لا يمكن الاستمرار هكذا.. بقلم الكاتب طلال عوكل

أقلام  – مصدر الإخبارية

لا يمكن الاستمرار هكذا، بقلم الكاتب الفلسطيني طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

بينما يُبرّر نتنياهو وبعض من فريقه أسباب ضعف الردّ الإسرائيلي على غزّة، ويتحمّل الكثير من الانتقادات الجارحة حتى من بعض حلفائه في الائتلاف الحكومي، تجري نقاشات على المستوى الأمني والعسكري إذا ما كان على إسرائيل أن تشنّ في الضفة الغربية عملية على غرار “السور الواقي – 2002”.
فريق نتنياهو يتحدّث عن أن أولوياته تقع في الضفة، وإيران، بما يعني أنه ليس مهتماً، ولا يرغب في الدخول في مواجهة عسكرية مع “المقاومة” في قطاع غزّة، ربما تؤدّي إلى تحريك ساحات أخرى.
ولتأكيد هذا الادّعاء، شنّت القوات الإسرائيلية حملة على نابلس في اليوم التالي لعدوانها الأخير على غزّة، وقامت باغتيال ثلاثة مقاومين.
لم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ بل تابعت القوات الإسرائيلية حملة اغتيالات طالت مقاومين آخرين في جنين وأريحا.

الحملات الإسرائيلية على المدن والقرى والبلدات الفلسطينية لا تتوقّف ويظهر للعلن، أن المصادر الاستخبارية الإسرائيلية، تحقّق نجاحاً في التعرّف على المقاومين الذين ينجحون في قتل إسرائيليين وتحّقق نجاحاً في معرفة أماكن تواجدهم، بما يُسهّل عليها اصطيادهم.
المعركة في الضفة و القدس مفتوحة، وهي تستهدف من جانب حكومة اليمين العنصري الفاشي حسم الأوضاع، ليس لأن ذلك الهدف أساسي وإستراتيجي لمثل هذه الحكومة وإنّما، أيضاً، لأنّ تحقيقه من شأنه أن يُعيد الاعتبار لأطراف الائتلاف الحكومي وعلى رأسهم “الليكود”، الذين تتدهور مكانتهم حسب استطلاعات الرأي المتلاحقة.
مستقبل نتنياهو شخصياً والذين يشكّلون عصب حكومته مرهون بأمرين: تمرير الإصلاحات القضائية، وضمان استمرار الحكومة لسنواتٍ أخرى، وتحقيق هدف السيطرة على الضفة والقدس.

الحكومة الإسرائيلية تُجنّد في الضفة عشرات آلاف الجنود المُدجّجِين وميليشيات المستوطنين المسلّحة، وأجهزة استخبارية قويّة تعتمد وسائل تكنولوجية عالية القدرة على الرصد، بالإضافة إلى “المُستعربين” والعُمَلاء، الذين يندسُّون بين الفلسطينيين.
في هذه الحرب، لا تكفي الشكاوى والمطالبات للمجتمع الدولي، ولا يكفي العزف على وتر صُمود الشعب، وقوّة إرادته واستعداده لخوض التحدّي والتضحية، ولا يكفي دعوة الفصائل لتصعيد المواجهة وإصدار بيانات التأييد للمقاومين.

ينبغي الوقوف مليّاً أمام مُحصّلة الشهداء الفلسطينيين منذ بداية العام والتي تجاوزت المئة وعشرة شهداء، من خيرة الشباب الذين ضاقُوا ذرعاً بالاحتلال وبأداء السلطات والفصائل الفلسطينية، وشقُّوا طريقهم إلى ملء الفراغ بين الحسابات السياسية المتضاربة.
إزاء ذلك، لا يمكن الاستمرار في تقويم مثل هذه التضحيات عالية الثمن، اعتماداً على صدورٍ حامية، وإرادة عالية، على التحدّي.

صحيح أن تضاريس الضفة، تصلح لأعمال المقاومة العصابيّة، و”الجيفاريّة”، ففيها الوديان، والكُهوف والجبال، والغابات، ولكن اللجوء لمثل هذه المقاومة أمام القدرات الهائلة التي تُجنّدها إسرائيل، لا يُساعد المقاومين على تحقيق الانتصار.
البيئة الشعبية، باعتبارها الحاضنة للعمل المقاوم والمقاومين مسألة مهمّة، وهي متوفّرة بالعموم، لكنها مخترقة بالعُمَلاء، و”المُبلّغين”، و”المُستعربين”، ووسائل التجسّس الأخرى.
لا يعني ذلك أنّ هذه البيئة غير صالحة، بل إنها كذلك شرط اتّباع أقصى درجات اليقظة والحذر لدى المقاومين.
اليقظة والحذر، تعني عدم استخدام وسائل الاتصال والتواصل الحديثة، واعتماد نظام دقيق للاستطلاع، قبل الحركة، وعدم الاشتباك في معركة محسومة لصالح العدوّ.
على أنّ ثمة ما يقتضي التنويه له، بالنسبة للمقاومين. فالضفة في ضوء التعقيدات المعروفة والمكشوفة، وانتشار قوات العدوّ بكلّ أفرعها وأدواتها، لا يستوي معه الاستسلام للعلنية.
الظُّهور العلني للمقاومين في الجنازات والأفراح والمناسبات، والتباهي بحمل السلاح، يقدّم للعدوّ، فرصة مهمّة للتعرُّف على المقاومين، وأنواع أسلحتهم وأماكن تواجدهم.

إنّ العمل السرّي المنظّم، والتنسيق بين المجموعات المقاومة، هو السبيل الأفضل لتقليل الخسائر في الجانب الفلسطيني.
فضلاً عن ذلك، فقد لاحظنا أنّ العدوّ المُهاجِم قد وقع أكثر من مرّة في كمائن ينصبها المقاومون، لكنّ الحصيلة تكون ضعيفة، ما يدلّ على ضعف المستوى التدريبي لدى المقاومين، وربّما، أيضاً، ضعف الوسائل القتالية نظراً لصعوبة الحصول على الأفضل منها.
أفترض أن المقاومين عليهم أن ينتبهوا إلى أنّ البيئة المحيطة معادية، ما يفترض، أيضاً، اتخاذ التدابير الاحترازية الضرورية، حتى حين يعتقدون أن الحاضنة، والبيئة آمنة ومناسبة لتحرُّكاتهم.

في مثل هذه الظروف فإنّ المقاومة الشعبية السلمية وانخراط الآلاف من النّاس في هذه المقاومة، ينطوي على مُميّزات مهمّة للمقاتلين.
ومع احترامنا وتقديرنا، لكلّ الشهداء الذين سقطُوا في هذه الحرب، فإنّ الحكمة تقتضي ألا يسعى المقاومون لنيل الشهادة قبل أن يكبّدُوا المحتلّ أثماناً باهظة، طالما أنّهم يندفعون نحو نيل الشهادة من أجل تحقيق الحرّية لشعبهم.
بات من الضروري على الفصائل، كما على الشباب المقاوم المستقلّ، أن يُراجِعُوا هذه التجربة المكلفة، وأن يستخلصوا دروسها ويستفِيدُوا منها قبل أن يفقد الشعب المزيد من أبطاله الميامين، خصوصاً أنّ الشعب الفلسطيني يخوض معركة طويلة يحتاج إلى نفسٍ طويل وصبر، والاقتصاد في قدرات المقاومة.

أقرأ أيضًا: المنطقة بأكملها على فُوّهة بُركان.. بقلم| طلال عوكل

عن هشاشة الرد الإسرائيلي

أقلام – مصدر الإخبارية

عن هشاشة الرد الإسرائيلي، بقلم الكاتب الفلسطيني طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

