذي يجعل هذا الحريق يمتد حتى جاء على كل ما ومن في المنزل؟ من بين عديد وربما معظم إن لم يكن كل الروايات يجري الحديث عن وجود كمية كبيرة من البنزين داخل المنزل.

لماذا توجد مثل هذه الكمية من البنزين، وهل كانت نتائج الكارثة ستكون مفجعة بهذا الشكل، لو لم تكن مثل هذه المادة موجودة في المنزل؟

يعود الأساس إلى الحصار الذي يفرضه الاحتلال على قطاع غزة منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، والذي حوّل ويحوّل حياة الناس في القطاع إلى مأساة مستمرة، وقابلة لتوليد المزيد من الكوارث.

لا يتم تخزين المحروقات في المنازل لأسباب تجارية، فأسعارها مستقرة إلى حد كبير، لا تسمح باستثمار هذه المحروقات لتحقيق الربح الناجم عن فروق الأسعار.

من المؤكد إذاً أن تخزين المحروقات له علاقة بالحاجة للمولّدات الكهربائية، التي يلجأ إليها الناس، بسبب الانقطاعات الكبيرة في الكهرباء.

وحين تبحث عن سبب لجوء الناس للشموع أو الفحم أو المولّدات الكهربائية فإن أصابع الاتهام تذهب نحو طرفٍ واحد وهو الاحتلال الصهيوني.

قبل سنوات أصدر البنك الدولي تقريراً، يشير فيه إلى أن قطاع غزة لن يكون صالحاً للحياة بحلول العام 2020، وها هو الزمن يمر ولم يتحرك أحد في العالم، لتحسين أوضاع الناس، وجعل القطاع قابلاً للحدّ الأدنى من الحياة الآدمية.

الأمر لا يقف عند حدود النقص الفادح في إمدادات الطاقة الكهربائية، بل يمتد ليشمل كل جوانب الحياة.

العالم يعرف أن المياه التي تصل إلى البيوت غير قابلة أو صالحة للشرب أو الطبخ، وهي، أيضاً، غير صالحة لسقاية المزروعات، حيث تظهر الملوحة في ثمار الأشجار، والخضراوات بكل أنواعها.

هل نتحدث عن الصحة، والنقص الفادح في الأدوية والمستلزمات الطبية، والأجهزة الحديثة، وعدم توفر قطع الغيار لإصلاح الأجهزة البسيطة المتوفرة، وتقادم عليها الزمن.

الأطباء في غزة يخيطون بأصابع من ذهب جهدهم لإنقاذ المرضى، كما تخيط النساء الفلسطينيات أثوابهن المطرّزة. ثمة أطباء أكفاء مشهود لهم، في قطاع غزة، ولكن تنقصهم المعدات والأجهزة اللازمة، خصوصاً المتعلقة بالتشخيص.

هل نتحدث عن الدفاع المدني، الذي يتهمه البعض بالتقصير في الوصول إلى مكان الكارثة التي أصابت عائلة أبو ريا، وهل يعرف الناس أي حالٍ عليه آليات الدفاع المدني، وأدواته؟

لا تسمح إسرائيل بإدخال الآليات، فمنذ خمسة عشر عاماً لم يصل القطاع إلّا سيّارة واحدة، بينما قصفت إسرائيل وعطّلت ثماني وأربعين آلية خلال حروبها على القطاع.

هل يعلم الناس أن أطقم الدفاع المدني يفتقرون إلى السترات الواقية من الحرائق، ما يعرّضهم للخطر، وهم يقومون بأعمالهم؟

أهل غزة ليسوا قوم يأجوج ومأجوج، الذين ورد ذكرهم في سورة «الكهف»، إنهم بشر يملكون كل مقوّمات البشر، ويتمتعون بحساسية عالية، لكنهم يفتقرون إلى مقوّمات الحياة الطبيعية بحدودها الدنيا.

غزة في ظروف الحصار المشدّد، الذي تفرضه إسرائيل، كعقاب جماعي، بما يخالف القوانين والقيم الدولية، غزة هذه معرّضة لأن تشهد المزيد من الكوارث الإنسانية، فكل ما يأكله ويشربه أهلها ملوّث.

هل نذكّر العالم، بالمجازر التي ارتكبتها إسرائيل خلال عدواناتها على قطاع غزة، حيث شُطبت عائلات بأكملها من السجّل المدني، كما هو حال عائلة أبو ريا.

القائمة طويلة وتشمل 25 عائلة قضى أكثر من ثلاثة أفراد منها على يد القوات الإسرائيلية. في العام 2014 أصيب ثلاث عشرة عائلة، بفاجعة فقد أكثر من ثلاثة من أفرادها وفي العام 2021 عشر أسر، بما في ذلك فقد كل العائلة.

السجّل طافح بمثل هذه الجرائم، التي يندى لها جبين العالم، لكن العالم لم يحرّك ساكناً حتى الآن إزاء مساءلة وملاحقة مرتكبي هذه الجرائم.

لا تكفي عبارات التعزية والتعبير عن الأسى، والتضامن، وحتى إدانة المجرم، فلقد طفح كيل الشعب الفلسطيني، بينما يستمر العالم في دعم الاحتلال والتستّر على جرائمه، بل وتشجيعه على الاستمرار.

في غزة الناس يعيشون بدافع البقاء وحبّ الحياة، والتمسُّك بالإرادة، والتفاؤل بهزيمة كل من يعمل على سياسة القتل البطيء، والقتل المباشر.

لا ينتظر الناس صحوة المجتمع الدولي، ولا يراهنون على وصول المساعدات، لكنهم يعتبون أوّلاً على أهلهم، الذين عليهم أن يغادروا ألاعيب السياسة وتناقضاتها، يكفي الناس، أن ينتهي الانقسام، وأن تعود اللُّحمة للبيت الفلسطيني، فهو الدواء لأمراضهم، وهو القوة التي تمدهم بإرادة قهر المخططات والأهداف الاحتلالية.

أقرأ أيضًا: نحو تفعيل أوراق القوّة.. بقلم الكاتب طلال عوكل

المونديال وازدواجية المعايير

أقلام – مصدر الإخبارية

المونديال وازدواجية المعايير، بقلم الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

منذ أن حظيت قطر بموافقة اللجنة المعنية باستضافة أولمبياد العالم، وهي تتعرض لانتقادات وهجوم، وثمة من قال في حينه، إن قطر ما كانت لتحظى بهذا الشرف لولا أنها قدمت رشاوى لعدد من أعضاء اللجنة.
ومع اقتراب الوقت لافتتاح «المونديال» في الدوحة، تزايدت الاتهامات وعمليات التشكيك، مرة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، وأخرى بملف الموقف من «المثليين»، وأخرى بطبيعة المناخ الحار، إلى غير ذلك.
الهجمة على قطر، والتي قد تؤدي إلى امتناع البعض عن الحضور والمشاركة لا تعني أن «المونديال» معرّض للفشل، ولكن ذلك يعكس طبيعة النظرة العنصرية التي لا تسلم منها الشركات العابرة للقارات، والتي تعكس، أيضاً، «العولمة»، التي شملت قطاع الرياضة.
لا يزال الكثيرون يرون في العرب، بأنهم سكان الصحراء، وأنهم متخلّفون إلى حدّ أنهم غير قادرين على متابعة آليات التطور العالمي الهائل والسريع.

العرب بالنسبة لهؤلاء، مجرّد حرّاس غير مؤتمنين على ثروات لا يستحقونها، ولذلك فإنهم مجرد موظفين لدى الدول الاستعمارية والشركات العالمية الاستغلالية، التي لا ترى إلّا مصالحها الأنانية.
لذلك كان من المتوقع أن تنهض الآلة الاستعمارية، للتهديد والوعيد حين يقرر العرب الانحياز لمصالحهم، وإن كان دون تجاهل مصالح الآخرين، كما حصل إزاء قرار «أوبك بلس»، الذي قضى بتخفيض إنتاج النفط بمليوني برميل يومياً.
حين تخرج السياسات العربية عن الرؤية الأميركية والغربية، أو تخرج عن حدود الوظيفة المكلفة بها، فإن القائمين عليها، يتعرضون لاتهامات شتّى، وضغوط شتّى. يختصر النظرة الأوروبية تجاه استضافة قطر للمونديال السيد جوزيف بلاتر الرئيس السابق لـ»الفيفا»، الذي صرّح بأن اختيار قطر لاستضافة كأس العالم كان غلطة.
في الواقع فإن الرياضة نشاط إنساني اجتماعي قديم، وهي نشاط اجتماعي، يحظى باستقطاب جماهير واسعة على مستوى الكرة الأرضية.
لكن هذا النشاط الإنساني الاجتماعي، تحول إلى واحدة من أهم مؤسسات «العولمة»، حين تحول إلى صناعة، وأداة للاستثمار تحقق الكثير من الربح والشهرة.

