إشكالات وملابسات الإعلان عن استقلال الدولة الفلسطينية

أقلام – مصدر الإخبارية

إشكالات وملابسات الإعلان عن استقلال الدولة الفلسطينية، بقلم الكاتب الفلسطيني إبراهيم إبراش، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

أحداث كثيرة وخطيرة جرت منذ توقيع اتفاقية أوسلو والمراهنة الفلسطينية على تسوية سياسية تؤدي لـ (حل الدولتين)، وهي تحولات جعلت هذا الحل كما تراه وتريده القيادة الفلسطينية شبه مستحيل لعدة أسباب منها:
1- سياسة الاستيطان التي لم تترك أرضا في الضفة الغربية لقيام الدولة الفلسطينية.
2- توقف عملية التسوية السياسية وتراجع الاهتمام بها عربيًا ودوليًا.
3- الانقسام الفلسطيني الذي أسس لمشروع دولة غزة وأدى لضعف مؤسسة القيادة الفلسطينية.
4- وصول حكومة صهيونية عنصرية تتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني بل وتنفي وجود شعب فلسطيني كما زعم المتطرف سموترتش.
5- الصراعات العربية الداخلية والتطبيع بين دول عربية وكيان الاحتلال مما أضعف من معسكر الحلفاء الذين قد يدعمون الموقف الفلسطيني وأدى لتجاوز المبادرة العربية للسلام التي كانت تدعم حل الدولتين.
6- انشغال العالم والأمم المتحدة بحرب أوكرانيا وتداعياتها السياسية والاستراتيجية والاقتصادية، كما أن قرارات الأمم المتحدة التي كانت تشكل مرجعية لدولة حل الدولتين بقيت حبرا على ورق.
بالرغم من كل ذلك فإن القيادة الفلسطينية لم تطرح روية أو تصورا ديلا لحل الدولتين وما زالت مترددة عمليا في تجاوز مرحلة الحكم الذاتي التي كان يُفترض أن تنتهي في مايو 1999 وتعلن رسميا عن سيادة الشعب الفلسطيني على أراضي الدولة التي اعترفت بها غالبية دول العالم في عام 2012.
فهل هذا التردد بسبب قناعة من القيادة الفلسطينية أنه ما زال هناك إمكانية لقيام الدولة في الضفة وغزة وعاصمتها القدس من خلال المفاوضات؟ أم لأنه لم تعد هناك أرض في الضفة الغربية لقيام هذه الدولة؟ أو أن القيادة الفلسطينية تراهن على متغيرات داخل الكيان الصهيوني توصل للسلطة أحزاب معتدلة تقبل بحل الدولتين؟