بعد اثني عشر عاماً قضاها على فترات، قيد “الحجز الإداري”، وخمسة إضرابات خاضها بنجاح، قضى الشيخ القائد خضر عدنان، من خلال جريمة اغتيال مبيّتة مع سبق الإصرار والترصُّد.
خمسة إضرابات خاضها بإرادته الصلبة، وبأمعائه الخاوية، وجسده النحيل، انتصر خلالها على الجلّاد، وانتصر في آخرها، رغم أنه تعرّض للاغتيال.
لم يكن شعار وهدف الشهيد عدنان، الإضراب حتى الموت، ولم يكن بحسبانه أن تصل الأمور إلى الشهادة رغم أنه كمؤمن، مقتنع بأنّ الشهادة نصر، لكنه بالتأكيد كان يسعى من خلال إضرابه إلى نيل حرّيته، فهو يعرف أنّه في السبيل الذي اعتنقه سيصل إلى الشهادة يوماً.
أربعة وأربعون عاماً هي عمر الشهيد، الذي لم يضيع لحظة منها إلّا وهو يُناضل من أجل التحرُّر الوطني العام والتحرُّر الشخصي، معتمداً على تجربة طويلة في التعامل مع السجّان، وإرادة لا تلين.
ثمة من يأخذ على الفصائل، والقيادات والمجتمع، بأن الجميع قصّر بحقّ الشهيد، الذي كان ربّما سينجو، لو أنّه حظي بدعمٍ جماهيري وسياسي، أفضل ممّا حظي به.
المشكلة هنا، هي أن الشهيد واحد من نحو خمسة آلاف أسير فلسطيني، بالرغم من أنّه وضع نفسه في دائرة التميُّز والتركيز بسبب إضرابه الأسطوري الذي استمرّ لنحو سبعة وثمانين يوماً.
ولكن هل كان بالإمكان إنقاذه بجهدٍ سياسي وشعبي أفضل مما حظي به؟ أم أن أداة القتل الإسرائيلية المتطرّفة العنصرية الفاشية، كانت ستصل إلى النتيجة التي وصلت إليها؟
الشيخ عدنان قضى اغتيالاً، والاغتيال لا يتمّ فقط من خلال الصاروخ أو الطائرة، أو العبوّة الناسفة، أو المسدّس، أو حتى من خلال التغذية القسرية، هي سياسة ثابتة للاحتلال كل الوقت.
فلقد أصبح الشهيد الرقم 237، في سجّل الإجرام الصهيوني ضد الأسرى الفلسطينيين، ربّما، أيضاً، يُضاف جثمان الشهيد إلى عشرات الجثامين التي تحتجزها إسرائيل، بالإضافة إلى “مقابر الأرقام”.
فلقد طالبت عائلات الأسرى الإسرائيليين بعدم الإفراج عن الجثمان إلّا مقابل الإفراج عن أولئك الأسرى إن كانوا أحياء أو أمواتاً.
ولأن استشهاد الشيخ، لم يكن أمراً طبيعياً، وإنّما مقصوداً طالما أن إدارة السجون هي وحدها التي تعرف بالضبط حالته الصحية، وهي التي امتنعت عن تقديم العلاج له، فإنّ الأمم المتحدة طالبت إسرائيل بإجراء تحقيق فوري في الجريمة.
وبطبيعة الحال فإن إسرائيل كما جرت العادة، لن تقوم بمثل هذا التحقيق، وإن اضطرّت إلى ذلك فإن التحقيق سيكون شكليّاً، ونتائجه معروفة سلفاً، فإنّه لا الأمم المتحدة، ولا “الجنائية الدولية”، ولا منصّات العدالة الدولية الأخرى، ستسعى لإجراء تحقيقات حياديّة ومهنيّة.
وحتى لو أن هذه كلها أو بعضها اتخذ قراراً بتشكيل لجنة تحقيق، فإنها ستعجز عن القيام بذلك بسبب رفض إسرائيل، ودعم الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا.
بالتأكيد كانت إسرائيل تتوقّع ردّ فعلٍ انتقامياً من فصائل المقاومة الفلسطينية في غزّة، وإن لم يكن الردّ جماعيّاً، فإن حركة الجهاد الإسلامي، لن تُبقي دم الشهيد القائد على الأرض.
ردّ المقاومة على عملية الاغتيال جاء جماعيّاً من قبل “الغرفة المشتركة” بإطلاق رشقات قليلة من الصواريخ على مستوطنات غلاف غزة ، وكان ذلك تواصلاً مع خطاب التحدّي الذي دأبت المقاومة على التأكيد عليه في الأشهر الأخيرة.
لكن الردّ، أيضاً، يشير إلى أن فصائل المقاومة لن تترك “الجهاد الإسلامي” لتخوض معركتها وحدها، الأمر الذي يعطي لإسرائيل رسالة، بأنّ عليها أن لا تبني على وقائع سابقة.
كان معلوماً أن ردّ المقاومة، سيكون محدوداً، وأنه قابل للتطوير في ضوء طبيعة الردّ الإسرائيلي، الذي جاءت الوقائع مسبقاً لتشير إلى أنه سيكون ردّاً محدوداً، واستعراضياً.
بالرغم من كثرة الحديث عن استعادة الردع، وعن استعداد الجيش الإسرائيلي لخوض معركة على جبهات متعدّدة، لكن هذا الخطاب المتبجّح سقط في الميدان ليُفضي إلى حالة ضعف وهشاشة غير مسبوقة.
واضح أنّ نتنياهو لا يرغب في ركوب مغامرة ستؤدّي إلى سقوط آلاف الصواريخ على جبهة داخلية محطّمة ومنقسمة وهشّة، ولذلك فإنه استبعد دعوة ايتمار بن غفير عن الاجتماع الأمني المصغّر لأن الأخير سيطالب بردود حازمة، لا تقوى عليها إسرائيل.
في الواقع، فإن الحديث عن الردع، تعزيزه أو استعادته، ليس قائماً أو مرهوناً بما تملك الأدوات العسكرية من وسائل القتل أو التدمير، فإن كان الأمر كذلك فإن لدى إسرائيل، ما يمكّنها فعلاً من إلحاق الهزيمة بجيوش في المحيط.
خوض الحروب والانتصار فيها يتطلّب جبهة داخلية منيعة، ويتطلّب اقتصاداً قويّاً، قادراً على تحمُّل التبعات، وفي هذه وتلك، تعاني إسرائيل من انكشاف جبهتها الداخلية، وتراجع أدائها الاقتصادي.
كان يائير لابيد و بيني غانتس حرّضا الحكومة على القيام برد واسع رادع وقوي ضد غزة، لكن ذلك على الأرجح كان محاولة لتوريط نتنياهو وحكومته في خوض معركة ستكون نتائجها كارثية على إسرائيل.
في اعترافٍ نادر نشر قسم الارتباط في الوكالة اليهودية بمناسبة مرور 75 عاماً على النكبة استطلاعاً للرأي جاء فيه أن 47% من المستطلعة آراؤهم لا يرغبون في العودة نهائياً إلى إسرائيل.
لا ترصد وسائل البحث الفلسطيني، مسألة الهجرة المعاكسة، ولا تنشر إسرائيل أيّ معطيات حول هذا الأمر، لكن تآكل الأمن والاستقرار الجماعي والفردي في إسرائيل، يشكّل دافعاً قويّاً، نحو زيادة أعداد المهاجرين الذين يعودون إلى بلادهم الأصليّة.
وفيما يبحث البعض في إسرائيل عن ذرائعَ لتبرير ضعف وهشاشة الردّ الإسرائيلي على إطلاق الصواريخ في غزة، إذ يرى بعضهم أنّ أولوية الحكومة هي الضفة و القدس ، وآخرون يقولون إن الأولوية هي إيران، فإنّ الصحافي هيلل بيتون روزين مراسل القناة العبرية الرابعة عشرة، يُلقي بالحقيقة في وجوه الجميع، يقول روزين إنه “مقابل قتل خضر عدنان، إسرائيل تجثو على ركبتيها”، ويُضيف “نحن نستحق ذلك”.

أقرأ أيضًا: المنطقة بأكملها على فُوّهة بُركان.. بقلم| طلال عوكل

وما ينتظر العرب أعظم

أقلام – مصدر الإخبارية

وما ينتظر العرب أعظم، بقلم الكاتب الفلسطيني طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

حرب أشِقّاء الأمس، وأعداء اليوم، في السودان، أبداً لا يمكن أن تكون عبثية، ومن يقول ذلك، وهو يعلم الحقيقة، فإنّه يحاول التغطية على أهدافها، والذين يقفون خلفها.

في الأصل، فإنّ سلّة غذاء الوطن العربي، هي دولة فقيرة رغم غِنَاها، وتقترب من أن تكون دولة فاشلة، بسبب تتابع الأنظمة العسكرية، في إدارتها، وانتشار الفساد على نحوٍ واسع في بلدٍ يغصّ بالتنوّعات العرقية والإثنية والطّائفية.

اعتماد الفكر الإسلامي، من قِبَل بعض أنظمة الحكم السابقة، وربّما، أيضاً، النظام الرّاهن، ليس سوى تغطية أخلاقية، لا يمكن إلّا أن تؤدّي إلى مزيدٍ من الإفقار، وتعريض البلاد لمزيدٍ من الانقسامات الجغرافية، بعد أن وقع الانقسام الكبير بين جنوب السودان وشماله.

كان العرب الغارقون في أنانيتهم، وارتهانهم للدول الاستعمارية، هم آخر من ينتبه لما يجري في السودان، وآخر من يتدخّل لمنع الانهيار، ولكن بعضهم وضع يده في يد إسرائيل من أجل تحقيق أوهام العَظَمة، والنُّفوذ الإقليمي.

عشرة أيّامٍ كانت كافية لكشف حقيقة النظام السياسي الذي يتسيّد عليه العسكر، حيث يُعاني السكان من محدودية الإمكانيات الطبّية، ونقص الكهرباء والماء، والمواد الغذائية الأساسية، ويهدّد استمرار الصراع شبكة الاتصالات، والمواصلات الضعيفة أصلاً.

أكثر من سبعين في المئة من المستشفيات في العاصمة الخرطوم ومحيطها خرجت أو أنها أُخرِجَت من الخدمة، وما تبقّى منها لا يستطيع القيام بواجباته لإنقاذ المصابين.

مئات القتلى ومئات الجرحى، كان بالإمكان إنقاذ عدد ليس قليلاً منهم، لو أن الإمكانيات الطبّية متوفّرة، وذلك باعتراف مسؤول أُمَمِي.

الفريقان يتبادلان الاتهامات إزاء المسؤولين عن اندلاع الأحداث، فهذا يتّهم ذاك بالانقلاب على العملية السياسية، وخيانة أهداف «الثورة»، والعودة بالأوضاع إلى سابق عهدها قبل «الثورة».

من يُوجّه هذه الاتهامات، يُحمّل مسؤولية تهريب آلاف السجناء ومن بينهم رموز نظام الرئيس المخلوع عمر البشير ، وبما في ذلك «البشير» من السجون، عبد الفتاح البرهان وفريقه يوصف، أيضاً، بـ «الإسلامي الإرهابي».. البرهان وفريقه يتهّمون الآخر محمد حمدان «حميدتي» وفريقه بخدمة أجندة خارجية، وبالتمرُّد على النظام، وأيضاً يُحمّلونه المسؤولية عن هُروب رموز النظام المخلوع.

باستثناء ما يعلنه «حميدتي»، من أنّه يُحاول استعادة الديمقراطية والعملية السياسية، فإنّ أيّاً من الطرفين لا يُصرّح بأهدافه الحقيقية، ولا بمن يُشجّعه ويقف خلفه ويدعمه، الأمر الذي يُوفّر للبعض الذريعة لوصف هذه الحرب بالعبثية.

التصريحات التي تصدر عن دوائر رسمية دولية وإقليمية، وتبدو أنها تنطلق من مبدأ الحرص على السودان وأهله، وبعضها يظهر وكأنّه حريصٌ على حقن الدماء، واستعادة الحيويّة، للعملية السياسيّة، هؤلاء لا يفعلون شيئاً، بينما هم يعرفون أكثر من غيرهم الأهداف الخبيثة التي تقف وراء اندلاع الحرب، ويتواطؤون إزاء الكشف عن الطرف الثالث الذي يُغذّيها.

التصريحات المُعبّرة عن القلق، والمشفوعة بدعوات لوقف الحرب لا تغفر لهؤلاء انخراطهم في المسؤولية المباشرة وغير المباشرة عن الصراع ومآلاته.

حُمَّى ترحيل الدبلوماسيين، والرعايا التي تشكّل السلوك العملي الوحيد والأساسي، تشير إلى حقيقة واضحة، بأن هذه الحرب سيطول أمدها، وأنّ من يفعلون ذلك، لا يتّسم فعلهم بأيّ قدرٍ من المسؤولية عن حماية المدنيين السودانيين.