هي صناعة كما قطاع الفنون والسينما تعكس طبيعة ومستوى تطور الدول، ولذلك فإنها، أيضاً، تخضع لقوانين الاحتكار.
لم تعد هذه الصناعة تقتصر على دور الفرق الرياضية في الملاعب، فلقد توسعت البنية التحتية، لتشمل بالإضافة إلى الملاعب صناعات مختلفة مثل القمصان، والقبّعات، و»الترندات»، و»الإكسسوارات»، والأحذية والدعاية والإعلام.
وبالرغم من كثرة الحديث عن عدم تسييس هذه الرياضات إلّا أن مجريات الواقع تشير إلى غير ذلك، فلقد انضمت «الفيفا» والأندية الكبرى إلى نظام العقوبات التي اتخذتها الدول الغربية ضد روسيا والاستثمارات الروسية خارج روسيا في هذا القطاع.
ومبكّراً كان الأمر، على غير ما يدّعيه الفاعلون في هذه المؤسسة الدولية، فلأسباب سياسية، جرى ضم الفرق الرياضية الإسرائيلية إلى المجموعات الأوروبية، بدلاً من انضمامها للمجموعات الآسيوية.
كان ذلك استجابةً لادعاءات إسرائيلية، بأنها وإن كانت تقع في آسيا وفي محيط تعتبره متخلّفاً إلّا أن إسرائيل تنتمي إلى القيم الغربية.
صحيح أن انضمام إسرائيل إلى المجموعات الآسيوية كانت ستعترضه عزلتها على المستوى القاري، ولكن ما كان ذلك إلّا مبرّراً لنزعة عنصرية تعاملت معها أوروبا بإيجابية.

هذه المؤسسة «المعولمة»، تتداول مئات مليارات الدولارات هي قيمة الممتلكات بما في ذلك قيمة اللاعبين، الذين تتجاوز رواتبهم وما يحصلون عليه من حوافز، قيمة أي دخلٍ بما في ذلك رواتب وامتيازات الرؤساء ورؤساء الشركات الكبرى.
اللاعبون الذين يتم تداولهم كسلعةٍ في مواسم الانتقالات، لا تتصل قيمتهم بإسهامٍ في تطور البشرية، يستحقون عليه جائزة «نوبل»، وإنما بمهارات فردية، يجري الصرف عليها وتنميتها في الأندية، والأمر يتعلق بحسن ودقة الاختيار.
بالتأكيد ثمة متعة في مشاهدة اللاعبين المتفوقين، الذين يتمتعون بمهارات فائقة، هم يحصدون الجوائز والمكافآت، لهم ولأنديتهم والجمهور يدفع من جيوبه، ويتعرض لظاهرة استقطاب، تتخذ طابع التعصب، الذي يترك آثاراً سلبية على المشجّعين، خصوصاً في المستوى الاجتماعي، والعلاقات الإنسانية.
قطر، وغيرها من الدول العربية أو دول العالم الثالث، تملك من الإمكانيات والقدرات المادية، والتخطيطية، ما يؤهّلها للنجاح في تنظيم مثل هذه الفعاليات الدولية، التي تخرج عن كونها اختصاص دول معينة.
لقد أنفقت قطر حسب التقارير، التي لا نعرف مدى دقّتها ما يزيد على مئتي مليار دولار، لتحضير البنية التحتية المناسبة لاستضافة «المونديال».

ثمانية ملاعب دولية، وأكثر من خمسين فندقاً، بالإضافة إلى المنتجعات السياحية، والمواصلات، وطواقم الاستقبال والتنظيم، وكل ذلك لم يكن بهدف الربح المادي، إذ إن كل ما هو متوقع أن تحصل عليه من عائدات، لا يتجاوز السبعة عشر مليار دولار.
المسألة، إذاً، لا تتعلق بالأرباح المادية، فقطر لا تحتاج إلى ذلك، وإنما تحتاج إلى أن تقتحم هذا الحصن، لتقدم نفسها والعرب، على أنها تنتمي إلى عالم التقدم والتحضر ومواكبة حركة العصر.
تستطيع قطر ودول عربية أخرى، أن تشتري لاعبين كباراً ومدرّبين كباراً، لكنها في الغالب، تعتمد على إنسانها ومواطنها، وربما لأن الكثير من هؤلاء اللاعبين يفضلون لأسباب كثيرة، حصر انتقالاتهم بين الأندية الكبيرة.
ستقدم قطر تجربة رائدة في التنظيم والتخطيط، لإنجاح «المونديال» ولكنها كما يقال لن ترضى عنها اليهود ولا النصارى، فهم عرب ربما ينظر البعض لنجاحهم على أنه تجاوز لدورهم وطبيعتهم.
ستنجح قطر، وخلفها العرب، ولكن ستبقى الغصة في الحلوق نتيجة سياسة ازدواجية المعايير التي تحكم القائمين على النظام الدولي الظالم.

أقرأ أيضًا: نحو تفعيل أوراق القوّة.. بقلم الكاتب طلال عوكل

نحو تفعيل أوراق القوّة.. بقلم الكاتب طلال عوكل

أقلام – مصدر الإخبارية

نحو تفعيل أوراق القوّة، بقلم الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

أخيراً، ومتأخّراً جاء توجّه دولة فلسطين إلى الأمم المتحدة بمشروع قرار بدعوة محكمة العدل الدولية في لاهاي، وهي أعلى سلطة قضائية في الأمم المتحدة، بطلب إصدار فتوى قانونية عاجلة بشأن، مدى قانونية الاحتلال الإسرائيلي الذي يفترض بموجب قرار (242) أن يكون مؤقّتاً.
حصول القرار على تأييد ثمانية وتسعين صوتاً، مقابل سبعة عشر صوتاً ضده، واثنين وخمسين صوتاً بالامتناع، يشكل نصراً للقضية الفلسطينية، لكن التصويت ينطوي على ملاحظات لا بدّ من أخذها في الاعتبار.

منذ سنوات، ومشاريع القرارات الفلسطينية في الأمم المتحدة تخطّت حاجز المئة، وفي أحيانٍ تخطّت حاجز المئة وخمسين صوتاً.
واضح أنّ الدول التي صوّتت ضد القرار الفلسطيني، قد حافظت على مواقفها إزاء القضية الفلسطينية، حيث اتخذت جانب الانحياز الدائم لصالح الاحتلال الإسرائيلي، وهي ترفض دائماً أي قرار لصالح الفلسطينيين.

الجديد في الأمر أن عدداً كبيراً من الدول، خصوصاً الإفريقية ثم الأميركية اللاتينية فالآسيوية، فضّلت أن تمتنع عن التصويت ما يشير من ناحية إلى ضعف التحرك الفلسطيني عموماً، ومن ناحيةٍ أخرى، إلى مدى الضغوط الأميركية الإسرائيلية على عديد الدول الضعيفة. وبالأحرى، فإن كل الشواهد تشير إلى ضعف الدور العربي في العلاقة مع الدول الإفريقية، والدول الأخرى. وهذا أحد تداعيات التراجع العربي عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وتخلّي عديد الدول العربية عن منطق الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وربما كان الأسوأ أنّ حركة «التطبيع» العربية، التي تبحث عن شراكات مع الاحتلال قد تركت آثارها على كثيرٍ من دول العالم وفق منطق «ليس علينا أن نكون ملكيين أكثر من الملك».