للإجابة عن هذه الأسئلة يستحسن الرجوع إلى بداية الحديث عن الدولة الفلسطينية في سياق عملية التسوية السياسية، جيت كانت البداية مع التوجه الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية لتسوية سياسية تعترف فيها المنظمة بإسرائيل والانتقال من الشرعية التاريخية للحقوق السياسية للفلسطينيين والادبيات التي تتحدث عن تحرير كل فلسطين من النهر الى البحر … إلى الشرعية الدولية وقراراتها حول القضية الفلسطينية وهي قرارات غير ملزمة ولا تتطابق مع الحقوق التاريخية للفلسطينيين في كامل أرضهم.
كانت دورة المجلس الوطني الفلسطيني (19) في الجزائر 15 نوفمبر 1988 نقطة فاصلة في الانتقال من الشرعية التاريخية إلى الشرعية الدولية والمراهنة على هذه الأخيرة لقيام الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة في خرب يونيو 1967.
ففي هذه الدورة تم صدور ما يسمى (وثيقة الاستقلال) وفيها تم الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية ولكن بصيغة ملتبسة ومشحونة بمفردات ثورية وطنية وعاطفية تخفي ما تهيئ له القيادة لمرحلة ما بعد الإعلان عن (الاستقلال) وهو الاستعداد للتفاوض مع إسرائيل، وهو غموض والتباس وضحه البيان السياسي الذي صدر في نهاية الدورة.
فإن كان إعلان الاستقلال تحدث عن الشرعية التاريخية ولم يُحدد بوضوح الأراضي التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية ولا الوسائل المتبعة للوصول للدولة، فإن البرنامج السياسي المتزامن مع إعلان الاستقلال كان أكثر وضوحا في تحديد مرجعية الدولة وحدودها حيث جاء فيه: ” وانطلاقاً من كل ما تقدم، فإن المجلس الوطني الفلسطيني …. يؤكد عزم منظمة التحرير الفلسطينية على الوصول إلى تسوية سياسية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية، في إطار ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ وأحكام الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة……”
رحبت غالبية دول العالم بهذا الإعلان الذي اعترف بقرارات الشرعية الدولية كمرجعية لحل الصراع بالطرق السلمية وأدرجت الجمعية العامة للأمم المتحدة المسألة الفلسطينية على جدول أعمال دورتها السنوية المنعقدة في جنيف في 13 ديسمبر 1988، وبعد هذا الاعتراف ارتفع عدد الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية إلى 108.
ولكن، الولايات المتحدة وإن رحبت بقبول المنظمة لقرارات الأمم المتحدة، وخصوصاً تلك التي تتضمن الاعتراف بدولة إسرائيل ونبذ العنف، إلا أنها أعلنت عبر وزارة خارجيتها أنها لم توافق على إعلان قيام دولة فلسطينية مستقلة، بل إنها وظفت قانون المساعدة الخارجية وغيرها من التدابير لثني البلدان الأخرى والمنظمات الدولية عن الاعتراف بدولة فلسطين.
على إثر هذه الدورة للمجلس الوطني تم تسمية الرئيس أبو عمار رئيسا للدولة مع احتفاظه برئاسة منظمة التحرير، ولكن واشنطن التي باشرت حوارات مع المنظمة في تونس رفضت أن تجلس مع أبو عمار بصفته رئيس دولة فلسطين واشترطت حتى تستمر المفاوضات أن يتخلى عن مسمى رئيس الدولة وهذا ما جرى بالفعل، وحتى مع بداية مفاوضات أوسلو فقد نص بيان الاعتراف المتبادل بأن تعترف منظمة التحرير بحق إسرائيل في الوجود مقابل اعتراف هذه الأخير بمنظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطيني، كما أن اتفاق أوسلو بحد ذاته لم يذكر بتاتا كلمة الدولة الفلسطينية، وحتى الانتخابات الرئاسية والتشريعية كانت لرئيس سلطة فلسطينية ولمجلس تشريعي لسلطة حكم ذاتي.
وهذا غاب مصطلح ومسمى الدولة الفلسطينية ورئيس الدولة من كل الوثاق والمراسلات الرسمية وحل محله مسمى السلطة الفلسطينية ورئيس السلطة الفلسطينية.
استمر هذا الغياب طوال عهد الرئيس الراحل أبو عمار الذي حاول بعد نهاية المرحلة الانتقالية في مايو 1999 وفشل مفاوضات كامب ديفيد 2 تجسيد قيام الدولة عمليا وتجاوز مرحلة الحكم الذاتي إلا أنه تلقى تهديدات من واشنطن ودول أجنبية وحتى عربية وخصوصا مصر حسني مبارك بأنه في حالة الإعلان عن الدولة ستتوقف عملية التسوية السياسية وتتوقف الدول المانحة عن تقديم المساعدات للسلطة، حتى قيادات من حركة فتح حذروه من الإقدام على ذلك، وبسبب موقف أبو عمار بدأت خلافات فتحاوية داخلية.

في محاولة لإرضاء الفلسطينيين وفي محاولة لوقف الانتفاضة الثانية التي اندلعت في عام 2000 طرحت الرباعية الدولية خطة خارطة الطريق في أبريل 2002 وفيها تم الحديث عن إمكانية قيام دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة ومنزوعة السلاح في نهاية المرحلة التي حددتها الرباعية للمفاوضات 2005، إلا أن شارون وضع 14 تحفظاً على الخطة واجتاح الضفة الغربية وحاصر الرئيس أبو عمار وتم اغتيال أبو عمار 2004 وجرى الانقسام الفلسطيني 2007 الذي خطط له شارون لوأد أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية تضم الضفة وغزة والقدس.
استمر تغييب الدولة الفلسطينية في عهد الرئيس أبو مازن حتى العام 2012. فبعد الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة عام 2012 أصدر الرئيس محمود عباس في العام الموالي 2013 مرسومين رئاسيين بتغيير صفته من رئيس سلطة إلى رئيس دولة فلسطين مع الاحتفاظ برئاسة اللجنة التنفيذية للمنظمة، كما أصدر المجلس المركزي في دورته المنعقدة برام الله في أكتوبر 2018، قرارا يؤكد “الانتقال من مرحلة سلطة الحكم الذاتي إلى مرحلة تجسيد الدولة.