السودانيون المدنيون يُترَكون لأقدارهم، فهم إمّا جوعى، وإمّا عطشى، وإمّا لا نجاة لهم من الموت أو الإصابة، وإمّا عليهم مغادرة البلاد، إلى أقاليم مجاورة راحت تُسهّل خروجهم، من دون أن تتحمّل أيّة مسؤوليات مادية عن كيفية تدبير أُمورهم في ظلّ الفقر، وقلّة الحيلة.

على أنّ من يتبصّر واقع الحال، وما يقف من أهداف خلف هذا الصراع الدّامي، سيعثر بالتأكيد على الأهداف الحقيقية وراء اندلاع الحرب، ومن يقف خلفها، وما يقف خلفها من مصالح لا تخدم الشعب السوداني.

كلا الرأسين «البرهان» و»حميدتي» سلّما قيادَهُما لإسرائيل، فالأول هو من توسّل البدء بإقامة علاقات، وقام بلقاءات وزيارات لمسؤولين إسرائيليين، على طريق إبرام «سلام أبراهام»، والثاني «حميدتي» التصق أكثر وانخرط في مخطّطٍ مُعادٍ للسودان، ويستهدف إحالة البلاد إلى قاعدة إسرائيلية بعد أن نجح في جنوب السودان، وأثيوبيا، وأرتيريا.

يعزّ على «البرهان» أن يُسلّم السلطة لحكومةٍ مدنية، ولذلك فإنّه على الأرجح، مُنخرِطٌ في محاولة إعادة رموز نظام «البشير» إلى الحكم، أمّا «حميدتي»، فإنّه تحت شعار «الديمقراطية، ومحاربة التطرُّف الإسلامي»، يسعى للاستحواذ على السلطة.

«حميدتي» في تصريحٍ نادر قال إنه يُحارب «الإرهاب الإسلامي» كما تحارب إسرائيل حركة « حماس » و»الإرهاب الفلسطيني»، وهذا دليل كافٍ على ارتباطاته مع إسرائيل، وتقدّمه بخطوةٍ كبيرة عن «البرهان» في الركض نحو إسرائيل، ومن يقف إلى جانبها من بعض الدول الإقليمية.

مُخجِل جدّاً، أن يذهب بلد «اللاءات الثلاث» المشهورة، ضد إسرائيل إلى أن يُصبحَ دُميةً في يد العدو التاريخي للأمّة العربية.

«الخارجية» الإسرائيلية، وجّهت الدعوة لقطبي الصراع، «البرهان» و»حميدتي» لإجراء حوارٍ في إسرائيل، وكان ينقص تعديل اللغة، بحيث تتّخذ طابع استدعاء الطرفين من أحبابها.

في الحديث عن المصالح والخاسر والرّابح، فإنّ العربية السعودية ومصر، وخصوصاً مصر هي أكثر الخاسرين ممّا يجري، وممّا ينتظر السودان، الذي لن يبقى على حاله، فأقلّ ما يمكن أن يقع هو انفصال إقليم دارفور الذي اشتغلت عليه إسرائيل ودول أخرى معادية للسودان، هذا إذا لم تكن النتيجة، كلّ السودان، من غير الممكن إزاء ذلك أن يظلّ الموقف العربي، والتدخُّل والتأثير عند حدود القائم، والاكتفاء بالتعبير عن القلق والأسف، إلى أن يتفاجؤوا في قادم السنين، بمخاطر استراتيجية على حقوقهم، وأمنهم القُطري والقومي.

أقرأ أيضًا: المنطقة بأكملها على فُوّهة بُركان.. بقلم| طلال عوكل

السودان إلى أين؟

أقلام – مصدر الإخبارية

السودان إلى أين؟، بقلم الكاتب الفلسطيني طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

كلٌّ لأسبابه ودوافعه الخاصة، يجتمع العالم، والعربي، خصوصاً على التعبير عن قلق شديد، بسبب اندلاع ما يشبه الحرب الأهلية في السودان.
منذ بداية الأسبوع الحالي، وبالرغم من حرمة شهر رمضان ، تندلع اشتباكات بكلّ أنواع الأسلحة، بين أطراف كانت حتى، الأمس القريب، ضمن فريق واحد.
السودان كان قد سبق جميع الدول العربية، حين تعرّض لانقسام بين شمال وجنوب، شكّل الأخير قاعدة مهمّة لإسرائيل قبل أن يلتحق السودان شمالاً، بـ”قطار التطبيع”.
إسرائيل كانت موجودة دائماً هناك، وقد لعبت دوراً أساسياً في دفع الأزمة السودانية، نحو الانفجار والانقسام. لكن المشكلة ليست في الدور والمساعي الإسرائيلية التي لم ولا تتوقّف عن القيام بما يلزم لتفتيت المفتَّت العربي، ولإضعاف الخصوم العرب، وتوظيفهم في المزيد من مخطّطات تقسيم دول عربية أخرى.
اليد الإسرائيلية، موجودة بقوّة ظاهرة للعيان في أزمة “سد النهضة”، ونحو التحكّم بمياه نهر النيل من بلدان المنبع للتحكّم في حياة دول المصبّ وعلى نحو خاص مصر الكبيرة.
في زمن سابق، كان أحد زعماء إسرائيل قال صراحة، إن الحروب القادمة في المنطقة، ستكون حروباً حول المياه، بما أنه شريان الحياة، وكان يقصد مصر، العدوّ الأكبر والأقوى لإسرائيل، ومخطّطاتها بالرغم من “اتفاقيات كامب ديفيد”.
بعد الملء الرابع لـ”النهضة” التي أسهمت إسرائيل في بنائه وأرسلت منصّات “قبّة حديدية” لحمايته، بدأت تظهر ملامح احتداد الأزمة حول حصص المياه للدول المستفيدة من “النيل”.
لم يكن لأثيوبيا، الدولة الفقيرة، أن تأخذ هذا المنحى، المتحدّي لمصر والسودان، لولا اعتمادها على الدعم الإسرائيلي الذي يتجنّب الكثيرون الإشارة إليه، رغم معرفتهم بالحقيقة سيظهر في لاحق السنين بعد أن تكمل أثيوبيا بناء كامل منشآت السدّ، وتشرع في ملئه بالكامل، فضلاً عن عشرات السدود الأخرى، إذا ما كان ذلك سيؤثّر على كمية المياه التي تصل إلى مصر والسودان، وإذا ما كان ذلك سيؤدّي إلى اندلاع صراع مسلّح نظراً لأن الأمر يتعلق بالوجود.
السودان يشكّل الحلقة الأضعف بسبب تنوّعه الإثني والعرقي وبسبب فشل سياسات العسكر، الذين ارتدوا الزيّ الإسلامي وفشلوا في احتواء هذا التنوّع، وتسبّبت سياساتهم في تهيئة الظروف لاندلاع الصراع، وربّما سلخ المزيد من الأقاليم، خصوصاً دارفور عن الدولة والمجتمع السوداني.
إسرائيل ستكون هناك دائماً، بيدها اليُمنى، تلعب مع العسكر الذين يحكمون وباليد الأخرى، تلعب في المجتمع، ومع قوى أخرى.
هذه المرّة كان لا بدّ أن تتحرّك أيادٍ خارجية لقطع الطريق أمام العملية السياسية، التي تمّ التوقيع عليها من القوى المدنية، وحتى من عبد الفتاح البرهان ، ومحمد حميدتي، أقطاب الصراع الدّامي الجاري.
منذ اليوم الأوّل لاندلاع الصراع الدّامي، ووسط تصريحات رسمية من قبل “الأمم المتّحدة”، وعدد من الدول العربية، ودول العالم تعبّر عن القلق، وتطالب بالوقف الفوري للقتال، كان هناك تصريح لافت للنظر من قبل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.
تصريح بلينكن أشار بوضوح إلى وجود طرف آخر خارجي، يقف خلف القتال من أجل تعطيل العملية السياسية، التي كانت قاب قوسين أو أدنى، من تسليم السلطة من قبل العسكر للقوى المدنية.
بعد هذا التصريح، كثرت التصريحات من قبل مسؤولين عرب وغير عرب، تشير إلى وجود أطراف خارجية ضالعة في التدخّل وتقف خلف اندلاع القتال.
من الطبيعي أن ننتظر من العسكر الحاكمين في السودان، أن يجدوا الطريق للانقلاب على الاتفاقية التي تتعلّق بإنجاح العملية السياسية وهم قد فعلوا ذلك أصلاً، إثر اندلاع الثورة الشعبية ضد حكم الرئيس السابق المخلوع عمر البشير .
غير أن اندلاع القتال يشير إلى أن ثمّة خلافا بين العسكر بين من يسعى للاستمرار في التمسك بالسلطة وتعطيل العملية السياسية وبين من يرغب في إنجاح العملية السياسية.
“حميدتي” يدّعي أن “البرهان” يخون الأمانة، وأنه متطرّف إسلامي أشر، وأنه المسؤول عن تعطيل المسار السياسي.
يظهر “حميدتي” من خلال تصريحاته على أنّه الحريص على العملية السياسية، والمسار الديمقراطي. لكن أحداً لا يمكنه أن يجزم بحقيقة مواقف الطرفين المتقاتلين.
وإذا كانت الثقة بفريق “البرهان” ضعيفة، فإن الثقة قد تكون معدومة بـ”حميدتي” ذلك أن قواته في الأساس، قد تشكّلت للقيام بقمع القوى المعارضة في الداخل، وأنها أشبه بميليشيا شكّلها نظام “البشير”، وفرز لها أطقما عسكرية من الجيش والشرطة الرسمية.
القتال اندلع على نحوٍ واسع، والعداء يتعمّق، ويحصد معه أرواح مئات السودانيين المدنيين والعسكريّين، والأوضاع الميدانية غامضة بسبب ادّعاءات كل طرف، إزاء ما يحقق من انتصارات على الأرض.
لا يعرف أحد كيف لهذا القتال أن يتوقّف ومتى، لكن الأكيد أن بذور الخلاف والصراع، قد تعمّقت وخلقت مساحة جديدة، لاندلاع المزيد من الأزمات التي تهدّد وحدة السودان، وأهداف الثورة؟
وما هي طبيعة التدخُّلات التي يمكن أن تقع من دول أخرى في الجوار لحماية مواطنيها وقوّاتها الموجودة في السودان لإجراء تدريبات.
السؤال هو من هي القوة الخارجية التي أشار إليها بلينكن، وفتحت عيون آخرين على وجود تدخُّل خارجي؟ الأطراف الوحيدة صاحبة المصلحة، والتي قد تكون خلف هذا الصراع المميت هي المثلّث الذي تقف فيه، وتشكّل العامل المشترك فيه وهي إسرائيل إلى جانب جنوب السودان وأثيوبيا.
قد لا تظهر الأحداث مؤشرات ملموسة، لتأكيد هذا الاتهام أو نفيه، ولكن حين نفحص طبيعة المصالح، والدوافع فإنّ هذا المثلّث سيبقى في دائرة الاتهام.
السودان على كفّ عفريت، وما لم يتدخّل العرب بشكل مباشر وظاهر وقوي ومؤثّر في مجريات ومآلات الأحداث، فإن الأمور لا تُبشّر بخير.