ويوضح التصويت، أن كثيراً من دول العالم، لم تعد تخجل من ممارسة سياسة الكيل بمكاييل وليس بمكيالين وحسب، وأن المصالح الأنانية لبعض الدول، وخوف بعضها الآخر، يجعلها في ذيل السياسة الغربية عموماً والأميركية على نحوٍ خاص.
القرار الفلسطيني بالتوجه إلى الأمم المتحدة، ومحكمة العدل في لاهاي، يشكل بدوره تطوّراً مهمّاً في السياسة الفلسطينية، من حيث أوّلاً أنه ينطوي على قراءة للتحولات السياسية في إسرائيل، وعلى مستوى علاقة المجتمع الدولي بملف الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي.

يعكس هذا التوجّه استعداداً فلسطينياً لتحدي الضغوط الإسرائيلية والأميركية القوية، وكذلك الضغوط الأوروبية، التي حاولت منع المنظمة من السير في هذا الطريق، أو على الأقلّ لتأجيل ذلك، ولكن من دون بيان إلى متى ولماذا التأجيل.
الغرب المنافق، يستخدم المال للضغط على الفلسطينيين، بالرغم من إظهاره الامتعاض، إثر ظهور نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة وانتقاداته الدائمة للاستيطان والتصعيد الإسرائيلي.

في الواقع ليست هذه هي المرّة الأولى التي تمارس فيها الولايات المتحدة وأوروبا الضغط على الفلسطينيين لمنعهم من التوجّه إلى المحاكم الدولية، ومنصّات العدالة، وقد استجابت فلسطين في أغلب الأحيان، لكن التوجّه الأخير نحو لاهاي، قد يشكّل بداية طريق جديد أو على الأقلّ فإنه يحمل رسالة تهديد لحلفاء إسرائيل.
نرجو أن لا نقرأ أو نسمع أحداً من الفلسطينيين، وهو يقلل من أهمية هذا القرار وتداعياته، حتى وإن كان سيلحق بالقرار الاستشاري الذي صدر عن المحكمة ذاتها بشأن جدار الفصل العنصري.

جلعاد أردان ممثل إسرائيل الدائم في الأمم المتحدة، استشاط غضباً من القرار، وأفصح في تعليقه عن أهداف إسرائيل الاستراتيجية الطامعة فيما سمّاه أرض الآباء والأجداد، ويقصد الضفة و القدس.
لكأنه جاء بجديد، يقول أردان، إن التوجه لمحكمة لاهاي هو المسمار الأخير في نعش أي فرصة للتهدئة والتقدم نحو المستقبل.
في تصريحه يؤكد أردان الطبيعة العدوانية والعنصرية للاحتلال الإسرائيلي الذي يتحمّل المسؤولية عن التصعيد، كسياسة رسمية، أصيلة، ثم إنه يتحدث عن الهدوء، والمستقبل من دون أي ذكر للسلام.
هذا يعني أن إسرائيل ليس في فكرها أو واردها أو مخططاتها شيء اسمه عملية سلام، أو الانصياع لقرارات المجتمع الدولي، وأن كل ما لديها هو الهدوء والسلام الاقتصادي لا غير.

ويهدد أردان، بما يعرفه الفلسطينيون مسبقاً، باتخاذ خطوات أحادية الجانب، وقد يقصد الإعلان عن بسط السيادة على الضفة والقدس، خصوصاً أن نتنياهو كان أعلن نيته فرض السيادة الأمنية الكاملة على الأراضي المحتلة العام 1967.
لن تنفذ إسرائيل، أي قرار أو استشارة قانونية تصدر عن محكمة لاهاي أو غيرها، وهي تاريخياً لم تسجل على نفسها أنها بادرت أو انصاعت لتنفيذ أي قرار من مئات القرارات التي صدرت عن الأمم المتحدة.

ولكن حتى لا يكون هذا القرار الفلسطيني، قراراً معزولاً أو تكتيكياً، ينبغي أن يشكل بداية لإعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني وترميم العلاقات الفلسطينية الداخلية، ونحو إعادة بناء جسور الثقة بين المستوى السياسي الرسمي والفصائلي وبين المجتمع الفلسطيني.
لن نردد ما نقوله ويطالب به الجميع إزاء موضوع إنهاء حالة الانقسام البغيض، شديد الخطورة على القضية والشعب الفلسطيني، ولكن الأمر يستدعي رد الأمانة للشعب، فهو الأقدر على تحمّل المسؤولية وتحمّل أعباء المواجهة الشرسة مع الاحتلال وحلفائه وداعميه والمتواطئين معه من العرب وغيرهم.

ردّ الأمانة يعني المباشرة بإجراء الانتخابات الشاملة، رئاسية وتشريعية، ومجلساً وطنياً وهيئات محلية، ومنظمات أهلية ونقابات، وإلّا فإن الوضع القائم والمزري، من شأنه أن يولد ويفاقم المزيد من الأزمات السياسية والمجتمعية.
الانتخابات وترميم الوضع الداخلي هما البوّابة الحقيقية نحو ترميم الأوضاع العربية والعلاقات مع دول العالم.

أقرأ أيضًا: لا وقت أمام الفلسطينيين.. بقلم طلال عوكل

لا وقت أمام الفلسطينيين.. بقلم طلال عوكل

أقلام – مصدر الإخبارية

لا وقت أمام الفلسطينيين.. بقلم الكاتب الفلسطيني طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا من المصدر.

في ضوء نتائج الانتخابات للكنيست الإسرائيلي الخامسة والعشرين، لا بدّ من الاعتراف بأن صعود “اليمين الفاشي” إلى سدّة الحكم في إسرائيل، وبضمن تكتل يميني متطرف، يشكّل بداية مرحلة جديدة.

الحديث عن مرحلة جديدة لا يتصل بالتطورات السياسية في إسرائيل، فما يجري تتويج لسياق طويل من التحولات الاجتماعية والاحتلالية المستمرة، ولكن مثل هذا الحديث والاستنتاج هو برسم السياسات الفلسطينية والعربية التي لا تزال تتمسك باستراتيجية البحث عن السلام، مع دولة “تخجل” من الحديث عن السلام ولو لأسباب تتعلق بالعلاقات العامة.
في الواقع، وحتى في غياب الاعتراف الفلسطيني الرسمي وكذلك العربي فإن ميدان الصراع يؤكد موضوعياً هذا الاستنتاج، ما يشير إلى أن الشعب الفلسطيني تجاوز فعلياً المستويات السياسية العليا.

الإحصاءات الرسمية الإسرائيلية، تشير بوضوح إلى حصاد فعاليات الميدان، فلقد سقط خلال هذا العام، وحتى تاريخه في الضفة الغربية وحدها مئة وتسعة وعشرون شهيداً مقارنة بستة وسبعين في العام المنصرم وعشرين في العام الذي سبقه.
وبحسب التوزيع الجغرافي للشهداء، فإن جنين دفعت تسعة وعشرين شهيداً، تليها نابلس بستة وعشرين شهيداً، وخمسة وعشرين في مناطق أخرى من الضفة.
هذا عدا مئات الجرحى، وربما يصل عدد المعتقلين إلى أكثر من ألف معتقل، فضلاً عن تصاعد عمليات نسف البيوت، إن كانت بدواعي الانتقام أو الردع.
هذه اللوحة تشير إلى أن إسرائيل تشن حرباً حقيقية لا تتوقف على الفلسطينيين، وتتركز في الضفة و القدس ، بينما تستقر معادلة الهدوء مقابل التسهيلات في قطاع غزة.

الوعد الأوّل لنتنياهو، هو أن حكومته ستعمل على بسط السيادة الأمنية الكاملة في الضفة الغربية، ما يعني أن الضفة ستشهد تصعيداً كبيراً خلال المرحلة التي نتحدث عنها، بصرف النظر عمّا إذا كان إيتمار بن غفير سيحصل على وزارة الأمن.
ثمة إشارة عملية على هذا التوجه، حين يقوم ثمانية من أعضاء الكنيست الجدد، ومن أحزاب “التكتل” باقتحام “قبر يوسف”، وكلهم يؤكدون أن هذا المقام والحرم الإبراهيمي، والمسجد الأقصى، لا يمكن إلّا أن تكون تحت السيادة الإسرائيلية.
هذه المرحلة لا تتعلق بمن يكون أو لا يكون في حكومة نتنياهو الذي يُعرف عنه أنه مستعد لأن يلحس تصريحاته ووعوده لحلفائه، لكنه لا يستطيع أن يخفي أو يخفّف من حقيقة الوزن الكبير الذي تحظى به “الصهيونية الدينية”، ما يثير مخاوف كبيرة من قبل نخبة واسعة من النشطاء السياسيين والكتّاب والمؤرّخين الإسرائيليين.

