نيويورك – مصدر الإخبارية
قدمت دولة فلسطين، ممثلة بسفيرها الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور، مشروع قرار للأمم المتحدة يعكس فتوى محكمة العدل الدولية بشأن عدم مشروعية وجود إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وقال منصور إن “فلسطين جزء مهم من التاريخ العالمي، والشعب الفلسطيني جزء لا يتجزأ من الإنسانية. لن يختفي وطننا ولا شعبنا. لكن هذا ليس عذرا لتجاهل التهديد الوجودي الذي يواجهه شعبنا. لقد نحت الفلسطينيون في واقع المعاناة والقمع، مساحات من الفرح والإنجاز. لقد ظلت أرواحهم حرة، حتى وهم مقيدين بالأغلال. لقد حافظوا على الأمل في حين أن كل شيء من حولهم كان ينبغي أن يقودهم إلى اليأس. لقد كانوا صادقين مع هويتهم بغض النظر عن الثمن الذي كان عليهم دفعه. لقد ظلوا صامدين في السعي للحصول على حقوقهم غير القابلة للتصرف، مثلهم مثل جميع الشعوب الأخرى”.
وأضاف: “الفلسطينيون يريدون العيش، وليس البقاء. يريدون أن يكونوا آمنين في منازلهم. يريدون أن يذهب أطفالهم إلى المدرسة دون خوف. إنهم يريدون أن يكونوا أحرارًا في الواقع، كما هم في الروح. أحرار في العيش، في الحركة، أحرار في تقرير مصيرهم، خاضعين لله فقط وليس لغيره. يريدون أن يكونوا. أن يكونوا فلسطينيين. ليكونوا أنفسهم. أن يكونوا فقط. لا أبطال ولا ضحايا. مجرد بشر لديهم أبسط الأحلام أو أعظم التطلعات، ويعيشون بكرامة وسلام وأمن في وطنهم”.
وتابع: “إن الشعب الفلسطيني شعب استثنائي، ورغبته الحقيقية هي أن يعيش حياة عادية. يريد الفلسطينيون أن يعيشوا ويزدهروا على أرض أجدادهم. حيث روح الأجداد والجدات تحتضنهم. حيث تنتظر قصص حياتهم المعلقة أن تستأنف. يريد الفلسطينيون أن يدفن الأطفال والديهم بعد حياة طويلة وجميلة، بدل أن يدفن الآباء أطفالهم قبل أن يتمكنوا من معرفة معنى الحياة. لا يحتاج الأطفال الفلسطينيون إلى أن ينموا من خلال دروس الألم المرعب، دروس الحياة تكفي. الآن السماء مليئة بالأطفال الذين سلبت حياتهم مبكرًا وبأقسى الطرق، والأرض مليئة بالأطفال الذين عانوا، جرحوا، أصيبوا بإعاقة، أيتاما ومصدومين”.
وقال منصور: “بينما نتحدث في هذه القاعات، ونجتمع مرة أخرى لمعالجة هذا الظلم التاريخي الخطير، يتعرض مليونا شخص للحصار والقصف والتجويع. يتم تهجيرهم مرارا وتكرارا، مع عدم وجود ملاذ آمن في أي مكان، والموت ينتظرهم في كل مكان. كم عدد الفلسطينيين الذين يجب أن يُقتلوا قبل أن يحدث تغيير في النهاية لوقف هذه اللاإنسانية؟ كم عدد الفلسطينيين الذين يجب أن يتم تهجيرهم قسرا بسبب الهجمات المتكررة للمستوطنين الإسرائيليين وقوات الاحتلال؟ كم عدد الفلسطينيين الآخرين الذين يجب خطفهم في منتصف الليل وإلقائهم داخل سجن إسرائيلي لسنوات وسنوات، طفولة ضائعة، حياة مدمرة؟ كم من حرمان الحقوق والسلب والدمار سيشهده العالم في النهاية، لا ليتفاعل بل ليتصرف؟ حتى يتخذ العالم موقفا، بل يتخذ موقفا ويتصرف بحزم بناء على ذلك، ليتمسك حقا بسيادة القانون وحقوق الإنسان؟”.
وأشار منصور إلى أن “الجمعية العامة طلبت من محكمة العدل الدولية رأيها الرسمي بشأن الاحتلال الإسرائيلي، ومارست المحكمة ولايته”.