أقرأ أيضًا: المنطقة بأكملها على فُوّهة بُركان.. بقلم| طلال عوكل

المنطقة بأكملها على فوهة بركان

أقلام – مصدر الإخبارية

المنطقة بأكملها على فوهة بركان، بقلم الكاتب الفلسطيني طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

مُرتبك ومُربك الوضع في إسرائيل، والأراضي الفلسطينية المحتلة عموماً، بحيث يصعب التكهُّن فيما إذا كان ما يجري من تطوّرات سيؤدّي إلى تفجير الأوضاع مع جبهة أو جبهات عديدة خلال الأسابيع المقبلة.

الثابت الواضح، هو أنّ إسرائيل ستواصل تصعيد الأوضاع في الضفة الغربية و القدس ، خصوصاً في المسجد الأقصى، فيما يُواصل الفلسطينيون المقاومة والتصدّي لحملات الإرهاب الصهيونية.

على مدارِ يومين، شنّت الشرطة الإسرائيلية بحماية الجيش اقتحامات وحشية على المعتكفين في المسجد الأقصى. وبينما لم تتوقّف اقتحامات المستوطنين للمسجد خلال أيام «عيد الفصح» اليهودي، يدعو إيتمار بن غفير الشرطة والمستوطنين لاقتحامٍ واسع للمسجد الأقصى، الأربعاء القادم.

بعد عملية الأغوار، التي قُتِلت فيها مستوطنتان، ارتفعت حرارة الحكومة، التي حشدت المزيد من كتائب وفرق الشرطة و »حرس الحدود» والجيش، وكأنّ إسرائيل كلّها تقاتل على جبهة الضفة الغربية والقدس.

لم تضع إسرائيل في حُسبانها أن تتسع دائرة التهديد إلى خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك انطلاقاً من تقييمٍ خاطئ لمكانة القدس، وردّات الفعل المحتملة جرّاء استهداف المسجد الأقصى.

أربعة وثلاثون صاروخاً من نوع «جراد»، أُطلقت من جنوب لبنان على الشمال، تدّعي إسرائيل أنّ «القبّة الحديديّة» أَسقطت خمسة وعشرين منها، كانت سبباً في جولةٍ من القصف المحدود على غزّة، وجنوب لبنان.

مُؤشّرات توسُّع التهديدات لم تقف عند هذه الحدود، وإنّما شملت تكرار دخول مُسيّرات من لبنان أسقطها الجيش الإسرائيلي، ثم إطلاق ثلاثة صواريخ من الجولان سقط واحد منها في إسرائيل.

هذه المُؤشّرات، ربّما كانت مجرّد رسائل ساخنة توطئة لما هو أكثر جدّية، وشكّلت اختباراً سقط فيه الجيش الإسرائيلي على نحو فاضح.

منذ اللحظة الأولى لسقوط الصواريخ من جنوب لبنان، بادر الجيش الإسرائيلي لتبرئة «حزب الله» ولبنان، في محاولة مكشوفة للتعبير عن رغبة إسرائيلية بتجنُّب الاشتباك مع «حزب الله».

إسرائيل تعوّدت ــ على سبيل المثال ــ تحميل حركة « حماس » التي تسيطر على قطاع غزة ، المسؤولية عن سقوط أي صاروخ، تطلقه جماعات ربّما بغير رغبة الحركة، ما استدعى دائماً قصف مواقع لـ»حماس»، ولكنها لم تفعل الشيء ذاته مع لبنان و »حزب الله».

تعرف إسرائيل أنّ إطلاق أربعة وثلاثين صاروخاً من لبنان لم يكن ليتمّ من دون تنسيق أو معرفة «حزب الله»، ولكنها تجنّبت تحميله المسؤولية، وادّعت أن «حماس» هي المسؤولة رغم أنّ الحركة نفت علنياً أنها من قامت بذلك.

كان لا بدّ في هذه الحالة أن يتمّ الردّ الإسرائيلي على قطاع غزة، في جولةٍ من القصف كانت محدودة، بعلم الوسطاء، وبمُؤشّرات الوضع الميداني، مُدّعية أنّ هذا الردّ جاء على إطلاق صواريخ من غزّة، كانت قد ردّت عليها في حينه.

الردّ الإسرائيلي على ما تدّعي أنّه بسبب إطلاق صواريخ من غزة قبل بضعة أيام قبل إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، لم يكن أكثر من استعراضٍ ضعيف من قبل حكومة بنيامين نتنياهو ، ما يُشير ويؤكد أنّ الردع الإسرائيلي يتآكل، وأنّ إسرائيل تخشى من الدخول في مواجهة سواء مع غزة أو لبنان كل على انفراد، أو على نحوٍ متزامن.

المسؤولون على المستويَين السياسي والعسكري، وكذلك الأمني لم يكفُّوا خلال الأشهر المنصرمة، عن التبجُّح بأنّ الجيش قادر على خوض معركة مع جبهات عديدة في الوقت ذاته، لكن الوقائع الأخيرة، لا تعطي مصداقية لمثل هذه التصريحات التي بدت جوفاء.

البعض يعتقد أن ضعف الردّ الإسرائيلي على إطلاق الصواريخ ومُؤشّرات التحرُّش بها من لبنان والجولان وغزة، يقع في إطار حسبة سياسية يُديرها نتنياهو، لكن هذه الحسبة تصطدم بضعف جاهزية إسرائيل بسبب هشاشة الأوضاع الداخلية، وما ظهر من تداعيات الأزمة على قطاعات في الجيش والشرطة والمجتمع.

الخشية الإسرائيلية من تدهور الأوضاع إقليمياً تدفع الولايات المتحدة لاتخاذ إجراءات احترازية، في حال وجدت نفسها مُتورّطة في أحداثٍ كبرى بسبب التطرُّف الإسرائيلي، أبرز هذه الإجراءات إرسال غوّاصة «فلوريدا» القادرة على حمل مئة وخمسين صاروخاً من طراز «توما هوك» إلى البحر الأحمر، تقول المصادر الأميركية: إنها لدعم الأمن في المنطقة ولردع إيران عن شنّ هجمات ضد قواتها في الشرق الأوسط.

في الواقع، فإنّ الاستخلاص الأساسي هو أنّ إسرائيل ليست صاحبة مصلحة في تصعيد الاشتباك مع غزة، أو في المحيط، وأن تركيزها الأساسي يقع في الضفة الغربية والقدس.

مع ذلك لا يمكن أن نستبعد، أي مغامرة، من قبل حكومة على هذا المستوى من العنصرية والفاشية، بما أنها تمارس طبيعتها فهي مثل المُدمِن على المُخدّرات، الذي لا يستطيع الصيام عن تناولها لبضعة أيّام، أي أنّها حكومة مُدمِنة على الإرهاب وارتكاب المجازر من دون حساب.

لسنا الوحيدين الذين يقيّمون الوضع في إسرائيل على هذا النحو، فهذا أفيغدور ليبرمان يقول: «لم نشهد كل هذا الانهيار الداخلي من قبل، فالردّ على عملية غور الأردن نكتة مُضحِكة، ونتنياهو يواصل الضعف والانهزامية».

رئيس «المعارضة» يائير لابيد يقول: «مئة يوم قادت حكومة نتنياهو دماراً داخلياً غير مسبوقٍ، والمجتمع الإسرائيلي ينهار، إنّها أكبر أزمة وطنية في تاريخ إسرائيل».

وعلى الرغم من أنّ هذا التخبُّط تقوده الحكومة، فإنها لم تنجح في تحشيد «المعارضة» بدواعي مواجهة خطر على إسرائيل، فلقد انطلقت مسيرة بمئات الآلاف في «تل أبيب»، السبت الماضي، في سياق المعركة ضدّ ما تُسمّى «الإصلاحات القضائية» التي لم يتحوّل عنها نتنياهو وفريقه.

في كلّ الأحوال، فإنّ الحذر سيّد الموقف، لأنّ الذئب الجريح أشدّ خطراً.

العالم يتغير وإسرائيل أكثر الخاسرين

أقلام – مصدر الإخبارية

العالم يتغير وإسرائيل أكثر الخاسرين، بقلم الكاتب الفلسطيني طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

كان لا بدّ أن يصل المشروع الصهيوني إلى ما يُعبّر عنه حال منتجه الأول دولة إسرائيل.

المشروع في أساسه استعماري من طراز فريد، وها هو يرتدّ مرّة أخرى، ليصل إلى المأساة، ويُعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الشروع في تنفيذه، حيث تعود أزمة المسألة اليهودية إلى كونها صدعاً للمجتمعات التي جاءت منها هجراتهم إلى فلسطين، لكي يعودوا إلى الشتات في ظلّ أوضاع دولية مغايرة.

لا مجال للتراجع، أو ترميم أدوات المشروع الصهيوني، فلقد دخلت إسرائيل إلى النفق المظلم، وما سيأتي سيكون أكثر بشاعة بما يستدعي تفكيك هذا المبنى الاصطناعي المؤقّت، وإن كان عمره سيمتدّ إلى مئة عام.

إسرائيل تتحوّل إلى دولة منبوذة عالمياً، حتى أن أربابها الدوليين لم يعودوا قادرين على احتمال، أو احتواء هذه الأزمة طالما أنهم هم، أيضاً، مأزومون.

