على امتداد سنوات الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي شكّلت مدينة جنين حالةً استثنائية وفريدةً من العمل المقاوم والذي انعكس في التصدي للعدوان الإسرائيلي المتواصل بحقها.
ورغم اختلاف التوجهات السياسية والتنظيمية والحزبية للكتائب المسلحة داخل مدينة الثورة ومخيمها الصامد، إلا أنها عكست وحدة وطنية استمدت قوتها من أصالة مقاوميها.
لا يمرَ يومٌ على جنين ومخيمها دون سماع صوت زخات الرصاص أو انفجار العبوات محلية الصنع التي صُنعت بأيدي المقاومين الشرفاء الذي انتفضوا ليدافعوا عن طُهر المخيم وشرف البندقية.
يُجمع مراقبون على أن جنين ومخيمها شكّلوا حاضنة حقيقية للفصائل المقاومة، ما انعكس على وحدة الميدان في التصدي لاقتحامات الاحتلال المتكررة والتي لم تتوقف يومًا.
في سياق هذا التقرير سنُسلط الضوء على مدينة جنين وأبرز المعارك التي شهدتها منذ العام 2002، والشهداء القادة الذين أداروا العملية بحِكمة واقتدار وصولًا إلى يومنا هذا.
تقع مدينة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة، وتعتبر تاريخيًا إحدى مدن المثلث الواقعة شمال فلسطين، وتبعد عن القدس مسافة 75 كيلو متر إلى الشمال.
فيما تطل جنين على غور الأردن من ناحية الشرق، ومرج بن عامر إلى جهة الشمال وتبلغ مساحته 37.3 كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكانها 11674 لاجئ بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وتضم عددًا من المجموعات المسلحة.
وقديمًا.. عندما تراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية فيما يتعلق بمقاومة الاحتلال بعدما انتهجت المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي برزت عِدة تشكيلات مسلحة خاضت نضالًا وطنيًا حقيقيًا مع الاحتلال دفاعًا عن المدينة ومخيمها من بطش الاحتلال ووحدات المستعربين.
وبرزت عدة تشكيلات مسلحة أنذاك منها مجموعات الفهد الأسود التابعة لحركة فتح، والنسر الأحمر التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومجموعات كتائب القسام التابعة لحركة حماس وانتهاءً بمجموعات عشاق الشهادة التابعة لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.
وفي بداية الأمر تركز عمل “الفهد الأسود” في الأمن الداخلي الفلسطيني عندما ازداد عدد المتخابرين مع الاحتلال لوأد الانتفاضة المباركة، لتتوالى بعدها عمليات الاغتيال ضد قيادات “المجموعة”.
وتمكنت (إسرائيل) وقتها من اغتيال الشهيد محمود الزرعيني قائد مجموعات الفهد الأسود في مدينة جنين، وإبراهيم الزريقي، إبراهيم الفرقع، خالد الشاكر، باسم صبيحات، عبد الكريم صبيحات، إياد سمّار، مهدي أبو الحسن، باسم شعبان، وليد السوقي، أحمد العبوشي، محمّد السعدي، عوض الكرزان.
أحمد أمين كميل، حسن عاهد كميل، محمّد نجي، حسن عسّاف كميل، أسامة إبراهيم نزّال، حسن صبيحات، عماد عتيق، أحمد مصطفى دقّة “الكخ”، وأمين محمّد رحّال، محمّد علي مديرس، محمّد صادق كميل “طقطق” وبدر شافع نزّال.
ومن أبرز قادة المجموعة الأسرى المحرّرين أسامة السيلاوي ومحمد تركمان، ومحمّد قدورة، أسامة أبو حنانة، يوسف إرشيد، محمد الصباغ، فيصل أبو الرب، نعمان الشلبي.
وأيمن جرادات وبرهان صبيح – الّذي أُفرج عنه لكن أُعِيدَ اعتقاله خلال انتفاضة الأقصى وحُكِمَ ستة مؤبدات بأثر رجعيّ – وأحمد عوض كميل الّذي كان قائدًا للمجموعات في بلدة قباطية واعتُقِل في نهاية عام 1993، عندما عُثر عليه متحصنًا في سرداب في قرية الكفير قُرب جنين.
عملية السور الواقي
وشهدت مدينة جنين ما يسمى عملية “السور الواقي” الشهيرة والتي أشرف عليها المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي بتعليمات مباشرة من أرائيل شارون لوأد المقاومة في مناطق الضفة الغربية، حيث استهلكت شهورًا من الاعداد والتجهيز ومما عجّل في تنفيذها هو وقوع عملية فندق نتانيا.
وبحسب مؤرخين فلسطينيين فقد استمرت عملية السور الواقي 15 يومًا، ارتكبت خلالها إسرائيل أبشع عمليات القتل والتنكيل والتشريد بحق الفلسطينيين، ما أسفر عن استشهاد وجرح مئات المواطنين، كما دُمِر خلالها مخيم جنين بشكلٍ شبه كامل نتيجة العدوان الوحشي.