وقال: اسمحوا لي أن أقتبس من رأي المحكمة: “إن انتهاك إسرائيل المتواصل لوضعها كقوة احتلال، من خلال الضم وتأكيد السيطرة الدائمة على الأرض الفلسطينية المحتلة، والإحباط المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ينتهك المبادئ الأساسية للقانون الدولي ويجعل الوجود الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني”.
وأضاف: “إذا كنا بحاجة إلى تحديد قاعدتين أساسيتين، وهما الركيزتان اللتان يقوم عليهما نظام القانون الدولي، فيكون حق الشعوب في تقرير مصيرها وحظر الاستيلاء على الأرض بالقوة، وهذه هي القواعد التي تنتهكها إسرائيل بشكل علني ووقاحة منذ عقود دون عواقب”.
وتابع: “وبذلك أنجزت المحكمة ولايتها من خلال تحديد التبعات القانونية التي ستترتب على إسرائيل وجميع الدول والأمم المتحدة بشكل لا لبس فيه، ومن خلال عرضها على الجمعية العامة ومجلس الأمن وجميع الدول لاتخاذ التدابير اللازمة لضمان الامتثال للقانون الدولي”.
وأكد منصور: “كان هذا رأياً تاريخياً، إذ كانت هذه هي المرة الأولى التي تنظر فيها المحكمة في الاحتلال الإسرائيلي ككل. والآن بعد أن استجابت المحكمة للطلب، فقد حان الوقت للجمعية العامة للوفاء بولايتها، ولجميع الدول للوفاء بالتزاماتها لضمان امتثال إسرائيل لالتزاماتها في ظل عدم امتثالها الصارخ وانتهاكاتها المتواصلة”.
ولفت إلى أن فتوى المحكمة “أظهرت أنه لا يوجد شك في الوقائع أو القانون. ولكن القانون موجود ليس مجرد أداة لقياس الانتهاكات. إنه موجود لمنع تلك الانتهاكات، وعندما لا ينجح ذلك، يكون هناك لمعاقبتهم، وإيقافهم، وضمان المساءلة، لضمان العدالة”.
وأكد أن “الإفلات الإسرائيلي من العقاب دون رادع لن يؤدي إلا إلى مقتل وتشويه واعتقال المزيد من الفلسطينيين، المزيد من الدمار، المزيد من الخسارة، المزيد من البؤس. يجب أن يتم وضع حد له. عندها فقط يمكننا أن نتوقع تغييرا حقيقيا يمكن أن يؤدي إلى السلام وتنفيذ حل الدولتين”.
وقال منصور: “ادعت بعض الأصوات أن الابتعاد عن القانون أو التخلي عنه هو السبيل الواقعي الوحيد للمضي قدمًا. ولكن هذا هو بالضبط الخروج عن القانون، أو خرقه دون أي نتيجة، التي قادتنا إلى هنا في المقام الأول. ولا يمكن لأي قوة احتلال أن يكون لها حق النقض على الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الخاضع لاحتلالها. أولئك الذين يعتقدون أن الشعب الفلسطيني سيقبل حياة العبودية، حياة الفصل العنصري، هم غير الواقعيين. من يتصور أن الشعب الفلسطيني سيختفي أو يستسلم هم غير الواقعيين. أولئك الذين يدعون أن السلام ممكن في المنطقة دون حل عادل للقضية الفلسطينية هم الذين لا يتحلون بالواقعية”.
وأضاف: “تزعم بعض الأصوات أن هذا ليس الوقت المناسب لمثل هذا الإجراء. يجدون دائمًا أسبابًا وجيهة للاستمرار في فعل الشيء الخطأ. لكن العدالة المتأخرة هي عدالة منفية. الوقت المناسب لفعل الشيء الصحيح هو دائمًا الآن”.
وتابع: “أثناء النظر إلى الخريطة، أو الأسوأ من ذلك، النظر إلى الوضع المروع على الأرض، قد يبدو الأمر غير قابل للانفصال. ولكن الحل ما زال أمام أعيننا، وهو الحل الذي أقره المجتمع الدولي برمته وكرسته العديد من قرارات الأمم المتحدة. إنها دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وتعيش جنباً إلى جنب بسلام وأمن مع إسرائيل”.