لا وقت أمام الفلسطينيين

نتنياهو معروف عنه أنه يستطيع التجوّل تحت المطر دون أن يصيبه البلل، وبالتالي فإنه يملك خيارات كثيرة سواء في التعامل مع الأوضاع الداخلية، أو الانتقادات والمخاوف الخارجية بما في ذلك التي تصدر عن حلفاء إسرائيل الدوليين.
التطور الأخير في إسرائيل يسجّل هدفاً قوياً في مرمى الفلسطينيين، فلقد نجح نتنياهو في تجاوز أزمة النظام السياسي، التي استغرقت ثلاث سنوات ونصف السنة، وشهدت أربعة انتخابات عامة.
بالعكس من ذلك، فشل الفلسطينيون في ترميم نظامهم السياسي وإنهاء انقساماتهم، رغم مرور أكثر من خمسة عشر عاماً، بما يترك لإسرائيل أن تقرر هي مصيرهم.

بالتأكيد سيواصل نتنياهو سياسته السابقة المعروفة تجاه الفلسطينيين، فهو صاحب نظرية “السلام الاقتصادي”، وهو صاحب نظرية “دولة غزة”، وهو الذي حرص كل الوقت على إفشال أي محاولة فلسطينية لإنهاء الانقسام، حتى قبل أن تبدأ أي محاولة.
خلال السنوات الأربع القادمة، من حكم “اليمين الفاشي” في إسرائيل وبقيادة نتنياهو، من المتوقع بل المرجّح أن تدفع إسرائيل الأمور واقعياً نحو تعزيز التوجه لـ”دولة غزة”، وأن تُخضِع الضفة لمخططات استيطانية مكثفة، وعدوان شرس.
سيكون الوضع أكثر صعوبة بالنسبة للفلسطينيين، من أي مرحلة سبقت، خاصة في ضوء احتمالات بعودة ترامب إلى سدّة الرئاسة الأميركية وفي ضوء التطورات الدولية المتسارعة.

استمرار المراهنة على تطوّر في الموقف الأميركي، أمر محزن وشكل من أشكال الجهل السياسي، فالولايات المتحدة لم تنجح في إقناع حكومة يائير لابيد، من خفض التصعيد، رغم استمرارها في المطالبة بذلك فكيف حين يكون نتنياهو وحكومته الفاشية هي المعنية؟
هل تكون هذه المؤشّرات بداية صحوة فلسطينية وعربية، لقرب الجميع من الشعار الذي رفعته “قمة الجزائر” العربية؟
بصراحة، لا توجد مؤشرات لا من قبل الفلسطينيين ولا من قبل العرب، فالانقسام باقٍ، لا أفق لمعالجته، واهتراء النظام السياسي ظاهر للعيان، ولا تفكير بإصلاحه، والمحصلة أن الفلسطينيين بمجموعهم سيتعاطون شاؤوا أم أبوا مع حركة الأمر الواقع الذي تتحكم فيه وتدفع نحو إسرائيل.
الإرادة الفلسطينية غائبة، والكل يعمل من موقع رد الفعل، وفي أحيان كثيرة، لا يحصل رد الفعل المناسب بالمحتوى والشكل والتوقيت المناسب.

لقد تأخّر الفلسطينيون كثيراً في تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي ودفعوا ويدفعون ثمن ذلك دون أي إنجاز يذكر.
الآن ثمة نوايا فلسطينية للتوجه نحو محكمة لاهاي بقرار أممي بشأن الاحتلال، الأمر الذي تحذر منه الأوساط الإسرائيلية، فهل ستواصل السلطة التحدّي أم أنها ستستخدم هذا القرار للمساومة، أو حتى التخلّي عنه دون مساومة تحت ضغط من إسرائيل والولايات المتحدة؟
ينبغي أن يحذر الفلسطينيون في الهرم السياسي والفصائلي إزاء تصاعد دور الشباب الفلسطيني، الذي يعبّر كل يوم عن عدم ثقته بالأداء السياسي، ويعمل على الأرض لتجاوز كل منظومة العمل السياسي الرسمي وغير الرسمي، إن كان الأمر يتعلق بمرحلة جديدة، فإن ذلك يقتضي استراتيجية فلسطينية جديدة تتجاوز أخطاء وخطايا المرحلة السابقة، وتصحّح مسار النضال الوطني التحرّري، وإلّا فإنّ التاريخ سيعطي حُكمه وإن تأخّر قليلاً.

أقرأ أيضًا: حماس بين الماضي والحاضر بقلم طلال عوكل

حماس بين الماضي والحاضر بقلم طلال عوكل

أقلام – مصدر الإخبارية

حماس بين الماضي والحاضر، بقلم الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

قد يكون انتقال وفود الفصائل من الجزائر إلى دمشق للقاء الرئيس بشار الأسد فرصة لمصالحة جزئية لكنها مهمة، لتعويض مصالحة لم تتم إلّا على الورق وعَبر التصريحات والتقاط الصور التذكارية مع الرئيس الجزائري تبون. بعد جهدٍ مضنٍ وطويلٍ نسبياً، نجحت وساطات إيران و”حزب الله” في إقناع النظام السوري، بتدشين بداية جديدة للعلاقة مع حركة حماس ونحو إعادة اللحمة لـ”محور المقاومة”.

واضح أن استقبال الرئيس الأسد، للوفد الفلسطيني الجماعي بما في ذلك الدكتور خليل الحية عضو المكتب السياسي لـ”حماس”، قد استهدف عدم منح “حماس” خصوصية، وربما، أيضاً، للإشارة إلى أن النفوس ليست صافية بعد.
كانت “حماس” قد حظيت قبل العام 2012، باحتضان وترحيب ودعم سوري كبير وملموس، وبعد عشرة أعوام، سيترتب عليها أن تفعل الكثير قبل أن تحظى بالثقة التي فقدتها نتيجة حسابات خاطئة بالتأكيد.
يُصرّ السوريون على أنهم بصدد استعادة العلاقة مع “حماس المقاومة” وليس “حماس الإخوانية”، لكن الأمر ينطوي على تمييز بين قيادات مقبولة لدى سورية وأخرى غير مقبولة.

تمييز بين قيادات تنتمي إلى الحاضر والمستقبل، وأخرى تنتمي إلى ماضٍ انحازت خلاله “حماس” إلى جانب “إخوان سورية” الذين حملوا السلاح ضد النظام.
وربما وفق هذا التصنيف لقيادات “حماس”، أن النظام السوري سيضع الحركة أمام اختبار علاقاتها وارتباطاتها بـ”جماعة الإخوان المسلمين”، وربما يشير إلى أن سورية لا تكتفي بالجواب الذي قدّمته الحركة العام 2016، حين أعلنت “وثيقتها السياسية”.
“حماس” سبق أن أعلنت أن علاقتها بـ”جماعة الإخوان” لا تتجاوز التوافق أو الانسجام الفكري، ولم تعد لديها ارتباطات تنظيمية أو إدارية بـ”الجماعة”.

ولكن كيف ولماذا وقع هذا التحوّل، في نظرة الحركة لسورية وجعلها تسعى وراء استعادة العلاقة، حتى أنها أصدرت بياناً في الفترة الأخيرة يشيد بسورية وقيادتها ودورها القومي؟
في الواقع، لم تغير سورية سياساتها، ولم تتغير قيادتها أو نظامها السياسي، وقد قدمت نموذجاً أسطورياً في الصمود أمام جبهة واسعة من الأعداء، الدوليين والإقليميين والعرب، وحتى من المرتزقة والتنظيمات المصنّعة، والموظّفة من قبل أطراف معادية، إلى ميليشيات محلية ضاع فيها المناضلون الحقيقيون الذين أرادوا إصلاح النظام في إطار المحافظة على الدولة.

