سماح شاهين- مصدر الإخبارية
كان آخر يومٍ لدعاء إسماعيل مع زوجها قبل الطلاق، عندما ضربها بطريقة بشعة على إثرها نقلت إلى المستشفى، حينها اتخذت قرارًا أن فكرة الاستمرار معه مستحيلة، بعد أن تحملت مرارة الأيام وذهبت إلى منزل عائلتها بعد تراكمات استمرت لـ9 سنوات معه.
“عشان خاطر أولادي كنت أتحمله” بهذه الكلمات كانت الأم المكلومة تُصبر نفسها لتحمل العيش مع أب أولادها، رغم رفضهم وجود والدهم معهم في ذات المنزل وطلبهم المستمر في ترك البيت والانتقال للعيش مع جدتهم.
“طلب مني التنازل عن أولادي وحقوقي الشرعية”، شروط تعجيزية فرضها زوج دعاء إسماعيل مقابل القبول بالطلاق”.
لم تقف معاناتها عند هذا الحد، بل تعرضت الأم الثلاثينية بعد ذلك للضرب بشكل همجي على يد والدها، لأنها قررت ترك بيت زوجها وطلب الطلاق.
استمرت معاناة السيدة لـ3 سنوات، بسبب مساومة زوجها لها مقابل الطلاق، حتى طفح كيلها ووافقت على التنازل عن جميع حقوقها الشرعية مقابل حريتها.
وفي اليوم الثاني علمت دعاء بأنّه حُبس على قضية ما، قررت الذهاب إلى المحكمة ومعها أوراق قضيته من أجل الإسراع في طلاقها، إلا أنها صدمت من المحكمة التي لم تنصفها حيّنها.
تقول دعاء إسماعيل لـ”شبكة مصدر الإخبارية” إن القاضي طلب منها الحضور في اليوم التالي من أجل رفع كتاب للمحكمة العليا من أجل تلبية مطلبها بأن تأخذ حقوقها الشرعية كاملة.
هذا ليس الطلاق الأول لها، بل طلقها عدة مرات وتعود على زمته عن طريقة فتاوٍ من الشيوخ، واستدعى قاضي المحكمة زوج دعاء واعترف له بعدد الطلقات الثلاث.
وبعد 5 سنوات انتصرت دعاء، بأخذ كامل حقوقها الشرعية وأولادها.
وتمتلئ أروقة المحاكم في قطاع غزة بقضايا كثيرة، لنساء يمضين سنوات عديدة من أعمارهن بانتظار القول الفصل من القاضي، في قضايا مصيرية تخص حياتهن وحقوقهن وحرياتهن، في صورة ترسم ملامحها المعاناة والقهر، في ظل تعنت الكثير من الأزواج والمماطلة في تطليق زوجاتهم والمساومة بحقوقهم.
وبحسب المادة 132 من قانون الأحوال الشخصية لسنة 1967، تنص على أنه يحق للزوجة طلب الطلاق عبر المحاكم الشرعية، في حال أثبتت إضرار الزوج بها.
ووفقًا للقانون يتوجب على القاضي أيضًا أن يمنح الزوجين مهلة شهر، أملًا بالمصالحة بينهما قبل حكم الفصل في قضية الطلاق.
جيداء محسن من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، هي أيضًا من عشرات النساء اللواتي تعرضن للمساومة مقابل الطلاق، فكان سبب طلبها للانفصال عن زوجها هو شرب الممنوعات وضعف شخصيته وعدم الاستقرار في منزل منفصل عن عائلته.
تشير جيداء إلى أنّ زوجها كان له نصيب في الميراث تمكننا العيش الكريم، ومع ذلك عائلته رفضت إعطاؤه حقه، ولضعف شخصيته، فإنه لم يدافع عن حقه ولم يتكلم حينما قام شقيقه بضرب زوجته وأصيبت ببعض الجروح والرضوض كما لم يحرك ساكنًا، هذا الموقف كان كافٍ لإنقاذ طاقة الأم العشرينية لتحمل المزيد من الإهانات.
