لقاء كوهين المنقوش.. ماذا الذي تبحث عنه إسرائيل في ليبيا؟

أقلام – مصدر الإخبارية

لقاء كوهين المنقوش.. ماذا الذي تبحث عنه إسرائيل في ليبيا؟، بقلم المختص في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

أثارت الكشوفات التي قدمها وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، حول اللقاء الذي جرى في روما الأسبوع الماضي بينه وبين وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش، وبمشاركة وزير الخارجية الإيطالي، إنطونيو تاجاني، ردود فعل غاضبة من قبل الجمهور في ليبيا. هذا الغضب دفع رئيس الحكومة الليبية، عبد الحميد الدبيبة، إلى اتخاذ قرار بإقالة المنقوش من منصبها.

وفي المقابل، فقد وجهت المعارضة ووسائل الإعلام الإسرائيلية انتقادات شديدة لكوهين الذي سارع إلى الكشف عن اللقاء بدون التنسيق مع الليبيين من أجل التدليل على تحقيق حكومته إنجازات على الصعيد الخارجي.

وقد بررت المحافل الرسمية الإسرائيلية ذلك بأن اللقاء الثلاثي تم بتنسيق مسبق مع “الدوائر السياسية العليا” في طرابلس وأنه لم يكن ناتجًا عن مبادرة شخصية من المنقوش. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة “هآرتس” في عددها الصادر اليوم، الثلاثاء، عن تلك المحافل قولها إن اللقاء بين كوهين والمنقوش كان من المفترض أن يكون مجرد حلقة في مسار يهدف، مستقبلاً، إلى التطبيع الكامل بين الطرفين.

ورغم الردة الغاضبة التي اندلعت في ليبيا عقب الإعلان عن اللقاء بين المنقوش وكوهين، تبين وجود إرث من العلاقات السرية التي كانت تربط إسرائيل بالحكومة التي تدير منطقة شرق ليبيا، والتابعة لخليفة حفتر، وبمستوى أقل مع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

كشفت صحيفة “هآرتس” في نوفمبر 2021 أن صدام، نجل حفتر، زار إسرائيل بهدف طلب المساعدة العسكرية للقوات التي يقودها والده

تاريخ العلاقات الليبية الإسرائيلية
بعد إسقاط نظام حكم القذافي، سعت إسرائيل إلى الاتصال بالحكومتين اللتين تتنافسان على تمثيل الليبيين، في بنغازي، وحكومة طرابلس التي تحظى بالدعم الدولي.

وقد عملت إسرائيل على إدارة الاتصالات مع فرقاء الساحة الليبية عبر 3 قنوات رئيسة، وهي:

القناة التي دشنها رفائيل لوزون رئيس “اتحاد يهود ليبيا”.
القناة التي دشنها مجلس الأمن القومي في ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء ترؤسه الحكومة السابقة.
القناة التي أدارها جهاز الموساد.
وحسب ما نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، فقد نظم لوزون في يونيو/حزيران 2017 لقاءً، في جزيرة رودس اليونانية، بين وفدين من إسرائيل وليبيا. وضم الوفد الإسرائيلي:

غيلا غملئيل، التي كانت تشغل منصب وزيرة المساواة الاجتماعية وتشغل حاليًا منصب وزيرة الاستخبارات، وزير الاتصالات أيوب قر، نائب رئيس الكنيست يحئيل بار، يوف توف ساميا الذي كان قائدًا للمنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال. وغملئيل وساميا ولدا لعائلتين هاجرتا من ليبيا.

ورأس الوفد الليبي وزير الإعلام والثقافة في حكومة الشرق الليبي عمر القويري.

وحسب ما نقلته “يديعوت أحرونوت”، فقد تحدث أحد أعضاء وفد حكومة الشرق الليبي خلال اللقاء عن “حق اليهود الليبيين بالعودة إلى ليبيا والحصول على تعويضات عن الممتلكات التي خسروها”. وكما ذكر موقع “تايمز أوف إسرائيل” (TIMES OF ISRAEL)، فقد بارك رئيس “حكومة الإنقاذ” في طرابلس في ذلك الوقت خليفة الغويل اللقاء في رسالة بعث بها إلى المجتمعين.

أما على صعيد قناة الاتصال التي أدارها “مجلس الأمن القومي” الإسرائيلي، فقد أشرف عليها رونين ليفي، الضابط السابق في جهاز المخابرات الداخلية “الشاباك”، والذي يشغل حاليًا منصب وكيل الخارجية. وحسب الصحيفة، فقد لعب سفير إسرائيل الحالي في ألمانيا رون فراوشر، الذي كان وكيلا للخارجية السابق أيضًا، دورًا مهمًا في بناء شبكة علاقات سرية مع الأطراف الليبية.

وقد كان من الواضح أنه حتى تشكيل حكومة وحدة الوطنية بزعامة عبد الحميد الدبيبة، تركزت الجهود الإسرائيلية على الاتصال برجل الشرق الليبي القوي خليفة حفتر. فقد كشفت صحيفة “هآرتس” في نوفمبر/تشرين الأول 2021 أن صدام (نجل حفتر) زار إسرائيل بهدف طلب المساعدة العسكرية للقوات التي يقودها والده. وأشار تقرير لصحيفة “معاريف” الإسرائيلية إلى أن حفتر يرتبط بعلاقة وثيقة بجهاز الموساد، المسؤول عن إدارة العمليات الاستخبارية الإسرائيلية في الخارج.

وتدل تسريبات الصحافة الإسرائيلية -بعد الكشف عن لقاء كوهين المنقوش- أن إسرائيل عبر جهاز الموساد أجرت اتصالات مباشرة مع أطراف في حكومة عبد الحميد الدبيبة، وهو ما مهد الطريق للقاء الأخير بين كوهين والمنقوش.