كما حشد الاحتلال لاقتحام المخيم وتدميره خمسة آلاف جندي و 400 دبابة عسكرية و 125 جرافة و 50 طائرة مقاتلة، وفي المقابل كان المخيم يحتضن 200 مقاومًا فلسطينيًا مسلحًا ببنادق كلاشينكوف وأم 16 وبعض الألغام والعبوات الناسفة محلية الصنع وقاذف أر بي جي واحد فقط.
وخلال المعركة المشهودة نجح المقاومون الفلسطينيون في إعطاب ثلاث دبابات (اثنتان ميركافاة وواحدة تي-72) فيما قُتل أربعة جنود إسرائيليين وجُرح 16، ما دفع بالاحتلال للانسحاب من المخيم، وبعد 48 ساعة أعاد الاحتلال توغله في أطراف المخيم وبدأت المعركة مجددًا ورغم ذلك صمد الأهالي في منازلهم.
ولعب صمود المواطنين في منازلهم والإقامة فوق أنقاضها المُدمرة دورًا بارزًا في حسم المعركة وتشكيل حاضنة شعبية فريدة للمقاتلين، لتُعلن إسرائيل بعدها مقتل 25 جنديًا في المعركة التي وصفتها بأنها الأشرس منذ عام 1967 فيما ذكرت تقارير اخرى بأن عدد الجنود الإسرائيليين القتلى في العملية كان 55 وليس كما تدّعي إسرائيل.
وقاد معركة جنين البطولية الشهيد القائد يوسف ريحان المعروف بـ”أبي جندل” والذي كان ينتمي لحركة فتح أحد ضباط جهاز الأمن الوطني الفلسطيني وأعدمته قوات الاحتلال بدم بارد بعدما قاد المقاومين طِيلة أيام الاشتباكات المسلحة.
كما أن الأسير جمال عبد السلام أبو الهيجاء والد الشهيد حمزة، كان أحد أبطال وقادة معركة مخيم جنين البطولية، وواحدًا من القيادات البارزة في حركة حماس وكتائب القسام.
حيث حرق الاحتلال منزله وقصفه لاحقًا بعدما كان ملاذًا آمنًا للمقاومين من جميع التنظيمات المسلحة، ورغم بتر يده خلال أحد الاجتياحات لجنين إلى أنه استمر في مقاومته حتى اعتقاله عام 2002 والحُكم عليه بالسجن المؤبد تسع مرات.
أما لمحمود طوالبة قصة من نوع آخر، حيث استبسل في قتال الاحتلال وكان له دور مميز وفعّال في صناعة العبوات الناسفة وزرعها لاستهداف الاحتلال وآلياته العسكرية وكان قائدًا فذًا ينتمي لحركة الجهاد الإسلامي، إلى حِين اغتياله بتاريخ 20 أبريل 2002.
وهناك أسماء كثيرة خلّدها التاريخ بمداد من نور كرامةً لأصحابها الذين قدموا أرواحهم فداءً للأرض والانسان ومنها:
الشهيد نصر جرار، محمد عمر حواشن، محمد يوسف القلق، ربيع جلامنة، أحمد حسين أبوالهيجا، طارق زياد درويش، بلال محمد الحاج، قيس عدوان.
ومن الشهداء محمد كميل، ماجد أبو الرب، منير وشاحي، مصطفى الشلبي، محمد الحامد، طارق دراوشة، سامر جردات، غازي أبو عرة، زكي شلبي ونجله وضاح، عبد الكريم السعدي، أبو العبد السعدي – أبو الزرعيني-، أشرف محمود أبو الهيجا، ناصر أبو حطب، طه الزبيدي، يسري أبو فرج.
ومنهم الحاج أبو رجا صباغ، الحاجة أم مروان وشاحي، عميد عزمي الياموني، نايف قاسم، وائل أبو السباع، نضال النوباني، ماهر النوباني، جمال عيسى تركمان، عمار حمدان عثمان، كمال الصغير، فارس عناد الزبن، شادي رأفت النوباني، جمال محمود الفايد، محمود محمد، أحمد طوالبة.
ورياض بدير، عبد الرحيم فرج، محمد طالب، نايف قاسم عبد الجابر، نضال سويطات، وليد محمود، اشرف العدي، زياد العامر، معتصم الصباغ، عبدالهادي العمري.
أما عن الأسرى القادة: الشيخ علي سليمان السعدي الصفوري، ثابت عزمي سليمان مرداوي، النائب خالد سعيد، النائب خالد سليمان، النائب حاتم جرار، النائب إبراهيم دحبور محمد صبحي محمد أبو طبيخ، محمد جمال محمد عقل.
ومن الأسرى نهار أحمد عبد الله السعدي، يوسف عطا ذياب حمدان، إسلام صالح محمد جرار، سامر عصام سالم المحروم، علي سليمان سعيد سعدي، جمال عبد السلام أبو الهيجاء، عبد الكريم راتب يونس عويس، حسان راتب يونس عويس، يوسف نمر محمد أبو قنديل.