ولكن، يبدو أن هذه الخطوات من الرئاسة ومن المجلس المركزي جاءت متأخرة، حيث اليمين الصهيوني المتطرف وصل للسلطة ويعمل على تصفية الوجود الوطني الفلسطيني، كما أن سياسات القيادة لا تعبر عن موقف إجماع وطني كما أن الانقسام ما زال قائما بل ويتعزز، والسلطة مقيدة بكثير من الالتزامات التي فرضتها اتفاقية أوسلو بالرغم من قرارات المجلسي المركزي، كما أن الوضع الدولي والإقليمي وحتى العربي غير مهيئ للتعامل مع نهج جديد للسلطة الفلسطينية يضعها في مواجهة مباشرة مع دولة الاحتلال.

وأخيرا نؤكد على ما يلي:
1- أن الدولة الفلسطينية ليست منة أو منحة من واشنطن أو إسرائيل أو حتى من الأمم المتحدة بل حق للشعب الفلسطيني مبني على الوقائع التاريخية وحقائق الواقع التي تقول بوجود 14 مليون فلسطيني نصفهم ما زال يعيش على أرضه التاريخية والنصف الآخر في الشتات ينتظر ويعمل من أجل العودة.
2- التسوية السياسية وما انبثق منها من تصور لحل الدولتين هي إحدى محاولات حل الصراع التي لجأت لها القيادة الفلسطينية، وإن فشلت هذه المحاولة فهناك وسائل أخرى من حق الشعب الفلسطيني اللجوء لها، فخيارات القيادة ليست بالضرورة هي خيارات الشعب.
3- إدارة حكيمة للخلافات الداخلية بين مكونات الحالة الفلسطينية ولظاهرة الانقسام، والتوصل لإستراتيجية وطنية جامعة حتى في ظل وجود انقسام جغرافي، فالثورة الفلسطينية المعاصرة انطلقت وفرضت وجودها في ظل الشتات وعدم وجود تواصل بين التجمعات الفلسطينية وبعيدا عن متاهات السلطة والدولة.
4- إن عدم موائمة التوازنات الدولية والإقليمية لأهداف حركة التحرر الفلسطينية يجب ألا يؤدي للاستسلام لمشيئة العدو والتخلي نهائيا عن الحقوق والثوابت، بل على الشعب والنخب الوطنية الحريصة على مصلحة الوطن أن تشتغل على إستراتيجية الحفاظ على الذات الوطنية ودعم مقومات الصمود الوطني، وعلى القيادة الفلسطينية والأحزاب إعادة النظر في استراتيجيتهم وأدوات هذه الاستراتيجية.
5- إن أي (دولة) تنتج عن تسوية سياسية في ظل المعطيات الراهنة أو يتم فرضها وصناعتها بالقوة ليست هي فلسطين بل كيانا مسخا لن يؤدي إلا لضياع الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني ولإثارة الفتنة والحرب الأهلية حول من يحكم هذا الكيان المشبوه سواء كان دويلة غزة أو كانتونات ومعازل الضفة، وهناك فرق بين الدولة الفلسطينية وصناعة دولة للفلسطينيين.

لغز الصواريخ المنطلقة من لبنان تجاه إسرائيل

أقلام – مصدر الإخبارية

لغز الصواريخ المنطلقة من لبنان تجاه إسرائيل، بقلم الكاتب الفلسطيني ابراهيم ابراش، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