ومما يدلل على الاتصالات، بين الموساد وحكومة الدبيبة، حقيقة أن قناة التلفزة “كان” التابعة لسلطة البث الإسرائيلية كشفت مساء الأحد الماضي أن قيادة “الموساد” غاضبة جدا من كشف كوهين خبر لقائه بالمنقوش، على اعتبار أن هذا الكشف يمكن أن يؤثر على مستقبل العلاقات بين الجهاز وحكومة طرابلس.

ولكن إسرائيل التي تبدي حاليا حرصا على فتح قنوات اتصال مع الأطراف الليبية، عملت في الماضي عسكريا واستخباريا بشكل سري داخل ليبيا. فحسب ما ذكرته “هآرتس” في عددها الصادر اليوم الثلاثاء، فقد نفذ جهاز الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” ووحدة الكوماندوز البحري، المعروفة بـ “القوة 13” في ثمانينيات القرن الماضي عمليات سرية في عمق الأراضي الليبية لجمع المعلومات الاستخبارية، عبر زرع أجهزة تنصت، ونفذت مهام تهدف إلى إحباط عمليات كان تخطط لها جماعات فلسطينية وجدت على الأراضي الليبية وحظت بدعم النظام السابق.

المصالح الإسرائيلية في ليبيا
تهدف إسرائيل إلى تحقيق جملة من الأهداف الإستراتيجية والأمنية من خلال فتح قنوات الاتصال مع الفرقاء في الساحة الليبية. وإن أكثر ما أثار القلق في الدوائر الأمنية والعسكرية الإسرائيلية هو حقيقة أن ليبيا تحولت بعد سقوط نظام القذافي إلى مصدر رئيسي لتزويد حركات المقاومة في قطاع غزة بالسلاح، حيث كان يتم تهريب السلاح من ليبيا إلى مصر ومن ثم إلى قطاع غزة عبر سيناء. وحسب “هآرتس”، فقد طلبت إسرائيل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي العمل على وقف تهريب السلاح الليبي إلى قطاع غزة.

في الوقت ذاته، تحاول إسرائيل توظيف علاقاتها بليبيا من أجل التخلص من اتفاق ترسيم الحدود المائية التي توصلت إليه حكومة “الوفاق الوطني” برئاسة فايز السراج مع تركيا. ويرجع ذلك إلى أن هذا الاتفاق منح تركيا مساحة من المياه كان من المقرر أن يمر عبرها أنبوب الغاز الذي كان سينقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا.

وقد خلص عيران ليرمان، الذي شغل في السابق منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي ويشغل حالياً منصب نائب رئيس “معهد يروشليم للإستراتيجية والأمن” -في دراسة أعدها قبل عام ونصف العام- إلى استنتاج مفاده أنه يتوجب على إسرائيل توظيف علاقاتها مع الأطراف الليبية من أجل الدفع نحو التخلص من اتفاق تقسيم المياه الاقتصادية مع تركيا، لأن هذا الاتفاق يجعل تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا تحت رحمة أنقرة.

وحسب ليرمان، فإن إسرائيل مطالبة أيضاً بتوظيف اتصالاتها مع الأطراف الليبية لمحاولة منع إيران من الحصول على موطئ قدم في ليبيا بشكل يمكن أن يهدد مصالح تل أبيب. ووفقًا لليرمان، فإن كلا من حفتر والدبيبة معنيان بعلاقات مع إسرائيل انطلاقاً من افتراض مفاده أن الطريق إلى واشنطن يمر بتل أبيب.

ولكن من الواضح أنه، على الرغم من سيل التسريبات حول الاتصالات السرية بين إسرائيل والفرقاء في الساحة الليبية، ليس بوسع تل أبيب تراكم الإنجازات على هذا الصعيد دون مساعدة من أطراف دولية وإقليمية أخرى، وذلك على اعتبار أن محدودية الموارد التي تحوزها إسرائيل تقلل من قدرتها على التأثير استراتيجيًا في الساحة الليبية. فإسرائيل تعتمد بشكل أساسي على النفوذ الأميركي والأوروبي، وبشكل خاص الإيطالي، بالإضافة إلى ثقل أطراف عربية.

أقرأ أيضًا: هل تنهار إسرائيل من الداخل؟ بقلم صالح النعامي

ردود إسرائيل المتوقعة على عمليات المقاومة في الضفة

أقلام – مصدر الإخبارية

ردود إسرائيل المتوقعة على عمليات المقاومة في الضفة، بقلم المختص في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

في توجه واضح للتصعيد، أعلن ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي أن المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن (أهم دائرة صنع قرار في تل أبيب) قرر في اجتماعه أمس الثلاثاء استهداف منفذي عمليات المقاومة في الضفة.

بيان الديوان ألمح إلى أن الرد على عمليات المقاومة لن يقتصر على حدود الضفة، بل سيطول أطرافا في الخارج تدّعي تل أبيب أنها مسؤولة عن التحريض على تنفيذ هذه العمليات وتوجيهها.

وعلى الرغم من أن نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت اتهما أمس إيران والجماعات المتحالفة معها بالمسؤولية عن لعب دور في توفير بيئة تسمح بتنفيذ هذه العمليات، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية أشارت بشكل واضح إلى أن تل أبيب تحمّل قيادتي حركة حماس في غزة والخارج تحديدا المسؤولية عن توجيه هذه العمليات.