خلال وإثر اندلاع ما سُميّ “الربيع العربي” انتعشت أحلام، واختلطت بأوهام، ترى في مجريات ذلك “الربيع” فرصة تاريخية لتحقيق طموحات قديمة جدّدتها السياسة الأميركية عَبر نظرية “الفوضى الخلّاقة”، التي كان هدفها تمزيق الممزّق العربي.
كانت “جماعة الإخوان” من بين أهم وأكبر الحركات السياسية التي سعت لاستغلال الاضطرابات والصراعات الدموية، لتحقيق أهدافها الشمولية نحو قيام “النظام الإسلامي”.
وفي الحقيقة فإنّ الواقع في عديد البلدان العربية كان يمنحها مثل هذه الفرصة، وكانت “حماس” طلائعية في هذا الاتجاه حين سيطرت على السلطة في قطاع غزة العام 2007، أي قبل “الربيع العربي” بأكثر من ثلاث سنوات.
كانت “الجماعة” قد حققت فوزها في استلام السلطة في مصر الكبيرة، وكان، أيضاً، لها نفوذ كبير في السودان وموريتانيا، وتونس ولاحقاً حققت فوزاً انتخابياً في المغرب، وشكّلت الحكومة آنذاك.

غير أن “الربيع العربي” تحوّل إلى خريف، أو ما يقرب من الجفاف بعد الثورة الشعبية في مصر، التي أقصت “الإخوان” عن الحكم ودخلت معها في حالة صراعٍ مرير ومكلف انتهى باستقرار الأوضاع في مصر على النحو الذي نشهده، الآن.
ثمّ تتالى الفشل، وتتالت الخسارات، إلى أن أصبحت “الجماعة” ملاحقة في أكثر من بلدٍ، ما أحدث صدعاً كبيراً في قيادتها، ويدور الحديث عن انقسامات حادّة.
متأخّرة كانت، قيادة “حماس”، حين التقطت الدرس، وبدأت تتجه نحو توطين رؤيتها وسياساتها ودورها، فلقد تبخّرت أحلام “الجماعة” وأصبحت عبئاً على الحركة، في ضوء سطوة الجغرافيا السياسية.
هذا يعني أن فشل المشروع السياسي لـ”جماعة الإخوان” على الصعيد العربي قد شكّل أحد عوامل التحوّل الذي جرى على سياسة “حماس”، الأمر الذي يتجه نحو مزيدٍ من الرسوخ بعد أن لاحظت قيادة الحركة أنّ دولاً إسلامية حليفة اتجهت أو هي في طريقها نحو استعادة أو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.

إذا كان هذا قد شكّل عاملاً مهماً في تحوّل “حماس”، فإن العامل الحاسم قد توفّر في ضوء تجربة الحركة التي سعت لأن تحظى بشرعية عربية أو إقليمية ودولية لكنها فشلت في تحقيق ذلك.
وفشلت “حماس”، أيضاً، في الحصول على شعبية وشرعية فلسطينية بسبب غياب الانتخابات، واستمرار حالة الانقسام.
إذا كان لا بدّ من أن يشكّل هذا الفشل، الدافع الأساسي والقويّ، لاستخلاص الدروس وأهمها أن التغيير الحقيقي والمثمر لا يمكن أن يكون إلّا عَبر المؤسسات الوطنية، وشرعية صناديق الاقتراع، أو الشرعية التوافقية كحدٍّ أدنى.
“حماس” جزء أصيل وفاعل وكبير في الحياة السياسية والاجتماعية والكفاحية الفلسطينية، ومن حقها أن تكون شريكاً وازناً في إدارة الشأن والقرار الفلسطيني، ولكن كيف لذلك أن يحصل طالما الانقسام قائم؟

كان على “حماس” أن تدفع ثمن أخطائها، كما دفع ويدفع الآخرون، ولذلك فإن عودة علاقاتها مع سورية تشكل خطوة أولى لا يمكن أن تكون بلا ثمن، والحال كذلك إزاء الانخراط في النظام السياسي الفلسطيني والذي يفرض عليها المزيد من المرونة في التعاطي مع ملف إنهاء الانقسام.

وإذا كان الظرف لا يسمح بنجاح الحوارات والوساطات، في إنهاء ملف الانقسام، فإن على “حماس” أن تبدي حساسية خاصة إزاء دمقرطة الحياة السياسية والاجتماعية في القطاع الذي تديره.

أقرأ أيضًا: سُعار أميركي لمنع التغيير.. بقلم: طلال عوكل

شكراً للجزائر، وعذراً أيها الفلسطينيون

أقلام – مصدر الإخبارية

شكراً للجزائر، وعذراً أيها الفلسطينيون، بقلم الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

بعد كل هذه السنوات الطويلة من الانقسام، الذي لا يختلف اثنان على أن وقوعه واستمراره، يشكل خدمة صافية للاحتلال، تعود الفصائل إلى الجزائر لتلبية دعوة ومبادرة من الرئيس تبون، وكل منها يعرف مسبقاً النتائج التي ستؤول إليها الحوارات.

القيادة الجزائرية ليست ساذجة، إلى الحد الذي يدفعها لتحمل وزر مبادرة وحوارات، لمعالجة ملف معقد، لم تنجح محاولات كثيرة سابقة في أن تجد له حلاً.
ثمة إحساس لدى القيادة الجزائرية بالمسؤولية القومية، تجاه القضية الفلسطينية وثمة مصلحة أيضاً، في أن تشكل القمة العربية القادمة، فرصة لإعادة الاعتبار العربي للقضية الفلسطينية.

بالإضافة إلى الموقف التاريخي للجزائر، الذي يختار على نحو ثابت وراسخ تبني ودعم الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه، فإن انزلاق عديد الدول العربية في مستنقع التطبيع، يشكل خطراً مباشراً على الجزائر، وليس فقط على القضية الفلسطينية والمشروع القومي العربي.
حين أقدم النظام المغربي على الانضمام لاتفاقيات أبراهام، و فتح أبواب البلاد، على مصاريعها، نحو تحقيق شراكات اقتصادية وسياسية وثقافية، وأمنية وعسكرية مع الاحتلال، عبرت الجزائر عن سخطها، ومخاوفها إزاء اقتراب الوجود الإسرائيلي من حدودها.

ذلك الحدث، ونقصد تطبيع العلاقات الإسرائيلية المغربية، تضمن شرطاً يقضي باعتراف الولايات المتحدة وإسرائيل، بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، التي تشكل أبرز قضايا الخلاف الجزائري المغاربي منذ عقود ولا تزال.

في مقابل ذلك، اختارت القيادة الجزائرية، الابتعاد عن واشنطن والدول الغربية، فيما يتعلق بحاجتها من الأسلحة، ما عمق حالة الاستقطاب، وأدخل الجزائر مربع الصراع، الخفي غالباً والظاهر أحياناً، مع أطراف التحالف الأميركي الإسرائيلي المغاربي.
وسواء القيادة الجزائرية، أو الفصائل الفلسطينية، فإن الكل كان يدرك مسبقاً، أن ملف المصالحة، أو إنهاء الانقسام لا ينتظر حلاً من الجزائر أو منها، بعد أن فشلت جهود جبارة بذلتها أطراف دولية وإقليمية وعربية وازنة.
نعم الجزائر تحظى بمكانة عظيمة لدى الشعب الفلسطيني وفصائله ونخبه السياسية والاجتماعية وفعالياته، لكن الجزائر لا تملك مقومات التدخل إلى الحد الذي يمكن معه كسر صخرة الانقسام.

شكراً للجزائر، وعذراً أيها الفلسطينيون

في الأصل يدرك الجزائريون، أن إنهاء الانقسام لا يحتاج إلى وساطات وتدخلات، مهما كان وزن تلك الوساطات، وإنما يحتاج إلى إرادة فلسطينية هي فقط التي تستطيع تجاوز العوامل المعطلة للانقسام، بما في ذلك الدور الإسرائيلي المتحفز كل الوقت لإفشال أي مبادرة أو محاولة لإنهاء الانقسام.
ما جرى في الجزائر نتيجة الحوارات الثنائية والجماعية بين الفصائل وبينها وبين القيادة الجزائرية، كان الهدف منه، منح الجزائر ورقة فلسطينية، بشأن إنهاء الانقسام، هي في حاجة إليها لتوظيفها في اتجاه إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية في القمة العربية، باعتبار أن ذلك سيكون العنوان الأبرز في إنجاح القمة.
أما الفلسطينيون، فمن غير المعقول أن يرفض أي فصيل، الدعوة الجزائرية، أو يتعامل معها بخفة ذلك أن كل الفصائل ترغب في توسع علاقاتها ومكانتها لدى الشعب الجزائري وقيادته.