في اعترافٍ نادر يصرخ وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، أن الأوضاع بعد الحرب العالمية الثانية، التي تُعرف بزمن «الحرب الباردة» قد تغيّرت، وأن ثمّة تنافساً محموماً، لا يعرف ما بعده.

بموازاة الزلازل الطبيعية التي تتنقّل في أنحاء الكرة الأرضية، ثمّة زلزال من صُنع البشر، يهدّد بانهيارات تاريخية كُبرى لا تطال فقط النظام الدولي السائد، وإنّما قد تُطيح بإمبراطوريات ودول ظلّت تتعيّش على ثروات ودماء ودموع شعوب الأرض.

الولايات المتحدة وحلفاؤها، وهم أكثر من ثلاثين دولة، يُجنّدون كلّ طاقاتهم لمنع هذا التحوُّل، وقد راهنوا ولا يزالون يُراهنون على إمكانية إلحاق الهزيمة بروسيا التي تدشّن هذا التحوُّل دون أن تكون وحدها من يُقرّر نهاياته.

تثبت روسيا أنّها دولة عظمى على الرغم من اقتصادها الذي لا يُضاهي اقتصادات دول تحظى بنحو نصف الإنتاج العالمي، روسيا الدولة النووية الأكبر على سطح الأرض، ستكون هزيمتها المستحيلة أسوأ على البشرية من انتصارها، ذلك أن الشُعور بالخطر الوُجودي كما يُعبّر عن ذلك مسؤولون روس، سيدفعها لإطلاق كلّ طاقتها التدميرية فإذا كانت روسيا ستشطب من الخارطة، فإن دولاً أخرى كثيرة ستشطب هي الأخرى.

يعتقد أصحاب القرار في دول التحالف الدولي الذي يخوض الحرب ضد روسيا من خلال أوكرانيا، أن إلحاق الهزيمة بروسيا، من شأنه أن يخدم صراعها مع التنّين الصيني الذي يشكّل باعترافهم الخطر الاستراتيجي الأكبر على النظام الدولي القائم.

لذلك ومبكّراً تفعّل الولايات المتحدة وحلفاؤها نظام العقوبات ضد الصين والشركات الصينية، ولا تتوقّف عن حشد الأساطيل والجيوش والحلفاء من حول الصين في انتظار ساعة الصفر، التي لا تبدو بعيدة.

وكما الحربان العالمية الأولى والثانية، فإن هذه الحرب سيطول أمدها إلى سنوات، وستجرف في طريقها الكثير من الاقتصادات حتى التي تبدو قوية الآن، والتي أخذت تعاني من طفح توظيف كل إمكاناتها في الحرب ضد روسيا والصين.

لن تفلح الترسانة النووية الأميركية، والبريطانية والفرنسية، والترسانات العسكرية الضخمة لدى «دول الناتو» من وقف تداعيات الحرب، حيث بدأت الأزمات تنتقل إلى مجتمعاتها.

أزمة إفلاس خمسة بنوك كبرى في الولايات المتحدة، وارتفاع أسعار المواد الأوّلية فيها، بالإضافة إلى ما يُعانيه المجتمع من صراعات، يؤشّر على احتمال عودتها إلى مظاهر أزمة 2008، التي لم يتعافَ فيها الاقتصاد الأميركي بشكلٍ كامل.

العقوبات التي تعتمدها الولايات المتحدة ضدّ من تعتبرهم أعداءها هي سيف ذو حدّين، ففي ظلّ نظام العولمة، من الصعب إعادة تكييف الاقتصاديات التي اعتمدها، في ظلّ الانقسام العالمي الجاري، وظواهر الاستقطاب التي تزداد حدّة، وتغلق عليها بعض الأسواق والاستثمارات.

ما يجري في فرنسا وبريطانيا، ودول أخرى من إضرابات لفئاتٍ اجتماعية واسعة، ومهمّة في المجتمع، ستكون لها تداعيات وتكاليف اقتصادية، فضلاً عن تعميق ظواهر الانقسام السياسي والاجتماعي والثقافي بسبب التركيبة الاجتماعية لتلك الدول، التي تتميّز بوجود ملايين المهاجرين الذين يتعرّضون للتهميش والفقر.

أين منطقة الشرق الأوسط من كلّ هذه التغيّرات؟

لا تُخفي الولايات المتحدة تراجع اهتمامها ووجودها في منطقة الشرق الأوسط، لتركيز اهتمامها وفق أولويات مختلفة نحو مجابهة الخطر الروسي والصيني في الأساس.

أقصى ما تُريده الولايات المتحدة في ضوء ذلك، هو بقاء منطقة الشرق الأوسط بعيدة عن الانفجار، الأمر الذي يشكّل أحد أبرز نقاط الخلاف الخطيرة مع إسرائيل.

المنطقة تتغيّر وفيها تتغيّر قواعد اللعبة السياسية، بما يؤشّر على استراتيجيات الدول المهتمة إقليمياً ودولياً. هذا التغيّر بدأت أولى مؤشّراته، حين فشل جو بايدن، خلال زيارته للعربية السعودية والقمم التي حضرها، في أن يحصل على ما أراد الحصول عليه سواء فيما يتعلّق برفع مستوى إنتاج النفط، أو إقامة «التحالف السنّي» بإشراف الولايات المتحدة، ومشاركة إسرائيل كدولةٍ فاعلة فيه. وفشل بايدن حينذاك، وإلى الآن، في أن يوسّع دائرة «التطبيع» ليشمل العربية السعودية ودول أخرى مرشّحة سعت الولايات المتحدة لضمها إلى «قطار التطبيع».

المؤشّر الثاني حين اتخذت «أوبك بلس»، قرارها بتحديد سقف إنتاج النفط، في ظلّ احتدام أزمة الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا، الأمر الذي أزعج الإدارة الأميركية، وجعلها تعتمد على مخزونها الاستراتيجي لتلبية احتياجات حلفائها، ووقف اعتماد الدول الغربية على مصادر الطاقة الروسية.

أمّا الضربة الأكبر، فجاءت من نجاح الصين في جمع الطرفين اللدودَين (العربية السعودية وإيران)، ونجاح اللقاء في التوصّل إلى اتفاق يقدم الحوار وإعادة العلاقات وبناء الثقة المتبادلة بدلاً من لغة الخوف والتهديد واستخدام القوّة.

لقاء بكّين من شأنه أن يُقلق الولايات المتحدة، ويُضعف موقفها في التفاوض مع إيران، أو التهديد بعمل عسكري ضدّها، كما أنه يُضعف مُبرّرات إسرائيل التي تبحث عن سببٍ لارتكاب حماقة عسكرية ضدّ إيران هي بحاجتها لتخفيف وطأة الأزمة الداخلية.

التحوُّلات تتواصل، حيث أوقفت الإمارات العربية بعض الاتفاقيات مع إسرائيل، ورفضت استقبال نتنياهو، وهي تتّجه نحو الوُجهة التي ذهبت إليها العربية السعودية باتجاه إيران.

في هذه الحال لا مهربَ لإسرائيل من أن تتّجه نحو عميق عُزلتها الدولية، ذلك أن الساحة التي تعوّدت مهاجمتها وهي سورية قد بدأت تطبيع علاقاتها مع الإمارات العربية، والعربية السعودية، الأمر الذي سيجعل من أيّ مغامرة تقوم بها ضدّ إيران مباشرة أو غير مباشرة، توريطاً غير مرغوب لحلفائها «الغربيين»، خصوصاً أميركا.

أزمة إسرائيل تتفاقم بسبب افتضاح طبيعتها العنصرية، ومسؤوليتها عن التصعيد في الضفة الغربية و القدس ، ومحدودية خياراتها لتصريف أو تخفيف أزمتها الداخلية التي تهدّد باندلاع حربٍ أهلية.

أقرأ أيضًا: إسرائيل المسؤول الحَصْري عن الفشل.. بقلم طلال عوكل

إسرائيل المسؤول الحَصْري عن الفشل.. بقلم طلال عوكل

أقلام-مصدر الإخبارية

كتب المحلل والكاتب السياسي طلال عوكل حين يجري الحديث عن فشل اجتماعات “العقبة” و”شرم الشيخ”، فإن ذلك من وجهة نظري لا ينطوي على رفض أو إدانة لمشاركة السلطة الوطنية في هذه الاجتماعات، كما أنه لا ينطوي على تشكيك بمواقف الأشقاء في مصر والأردن.

لا ينبغي على الفلسطينيين أن ينشغلوا بموضوع مشاركة السلطة ولا ينبغي لذلك أن يؤجّج التناقضات الداخلية، ذلك أن السلطة صاحبة رؤية وقناعة، بشأن الحاجة للتهدئة، وبشأن وسائل المقاومة، بالإضافة إلى أنها لا تستطيع حتى إذا أرادت أن ترفض الاستجابة لمثل هذه الاجتماعات أو أن تدير ظهرها للموقفين المصري والأردني.

فضلاً عن ذلك فإن من يتخوّف من مشاركة السلطة، وقبولها بالآليات التي أقرها المجتمعون وذلك لأسبابٍ كثيرة على رأسها وأهمّها، أن إسرائيل هي المسؤولة عن التصعيد وهي لا تستطيع ضبط سلوكها أو سلوك المستوطنين وبعض وزرائها.

ما تقوم به إسرائيل في ظل الحكومة العنصرية الفاشية، لا ينتمي إلى السلوك والسياسات التكتيكية، وإنّما هو في صُلب استراتيجيتها وأهدافها، ولذلك فإن هذه السياسات هي المسؤولة عن التصعيد وهي المسؤولة حصرياً عن فشل هذه الاجتماعات.

بعد اجتماع “العقبة” صرّح إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي، بأن ما تمّ اتخاذه من قرارات في “العقبة” ظلّ في “العقبة”، وبينما لم ينته الاجتماع كانت قطعان المستوطنين ترتكب مجزرة في حوّارة.

ولاحقاً، صرّح سموتريتش وزير المالية بأنه ينبغي محو حوّارة عن الوجود، ولاحقاً سمعنا تصريحات مشابهة من بعض أعضاء الكنيست، يطالبون بمحو حوّارة، الآن.