نائب رئيس جهاز الموساد السابق رام بن براك: عندما نحول حياة 3 ملايين مواطن فلسطيني إلى جحيم ونحاصرهم بالحواجز العسكرية، هل نعتقد أنهم سيسلمون بذلك؟! علينا أن نتخلى عن الحلم بأنه يمكننا أن نسيطر على الأرض الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن

ومما يعزز التوجه لتحميل حماس المسؤولية عن هذه الموجة حقيقة أن الحركة سارعت لإعلان مسؤوليتها عن نفي عملية إطلاق النار في الخليل أمس الأول، فضلا عن أن القيادات الأمنية الإسرائيلية لم تنفك منذ عدة أشهر عن التسريب لوسائل الإعلام في تل أبيب أنها تحمّل بشكل خاص نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري المسؤولية المباشرة عن إصدار التعليمات لتنفيذ هذه العمليات.

ومما يحفز حكومة نتنياهو على الرد على عمليات المقاومة حقيقة أن الأحزاب والقوى المشاركة في هذه الحكومة باتت تشعر بحرج شديد أمام الرأي العام الإسرائيلي لأن عدد القتلى في صفوف المستوطنين اليهود وجنود الاحتلال منذ تولي هذه الحكومة مقاليد الأمور بات الأعلى منذ انتهاء الانتفاضة الثانية في 2005، حيث قتل 35 مستوطنا وجنديا منذ بداية العام الجاري؛ في حين كان عدد الذين قتلوا خلال العام الماضي 32 مستوطنا وجنديا.

فممثلو المعارضة والنخبة الإعلامية في تل أبيب يسخرون من حقيقة أن الأوضاع الأمنية تتدهور بشكل غير مسبوق، وتحديدا في عهد الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل.

إلى جانب ذلك، فإن عددا من التحولات طرأت على سمات عمليات المقاومة أثارت قلق عميق في أوساط النخبة السياسية الحاكمة والمؤسستين العسكرية والاستخبارية في تل أبيب.

فعمليات المقاومة المتواصلة في الضفة الغربية ليست مجرد موجة محدودة، كما كانت عليها الأمور عامي 2015 و2017، بل حالة نضالية متصلة لا يوجد ما يدلل على أنها مرشحة للخفوت.

في الوقت ذاته، باتت عمليات المقاومة أكثر جرأة؛ حيث إن منفذي عمليات إطلاق النار من المقاومين لا يترددون في استهداف مستوطني الاحتلال وجنوده من مسافة صفر بالقرب من الحواجز العسكرية وفي تخوم المستوطنات المحصنة. كما أن بعض منفذي العمليات يمتازون بقدر كبير من المهنية القتالية، حيث يتم إطلاق النار على الأهداف وإصابتها من سيارات مسرعة.

إلى جانب ذلك، فإن عمليات المقاومة باتت تنفذ في جميع أرجاء الضفة الغربية بعد أن كانت محصورة في شمالها، وتحديدا في منطقتي نابلس وجنين. وهذا يزيد حجم الأعباء على جيش الاحتلال، حيث لم يعد قادرا على تأمين الطرق التي يسلكها المستوطنون، حتى بعد أن دفع بـ22 كتيبة من قوات المشاة إلى الضفة الغربية، واستعانته بأكثر وسائل جمع المعلومات الاستخبارية تقدما.

ومما فاقم الأمور تعقيدا بالنسبة للاحتلال نجاح المقاومة في تشكيل خلايا تنظيمية محلية، من دون أن يتمكن جيش الاحتلال من تفكيكها قبل شروعها في تنفيذ عمليات.

كما يتبين بشكل لا يقبل التأويل أن الإستراتيجية التي يعكف عليها جيش الاحتلال حاليا في مواجهة عمليات المقاومة في الضفة قد فشلت في احتوائها؛ فهذه العمليات تتواصل رغم محاصرة جيش الاحتلال التجمعات السكانية الفلسطينية ومداهمتها واعتقال المئات من الشباب الفلسطيني لمجرد الاشتباه في الانتماء إلى هذا التنظيم المقاوم أو ذاك، فضلا عن اغتيال عدد كبير من المقاومين، لا سيما في مناطق: جنين ونابلس وأريحا.

وإزاء هذا الواقع، فإنه يرجح أن تكون القرارات التي صدرت عن المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن والمتعلقة بآليات الرد على عمليات المقاومة ترجمة لإستراتيجية جديدة ستعكف عليها إسرائيل في القريب العاجل بهدف تقليص هذه العمليات وتقليل كلفتها.

ويرجح أن تشمل إستراتيجية إسرائيل الجديدة لمواجهة عمليات المقاومة في الضفة الخطوات التالية:

أولا: تكثيف العمليات العسكرية في أرجاء الضفة الغربية
وضمن ذلك التوسع في تنفيذ عمليات الاغتيال وتدمير منازل منفذي العمليات. فحسب ما كشفته قناة “13” الإسرائيلية، فقد أوضح ممثلو المؤسسة الأمنية لأعضاء المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن أهمية الاغتيالات كأحد الأدوات في مواجهة عمليات المقاومة. وستحاول إسرائيل تصميم عملياتها العسكرية في الضفة بحيث لا تسفر عن انهيار السلطة الفلسطينية، حيث إنه سبق لبنيامين نتنياهو وقادة الأجهزة الأمنية في تل أبيب أن أكدوا أن بقاء السلطة الفلسطينية يخدم المصالح الإسرائيلية.