هكذا يبدو الخلاف الذي ظهر على بند تشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بقرارات الشرعية الدولية، وكأنه مسرحية الهدف منها إظهار شيء من الجدية، إزاء المبادرة الجزائرية، ذلك أن الخلافات حول الورقة التي وقع عليها الجميع، أوسع وأكثر عمقاً من هذا البند.
حين نضع الورقة التي تم التوافق والتوقيع عليها، تحت العين المجردة وليس المجهر سنجد، أن هذه الورقة، لا تقترب حتى من إمكانية أن تشكل خطة أو خارطة طريق لتحقيق هدف إنهاء الانقسام.
الورقة أولاً مجرد مبادئ عامة، لا يختلف عليها اثنان، فهي تتحدث عن أهمية الوحدة، والشراكة، والانتخابات ودخول حماس والجهاد إلى أطرها، ولذلك فإنها تعكس جوهر خطابات الفصائل كلها من حيث المبدأ.

هذه المبادئ تجاهلت الخلاف السياسي، وهو ليس خلافاً على مواقف تكتيكية أو آنية، وإنما خلاف جذري بين نهجين متقابلين أحدهما لا يزال يلتزم بأوسلو، وشروطه، والآخر، يلتزم بنهج المقاومة، ورفض نهج التسوية السياسية، وشروطها وآلياتها وتداعياتها على آفاق الصراع.

شكراً للجزائر، وعذراً أيها الفلسطينيون

وفي الحقيقة فإن الاتفاق على النهج السياسي، مسألة تأسيسية، من حيث إن ما يأتي من خطوات أخرى، إنما يستند إلى ما يمكن أن يشكل قاسماً سياسياً مشتركاً بين كافة الفصائل، خصوصاً حركتي فتح وحماس، والورقة أيضاً، تفتقر إلى تحديد الأولويات أو نقطة البداية لإنهاء الانقسام، وتحقيق الشراكات.

خلال اتفاقات سابقة حول ملف إنهاء الانقسام، قامت الفصائل بتدوير كافة الزوايا، إلى أن وصلت إلى اتفاق لأن تكون البداية من إجراء الانتخابات. وبعد جهد وخلاف حول تزامنها أو تتابعها، جرى الاتفاق وجرى اتفاق غير معلن بين الحركتين الكبيرتين على خوض الانتخابات التشريعية بقائمة موحدة وعلى حصرية ترشيح الرئيس محمود عباس للرئاسة، ولكن الأمر لم ينجح وقد جرى تأجيل الانتخابات إلى أمد غير معروف.

ثم إن الورقة تفتقر إلى الآليات، والجداول الزمنية، والحديث عن إجراء الانتخابات في مدة أقصاها عام، لا يشكل بديلاً مقنعاً لغياب الآليات والجداول الزمنية الدقيقة والملزمة.
وبرأينا فإن هذه الملاحظات وغيرها، والمجال مفتوح أمام المزيد من الملاحظات، هذه كلها مدركة من قبل المواطن الفلسطيني، ولذلك فإن الحوار والورقة، والتصريحات الإيجابية التي صدرت، والمجاملات التي تظهر في وسائل الإعلام، لم تحرك ساكناً لدى المجتمع الفلسطيني، الذي لم يعد يحتمل المزيد من خيبات الأمل، وبات يعرف أنه بعد كل حوار أو اتفاق سيجد نفسه أمام تصاعد الاتهامات والخلافات.

أقرأ أيضًا: سُعار أميركي لمنع التغيير.. بقلم: طلال عوكل

الانفجار قادم وقريب بقلم الكاتب طلال عوكل

أقلام – مصدر الإخبارية

الانفجار قادم وقريب، بقلم الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

الأحداث المؤسفة التي شهدتها مدينة نابلس مساء أمس (الاثنين، وأولّ من أمس الثلاثاء)، تنطوي على مؤشّرات خطيرة، نحو تصدّع العلاقات الوطنية، المتصدّعة أصلاً، وتضاعف الفجوة بين السلطة الوطنية وأجهزتها الأمنية وبين الناس.

تزداد خطورة الأحداث، حين يتصل الأمر، بقيام الأجهزة الأمنية باعتقال اثنين من المقاومين المطلوبين لإسرائيل، وفي ضوء مطالبات إسرائيلية بتفعيل دور السلطة في ضبط الأوضاع، وتحقيق الهدوء في الضفة الغربية، خصوصاً في نابلس وجنين.

معلوم أن السلطة الوطنية لم تقرّر عملياً وقف التنسيق الأمني، لكن ما حدث وما تحاول إسرائيل أن تفعله لوضع الفلسطينيين في مواجهة بعضهم بعضاً، وصرف الأنظار عن مواجهة السياسات والممارسات الاحتلالية، من شأنه أن يعمّق أزمة عدم الثقة على المستوى الوطني، ويترك مجالاً لتوجيه اتهامات صعبة للسلطة والأجهزة الأمنية.

على أن إسراع فصائل العمل الوطني في نابلس، بمعالجة الأزمة وتهدئة الأوضاع يقدم دليلاً إضافياً على تقدم الوعي لدى النخب السياسية والشعبية، إزاء ضرورة توجيه البوصلة مرة أخرى نحو الاحتلال الذي يستهدف الكلّ الوطني، وباعتباره التناقض الرئيسي الذي يتصدّى له الشعب الفلسطيني.
تمّ وأد الفتنة في وقتٍ قياسي، لكن الاحتلال سيواصل التحريض والعمل من أجل الإيقاع بين الفلسطينيين، باعتباره هدفاً ثابتاً، لتمزيق وحدة الشعب، والنيل من هويته الوطنية وصموده ومقاومته.

كان من الضروري، أن تلتزم كافة الأطراف المعنية بما تم الاتفاق عليه، بما في ذلك إجراء تحقيق شفّاف ومحاسبة المسؤولين عن تلك الأحداث، لضمان عدم تكرارها من ناحية، واستعادة بعض الثقة بين مكوّنات الفعل الفلسطيني.
نحتاج لبناء الثقة، بين أطراف الفعل الفلسطيني، في الوقت الذي تشهد فيه الجزائر، حراكاً فصائلياً، ثنائياً في البداية، ثم جماعياً في أوائل تشرين الأول القادم، في محاولة جزائرية جديدة، للبحث في إمكانية الاتفاق على «خارطة طريق» لإنهاء الانقسام الفلسطيني.
ويحتاج الفلسطينيون إلى إعادة بناء الثقة في ضوء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يحضرها نحو مئة وخمسين رئيساً وملكاً، ورئيس حكومة، للتداول في الأزمات التي تعصف بالأمن والسلم الدوليين.

على طاولة الحوار الدولي في الأمم المتحدة، تتراجع مكانة القضية الفلسطينية حيث تتصدّر المشهد والنقاش أولاً، الحرب في أوكرانيا، ثم الملف النووي الإيراني، فيما يتم تناول القضية الفلسطينية، وكأنها قضية مؤجّلة مستعصية على الحلّ في هذا الزمان.

الانفجار قادم وقريب
ليس مناسباً البتّة، أن يلقي الرئيس محمود عباس كلمة فلسطين من على منبر الجمعية العامة، بينما يكون المشهد الفلسطيني على الأرض، محزنا، ومشوّشا، إلى الحدّ الذي يُلقي بظلال قاتمة على التزام الشعب الفلسطيني وقواه السياسية، بأهدافه ومصالحه الوطنية.
الأوضاع في الضفة الغربية و القدس ، وحتى الداخل الفلسطيني وقطاع غزة ، تشهد توتّرات وتصعيدا نوعيا واسعا، من ناحية يؤشّر على احتمال الانفجار في وجه الاحتلال، ومن الناحية الأخرى يؤشّر على أن الاحتلال قد يرتكب حماقة من خلال توسيع وتكثيف عدوانه على نابلس وجنين.

السياسة الإسرائيلية، بكل سماتها العنصرية والإجرامية والإرهابية ينبغي أن تكون المشهد الوحيد أمام العالم، حتى لو أن هذا المشهد لا يحرّك سياسات الرؤساء والملوك نحو إنصاف الشعب الفلسطيني، ولكنه سيترك آثاراً قوية على الرأي العام العالمي، خصوصاً في الدول التي تبدع في ممارسة سياسة الكيل بمكيالين.
الدم الفلسطيني لا يزال هو العنوان المطروح على موائد وأجندات المتنافسين على المقاعد، والمسؤوليات خلال الانتخابات الإسرائيلية المقبلة التي لم يبقَ على إجرائها سوى أربعين يوماً.