وكتب  طلال عوكل أيضا، في اجتماع “شرم الشيخ”، تضمّنت المخرجات أبعاداً أو دعنا نقُل نكهة سياسية، لكن المخرجات السياسية، تعكس فقط مواقف الأطراف الأخرى المشاركة ما عدا إسرائيل.

في مجال التوقعات فإن المخرجات الأمنية هي جوهر تلك الاجتماعات ذلك أن أحداً لا يصدّق بأن الحكومة العنصرية الفاشية، بصدد تغيير قناعاتها التي ترفض أي مسار سياسي، كما أن الولايات المتحدة لا تعتزم استغلال نفوذها على إسرائيل لإرغامها على فتح المسار السياسي التفاوضي، نحو حلٍّ يقوم على تحقيق “رؤية الدولتين”.

بعد ساعات من اجتماع “شرم الشيخ”، صرح سموتريتش بأنه لا يوجد شعب فلسطيني، وقدم خارطة تنطوي على تهديد للحدود مع الأردن، ما استدعى ردود فعلٍ إقليمية ودولية واسعة، تدين ما ذهب إليه سموتريتش، وترى فيه انتهاكاً فظّاً للواقع، وللقانون الدولي.

يصمت بنيامين نتنياهو، وتصمت حكومته إزاء ما يقوم به الثنائي بن غفير وسموتريتش، ما يعني في حدّه الأدنى عدم قدرة نتنياهو على السيطرة على حكومته، إن لم يكن ذلك تعبيراً عن قناعاته هو الآخر.

الإدارة الأميركية تقع في دائرة حرجٍ شديد إزاء ما يصدر في إسرائيل من قرارات وما تقوم به من ممارسات، فهي الحليف الدائم والأساسي لإسرائيل، وهي التي تشرف على الاجتماعات في “العقبة” و”شرم الشيخ”، وهي التي لا ترغب في انفجار الأوضاع في هذه المنطقة الحسّاسة.

تظهر الإدارة الأميركية بأنها عاجزة عن إقناع حكومة نتنياهو، لكبح جماح التطرُّف، وضبط سلوكها العنصري المغامر الذي قد يورّط الولايات المتحدة، في معارك وصراعات، هي في غنى عنها في ضوء انشغالها وتركيزها على ما تسميه التهديد الصيني والروسي، والحرب في أوكرانيا.

وإذا كان من غير الممكن لأي متابع أن يتجاهل استمرار التصعيد الإسرائيلي الميداني، من اقتحام المدن والقرى والمخيمات والأحياء، إلى الاغتيال الميداني والاعتقالات واقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، فإن البعد التشريعي في الكنيست يؤكد الطابع العنصري للحكومة، ويشكّل عامل تصعيدٍ دائما للأوضاع.

الكنيست الإسرائيلي أصدر قراراً بالقراءات الثلاث، يلغي بعض جوانب قانون فك الارتباط لعام 2005، ويسمح بعودة المستوطنين إلى أربع بؤر استيطانية، كانت تعتبر غير شرعية.

وزاد الكاتب طلال عوكل هذا القرار أحدث ردّة فعلٍ غير مسبوقة من قبل الإدارة الأميركية، حيث صدر بيان شديد اللهجة ليس فقط لأنه يشكل انتهاكاً لالتزامات قدّمتها الحكومة الإسرائيلية قبل عشرين عاماً، وتكرّر ذلك، في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، ولكن، أيضاً، لأنه يتعارض مع الالتزام الذي وافقت عليه خلال اجتماع “شرم الشيخ” بمنع التصعيد.

ثمة مشروع قانون آخر، مقدّم للكنيست يقضي بحبس لمدة ثلاث سنوات، لكل من يتحدث عن الدين المسيحي ويدعو له.
ومع أن هذا المشروع الذي لم يقر بعد فإنه لم يحظ باهتمام دولي حتى الآن، ويفترض أنه يشكل استفزازاً قوياً لملايين المسيحيين عبر العالم، إلّا أنه يُضاف إلى سلسلة القوانين التي تؤكد على الطابع العنصري لدولة إسرائيل.

يستدعي هذا البعد العنصري من منظمة العفو الدولية، مطالبة المجتمع الدولي بالاعتراف بواقع الفصل العنصري الإسرائيلي، لكن استجابة المجتمع الدولي الرسمي، بمعنى مواقف الدول، لم تتحرك في هذا الاتجاه.

وذكر طلال عوكل أنه من الواضح أن الإدارة الأميركية التي لم تتوقف عن مطالبة نتنياهو بالتراجع عن انقلابها الديمقراطي، قد بدأت تضيق ذرعاً بسياسة الحكومة الإسرائيلية، وأنها بالإضافة إلى رفضها استقبال نتنياهو في البيت الأبيض، لم تعد قادرة على المجاملة وغض الطرف عمّا تقوم به الحكومة العنصرية الفاشية، ومن الواضح أن اللهجة الأميركية إزاء ما تقوم به إسرائيل بدأت تؤشّر إلى وجود أزمةٍ في العلاقات.

إسرائيل تواجه أزمة داخلية عميقة، حيث بدأت حُمّى التمرّد تتسلّل إلى الجيش بمختلف قطاعاته بما في ذلك طيّارو الاحتياط، وتوسّع دائرة الاحتجاجات، فضلاً عن تأثيراتها السلبية على الاقتصاد والاستثمار، ما دفع وزير الجيش يؤاف غالانت، لأن يطالب بوقف التحرك أُحادي الجانب في الإجراءات القضائية وإلّا فإنه سيستقيل من منصبه كوزير جيش.

تتفاقم الأزمة الداخلية، وتتصاعد المخاوف من اندلاع حربٍ أهلية بموازاة أزمة في علاقات إسرائيل، مع “دول التطبيع”، ومع المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة. لكن نتنياهو لا يملك حلولاً سحرية لمعالجة مثل هذه الأزمات، ويبدو أنه لم يعد قادراً على التراجع.

في ضوء ذلك، يترتّب على الفلسطينيين أن يتحلُّوا بالحكمة السياسية، بأن يمتنعوا عن القيام بأيّ مغامرات، لا من قطاع غزة ولا في أراضي العام 1948، حتى لا يجد نتنياهو المبرّرات التي يتهرّب من خلالها بمسؤولية حكومته عن التصعيد، أو أن يجدّ في ذلك فرصة لتبرير الصراعات الداخلية، وإلى أن يقتنع الجميع أنه لا مجال لوضع الجلّاد والضحيّة في سلّة واحدة.

الانفجار في المنطقة قادم لا محالة

أقلام – مصدر الإخبارية

الانفجار في المنطقة قادم لا محالة، بقلم الكاتب الفلسطيني طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

لا تخفي الإدارة الأميركية خشيتها من أن تندفع السياسة الإسرائيلية نحو ارتكاب حرب، أو مغامرة، من شأنها أن تربك السياسة الأميركية والغربية عموماً.

مرّة أخرى، تختلف الأولويات، بين الإدارة الأميركية التي تضع الصين وروسيا في مقدمة أولوياتها، وتخوض حرباً من أجل المحافظة على النظام العالمي السائد الذي تقف على رأسه وبين إسرائيل التي تضع على رأس أولوياتها، منع إيران من مواصلة برنامجها النووي، وعلى الصعيد الفلسطيني تمهيد الميدان لتحقيق أهدافها التوسعية.

الزيارات المتلاحقة للمسؤولين الأميركيين لإسرائيل، وآخرهم وزير الدفاع لويد أوستن، تحاول عبثاً حتى الآن، ضبط السلوك الإسرائيلي واحتواءه، من خلال تقديم المزيد من المكافآت.

المكافآت هذه المرة تأخذ شكل إجراء مناورات عسكرية ضخمة وذات أبعاد استراتيجية لمحاكاة عملية عسكرية ضد إيران، وكأنّ الإدارة تريد أن تقنع الحكومة الإسرائيلية بأنها لا تتجاهل مخاوفها، ولكن ليس على الطريقة الإسرائيلية ووفق توقيتاتها، وبالإضافة إلى ذلك تبذل الإدارة الأميركية جهداً حثيثاً، لإدماج دول إسلامية وإفريقية في إطار “اتفاقيات التطبيع”.

تتعرض كل من اندونيسيا، وموريتانيا، والصومال، وربما دول أخرى، من بينها العربية السعودية، والنيجر لضغوط أميركية وغربية، لإقناعها أو إرغامها على الالتحاق بركب “التطبيع”.

وإزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يبدو أن الإدارة الأميركية لا تنوي القيام بأي مبادرة سياسية لتحريك المفاوضات، وأن كل ما تعمل عليه، هو خفض التصعيد، حتى لا يؤدي إلى انفجار شامل لا ترغبه إدارة جو بايدن في هذه الظروف.

الولايات المتحدة تريد تحييد منطقة الشرق الأوسط، عن دائرة الانفجار، حتى لا تستنزف الجهد الأميركي الذي يتركز على الحرب في أوكرانيا، وتصاعد التوتر مع الصين وفي شبه الجزيرة الكورية.

وبينما تغدق الولايات المتحدة المكافآت لإسرائيل، فإنها لم تعد قادرة على تجنّب توجيه الانتقادات لما تقوم به في الضفة الغربية وإرسال رسائل احتجاج لحكومة نتنياهو.

في العادة، كانت زيارات المسؤولين الأميركيين للمنطقة تبدأ من إسرائيل، ومن هناك تتزود بما عليها القيام به مع الدول الأخرى، التي تشملها الزيارات ولكن هذه المرة، كانت زيارة إسرائيل من قبل أوستن الأخيرة في جولته لأربع دول في المنطقة بدأها من الأردن ثم العراق.

لا تتوقف المحاولات الأميركية لاحتواء السلوك المرتقب لإسرائيل ويهدد بانفجار الأوضاع على ما أشرفت عليه من ترتيبات توصل إليها “اجتماع العقبة”، وتنصّلت إسرائيل منها، وإنما يبدو أن زيارة وفد الوكالة الدولية للطاقة الذرية برئاسة مديرها رافايل غروسي إلى إيران، تشكل محاولة لنزع الذرائع الإسرائيلية.