وتضيف لـ”شبكة مصدر الإخبارية” أنها عملت بكل ما وسعها، للبقاء معه ليس لأجله بل لأجل أطفالها”، “أعطته بدلًا من الفرصة الواحدة مليون فرصة”، على حد وصفها، لكنه لم يساعدها وبدأ في ممارسة ضغوطاته والمساومة، ووضع شروطًا تعجيزيًة إما التنازل عن حقوقها وأولادها أو تبقى في منزل عائلتها مُعلقة.
عجزت جيداء عن إيجاد حل، فتوجهت إلى محامٍ شرعي وجميعة حقوق المرأة وأسقطت قضيتها بسبب رفعها قضية هجر والهجر في حال وجود بيت تسقط.
ولأن “اليد قصيرة والعين بصيرة” قررت الشابة التنازل عن جميع حقوقها من مهر ومؤخر وعفش المنزل مقابل أن يبقوا أولادها معها.
القانون مع المرأة
ففي قطاع غزة بلغت عدد قضايا التفريق التي نظرت فيها المحاكم الشرعية منذ مطلع العام الجاري، بلغت نحو 480 قضية طلاق، بحسب نائب رئيس محكمة الاستئناف عمر نوفل.
من جانبه، أوضح المحامي الشرعي محمد الدربي لـ”شبكة مصدر الإخبارية” بأن القانون الفلسطيني المطبق في المحاكم الشرعية بغزة يقف مع المرأة ويكفل حقوقها كافة المكتوبة في عقد الزواج.
ويتابع الدربي أن المساومة مقابل الطلاق تتم خارج إطار المحكمة عن طريق رجال الإصلاح، من خلال الضغط على المرأة من أجل عدم ذهابها إلى المحاكم والتنازل عن حقوقها والشروط التعجيزية مقابل الطلاق.
ويلفت إلى أن بإمكان المرأة أخذ جميع حقوقها من خلال رفع دعوى تفريق نزاع أو الشقاق، في حال إصرارها على عدم التنازل.
وعن سبب مساومة الزوج لزوجته مقابل الطلاق، يوضح الدربي أنّ الأوضاع الاقتصادي لها دور مهم جدًا، بالإضافة إلى أن البعض يريد الانتقام من زوجته.
المساومة مقابل الطلاق والضغوط نفسية
“لا تواجه النساء المساومة من الزوج فقط، بل من جانب أهل الفتاة تكون أحيانًا، عند إجبارهن على العودة لوحدهن دون أطفالهن مما يشكل عبئًا نفسيًا ثقيل على قلوبهن، ومن جهة أخرى فإن الشروط التعجيزية التي يفرضها الزوج يضع الزوجة بين نارين إما البقاء وتقبل الظلم والتعنيف أو الطلاق والتضحية بأمومتهن”، هكذا تقول الأخصائية النفسية ختام الزريعي.
وتضيف الزريعي لـ”شبكة مصدر الإخبارية” إن الزوج يعرف نقطة ضعف زوجته وهم الأطفال، فيبقيها بين خيار أن يبقوا في حضاناتها مقابل التنازل عن الحقوق الشرعية، أو تبقى مُعلقة في منزل عائلتها لسنوات.
وتصف الأخصائية مساومة المرأة عند مطالبتها بالانفصال ب “الاستغلال والابتزاز”، متابعةً: “يصعب عليها ممارسة حياتها الأمر الذي يتسبب بخلق أزمات نفسية لها، وتؤثر على سلوكياتها ودخولها في مرحلة الاكتئاب”.
وتشير إلى، أن تعنت الأزواج من أجل الضغط على زوجته كتخليها عن مهرها من الأمور المرفوضة كليًا وينبغي العمل للتخلص منها، باعتبارها من أكبر درجات الظلم التي تتعرض له المرأة يضعها في قائمة “المُعلقات”، وهو سجن يسحقها نفسيًا ومعنويًا، ويدمر حياتها ويضيع حقوقها الإنسانية، التي كفلتها القوانين والديانات السبع.