غزة _ مصدر الإخبارية
بقلم / طلال أبو عوكل
يظل الاهتمام والحديث عن المبادرة الجزائرية من أجل المصالحة لإنهاء الانقسام، بعد أن احتل الاهتمام بدورة المجلس المركزي في الأسبوع الأول من شباط المقبل، مساحة واسعة وتركيزاً كبيراً من قبل كافة الأطراف الفلسطينية.
هي المرة الأولى منذ وقوع الانقسام العام 2007، الذي تتقدم فيه دولة المليون ونصف المليون شهيد بمبادرة تحاول أن تضع رصيدها التاريخي في ميزان العلاقات الفلسطينية الفلسطينية.
بالتأكيد فإن القيادة الجزائرية تدرك بعمق طبيعة الأزمة، ومآل الوساطات المصرية وغير المصرية لرأب الصدع بين الأشقاء الفلسطينيين، ولكنها تستثمر رصيدها من الاحترام لدى الشعب الفلسطيني وفصائله وقياداته، عسى أن يعوض ذلك بعدها الجغرافي عن فلسطين، وهي الدولة التي احتضنت أكبر عدد من دورات المجلس الوطني، وربما الأهم من تلك الدورات.
ثمة اختيار جيد للتوقيت، فالجزائر من المفترض أن تستضيف القمة العربية القادمة خلال الشهر القادم، ما يدعوها من باب الشعور بالمسؤولية القومية لأن تنتصر تلك الدورة لفلسطين بعد أن أصابها ما أصابها من السقوط العربي في وحل التطبيع مع إسرائيل.
كان لا بدّ إذاً من أن يتأسس الموقف الجزائري المطروح على القمة، بشأن الملف الفلسطيني على محاولة لترميم البيت الفلسطيني المتصدع والذي يمنح المطبّعين العرب، ذرائع ومبررات لما أقدموا ويقدمون عليه في سياق رحلة التطبيع.
الجزائر والجزائريون تحظى ويحظون باحترام وتقدير عميق من قبل الشعب الفلسطيني، ولذلك ما كان لأي فصيل أن يرفض دعوتها الكريمة أو أن يتحمل المسؤولية عن فشل تلك المبادرة البريئة من كل محاولات الاستثمار الذاتي أو الوطني الجزائري.
اقتضى التعاطي مع المبادرة من قبل القيادة الجزائرية دعوة الفصائل الأساسية، لزيارتها، كل على حدة، لإجراء حوارات ثنائية، لتهيئة الظروف قبل الدعوة لحوار شامل لكل الفصائل، وأيضاً لكي تقرر القيادة الجزائرية خطواتها اللاحقة من أجل إنجاح المبادرة، وإلا فإنها قد تتوقف إذا شعرت بأن الأمور ستذهب نحو الفشل.
الجزائريون لم يطرحوا خارطة طريق يقدمونها للفصائل، للوقوف على آرائها وتقديم ملاحظاتها، أو اقتراحاتها، ولذلك فقد اقتصرت حواراتها مع الفصائل على سماع رؤيتها، ومحاولة تقريب وجهات النظر.
على هذا النحو، فإن كل فصيل قام بعرض رؤيته، وفي الغالب فإن تلك الرؤى مكرورة، لا تنطوي على اختراقات جديدة ذات قيمة. في الأغلب فإن رؤى الفصائل تتخذ طابعاً تبريرياً ولتبرئة الذات من فشل المحاولات السابقة، وإلقاء المسؤولية عن الفشل والتهم لبعضها البعض. ولكن وبصرف النظر عن ما تحصّلت عليه القيادة الجزائرية في حواراتها الثنائية مع من وصل من وفود الفصائل، فإن ثمة تطورات فلسطينية عكّرت الأجواء ووضعت عقبات إضافية، قد تجعل الجزائريين يطوون صفحة مبادرتهم، أو أنهم في حال متابعتها فإن الهدف سيكون مجرد إظهار اهتمام الجزائر والتزامها بالقضية الفلسطينية وأهلها. أولاً، أوردت وكالة «أمد»، تصريحاً للأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي، يقول إنه بالتشاور مع دولة الاستضافة وهي الجزائر كان لديهم تفضيل لتأجيل القمة لأن هذه الفترة تشهد ارتباكاً بسبب وضع « كورونا ».
ومع أننا وقفنا على تصريحات للرئيس الجزائري تبون والرئيس المصري السيسي، تؤشر على ترجيح انعقاد القمة، إلا أن الأمر يبقى برهن الأيام المقبلة.
هذه هي المرة الثالثة على التوالي التي يجري فيها تأجيل انعقاد القمة العربية السنوية، بذريعة «كورونا»، وما عليك إلا أن تصدق بأن الزعماء العرب، لا يستطيعون تجاوز «كورونا»، إلا عندما يجتمعون.
لقاءات واجتماعات القادة العرب، مع الأجانب لا تنقطع، ولا تنقطع لقاءاتهم الموسعة خلال مؤتمرات محلية أو إقليمية، ما يشير إلى أن لدى الكثيرين منهم ندما شديدا على موافقتهم في أوقات سابقة على عقد قمة سنوية.
ما الذي يجمع القادة العرب في هذه الظروف المعقدة التي يبحث فيها كل منهم ما يخص نظامه السياسي ومصالح دولته على حساب المصالح القومية؟
واضح أن «كورونا» مجرد ذريعة للتهرب من استحقاقات الأوضاع العربية الطافحة بالأزمات والملفات المعقدة، ولذلك حتى إذا انعقدت القمة فإن ما سيخرج عنها لن يتجاوز البيانات اللفظية المكرورة التي لا يمكن لها أن تغطي على خلافاتهم وانقساماتهم العميقة.
أما الحدث الآخر فيتعلق بقرار اللجنة التنفيذية للمنظمة واللجنة المركزية لحركة فتح، بعقد المجلس المركزي في السادس من شباط المقبل، أي قبل القمة في حال انعقادها وقبل استكمال الحوار الذي دعت إليه الجزائر.
المجلس المركزي أمامه مهمتان أساسيتان يطغى عليهما المهمة التنظيمية بكافة أبعادها وتداعياتها. انعقاد المجلس يؤشر على تغيير كبير لا يلقى قبولاً من عديد فصائل العمل الوطني، عدا حماس وفتح.
انعقاد المجلس بصلاحيات المجلس الوطني، ينطوي على ترتيب شرعية جديدة في منظمة التحرير، على كافة المستويات التي هي من صلاحيات المجلس الوطني وفي اتجاه تكريس هيمنة حركة فتح على المنظمة.
ولأن هذا سيسلّح الفصائل، برؤى جديدة تعزز مواقفهم إزاء الانقسام نحو تعقيد هذا الأمر، فإن الخلاف السياسي الواسع والعميق بين الفصائل من شأنه أن يشكل عائقاً كبيراً أمام إمكانية نجاح المبادرة الجزائرية، وأي مبادرة أخرى من أن تجد طريقها إلى النجاح في إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة، وتغيير واقع الحال الفلسطيني على مختلف الصعد.