إيران كانت قد صعّدت عملية تخصيب اليورانيوم إلى 83%، ما يعني أنها تقترب كثيراً من الوصول إلى المستوى الذي يمكّنها من إنتاج قنبلة نووية. هذا الاقتراب يشكل المبرّر لحكومة بنيامين نتنياهو ، التي لم تعد تثق في المساعي الأميركية والغربية المتوقفة، والأسلوب الدبلوماسي الذي تعتمده لمنع إيران من الوصول إلى عتبة تصنيع قنبلة نووية.

إيران أبدت تعاوناً مع فريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسمحت ب فتح الزيارات، والمراقبة، ما نجم عنه بيان مشترك يظهر نجاح الفريق، وتعاون إيران فيما يتعلق بالبرنامج النووي، من أجل تجنّب مواجهة عسكرية كما قال غروسي.

في حين رحّبت الولايات المتحدة بالنتائج التي حققها فريق الوكالة الدولية، وكذلك الأوروبيون، فإن نتنياهو أبدى انزعاجه، لأنه يدرك بأن تلك النتائج، فضلاً عن أنها تعكس رغبة غربية لتجنّب الحرب، ومواصلة اعتماد المفاوضات، فإنها تنزع الذرائع التي يمكن أن تستند إليها إسرائيل في حرب ضد إيران.

غير أن نتنياهو الذي يواجه أزمةً داخلية تزداد حدّةً واتساعاً وتأثيراً على كل المشهد الإسرائيلي الداخلي، ومؤسسات “الدولة العميقة” والمجتمع، يتحيّن الفرصة للهروب، أو تخفيف هذه الأزمة بالخروج إلى حربٍ تعيد توحيد الإسرائيليين، أو تفرض حالة من التهدئة الداخلية.

في هذا السياق، يبدو من المرجّح أن تصعّد إسرائيل هجماتها على إيران، كما فعلت كل الوقت، وأن ترفع من مستوى وخطورة استفزازاتها حتى ترغم إيران على الانجرار نحو الحرب، أو على الأقل تصعيد الصراع.

بموازاة ذلك، تواصل الحكومة الإسرائيلية، تصعيد الأوضاع في الضفة الغربية و القدس ، وربما على جبهة قطاع غزة ، متجاهلةً كل الانتقادات والضغوط النظرية، التي تصدر عن حلفائها بما قد يؤدي إلى انفجار شامل في الأراضي المحتلة.

ليس صدفةً أبداً، أن ترتكب القوات الإسرائيلية مجازرها في جنين و نابلس وأريحا وحوّارة، ثم جنين، خلال وجود مسؤولين أميركيين يسعون إلى خفض التصعيد.

مجزرة جنين الأخيرة التي سقط خلالها ستة شهداء، ونحو خمسة عشر جريحاً، وقعت خلال زيارة وزير الدفاع الأميركي أوستن للمنطقة وقبل وصوله إلى إسرائيل بثمان وأربعين ساعة فقط.

حوّارة التي تعرّضت إلى مجزرة بشعة، لم يستطع المجتمع الدولي تجنّب إدانتها، خصوصاً بعد تصريحات وزير المالية والوزير في وزارة الجيش بتسلئيل سموتريتش، التي دعا فيها إلى محوها، ظلت تحت ضغط ميليشيات المستوطنين، وكأن إسرائيل تريد التأكيد على أنها لن تتوقف عن مواصلة شنّ حربها على الفلسطينيين.

وفق هذه السياسة الإسرائيلية، فإن قادم الأيام يحمل في طيّاته إمكانية تفجير الأوضاع على نحوٍ فاشل خلال شهر رمضان، ليس لأن الفلسطينيين يسعون إلى ذلك، ولكن لأن إسرائيل تعمل على ذلك.

المُؤشّرات على قرب هذا الانفجار عملية وواضحة، والتحريض من قبل إيتمار بن غفير وسموتريتش، يتصاعد، وكأنّ إسرائيل تعتمد على الحليف الأميركي كالعادة، لحمايتها من أي قرارات دولية تدينها، ولذلك لا سبيل أمام الفلسطينيين سوى الاعتماد على أنفسهم وترتيب أوضاعهم أوّلاً لخوض صراع طويل لا مجال فيه للمراهنة على تغيير حقيقي في المواقف الدولية.

أقرأ أيضًا: لن يصمد أي اتفاق أمام العنصرية الفاشية.. بقلم/ طلال عوكل

حان الوقت للإجابة عن الأسئلة الصعبة.. بقلم: طلال عوكل

بقلم-طلال عوكل:

تتوالى التشريعات التي تصدر عن الكنيست الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية، التي تضيف مؤشّرات قانونية أخرى، لتؤكد الطابع العنصري لدولة الاحتلال، والتي تؤشر، أيضاً، إلى أبعاد السياسة الإسرائيلية التي تستهدف الوجود الفلسطيني وليس فقط الحقوق السياسية.
القانون الذي أقره الكنيست قبل بضعة أيام، ويتعلق بسحب الجنسية أو الإقامة من المقاومين، والذين يتقاضون مساعدات مادية من السلطة، ويقضي بتدمير منازلهم، يشكل واحداً من الترجمات العملية لقانون القومية العنصري، والذي يؤكد، أيضاً، الآفاق الذي تلتزم بها إسرائيل لمعالجة الصراع العربي والفلسطيني الإسرائيلي، من المهم ملاحظة أن إقرار هذا القانون يعكس توافقاً واسعاً لا يقتصر على الائتلاف الحكومي وإنما يشمل أحزاباً أخرى محسوبة على ما يسمى “الوسط” و”اليسار” المزعوم.هذا يعني أن الخلاف بين الائتلاف الحكومي والمعارضة، لا يشمل الإجراءات العنصرية، وإنما يتعلق بما تسمى الديمقراطية، والإجراءات الحكومية التي أخذت تتجاوز كل التحذيرات، سواء من قبل “المعارضة” أو الشارع أو الرئيس الإسرائيلي، حيث أقر الكنيست بالقراءة الأولى مشروع القرار الخاص بالقضاء الذي تقدمت به الحكومة.
الائتلاف الحكومي، يمضي في شرعنة الاستيطان وتوسيعه، وفي اتجاه الانقلاب على القضاء، ونحو تعميق الأبعاد العنصرية للسياسة العامة الإسرائيلية في حاضرها وآفاقها، تتم من خلال تحدّي النداءات الدولية، ونصائح الحلفاء، وأيضاً مواقف “المعارضة” التي يتسع تأثيرها في الشارع اليهودي والاستيطاني.
المجتمع الدولي بدوره، لا يتجه نحو الضغط على الحكومة الإسرائيلية للتراجع عن سياساتها وتشريعاتها، وسلوكها في الميدان، ولا حتى يتجه نحو تحقيق ما أراده بيان مجلس الأمن الدولي، الذي تهرّب من مسؤولياته تجاه وقف الاستيطان غير الشرعي، ووقف الإجراءات الأحادية التي تهدد “رؤية الدولتين”.بيان مجلس الأمن، يشكل تهرباً من المسؤولية عن تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية وأبعادها، ما يعطي فرصة للحكومة الإسرائيلية لمتابعة سياساتها التصعيدية.
الحكومة الإسرائيلية أشارت إلى أنها ستكتفي بتشريع تسع بؤر استيطانية، استجابة لبيان مجلس الأمن، ولكنها ستواصل توسيع الاستيطان بعد أن يتم تجاوز الأحداث المرتقبة خلال شهر رمضان.
الولايات المتحدة على رأس الدول الحليفة لإسرائيل، وصاحبة وراعية المشروع الاستعماري، ليست في وارد القيام بأي عمل من شأنه أن يفتح الآفاق أمام عملية سياسية تقوم على “رؤية الدولتين”.
هذا يعني أنه لم يعد واقعياً، انتظار تطورات وتدخل عوامل فاعلة، لبناء سياسة فلسطينية قائمة على المراهنة على إمكانية تحقيق هدف دحر الاحتلال عن الأراضي المحتلة العام 1967، أو على إمكانية إحياء المفاوضات السياسية، لتحقيق عملية سلام، حتى لو كانت محدودة، ودون ما أقرته الشرعية الدولية.
لا ضرورة، لصرف الوقت والجهد في توصيف الواقع الذي يتعلق بالاحتلال وسياساته وإجراءاته، ولا حتى في توصيف الحكومة التي يصفها الإسرائيليون بالعنصرية والفاشية.
الواقع الإسرائيلي أصبح معلوماً بكل تفاصيله وأبعاده ومآلاته، ما يستوجب من الفلسطينيين البحث في تداعيات هذا كله على الصراع، وما يفرضه على الفلسطينيين من مسؤوليات تاريخية.
الفلسطينيون تائهون حتى الآن، وينقسمون فوق انقسامهم، على تعريف المشروع الوطني، وتقييم طبيعة المرحلة ومنقسمون على أشكال النضال.
ثمة حاجة ماسّة لمأسسة التفكير الاستراتيجي والاستعانة بخبراء فلسطينيين وعرب وربما أصدقاء أجانب، للوقوف على الحقائق كما هي، وتقديم الخلاصات، والاقتراحات للقيادات الفلسطينية، التي عليها أن تحول كل ذلك، لميدان ممارسة السياسة.
لا يمكن لأي خبراء، أو حكماء، أن يقدموا استنتاجات صحيحة واقعية وعلمية، إذا كانوا مرتبطين بالمستويات التنفيذية، أو مستويات صنع القرار، ما يستدعي استقلالية مثل هذه المؤسسة.
إن كل ما يجري في المنتديات والمؤتمرات، وورشات العمل، والدراسات التي لا تتجاوز في قيمتها الثرثرات، التي لا تجد من يستقبلها أو يهتم بها من القيادات السياسية، التي دأبت على الثقة، بالخبرات الحزبية، والمستشارين الملحقين بتلك القيادات والفصائل.
من جديد، يصفع الواقع، كل من يحتل موقعاً قيادياً، في مستويات اتخاذ القرار العام، أو الفصائلي، خصوصاً حين يتعلق بالانقسام، والمصالحة واستعادة الوحدة، ولا تنفع كل التصريحات التي تعبر عن مخاطر هذا الانقسام، وتدّعي حرصها على إنهائه.
لقد حان الوقت، بل لقد صرف الفلسطينيون الكثير من الوقت العبثي تحت طائلة انقسام يعترف الكل أنه يخدم السياسة الإسرائيلية، ولا يقدم للفلسطينيين أي فائدة.
ثمة جدوى من النضال على المستوى الدولي، والقاري والإقليمي والعربي، أيضاً، فلقد طردت القمة الإفريقية الوفد الإسرائيلي ومنعته من حضور القمة، بالرغم من سعي البعض لمنح إسرائيل صفة مراقب.
الفلسطينيون بحاجة ماسّة وعاجلة للإجابة عن بعض الأسئلة الحيوية والأساسية.
هل لا تزال هناك فرصة لتحقيق عملية سلام بأفقٍ سياسي، تنتج عنه دولة على الأراضي المحتلة العام 1967؟
هل من العقلانية الاستمرار في المراهنة على المشروع الوطني، الذي انبنت عليه الاستراتيجية الفلسطينية خلال مرحلة “أوسلو”؟
هل بقي شيء من “أوسلو”، يستحق التمسك به وأخذه بعين الاعتبار بعد أن أقفلت إسرائيل صفحته بكتلٍ ضخمة من الإسمنت والحديد؟
هل ثمة إمكانية لتراجع إسرائيل، إلى ما قبل تشكيل الائتلاف الحكومي العنصري الفاشي؟
كيف يمكن وقف شلّال الدماء الذي ينزف بكثافة، وآخره المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل في نابلس، أمس، بعد عديد المجازر، وعمليات الإعدام الميداني، وهدم البيوت وتهجير أصحابها؟
كيف يمكن تصحيح الأوضاع العربية التي تشهد على مزيد من “اتفاقيات التطبيع” رغم افتضاح طبيعة الحكومة الإسرائيلية وأهدافها، بينما يتذرّع هؤلاء بالانقسام الفلسطيني؟
أسئلة كثيرة تفرض نفسها على المستويات السياسية الفلسطينية الرسمية والفصائلية، دون تأخير أو إضاعة المزيد من الوقت.