الصواريخ التي انطلقت من جنوب لبنان يوم الخميس تجاه شمال فلسطين المحتلة وأدت لتوتر الوضع على جبهتي غزة ولبنان تثير كثيرا من التساؤلات حول توقيت إطلاقها والجهة المسؤولة عنها وتداعياتها.
فقد جاء التوقيت في وقت تحتدم فيه الخلافات داخل المعسكر الصهيوني، ونتنياهو وحكومته في مأزق شديد لدرجة أن مسؤولين صهاينة يحذرون من حرب أهلية، وكان نتنياهو يبحث عن منفذ للخروج من المأزق، كما جاءت متزامنة مع اقتحامات المسجد الأقصى بما صاحبها من همجية لجيش الاحتلال في قمع المصلين مما أثار ردود فعل عربية ودولية منددة بهذا القمع، كما بدت إسرائيل في حالة شبه معزولة بسبب التصريحات العنصرية الاستفزازية للوزير سموترتش والأحداث الداخلية المتعلقة بالتعديلات القضائية أيضا بسبب العنف الممارَس في مواجهة الفلسطينيين، أيضا جاءت في وقت بدأت فيه بوادر تذمر من الدول العربية المطبعِة من السلوك الصهيوني.
أما بالنسبة للجهة المسؤولة عنها، فحزب الله نفى مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ كما لم تُعلن أية جهة فلسطينية أو غير فلسطينية مسؤوليتها، إسرائيل هي التي اتهمت حركة حماس بإطلاقها مع أنها انطلقت من لبنان وليس من غزة وهي التي باشرت بالرد بقصف قطاع غزة مما أدى لرد الفصائل الفلسطينية وكانت المواجهات محدودة جدا بحيث لم يسقط ضحايا من الطرفين وكأن الأمر كان منسقا ومدروسا ويعكس عدم رغبة في التصعيد.
أما بالنسبة للتداعيات الداخلية فقد استطاع نتنياهو استغلال الأمر بإبعاد الأنظار عن أزمته الداخلية وحشد قوى المعارضة من خلفه في الدفاع عن دولة الكيان في مواجهة التهديد الخارجي المزعوم، والأخطر من ذلك أنه استطاع إبعاد الأنظار ولو مؤقتا عما يجري في القدس والمسجد الأقصى من خلال التصعيد المزعوم على جبهة غزة والذي قد يستمر لأيام حتى ينفذ بن غفير وسموترتش مخططاتهم في المسجد الأقصى.
وبالنسبة للتوظيف الخارجي لعملية إطلاق الصواريخ فبالإضافة إلى أنها كشفت غياب السيادة في لبنان وما يسوده من حالة فوضى فقد تؤدي إلى مزيد من التوتر بين المكونات السياسية في لبنان وقد يحمّل لبنانيون الجانب الفلسطيني في لبنان المسؤولية مما ينذر بمزيد من التضييق على الفلسطينيين هناك.
.
صواريخ لبنان مجهولة الهوية ومحدودة التأثير ما دام لم يتم تبنيها من جهة مقاومة محددة ولم يضع من أطلقها هدفا محددا وخصوصا أنها لم تلحق ضررا بالعدو، بل حتى حزب الله وكل مكونات الدولة اللبنانية لم يباركوا العملية أو يعتبرونها حقا مشروعا وطنيا أو قوميا أو إسلاميا، ومجرد إطلاق صواريخ عبر الحدود دون هدف ورؤية أو توظيف سياسي يطرح كثيرا من التساؤلات حول جدوى العملية وما إن كانت تصب في صالح القضية الفلسطينية أم في مصلحة أجندة خارجية.
أيضا هذه العملية قد تخلق عند الفلسطينيين وهما أو مراهنة ليست في محلها بأن المعركة في فلسطين معركة العرب والمسلمين جميعا وعلى الفلسطينيين المراهنة على الأطراف الخارجية، وهي مراهنة ومزاعم غير صحيحة حيث كل الأنظمة والجماعات الحزبية العربية والإسلامية ليست الآن في وارد القتال دفاعا عن الفلسطينيين ولم يحدث عبر التاريخ أن حاربت هذه الأطراف من أجل تحرير فلسطين حتى حزب الله كانت حروبه مع إسرائيل من أجل تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، وهذا لا يعني تجاهل التأييد الشعبي وأشكال الدعم المادي الشعبية والرسمية.
هذه الصواريخ تستحضر صواريخ حركة حماس وفصائل المقاومة في غزة وحروبها التي بالرغم من تأثيرها المعنوي إلا أنها لم تؤدي إلا لمزيد من معاناة أهالي غزة وإفقارهم وتدمير بنيتها التحتية وتكريس للانقسام، لأن عملية إطلاق الصواريخ لم تندرج في سياق استراتيجية وطنية لتحرير الأرض، والصواريخ لوحدها لا تُحرر أرضا.
وخلاصة القول، على الفلسطينيين الاستفادة من تجارب الماضي وعدم المراهنة كثيرا على الأطراف الخارجية حتى العربية والإسلامية فحال هذه الأطراف غير مهيأة لمساندة الفلسطينيين عسكريا، ولهم في تجربة جبهة الصمود والتصدي وجبهة الممانعة عبرة، ونأمل أن يكون حالهم مختلفا مع محور المقاومة.