لكن أكثر المتفائلين في إسرائيل لا يمكنه أن يتوقع أن يسفر هذا التكتيك عن نتائج كبيرة. فإذا كانت العملية الواسعة التي نفذها جيش الاحتلال قبل شهرين في مدينة جنين ومخيمها والتي شارك فيها 1000 جندي بمشاركة سلاح الجو واستمرت 3 أيام قد أخفقت في تقليص الفعل المقاوم هناك، فكيف ستكون عليه الأمور عندما يتعلق الأمر بشن عمليات عسكرية في جميع أرجاء الضفة الغربية. وقد سارع عدد من كبار المعلقين العسكريين في إسرائيل -ومن بينهم ألون بن دافيد، المعلق العسكري لقناة “13”، وطال لفرام المعلق العسكري لصحيفة “معاريف”- إلى تحذير دوائر صنع القرار في تل أبيب من الرهان على مخرجات العمليات العسكرية في الضفة الغربية.

ثانيا: احتمالية شن هجوم عسكري علي حماس
رغم اتهام إسرائيل حركة حماس في قطاع غزة بالوقوف خلف توجيه عمليات المقاومة، فإنه من المستبعد أن تشن إسرائيل عملا عسكريا شاملا على حركة حماس في القطاع لأن هذا التصعيد سيفضي إلى مواجهة شاملة قد تمتد فترة طويلة، وستهدد العمق المدني الإسرائيلي في ظل استشراء الانقسام السياسي الداخلي والتشظي المجتمعي نتيجة رفض قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي خطة التعديلات القضائية. لذا يرجح أن تعمد إسرائيل إلى تنفيذ عمليات اغتيال صامتة ضد بعض قيادات الذراع العسكرية لحماس في غزة التي تتهمها بالمسؤولية عن توجيه عمليات المقاومة في الضفة، دون ترك آثار تدل بشكل قاطع على مسؤولية تل أبيب عن هذه العمليات. فقد سبق لمخابرات الاحتلال أن أوعزت لـ3 من عملائها الفلسطينيين باغتيال القيادي في حماس مازن فقها في 24 مارس/آذار 2017 في غزة بعد أن اتهمته بتوجيه عمليات المقاومة في الضفة.

ثالثا: اغتيالات صامتة
يرجح على نطاق واسع أن تحاول إسرائيل تنفيذ اغتيالات صامتة أيضا ضد بعض قيادات حماس في الخارج الذين تدعي أنهم يسهمون في توجيه وتمويل الفعل المقاوم في الضفة.

لكن بغض النظر عن الخطوات العسكرية التي ستنفذها إسرائيل في سعيها لإخماد عمليات المقاومة في الضفة، فإنه محكوم على هذا التوجه بالفشل الذريع لأنه يتجاهل الأسباب التي تدفع الشباب الفلسطيني لتنفيذ العمليات، وعلى رأسها تواصل الاحتلال وسعي حكومة نتنياهو الحثيث لحسم مصير الأرض الفلسطينية بالاستيطان والتهويد وتمكينها المستوطنين من مواصلة تنفيذ جرائمهم الإرهابية ضد القرويين الفلسطينيين في جميع أرجاء الضفة. فحالة المقاومة المتأججة في الضفة الغربية لا يحركها قرار يصدر عن هذا التنظيم الفلسطيني أو ذلك، بل رفض الشباب الفلسطيني التطبع مع العيش في ظل الاحتلال.

وعبر عن هذا الواقع بشكل دقيق نائب رئيس جهاز الموساد السابق رام بن براك، وهو عضو كنيست عن حزب “ييش عتيد” الإسرائيلي المعارض، حيث قال في مقابلة مع الإذاعة العبرية الرسمية الأحد الماضي “عندما نحول حياة 3 ملايين مواطن فلسطيني إلى جحيم ونحاصرهم بالحواجز العسكرية، هل نعتقد أنهم سيسلمون بذلك؟! علينا أن نتخلى عن الحلم بأنه يمكننا أن نسيطر على الأرض الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن”.

أقرأ أيضًا: هل تنهار إسرائيل من الداخل؟ بقلم صالح النعامي

ما وراء الحماس الإسرائيلي لبقاء السلطة الفلسطينية؟

أقلام – مصدر الإخبارية

ما وراء الحماس الإسرائيلي لبقاء السلطة الفلسطينية؟، بقلم الكاتب الفلسطيني صالح النعامي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

للوهلة الأولى، بدا من المستهجن أن يتمثل الاستخلاص الأبرز الذي خلصت إليه القيادتان العسكرية والسياسية في إسرائيل، بعد أقل من أسبوع على انتهاء العملية العسكرية الواسعة في جنين، في وجوب تعزيز حضور السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ومنعها من الانهيار عبر سلسلة من التسهيلات الاقتصادية.

وقد كان من المفارقة أن هيئة أركان جيش الاحتلال تحديدا، وهي التي قادت الحرب الإجرامية على جنين، تمارس ضغوطا كبيرة على حكومة بنيامين نتنياهو لعقد اجتماع خاص لهيئتها الأمنية المصغرة من أجل بحث خطة متكاملة لمساعدة السلطة.

لكن إذا تمعنا في المسوغات التي طرحتها القيادات العسكرية والأمنية الإسرائيلية لتفسير حماسها الشديد للحفاظ على السلطة الفلسطينية، فلن يكون هناك مجال للاستهجان والاستغراب.

بموازاة الحماس الإسرائيلي الرسمي لبقاء السلطة الفلسطينية، هناك أزمة ثقة عميقة بين الجمهور الفلسطيني والسلطة الفلسطينية بسبب طابع الوظيفة الأمنية التي تؤديها لصالح إسرائيل، في حين لا تحرك ساكنا لوقف عدوان جيش الاحتلال وتغول المستوطنين اليهود على البلدات والقرى الفلسطينية الواقعة في تخوم المستوطنات في أرجاء الضفة الغربية

ففي مقابلة أجرتها قناة “كان” التابعة لسلطة البث الرسمية مساء السبت الماضي، قال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي إن انهيار السلطة الفلسطينية لا يخدم المصالح الإستراتيجية الإسرائيلية “بسبب الدور الأمني المهم الذي تلعبه”. وكان هنغبي أكثر وضوحا عندما قال: “حسب الاتفاقات الموقعة بيننا وبينهم، فإن الدور الرئيس المكلفين به هو مكافحة الإرهاب”، يقصد المقاومة الفلسطينية، مؤكدا أن السلطة أثبتت في الماضي أن لديها إرادة في مواجهة عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية.