متى يصبح المسؤول مسؤولاً؟

أقلام – مصدر الإخبارية

متى يصبح المسؤول مسؤولاً؟ بقلم الكاتب الفلسطيني طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

مُرهقة، وتدعو إلى الإحباط، تصريحات الناطقين الرسميين وغير الرسميين للفصائل والسلطات الفلسطينية، بسبب التناقض الشديد بين الأقوال والأفعال.
لا حاجة للدراسات، والحوارات، والمبادرات النظرية للوقوف على طبيعة الأوضاع الفلسطينية أو لتشخيص الواقع، وطرح الحلول العامة.
يشكو د. إبراهيم أبراش من ضعف دور المثقفين الفلسطينيين وتراجعه في معالجة، والتركيز على القضايا الأساسية، وانخراطهم في تناول قضايا وهموم ثانوية، مرتبطة بالجغرافيا.

حقيقة هي شكوى د. أبراش، لكن السؤال هو كيف للمثقفين، أن يرتقوا بإسهاماتهم في الحياة السياسية والاجتماعية، والوطنية العامة، بينما هم كسائر الناس يُلاحقون لقمة العيش، التي تتحكّم فيها بنية سلطوية، لا تراهم جيدين إلّا حين يحملون الطبول والتسحيج، لمن يمسك بمفاتيح الخزنة وقوة البطش؟.

الحقيقة لا ترضي الجميع، وطالما يستشري الخلاف والانقسام والصراع بين المتحكّمين في الخزنة، وقوة البطش، فإن المثقف الوطني الملتزم سيكون بين المطرقة والسندان، مرة يرضى عنه هذا أو يغضب ذاك ومرّة بالعكس.
الثقافة والإبداع، ليس لهما أب أو أم، ومكانهما في ذيل قائمة الاهتمامات بالنسبة للطبقات السياسية العليا.

حين أدانت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، إقدام وزارة الداخلية في غزة ، على منع فعاليات لمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، من قبل مكتب المفوّض السّامي بسبب الحاجة لتصريح مسبق، اشتعلت منصّات التواصل الاجتماعي، بتغريدات شائنة، واتهامات صعبة لا تليق لا بلغة الحوار وآدابه، ولا بمؤسسة وطنية فلسطينية مستقلة حازت على تصنيف (أ) من قبل المؤسسات الدولية المعنية.
والحال ذاته، أيضاً، حين تستنكر الهيئة، حملة الاعتقالات الواسعة التي أقدمت عليها السلطة في الضفة بحق العشرات من نشطاء وكوادر محسوبين على حركة حماس.

متى يصبح المسؤول مسؤولاً؟
في الأساس فإن دور الهيئة المستقلة وعملها، يستدعي التنويه بما يلزم للانتهاكات التي تقع من قبل سلطات إنفاذ القانون، استناداً إلى القوانين الفلسطينية والمواثيق الدولية التي وقّعت عليها دولة فلسطين، ولا مكان للموقف والرأي الخاص والسياسي للقائمين على الهيئة سواء مجلس مفوضين أو طاقم تنفيذي.

القوانين الفلسطينية لا تشترط الحصول على ترخيص أو إذن مسبق لإقامة أي نشاط سياسي أو فنّي، أو اجتماعي داخل الأماكن المغلقة، وحتى أن تلك القوانين تطلب فقط إشعار السلطات المعنية، حين يكون هناك نشاط في الأماكن العامة يتجاوز المشاركون فيه خمسين إنساناً.
والقوانين الفلسطينية تحظر التعدّي على الحرّيات العامة والشخصية، السياسية وغير السياسية، وتتيح المجال للتعبير عن المواقف السياسية وغير السياسية بحرية تامة وفي حدود الأدب والمصلحة العامة.

الحياة السياسية الفلسطينية، وتداعيات الصراع المرير مع الاحتلال، أعطت الشرعية الكاملة لوجود الفصائل، وهي التي تهيمن على الحياة العامة وتقود الصراع، والمواجهة مع الاحتلال، وتحمل أهداف الشعب الفلسطيني، لذلك لا يمكن أن يكون الانتماء لهذه الفصائل عملاً خارجاً عن القانون يستحق الملاحقة والعقاب.

في تصريحات المسؤولين والناطقين بأسماء الفصائل، يتشدّق الكلّ بأن الإنسان الفلسطيني هو رأس المال الأساسي والحقيقي والثمين الذي تحرص عليه وعلى حقوقه السلطات والفصائل، ولكن الواقع يُشير إلى أن السلطة والامتيازات تتقدم على الإنسان، الذي لا ثمن له حين يُعارض أو ينتقد تلك السلطات.

الكلّ يتحدّث عن خطورة الأوضاع، إثر صعود “اليمين” الديني العنصري الفاشي، على رأس السياسة الإسرائيلية، وبأن قرار الكنيست بمنح إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش صلاحيات واسطة بمثابة إعلان حرب على الشعب الفلسطيني.

متى يصبح المسؤول مسؤولاً؟

حين يستكمل الحديث بعد هذا التشخيص الدقيق تقع المفارقة حيث يستوجب ذلك من الجميع مغادرة مربّع الخلافات الوهمية وإنهاء الانقسام والتوحُّد وجمع كل أوراق القوة الفلسطينية للدفاع عن الشعب والمقدّسات المسيحية والإسلامية.
هذا تصريح علني لناطق رسمي فلسطيني، لكنه، أيضاً، يُعبّر عن موقفٍ عام فلسطيني للمواطن كما للمسؤول، لا يختلف عليه اثنان، ولكن السؤال: لمن يتوجّه بهذه الرؤية؟
الخلاف ليس وهمياً بالتأكيد، إن لم يكن بدلالة الوقائع التي جرت وتجري على الأراضي منذ خمسة عشر عاماً، فعلى الأقلّ بملاحظة حالة الصراع بين القوى والسلطات، من حيث كبت الحرّيات والاعتداء على المناضلين، أو الخروقات التي تقع للقوانين، وقمع حركة المجتمع، والسيطرة على “العمل الأهلي”، ووضع الكثير من العقبات أمامه.

قد لا يعلم المسؤولون، والأرجح أنهم يعلمون تماماً، الهجمة الشرسة التي تشنها إسرائيل، وأدواتها، وحلفاؤها، على “منظمات المجتمع المدني” الفلسطيني، وبالخصوص “منظمات حقوق الإنسان”، التي تتعرض للحصار ومحاولات وقف التمويل، فهل كانت الإجراءات السلطوية الفلسطينية، مسهّلة لعمل تلك المؤسسات أم أنها بإجراءاتها التقييدية تزيد الطين بلّة؟

متى يصبح المسؤول مسؤولاً؟

من الذي يمنع إنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة إن كانت الدعوة لمغادرة هذا المربّع تصدر كل الوقت عن الأطراف المنخرطة والمسؤولة عن وقوف واستمرار الانقسام؟

في الواقع فإن ما يصيب الأوضاع والنظام السياسي وغير السياسي الفلسطيني، يثير الغضب والاشمئزاز من حيث عمق الأزمة وخطورة التداعيات، التي تصيب الهياكل العامة من المنظمة، والسلطات إلى الأداء السيئ، الذي لا يليق بقضية عادلة وشعب يتغنّى الجميع، بثباته، وحيويته، وقيمه، وكفاحه التحرّري.

ما الذي يستطيع أن يفعله المثقفون، ولم يفعلوه إزاء استشراء الفساد، والمحسوبية، واستغلال المناصب والمال العام؟ وما الذي يستطيع أن يفعله المثقفون ولم يفعلوه إزاء أزمة منظمة التحرير الفلسطينية التي تعاني الانقسام وضعف وهامشية الدور والمكانة، وغياب الشراكات الوطنية الجامعة.

قد تعاني المنظمة إشكالية، وتراجع دورها لصالح دور السلطة، لكن أين دورها على المستوى الخارجي، وسط مخيّمات اللجوء والهجرة، وإزاء دور سبعة ملايين فلسطيني هم خارج أرض فلسطين التاريخية؟
إسرائيل في أوج صعودها نحو العنصرية والفاشية، ونحو تجريف ما تبقّى من الحقوق والوجود الفلسطيني، والسؤال: ألم يحن الوقت لكي يستجمع الفلسطينيون صفوفهم وأوراق قوّتهم، كما قال أحد الناطقين الرسميين لأحد الفصائل الفلسطينية؟

أقرأ أيضًا: إلى أين تقود حكومة نتنياهو الجديدة إسرائيل؟!.. بقلم طلال عوكل

Exit mobile version