إسرائيل التي تطلب من السلطة الوطنية القيام بدور فاعل في ضبط الأوضاع وملاحقة المقاومين في نابلس وجنين وفي الضفة عموماً، وتتحدث عن ضعف السلطة، واحتمال اندلاع فوضى عارمة، إسرائيل هذه، تطالب بالمستحيل.
لا يمكن لمعادلة الهدوء والتسهيلات وتصاريح العمل مقابل الأمن والاستقرار للاحتلال، لا يمكن لهذه المعادلة أن تتحقّق ليس لأن الشعب الفلسطيني يرفض السلام والأمن والاستقرار ولكن لأن إسرائيل تصادر كل الأسباب التي تؤدي إلى مثل هذا الأمن والسلام، وفي الأساس مصادرة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

أي منطق هذا الذي يصدر عن المراجع السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية، يتحدثون عن ضعف السلطة، ويقوم وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس، بالسطو على عشرة ملايين شيكل من أموال المقاصة بدعوى أنها مخصصة للأسرى؟

الانفجار قادم وقريب
أي منطق هذا، الذي يؤدي بإسرائيل إلى اتخاذ قرار بإغلاق الضفة الغربية والقدس، وإغلاق المعابر مع قطاع غزة، خلال فترة الأعياد اليهودية، وحتى يقوم المتطرفون بأداء طقوسهم التلمودية في القدس والمسجد الأقصى، بينما يكون على الفلسطيني أن يجلس في بيته أمام شاشة التلفاز ليشاهد بشاعة السلوك الإسرائيلي؟

إسرائيل عملياً تصعّد من عدوانها في كل مكان في الضفة والقدس، حيث تقوم بحملات اعتقال بالجملة، تقول إنها ذات طبيعة استباقية لمنع وقوع عمليات، ولا تتوقف عن اقتحام المدن والقرى الفلسطينية وتستخدم الطائرات المسيّرة لملاحقة المواطنين.
ما تقوم به إسرائيل، دون توقف، لا يمكن إلّا أن يؤدي إلى انفجار واسع قريب على كلّ ساحة الوطن الفلسطيني، والمتوقع خلال فترة الأعياد، أن يهبّ الفلسطينيون في القدس للدفاع عن المسجد الأقصى والتصدي لممارسات المستوطنين المتطرفين.
على إسرائيل أن تتوقع استناداً لما تمارسه من سياسات، أن يقع ما يحذّر منه مسؤولوها، ويخافون منه، ما سيقلب الطاولة على كل الواهمين بإمكانية استغلال الدم الفلسطيني لمصالحهم الخاصة والاحتلالية.

أقرأ أيضًا: دعوة للتفكير خارج الصندوق.. بقلم/ طلال عوكل

حماس نحو توطين رؤيتها

أقلام – مصدر الإخبارية

حماس نحو توطين رؤيتها، بقلم الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

بعد سنوات قليلة من المتابعة، وتدخّل وسطاء معلومين، نجحت الجهود التي بذلتها وبادرت إليها حركة « حماس » في فتح صفحة جديدة في العلاقة مع سورية.

البيان الذي أصدرته الحركة يتجاوز الاعتذار إن كان مباشراً أو غير مباشر، فالأمر يتعلق باستحقاقات عودة العلاقة بين طرفين ينتميان إلى «محور المقاومة»، المعروفة أطرافه، ويشكل الطرفان: سورية و »حماس»، أركان أساسية في ذلك المحور.

كانت «حماس» قد حصلت في سنوات قبل القطيعة على امتيازات كبيرة ودعمٍ واضح من النظام السوري، وشكّلت دمشق مركزاً رئيساً لقيادة الحركة ولمئات من كوادرها، وكان الأساس في ذلك حسابات الصراع المشترك مع الاحتلال الصهيوني.

حين اندلعت المواجهات بين النظام السوري والمعارضة المسلحة التي لقيت وتلقت مساعدات عسكرية ومالية ولوجستية ضخمة من قبل أطراف خارجية منها عربية وأخرى دولية وإقليمية كانت الولايات المتحدة من أهم أقطابها، بادرت قيادة «حماس» إلى اتخاذ موقف بقطع العلاقة مع النظام، وخروج قياداتها وكوادرها من سورية.
خرج ذلك الموقف عن الحسابات القومية المتعلقة بالصراع، وأصبح محكوماً لحسابات «جماعة الإخوان المسلمين» التي حملت السلاح ضد النظام، وقاتلته بشراسة، فما الذي دفع «حماس» لمعاودة البحث والسعي من أجل إعادة العلاقة؟

حماس نحو توطين رؤيتها

برأينا أن قرار قيادة «حماس» لإعادة ترميم العلاقة مع سورية والنظام السياسي، قد جاء في سياق تطور في رؤية «حماس» السياسية لا يتوقف عند حدود متطلبات وجود الطرفين في «محور المقاومة»، ورغبة أطرافه الأخرى في ترميم العلاقة بين طرفين مهمين من أطراف المحور.
العام 2016، أصدرت «حماس» ما يُعرف بـ»الوثيقة السياسية»، التي تضمنت جديداً فيما يتصل برؤية الحركة لدورها، وآليات عملها في الإطار الوطني الفلسطيني.

تلك الوثيقة، خضعت لعمليات تشكيك من قبل نُخب سياسية وإعلامية وتنظيمية كثيرة، اعتبرتها مجرّد تكتيك يفتقر إلى العمق والمصداقية، والرغبة في التغيير.
رغم صدور تلك الوثيقة ظلّت «حماس» متهمة بأنها لا تنتمي إلى المشروع الوطني الفلسطيني وأن انتماءها الأساسي والاستراتيجي هو لمشروع «الإسلام السياسي» الذي تحمله وتعبّر عنه «جماعة الإخوان المسلمين» التي لم تكن «حماس» تنكر انتماءها إليها.

على أن التطورات السياسية اللاحقة، سواء فلسطينياً في إطار الحوار من أجل إنهاء الانقسام، أو في إطار الصراع مع الاحتلال، وكذا التطورات على المستويين العربي والإقليمي، أملت على قيادة الحركة، إجراء تحويلة في رؤيتها السياسية نحو الوطنية الفلسطينية.

«حماس» أعلنت مراراً أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وأعلنت قبولها مشروع إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على الأراضي المحتلة العام 1967، وأعلنت مراراً استعدادها للانخراط في النظام السياسي، عبر الانتخابات أو عبر التوافق الوطني، وأعلنت استعدادها لإبداء مرونة فيما يتصل بشروط إنهاء الانقسام، وكذا أبدت استعدادها لبناء شراكات وطنية.
هذه هي معالم التحوّل السياسي لدى «حماس»، وفي سياق ذلك أعلنت أنها لا صلة تنظيمية أو إدارية لها مع «جماعة الإخوان المسلمين»، وبدأت رحلة العودة عن قرار مقاطعة سورية، واستعدادها لدفع استحقاقات تلك العودة.

هذه التحوّلات التي يمكن أن تساعد في تحسين بيئة العلاقات الفلسطينية ويمكن أن تسهّل المبادرة الجزائرية نحو إنهاء الانقسام، تقدم «حماس» عملياً بهوية جديدة مختلفة، هوية حركة إسلامية وطنية، تقترب كثيراً من هوية حركة الجهاد الإسلامي.
وبشكل عام تحاول «حماس» التصرف بمسؤولية كبيرة عربياً ودولياً، لكونها حركة فاعلة ومؤثّرة، ولا يجوز لها أن تتصرف كحركةٍ صغيرة لا تحسب حساباً لمغامراتها.

أما أسباب هذا التحول الذي ينتظر المزيد من الخطوات العملية تجاه الوضع الفلسطيني بكلّيته فإننا نسجل الآتي:
أولاً: النظام السوري هو ذاته الذي كانت الحركة تقيم معه علاقة قوية وتعود اليوم للسعي من أجل استعادة هذه العلاقة، ولكن الذي تغيّر هو أن النظام صمد واستمرّ في سياساته المعادية للاحتلال، وأن ما شهدته سورية من صراعات دموية، وتدخّلات خارجية لا تزال فاعلة حتى اليوم، يشير دون جدال إلى مخطط استعماري يستهدف تقسيم سورية، والاستيلاء على ثرواتها، وتقديم خدمات استراتيجية لصالح إسرائيل، عبر إخراج سورية من دائرة الصراع.