وقد كان لافتا بشكل خاص أن هنغبي قد ربط بين مستوى قوة وحضور السلطة في مدن الضفة الغربية وبين تباين مستوى الجهد الحربي الذي ينفذه جيش الاحتلال فيها، إذ أشار إلى أن إسرائيل اضطرت للعمل عسكريا في مدينتي جنين ونابلس بكثافة خلال العام الماضي تحديدا بعد أن تهاوت مكانة السلطة فيهما بشكل نهائي، في حين أن حفاظ السلطة على نفوذها في مدن الضفة الأخرى قلص من حاجة جيش الاحتلال للعمل فيها.

ليس هذا فحسب، بل أن هنغبي أقر بأن الاجتماعين الأمنيين اللذين عُقدا في العقبة وشرم الشيخ خلال فبراير/شباط ومارس/آذار من العام الجاري -بمشاركة ممثلين عن السلطة، وإسرائيل، ومصر، والأردن، والولايات المتحدة- بحثا بشكل أساسي سبل تمكين السلطة الفلسطينية من إعادة سيطرتها على جنين ونابلس.

من جهته، عبّر نتنياهو شخصيا عن موقفه المدافع عن الحفاظ على بقاء السلطة الفلسطينية، إذ نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عنه في أثناء إفادة قدمها أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست الأسبوع الماضي قوله إن “مصلحة إسرائيل تقتضي وجود سلطة فلسطينية قوية”.

وقد عبرت القيادة العسكرية الإسرائيلية بشكل صريح عن مخاوفها من تعاظم كلفة الجهد العسكري الذي سيتحمله جيش الاحتلال، في حال فقدت السلطة الفلسطينية نفوذها في بقية مناطق السلطة. فقد نقلت قناة “كان” عن رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي يوم 23 مايو/أيار الماضي قوله: “نفضل وجود سلطة فلسطينية فاعلة ونشطة على سيادة حالة من الفوضى، أو تمكن حركة حماس من الهيمنة على الضفة الغربية”.

مما يؤجج رغبة إسرائيل في الحفاظ على السلطة حقيقة أن بقاءها يساعد جيشها على التفرغ لمواجهة التحديات الكبيرة في الساحات الأخرى، حيث اضطر هذا الجيش للدفع بعدد كبير من ألويته وكتائبه ووحداته الخاصة للعمل داخل الضفة الغربية في وقت يتعاظم فيه التوتر، تحديدا على الجبهة الشمالية في أعقاب نصب حزب الله خياما له في منطقة مزارع شبعا التي تعدها إسرائيل جزءا من أراضيها.

إلى جانب ذلك، فإن بقاء السلطة يمثل مصلحة اقتصادية من الطراز الأول لإسرائيل. ففي سلسلة تغريدات على حسابه على تويتر، أشار نمرود نوفيك -مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين- إلى أن وجود السلطة يوفر على الخزانة الإسرائيلية 50 مليار شيكل سنويا (نحو 14 مليار دولار)، على اعتبار أن عدم وجود السلطة سيلزم إسرائيل بتوفير الخدمات المختلفة للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، استنادا إلى القانون الدولي، بوصفها قوة احتلال.

صحيح أن جنون التطرف الذي استبد بممثلي اليمين الديني المتطرف في حكومة نتنياهو دفعهم لرفض تقديم التسهيلات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية، إلا أن الحجج التي ساقها قادة المستوى السياسي والعسكري في تل أبيب لتسويغ مساعدة السلطة تدل بشكل لا يقبل التأويل على أن بقاء هذه السلطة يعد مصلحة إسرائيلية من الطراز الأول.

المؤسف، أنه بموازاة الحماس الإسرائيلي الرسمي لبقاء السلطة الفلسطينية، فإن هناك أزمة ثقة عميقة بين الجمهور الفلسطيني والسلطة الفلسطينية بسبب طابع الوظيفة الأمنية التي تؤديها لصالح إسرائيل، في حين لا تحرك ساكنا لوقف عدوان جيش الاحتلال وتغول المستوطنين اليهود على البلدات والقرى الفلسطينية الواقعة في تخوم المستوطنات في أرجاء الضفة الغربية.

وقد تم التعبير عن خيبة الأمل الفلسطينية الشعبية من السلطة على لسان أحد مواطني بلدة ترمسعيا، القريبة من رام الله، الذي انفجر في وجه رئيس وزراء السلطة محمد اشتية، بحضور وسائل الإعلام، محملا السلطة المسؤولية الأولى عن هجمات المستوطنين على الأهالي في البلدات والقرى الفلسطينية لتقصيرها في حماية الأهالي هناك.

وقد عكست نتائج استطلاعات الرأي تهاوي ثقة الفلسطينيين في السلطة وخياراتها، فحسب استطلاعات الرأي العام المتواترة التي يجريها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (مؤسسة مستقلة)، فإن أكثر من 60% من الفلسطينيين يطالبون بوقف التعاون الأمني مع إسرائيل، إذ إن 79% منهم يرى أن السلطة لم توقف التعاون الأمني رغم إعلانها ذلك، في حين أن أكثر من 80% منهم يرفضون أن تسلم حركات المقاومة في الضفة أسلحتها للسلطة الفلسطينية، فضلا عن أن 77% يرون أن على رئيس السلطة محمود عباس الاستقالة فورا.

