يتابع الرائي في كل مكان الأحداث المجتمعية الجارية والمتعلقة بالعنف أو الجريمة بذهول واستغرب من الحالة التي وصلت إليها البشرية، والتي باتت خالية من الإنسانية، مما يستدعي التوقف أمام كل الحوادث بسؤال محدد “ما هي الدوافع النفسية وراء ارتكاب العنف أو الجريمة؟”
وللإجابة على التساؤل بعمق تحادثنا مع الأخصائية النفسية أ.سمر قويدر والتي أوضحت بأن الأمر متعلق بدوافع كثيرة جميعها تصب في النهاية بالمحيط والبيئة التي عاش بها مرتكب العنف.
وأشارت قويدر إلى أن أغلب من ينفذون العنف على غيرهم سواء وصل إلى حد الجريمة أو لا، نجد بعد دراسة حياتهم بأنهم تعرضوا لمشاكل أنشأت حالة نفسية غير سوية، وأنهم لم يلاقوا إشباعاً لاحتياجاتهم الأساسية مما ولّد لديهم دوافع عدوانية تجاه المجتمع.
أسباب العنف النفسية
ولفتت إلى أن التنشئة الاجتماعية والتربية غير السليمة ساهمت في تكوين شخص عنيف يستوحي العنف من القمع الذي تعرض له أو سوء محيطه الذي عاش فيه، إضافة إلى تشكيل شخصية غير سليمة ولا تتوافق مع المعايير الاجتماعية والثقافية والدينية.
إضافة إلى أن الحرمان الذي يتعرض له البعض بظل أسرهم، أو مجتمعاتهم وظروفها يعمل على عدم الإشباع مما يؤثر على تنشئة شخص قابل لممارسة العنف وارتكاب الجريمة.
ونوهت إلى أن بعض وسائل التربية، والظروف الاجتماعية قد تصنع شخصاً مهزوزاً بسبب عدم اتزان المفاهيم التي تربى عليها أساساً.
وتعزو الأخصائية النفسية انتشار العنف بشكل عادي إلى الانفتاح بين المجتمعات، وقالت “أصبحت الأخبار المتعلقة بالعنف والجريمة متابعة من قبل الصغار قبل الكبار، ومنتشرة بشكل جعلها طبيعية”، وأضافت “كل ذلك أعطاها سمة شرعية، وبالتالي تقليدها من كل جيل جديد”.
ونبهت إلى أنه مع استمرار هذه الحوادث فإنها تصبح على المدى البعيد جزءً من الحياة الطبيعية المخيفة بظل عدم وجود رادع قانوني.
وشرحت أ.قويدر بأن العديد من الأشخاص قد يعيبون مشاهد العنف وينبذوها، إلا أنهم على المدى البعيد قد يصبحون ذات الشخصية، وربما يتجسد العنف جزءً من شخصيتهم بشكل غير مفهوم ليصبحوا ذات الشخص الذين عابوا عليه موقف العنف.
العنف مكتسب
وفيما يقول البعض بأن الكثير من السمات الشخصية متعلقة بالجينات الوراثية أو الفطرة، فإن الحال هنا تأتي على العكس تماماً، حيث أكدت الأخصائية النفسية بأن الإنسان يولد على الخبر بالفطرة كما هو متعارف عليه، إلا إنه يكتسب العنف من محيطه وبيئته وتربيته ومشاهد العنف ذاتها، وعدم الاهتمام، إضافة إلى عدم الإشباع العاطفي، بمعنى أنه “مكتسب”.
وإلى جانب الدوافع النفسية فإن عدم وجود القصاص سببٌ من أسباب التساهل في العنف والجريمة، وهنا تقف قويدر وقفة جادة لتوضح بأن المجتمع المنفذ للعقاب أساساً يستخدم أساليب جزائية غير آدمية، وتخرج عن نطاق الإنسانية مثل المؤسسات الشرطية والتي لها علاقة بالتحقيقات، وقالت “من المهم اتباع ما يقوله الدين في العقاب والقصاص”.
وأوضحت بأن الوازع الديني مهم جداً، لأن الإنسان العاقل المدرك لدينه، والذي تربى على أسس دينية صحيحة لن يفكر بمثل هذه الأفعال المهينة للإنسانية والخالية من المشاعر حتى الندم.
آثار العنف
وتعتبر هذه الدوافع النفسية جميعها المفتاح للتفكير غير السوي تجاه العنف والجريمة، والتي تلقي بظلالها على المجتمع وعلى الشخص نفسه، وفي هذا المجال أفادت قويدر بأن من يرتكب العنف يتعرض للكره الاجتماعي بحيث يصبح منبوذاً وغير محبب، وقالت “ستلحقه وصمة سيئة بكل مكان، ويفقد كل المراكز التي حصل عليها، وسيرفضه المجتمع بأكمله”
وحذرت من أن هذه الانطباعات تنعكس على الشخص مرتكب العنف مما يزيد من مستوى سلوكه المعنِف لغيره، وكرهه المتزايد لمجتمعه، ولن يصبح متصالحاً مع نفسه، إلى حد قد يصل إلى الجريمة.
وأشارت إلى أنه في بعض الحالات يفقد الكثيرون الثقة بأنفسهم، كما سيكون عرضة للأمراض النفسية والاكتئاب ولربما يصبح شخصاً منعزلاً، وعلى العكس تماماً فكثيرون قد يعطوا مبررات لأنفسهم بحيث لا يشعر أحدهم بالندم.
سبل معالجة العنف
وعن تساؤلنا “ما الحل” فإن الأمور تزداد تعقيداً حيث أفادت قويدر بأهمية معرفة السمات الشخصية والأسباب التي تؤدي لمثل هذا السلوك، والإجابة هنا مخيفة أكثر فإما شخص متعاطي يتصرف بلا وعي أو إدراك وبالتالي وجب معالجته ودعمه إلى النهاية مما يصعب الأمر طوال الطريق.
وإما شخص تعرض لمشاهدات عنيفة أسرية أو حتى لعنف مباشر، ولربما نقص عاطفي سبب هذا العداء الذي ولّد العنف لديه، وبالتالي الحاجة لمتابعته ومعالجته بوقت ليس بقليل، حسب ما أوضحت الأخصائية النفسية.
والكارثة في النوع الآخر، حيث قالت قويدر “البعض قد يكون مجتمعه وحياته إجرامية وتعتمد على العنف بشكل أساسي”، وشددت على أن علاجه صعب للغاية، وأنه يشكل خطراً وتهديداً على المجتمع.
وأشارت إلى أن معرفة السبب مهم جداً في العلاج، وساقت أمثلة على ذلك، فحسب المعطيات تزيد نسبة التفكير بالعنف والكره الاجتماعي بسبب الشعور بعدم الأهمية والاهتمام، وأوضحت أكثر بقولها “قد يكون الشخص عاطلاً عن العمل، وبلا اهتمامات، ومشبع بالحقد على حاله، وبالتالي يحتاج إلى تلبية احتياجاته وإعطائه ما يشعره بأهمية الذات والتقدير، حتى لا يفكر بجانب آخر متعلق بالعنف”.
وبشكل عام، دعت قويدر الأهالي ثم المجتمع ثم المؤسسات المعنية بتقديم الدعم لمثل هؤلاء الأشخاص من البداية قبل أن يصبحوا على ما هم عليه، وحتى يعود على المجتمع بالخير لا بالشر”.
اقرأ أيضاً: الأردن.. النيابة تفتح تحقيق بجريمة قتل أب لأطفاله حرقا داخل شقة