حماس نحو توطين رؤيتها

ثانياً: فشل «الإسلام السياسي» في المنطقة، ابتداءً من مصر ثم السودان والمغرب وتونس، وأيضاً في سورية، فلقد تلقّت «الجماعة» ضربات كسرت ظهرها، وبالتالي فإن التزام «حماس» بمشروع «الإسلام السياسي» المرتبط بـ «الإخوان»، قد أصبح عبئاً عليها، ويجلب لها الكثير من الأضرار والمخاطر، وربما تشير التجربة إلى «الإخوان» بأصابع الاتهام، بأنها ومشروعها مرتبط بقوى دولية، لا تخدم قضايا الأمة العربية بما في ذلك فلسطين.

ثالثاً: جرّبت «حماس» لسنواتٍ عديدة أن تحظى بالشرعية، وأن تشكل بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، لكنها فشلت في كل ذلك، رغم التضحيات الكبيرة التي قدّمتها، ما ولّد لدى قيادتها قناعةً بضرورة الانخراط في المؤسسة الوطنية الفلسطينية بما في ذلك المنظمة والسلطة، هذا التحول ينتظر من القوى الفلسطينية الأخرى، التعامل معه بإيجابية لإرسائه على قواعد راسخة.

أقرأ أيضًا: دعوة للتفكير خارج الصندوق.. بقلم/ طلال عوكل

شيرين تواصل ملاحقة المجرمين بقلم طلال عوكل

أقلام – مصدر الإخبارية

شيرين تواصل ملاحقة المجرمين، بقلم الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

دولة استثنائية، لا مثيل لها، لا في التاريخ الماضي، ولا في التاريخ الحاضر، وثمة شك في أن يتكرر النموذج الذي هي عليه دولة إسرائيل.
نشأت طبيعتها في الأساس من كونها مشروعاً استعمارياً له وظيفة محدّدة.

أعتقد أن سياق نشأة وتطور دولة الجيش الإسرائيلي، ومآلاتها تدخل في عداد قضايا الحتمية التاريخية، بصرف النظر عن الزمن والظروف.
بإرادتها، وبأغلبية مشرّعيها، تختار إسرائيل لنفسها هوية لا تخجل منها، ذلك أن قانون القومية الذي يتحدث عن دولة لليهود يعني بالترجمة المباشرة دولة فصل عنصري.

ليس غريباً إذاك ألا تدافع إسرائيل عن نفسها حين تتزايد الاتهامات لها من قبل دول ومؤسسات دولية، باعتبارها دولة “أبارتهايد” وفصل عنصري، تمارسه الدولة ويمارسه المجتمع بكلّيته ضد الفلسطينيين.

هذه الهوية، المحملة على سياسة العنجهية، والغرور، تجعل الدولة، مهما كانت انتماءات نخبتها السياسية، تسير على منهج واحد، ثابت ومستمر، يقضي بإدارة الظهر والاستهتار بكل ما يصدر من قرارات وقيم عن المجتمع الدولي، ومعارضة حلفائها الأقربين حين يتعلق الأمر بمصالحها الخاصة.

ملف الجرائم التي ارتكبتها الجماعات الصهيونية قبل قيام الدولة العام 1948، وتابعتها الدولة بعد قيامها، هذا الملف طافح بكل أنواع وأشكال جرائم الحرب، حتى أن أي إضافة، والإضافات تكاد تكون يومية، قد أصبحت روتيناً، ومنهجاً لا تبدله كل وأي احتجاجات من أي جهة كانت.
إسرائيل تتابع سياستها ومنهجها في التعامل مع الفلسطينيين والمحيط دون أن تخشى من العقاب، فثمة من يدعمها “بالباع والذراع” ويمنع أي مؤسسة دولية، من أن توجه حتى نقداً أو لوماً لإسرائيل. عدا ذلك، ثمة من المحيط العربي، من بات يبدي إعجاباً، واستعداداً لقبول التعامل والتعاون مع إسرائيل بما هي عليه.

إسرائيل ليست مستعدة، بل ترفض التعاون مع لجان التحقيق التي تقررها مؤسسات دولية، مثل المجلس الأممي لحقوق الإنسان أو منظمة العفو الدولية “أمنستي”، أو أي مؤسسة لها علاقة بالعدالة، وحقوق الإنسان، بما في ذلك مؤسسات مجتمع مدني إسرائيلية.
لو أن إسرائيل دولة طبيعية، لكانت استجابت لضغط الإدارة الأميركية، والضغوط والمطالبات الدولية، بشأن التحقيق في اغتيال الصحافية العالمية شيرين أبو عاقلة، لكنها تجاهلت الكلّ، وأصرّت على ما أعلنته منذ البداية.
كثيرة، ومتعددة الانتماء والجنسيات وكثير منها أميركية من المؤسسات الإعلامية أجرت تحقيقاتها الخاصة، وأعلنت عن نتائجها، وكلها أجمعت على أن الجيش الإسرائيلي هو حصرياً المسؤول عن اغتيال شيرين غير أن ذلك لم يترك أي تأثير على الرواية الإسرائيلية.

بعد ضغط شكلي متواصل من قبل الإدارة الأميركية، ومطالبات العديد من أعضاء الكونغرس بإجراء تحقيق مستقل، خرج الجيش الإسرائيلي باستخلاصات تشير إلى “أن هناك احتمالا كبيرا جدّاً” بأن يكون الجيش الإسرائيلي قد قتل شيرين.

ولتبرئة الجيش والجندي وهو بالتأكيد معروف لدى المرجعيات العسكرية والقضاء، يشير الإعلان إلى أن الجندي قد أطلق النار على شيرين وقتلها بالخطأ.

شيرين تواصل ملاحقة المجرمين، ولأن القضاء الإسرائيلي هو جزء أصيل من منظومة الفصل العنصري والإرهاب، فإن النيابة العامة لم تجد أي مخالفة تستدعي فتح تحقيق جنائي في قتل شيرين.

يستقبل الإعلان الإسرائيلي الفاجر، ترحيباً من وزارة الخارجية الأميركية، لأنه قدم مراجعة للحادث المأساوي، وكأن الإدارة الأميركية أعفت نفسها إزاء متابعة جريمة بشعة بحق مواطنة أميركية.

في اتجاهٍ آخر، تعقّب المفوضة الخاصة بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة على التقرير بالقول، إن التحقيق لم يكن موضوعياً ولا حقيقياً وأن ثمة أدلّة مختلفة تظهر عدم جدّية إسرائيل في إجراء تحقيق.

يشكّل ما يسمّى التحقيق الإسرائيلي، والترحيب الأميركي الرسمي، مشهداً متكاملاً، لذلك التكامل في الأدوار بين المعلّم و”الصنايعي”.
الإدارة الأميركية جنّدت إمكانياتها للضغط على السلطة الفلسطينية وعلى عائلة شيرين حتى لا ينتقل الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية وهي ليست المرة الأولى، إذ إن الولايات المتحدة سبق أن نجحت في منع الذهاب بملف “تقرير غولدستون” إلى المحكمة الجنائية الدولية.

أسجّل هنا تحية كبيرة لـ”قناة الجزيرة” القطرية، التي لم تتوقف عن التذكير بهذه الجريمة، منذ اللحظة الأولى لارتكابها، وحتى الآن، وبموازاة ذلك، تقوم القناة بنشر الفظاعات الإسرائيلية وإفراد مساحة مهمة للأحداث الجارية في الضفة و القدس و غزة ، على غرار ذلك، ينبغي أن يتواصل الاهتمام الإعلامي والسياسي والحقوقي من قبل المؤسسات السياسية الرسمية الفلسطينية، والإصرار على رفع الملف إلى الجنائية الدولية، وعدم الاستجابة لضغوط أميركا، ورفض المساومة على هذا الملف.

أقرأ أيضًا: العراق وأصل الكارثة بقلم طلال عوكل

Exit mobile version