وحتى من دون الإشارة إلى هذه الاستطلاعات، فإنه لا يوجد ما يسوغ أن تواصل السلطة الفلسطينية التملص من الالتزام بقرارات المجلس الوطني والمجلس المركزي القاضية بتغيير مسار العلاقة بين السلطة وإسرائيل، وضمن ذلك وقف التعاون الأمني. ويفترض أن تلتزم السلطة بقرارات المجلسين كونهما يمثلان أهم مؤسسات منظمة التحرير، التي تعد مرجعية هذه السلطة.

إن تشبث السلطة الفلسطينية بمواصلة التعاون الأمني مع إسرائيل يعد مكافأة لجيش الاحتلال، الذي يمارس العدوان على صعيد يومي، وللتنظيمات الإرهابية اليهودية التي تشن الهجمات الإرهابية على القرى والبلدات الفلسطينية.

بكل أسف فإن قيادة السلطة تأبى استخلاص العبر من رفض أهالي جنين استقبال قياداتها المتنفذة بعد انسحاب جيش الاحتلال، احتجاجا على سلوك هذه السلطة في أثناء العدوان على المدينة ومخيمها.

ومما تقدم يتضح بشكل لا يقبل التأويل أنه يجب على الفلسطينيين العمل بكل ما أوتوا من قوة لضمان إجبار السلطة على وقف سلوكها ونهجها الحالي، فلا يمكن لشعب واقع تحت الاحتلال أن يقبل بسلطة يمثل بقاؤها مصلحة للقوة التي تمارس الاحتلال.

أقرأ أيضًا: هل تنهار إسرائيل من الداخل؟ بقلم صالح النعامي

هل تهدد إصلاحات نتنياهو القضائية وجود إسرائيل؟

أقلام – مصدر الإخبارية

هل تهدد إصلاحات نتنياهو القضائية وجود إسرائيل؟، بقلم محلل الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

لم يكن أكثر الإسرائيليين تشاؤما أن يتوقع أن يصل الكيان الذي ينتمي له إلى هذا المستوى من التشظي المجتمعي والاستقطاب الداخلي في أعقاب شروع حكومة بنيامين نتنياهو في تمرير الإصلاحات القضائية. الهادفة بالأساس إلى توفير مسارات قانونية وسياسية تنقذه من المحاكمة في قضايا الفساد.

فقد بات هذا الاستقطاب وما يرافقه من احتجاجات جماهيرية غير مسبوقة، يهدد مستقبل إسرائيل كدولة لما بات يلحقه من أضرار جسيمة طالت مؤسساتها الحيوية وحصانة مجتمعها ومنعتها الاقتصادية.

لا خلاف على أن وفاء الموقعين على هذه العرائض بالتزاماتهم يعني تهديد وجود الكثير من الأذرع الحيوية في الجيش، أو على الأقل تقليص فاعليتها إلى حد كبير

فالمشاركون في الاحتجاجات الجماهيرية الواسعة يحاججون بأن الإصلاحات القضائية ستضع حدا لـ”الديمقراطية” الإسرائيلية وستمكن التيار الديني من تحويل إسرائيل إلى دولة ثيوقراطية تمس بقدرة العلمانيين على العيش وفق منطلقاتهم، فضلا عن أنها ستمكن التيارات الدينية -التي لا تسهم الأغلبية المطلقة من منتسبيها في سوق العمل وتتملص من أداء الخدمة العسكرية- من نهب خزانة الدولة وتوجيهها لصالحها.

وتهدد الاحتجاجات الجماهيرية الرافضة للإصلاحات القضائية بشكل كبير الجيش ووحدته ويمكن أن تقلص إلى حد كبير من قدرته على أداء جهده الحربي وتنفيذ عملياته العسكرية، التي تعد أحد أهم المقومات التي تضمن بقاء إسرائيل.

فنظرا لأن معظم المشاركين في الاحتجاجات هم بالأساس ضباط وجنود في قوات الاحتياط، فقد لجأ هؤلاء إلى صورة خطيرة من صور الاحتجاج تتمثل في التوقيع بشكل واسع على عرائض يعلنون فيها التزامهم بالتوقف عن أداء الخدمة العسكرية في حال أصرت الحكومة على المضي قدما في تمرير الإصلاحات القضائية.

ومما يفاقم هذا التطور خطورة، حقيقة أن إسرائيل -بخلاف جميع دول العالم- تعتمد في أداء جهدها الحربي على قوات الاحتياط وليس القوات النظامية، حيث إن 70% من الجهد الحربي يقع على كاهل ضباط وجنود الاحتياط.

ولا خلاف على أن وفاء الموقعين على هذه العرائض بالتزاماتهم يعني تهديد وجود الكثير من الأذرع الحيوية في الجيش، أو على الأقل تقليص فاعليتها إلى حد كبير.

فضمن آلاف الموقعين من ضباط الاحتياط على هذه العرائض، المئات من الطيارين في سلاح الجو، الذي يعد القوة الضاربة لإسرائيل، حيث يضطلع ضباط الاحتياط في هذا السلاح تحديدا بدور مركزي. فوفق “نير دفوري” المعلق العسكري في قناة “12” فإن معظم عمليات القصف التي ينفذها سلاح الجو الإسرائيلي في سوريا وغزة، على سبيل المثال، يضطلع بها ضباط في قوات الاحتياط.