ومنهم منتصر صالح محمد أبو غليون، علاء الدين توفيق محمد فريحات، سعيد حسام طوباسي، شادي إبراهيم قاسم عموري، سمير عبد الفتاح رضا طوباسي، علي عبد اللطيف مصطفى سايس.
وأبطال عملية نفق الحرية زكريا الزبيدي، مناضل يعقوب عبدالجبار نفيعات، يعقوب محمود أحمد قادري، أيهم فؤاد نايف كمامجي، محمود عبد الله علي عارضة، محمد قاسم أحمد عارضة.
وحديثًا.. تعتبر كتيبة جنين هي الأبرز بين المجموعات المسلحة والتي برز اسمها طِيلة الأشهر الماضية نتيجة العمليات النوعية التي نفذتها ضد الاحتلال خلال اقتحام مخيم جنين، وهي مجموعةٌ تتبع لحركة الجهاد الإسلامي ويُشرف على تمويلها بالسلاح والمال سرايا القدس.
وظهرت كتيبة جنين للمرة الأولى عام 2021 إبان عملية الهروب الكبير من سجن جلبوع والذي نفذه ستةٌ من الأسرى الفلسطينيين، حيث ترأس الكتيبة الشهيد جميل العموري الذي استُشهد برصاص الاحتلال بتاريخ 10 يونيو/ حزيران للعام ذاته.
فيما تبنت المجموعة خَيار الكفاح المسلح ليتولى دفة القتال الشهيد عبدالله الحصري ويقود عملًا مقاومًا بأسلوب جديد ضد الاحتلال ولكن سرعان ما عملت (إسرائيل) على اغتياله بتاريخ الأول من مارس للعام 2022.
وتسابق عددٌ من المقاومين لقيادة الكتيبة للإبقاء على حالة الجهوزية الكاملة للتصدي للاحتلال وافشال مخططاته المشبوهة، حيث باتت الكتيبة رقمًا صعبًا في تاريخ الصراع مع الاحتلال رغم نشأتها الحديثة.
ما الذي يجري الآن؟
منذ صباح اليوم تشهد مدينة جنين عملية عسكرية واسعة، حيث نصب مقاومون كمينًا مُحكمًا لجنود الاحتلال الإسرائيلي، أسفر عن إصابة 6 جنود إسرائيليين اثر تفجير عبوة ناسفة.
وبحسب موقع “والاه” العبري، فقد أُصيب 5 جنود بجروح جراء تفجير مركبتهم العسكرية في مخيم جنين، مشيرًا إلى أن “الاحتلال حاول سحب الآليات التي أعطبها المقاومون بتفجير عبوة ناسفة”.
فيما أُصيب جندي سادس خلال الاشتباكات المندلعة مع المقاومين الفلسطينيين في المخيم شمال الضفة الغربية المحتلة.
وأوضحت المصادر العبرية أن المقاومون أطلقوا مقذوفاً على آلية عسكرية مصفحة تمكنت من اختراقها، ما تسبب بوقوع مصابين في صفوف جنود الاحتلال.
وأكدت إذاعة جيش الاحتلال على أن “الآلية التي أعطبت في الكمين كانت مُحصّنة، وتم تفجيرها بعبوة ناسفة قوية جداً ما أدى إلى اختراقها”.
ولجأ جيش الاحتلال إلى استخدام الطائرات المروحية لإجلاء الجرحى الجنود بسبب عدم قدرته على سحب الآليات وإخراج المصابين، كما قصف جنين بطائرات الأباتشي للمرة الأولى منذ عام 2002.
فيما أعلنت وزارة الصحة، عن استشهاد أربعة مواطنين بينهم طفل، وإصابة 29 آخرين بينهم 6 بجروح خطيرة، خلال عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي، المتواصل على مدينة جنين ومخيمها.
الفصائل تُعقّب
قالت الفصائل الفلسطينية، الإثنين، إن “استهداف آليات الاحتلال العسكرية في مدينة جنين يشير إلى إدخال مزيد من التكتيكات العسكرية والفعل المقاوم إلى ساحات المعركة”.
وأكدت الفصائل خلال بيانٍ صحافي على أن “العملية البطولية في مدينة جنين ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي، تُثبّت قدرة المقاومة في الضفة على مفاجأة الاحتلال وأنها عصية على الانكسار وحاضرة بالفعل المقاوم”.
ولفتت إلى أن “الاحتلال حاول دخول مخيم جنين، ولكنه تفاجأ من إعداد المقاومين الذي أُربك جنوده بشكلٍ حقيقي ما أسفر عن وقوع إصابات مباشرة وقوية في مجنديه وآلياته العسكرية”.
وشددت على أنّ “جنين أثبتت مرة أخرى قُدرتها على الابتكار في الأدوات، واستخدام مزيد من التكتيكات العسكرية، فيما لا يزال في جعبتها الكثير”.
وأشارت إلى أن “المقاومة تُؤكد فشل كل محاولات الاحتلال بترهيب شعبنا عبر حديثه عن شن عمليات واسعة في الضفة الغربية، وأنّها ستبقى حاضرة للدفاع شعبنا وأرضا ومقدساتنا والاحتلال لن يكسرها”.