وتساءل منصور: “لماذا نسمح بتدمير دولة فلسطين وهذا الحل ونحن نعلم أنه لا يوجد بديل قابل للتطبيق ونحن جميعا ندرك خطر اندلاع حريق شامل؟ إن ما يحدث في غزة اليوم يمكن أن يكون الفصل الأخير من المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، أو سيكون الفصل الأول من واقع أكثر مأساوية لمنطقتنا ككل. ما تفعلونه بعد ذلك يهم. التحرك الآن. لوقف القتل. لوقف المعاناة. لوقف هذه الجرائم. لوقف هذا الظلم”.
وقال منصور: “يشرفني أن أعرض مشروع القرار قيد النظر في هذه الجلسة الخاصة الطارئة التي تحمل عنوان (فتوى محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية الناشئة عن سياسات إسرائيل وممارساتها في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وعدم شرعية استمرار الوجود الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة)، على النحو الوارد في الوثيقة A/ES-10/L.31/Rev.1 وأريد أن أشكر أكثر من 40 دولة التي شاركت في تقديم مشروع القرار حتى الآن”.
وأضاف: “يعكس مشروع القرار بأمانة فتوى محكمة العدل الدولية، الهيئة القضائية الرئيسية في الأمم المتحدة، وهو يرتكز على القانون الدولي ويهدف إلى تعزيز احترام حكمها ليس للشعب الفلسطيني فقط، بل للمجتمع الدولي برمته. ونشكر جميع الوفود التي شاركت في هذا النص وبذلت قصارى جهدها لمعالجة مخاوفها مع ضمان بقاء النص متسقًا مع الرأي الذي أصدرته المحكمة”.
وتابع: “يعكس مشروع القرار في فقرات ديباجته القرارات التي توصلت إليها المحكمة، مع التركيز في فقراته التنفيذية على التزامات إسرائيل وجميع الدول والأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى وفقا للقانون الدولي. كما يدعو إلى اتخاذ عدد من الإجراءات الفردية والجماعية لدعم القانون وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بشأن القضية الفلسطينية. إنه يسعى إلى اتخاذ إجراءات من أجل المساءلة، وهي الطريق الأساسي للعدالة في كل الأحوال، وفلسطين لا يمكن أن تكون الاستثناء”.
وقال منصور: “إنني أقف على هذه المنصة، في هذا المنعطف التاريخي والمأساوي، لأقول للشعب الفلسطيني أن هناك تغييرا سيأتي، وأن مصيرهم ليس معاناة وعذابًا لا نهاية له، وأن الحرية هي حقهم الطبيعي ومصيرهم. أقف على هذه المنصة لأقول لكم إن العدالة هي الطريق الوحيد للسلام. وأدعوكم جميعاً إلى احترام القانون الدولي، وعدم التضحية به على مذبح الحسابات السياسية الباردة والمتهورة”.
وأضاف: “وأنا أدعوكم إلى رفض المعايير المزدوجة. أن تعاملوا شعبي بالاحترام الذي يستحقونه، وأن تعترفوا بالحقوق التي يستحقون الحصول عليها. نحن لسنا شعبا كثيرا. نحن لسنا مشكلة. نحن أمة لا تطلب أكثر من أممكم، ولكن لا يمكنها أن تقبل أقل من ذلك. نريد أن نعيش في حرية وسيادة وكرامة وسلام وأمن في أرض أجدادنا. ونحن ملتزمون بسيادة القانون الدولي وبالسلام العادل والدائم في منطقتنا. وهذا يتطلب ضمان تطبيق نفس القواعد على الجميع. لا يوجد تحيز. لا معايير مزدوجة. لا استثنائية. ولا استثناء”.
وتابع: “لكل بلد صوته، والعالم يراقبنا، لنرى ما إذا كان بوسعنا أن نفي بالالتزامات التي نتعهد بها والمبادئ التي ندعي أنها مبادئنا في هذا المنعطف التاريخي والحاسم للبشرية. أرجوكم أن تقفوا على الجانب الصحيح من التاريخ. مع القانون الدولي. مع الحرية. مع السلام. البديل هو ما تشاهدونه كل يوم على شاشات التلفاز. وما يتحمله الفلسطينيون في أجسادهم. واقع مختلف ممكن. يبدأ الآن، وهنا. فلسطين حرة. السلام للجميع”.
وكالة وفا،،