وقد انضم إلى المهددين بالتوقف عن أداء الخدمة العسكرية ضباط وقادة كبار في منظومة العمليات الخاصة التي ينشط المنضوون في إطارها في تنفيذ عمليات عسكرية “خلف حدود العدو”، وضباط في الوحدات الخاصة، ووحدة التجسس الإلكتروني المعروفة بـ”8200″، التي توصف في تل أبيب بأنها “درة تاج” المؤسسة الاستخبارية، وتعد المسؤولة عن تنفيذ الهجمات السيبرانية في الفضاء الإلكتروني، وأذرع أخرى.

دعا رئيس الوزراء ورئيس الأركان السابق إيهود باراك ضباط وجنود الجيش إلى رفض تعليمات الحكومة بوصفها حكومة “غير شرعية”

ونظرا لأن كل الدلائل تشير إلى أن حكومة نتنياهو ماضية قدما في تمرير “الإصلاحات القضائية”، فإن احتمال أن تفقد إسرائيل قدرا كبيرا من إسهام قوات الاحتياط بات كبيرا.

فالحكومة ماضية في تمرير هذه الإصلاحات، ليس فقط لأنها تخدم مصالح نتنياهو الشخصية، بل أيضا لأن الأحزاب الدينية المشاركة فيها ترى في هذه الإصلاحات فرصة لن تتكرر لحسم الصراع على طابع الدولة وإعادة صياغة العلاقة بين الدين والدولة بشكل ينسجم مع أرائها الفقهية ومنطلقاتها الأيديولوجية عبر استغلال تحييد تأثير الجهاز القضائي وتحديدا المحكمة العليا.

ومن نافلة القول إن تفكك قوات الاحتياط سيفضي إلى المس بقدرة إسرائيل على مواجهة التحديات الأمنية في الساحتين الفلسطينية والإقليمية. ومما يفاقم الأمور خطورة أن هذه التطورات تتزامن مع قطع إيران شوطا كبيرا في تطوير برنامجها النووي، لا سيما بعد إعلان وزارة الدفاع الأميركية الأسبوع الماضي أنه بات بإمكان طهران الحصول على كمية اليورانيوم المخصب اللازمة لصنع قنبلة نووية في غضون 12 يوما.

ورغم أن نتنياهو قد أعلن بعيد تشكيل ائتلافه الحاكم أن مواجهة البرنامج النووي الإيراني يمثل الأولوية الرئيسة لحكومته، فإن التهديد الواسع برفض الخدمة العسكرية سيقلص من قدرة إسرائيل على طرح خيار عسكري لمواجهة هذا “التهديد”.

وإن كانت قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية قد نقلت مؤخرا عن قيادات عسكرية إسرائيلية تشكيكها في قدرة الجيش والأجهزة الأمنية على مواجهة تفجر الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية والقدس وفلسطين الداخل، لا سيما خلال شهر رمضان أو أثناء الأعياد اليهودية بسبب محدودية القوى البشرية المتاحة للتصدي لهذا “الخطر”، فإن وفاء المنضوين في إطار قوات الاحتياط بتهديداتهم سيجعل الأمور أكثر صعوبة.

في الوقت ذاته، فإن حركة الاحتجاجات تمس بالشرعية الداخلية التي تحظى بها الحكومة مما يقلص من مستوى الدعم الذي تحظى بها قراراتها على الصعيدين العسكري والأمني. فقد دعا رئيس الوزراء ورئيس الأركان السابق إيهود باراك ضباط وجنود الجيش إلى رفض تعليمات الحكومة بوصفها حكومة “غير شرعية”.

وعلى صعيد التداعيات الاقتصادية للإصلاحات القضائية، فإن الأوضاع تبدو أكثر مأساوية. فخوفا من أن تمس الإصلاحات القضائية البيئة الاستثمارية، أعلن عدد من الشركات الكبرى مغادرتها السوق الإسرائيلي، فضلا عن أن 20% من هذه الشركات قد سحبت ودائعها من البنوك. ووفق مديري البنوك في إسرائيل فقد تضاعف نقل الحسابات من بنوكهم إلى الخارج 10 مرات منذ الإعلان عن الإصلاحات القضائية. وقد تراجعت قيمة العملة المحلية “الشيكل” بشكل كبير أمام الدولار مما جعل الإسرائيليين يسحبون أسهمهم من صناديق الاستثمار التي تتعامل بالشيكل. ومما زاد الأمور تعقيدا حقيقة أن معظم الشركات التي غادرت السوق الإسرائيلي أو تلك التي تهدد بمغادرته تعنى بالتقنيات المتقدمة والسايبر مما سيفضي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، حيث إن صادرات هذه الشركات تدر على إسرائيل سنويا أكثر من 8 مليارات دولار.

وفي الوقت ذاته، فإن مظاهر الاحتجاج على الإصلاحات القضائية وردود مؤيدي الحكومة عليها بات يترافق بممارسات عنفية، مما زاد من خطر حدوث صدامات على نطاق واسع بين الجانبين. مع العلم أنه حتى قبل طرح الإصلاحات القضائية تعاظمت التحذيرات في إسرائيل من خطر اندلاع حرب أهلية على خلفيات أيديولوجية وعرقية ودينية.

وقد أججت حركة الاحتجاج على الإصلاحات القضائية حربَ الهويات بين الفرقاء في الساحة الإسرائيلية: متدينون في مواجهة علمانيين، شرقيون في مواجهة غربيين، مخضرمون في مواجهة مهاجرين جدد.

من ناحية ثانية، قد يترافق تمرير الإصلاحات القضائية مع حدوث تراجع على مكانة إسرائيل لدى الغرب وتحديدا في الولايات المتحدة. فكل من إسرائيل والولايات المتحدة تدّعيان دوما أن “القيم المشتركة” وتحديدا الاحتكام إلى “الديمقراطية” تعد أهم القواسم التي تعزز الروابط بين الجانبين. ومن الواضح أن تمرير الإصلاحات القضائية التي تسدل الستار على الفصل بين السلطات في إسرائيل، سيمس بقدرة كل من واشنطن وتل أبيب على مواصلة تسويق هذا المسوغ؛ مما جعل الإدارة الأميركية تطلب إيضاحات من حكومة نتنياهو حول مرامي وأهداف الإصلاحات القضائية.

ورغم خطورة تداعيات فرض الإصلاحات القضائية على مصالح إسرائيل وسلامة مجتمعها، فإنه لا يوجد ما يدل على أن هناك مسارا توافقيا يمكن أن ينقذ إسرائيل من هذه التداعيات. وهذا تحديدا ما دفع عددا من كبار المسؤولين الإسرائيليين السابقين أن يدعوا إلى فحص إمكانية تقسيم إسرائيل إلى ثلاث كانتونات؛ كانتون لأتباع التيار الديني وآخر للعلمانيين وثالث لفلسطينيي الداخل. ووفق ما كشفته صحيفة “ذي ماركر” يوم الجمعة الماضي فإنه وفق هؤلاء المسؤولين فإن تقسيم إسرائيل إلى كانتونات وحده الذي يمكن أن يضمن وضع حد لمواصلة التيار الديني الحريدي احتكار تحديد طابع العلاقة بين الدين والدولة واستنزاف خزانة الدولة من خلال استغلال نفوذه السياسي الناجم بالأساس عن ثقله الديمغرافي المتعاظم.

وقد يبدو ما اقترحه المسؤولون الإسرائيليون السابقون غير منطقي في الوقت الحالي لكنه يشي بطابع المأزق السياسي والمجتمعي والاقتصادي الذي انتهت إليه إسرائيل.

ولعل هذا ما جعل رئيس الموساد السابق تامير باردو أكثر تشاؤما إزاء مستقبل إسرائيل، حيث توقع أن تسهم حكومة نتنياهو في وضع “نهاية للحلم الصهيوني” من خلال إصرارها على الإصلاحات القضائية.

إن إسناد قطاع واسع من الإسرائيليين لنتنياهو رغم عصفه بالنظام السياسي الإسرائيلي ودفعه هذا الكيان لمواجهة تبعات كارثية خدمة لمصالحه الشخصية؛ يدل على خفوت الفكرة الصهيونية كرباط جامع لليهود وقد يؤسس لتراجع هذا الكيان وتقليص قدرته على البقاء.

أقرأ أيضًا: هل تنهار إسرائيل من الداخل؟ بقلم صالح النعامي

هل تنهار إسرائيل من الداخل؟ بقلم صالح النعامي

أقلام – مصدر الإخبارية

هل تنهار إسرائيل من الداخل؟، بقلم المختص في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

طرح هذا السؤال لم يعد مجرد محاولة لإثارة الاهتمام، بل تستند إلى شواهد تدل على نتائج الانتخابات الأخيرة أفقدت النظام السياسي الإسرائيلي القدرة على توفير الأدوات الضامنة لتسوية الخلافات التي تنشب بين الفرقاء في الساحة الداخلية دون المس بمنظومات التحكم والسيطرة التي تضمن استقرار هذا النظام.

مع أن قوى اليمين الديني المنتصرة وقوى اليمين العلماني التي خسرت الانتخابات يجمعهما العداء والعنصرية تجاه العرب، إلا أن الطرف المنتصر أقدم على خطوات تهدف إلى إقصاء الطرف المهزوم وتضييق الفضاء العام عليه. وهذا ما دفع قيادات العلمانيين هذا المساء للدعوة للتمرد ورفض الأوامر الصادرة عن هذه الحكومة ودعهم تحدث عن حرب أهلية وشيكة.

فرئيس الأركان السابق موشيه يعلون دعا الشرطة إلى رفض تعليمات وزير الأمن الوطني بن غفير، ونائب رئيس الأركان السابق يئير غولان دعا إلى عصيان مدني، في حين عد رئيس الوزراء السابق إيهود براك الحكومة الحالية غير شرعية. وفي المقابل دعا بعض أعضاء الحكومة إلى اعتقال قادة المعارضة “المحرضين”.

هل تنهار إسرائيل من الداخل؟

ما يثير إحباط العلمانيين أن القوى الدينية أملت تصورها لطابع العلاقة بين الدين والدولة، مثل تقليص صلاحيات القضاء بحيث يتاح لهم سن القوانين الكفيلة بتحويل إسرائيل إلى “دولة دينية”، حيث أن الحكومة فرض تصور متطرف لضمان حرمة السبت وأقرت نسبيا الفصل بين الجنسين، اعتبار تعليم التوراة مساو للخدمة العسكرية.

ما أثار إحباط العلمانيين حقيقة أن التيار الحريدي الذي راكم كل هذه الإنجازات مجرد عالة على خزانة الكيان، فأتباعه لا يؤدون الخدمة العسكرية ولا يسهمون في سوق العمل، وفي الوقت ذاته يتفنون في التضييق على العلمانيين الذين يؤدون الخدمة العسكرية ويسهمون بشكل حاسم في سوق العمل.

لا يعني ما تقدم أن الحرب الأهلية في إسرائيل باتت وشيكة، ولكن الاتجاه واضح.

لم يعد بإمكان الفرقاء في الساحة الصهيونية الداخلية إدارة خلافاتهم كما نجحوا في ذلك على مدى أكثر من سبعة عقود.

فالتيار الديني المنتشي بنصره معني بالحسم.

وتمكنه من حسم سيترافق بانفجارات قد تفضي إلى تهاوي أسس هذا الكيان.

Exit mobile version