الصواريخ التي انطلقت من جنوب لبنان يوم الخميس تجاه شمال فلسطين المحتلة وأدت لتوتر الوضع على جبهتي غزة ولبنان تثير كثيرا من التساؤلات حول توقيت إطلاقها والجهة المسؤولة عنها وتداعياتها.
فقد جاء التوقيت في وقت تحتدم فيه الخلافات داخل المعسكر الصهيوني، ونتنياهو وحكومته في مأزق شديد لدرجة أن مسؤولين صهاينة يحذرون من حرب أهلية، وكان نتنياهو يبحث عن منفذ للخروج من المأزق، كما جاءت متزامنة مع اقتحامات المسجد الأقصى بما صاحبها من همجية لجيش الاحتلال في قمع المصلين مما أثار ردود فعل عربية ودولية منددة بهذا القمع، كما بدت إسرائيل في حالة شبه معزولة بسبب التصريحات العنصرية الاستفزازية للوزير سموترتش والأحداث الداخلية المتعلقة بالتعديلات القضائية أيضا بسبب العنف الممارَس في مواجهة الفلسطينيين، أيضا جاءت في وقت بدأت فيه بوادر تذمر من الدول العربية المطبعِة من السلوك الصهيوني.
أما بالنسبة للجهة المسؤولة عنها، فحزب الله نفى مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ كما لم تُعلن أية جهة فلسطينية أو غير فلسطينية مسؤوليتها، إسرائيل هي التي اتهمت حركة حماس بإطلاقها مع أنها انطلقت من لبنان وليس من غزة وهي التي باشرت بالرد بقصف قطاع غزة مما أدى لرد الفصائل الفلسطينية وكانت المواجهات محدودة جدا بحيث لم يسقط ضحايا من الطرفين وكأن الأمر كان منسقا ومدروسا ويعكس عدم رغبة في التصعيد.
أما بالنسبة للتداعيات الداخلية فقد استطاع نتنياهو استغلال الأمر بإبعاد الأنظار عن أزمته الداخلية وحشد قوى المعارضة من خلفه في الدفاع عن دولة الكيان في مواجهة التهديد الخارجي المزعوم، والأخطر من ذلك أنه استطاع إبعاد الأنظار ولو مؤقتا عما يجري في القدس والمسجد الأقصى من خلال التصعيد المزعوم على جبهة غزة والذي قد يستمر لأيام حتى ينفذ بن غفير وسموترتش مخططاتهم في المسجد الأقصى.
وبالنسبة للتوظيف الخارجي لعملية إطلاق الصواريخ فبالإضافة إلى أنها كشفت غياب السيادة في لبنان وما يسوده من حالة فوضى فقد تؤدي إلى مزيد من التوتر بين المكونات السياسية في لبنان وقد يحمّل لبنانيون الجانب الفلسطيني في لبنان المسؤولية مما ينذر بمزيد من التضييق على الفلسطينيين هناك.
.
صواريخ لبنان مجهولة الهوية ومحدودة التأثير ما دام لم يتم تبنيها من جهة مقاومة محددة ولم يضع من أطلقها هدفا محددا وخصوصا أنها لم تلحق ضررا بالعدو، بل حتى حزب الله وكل مكونات الدولة اللبنانية لم يباركوا العملية أو يعتبرونها حقا مشروعا وطنيا أو قوميا أو إسلاميا، ومجرد إطلاق صواريخ عبر الحدود دون هدف ورؤية أو توظيف سياسي يطرح كثيرا من التساؤلات حول جدوى العملية وما إن كانت تصب في صالح القضية الفلسطينية أم في مصلحة أجندة خارجية.
أيضا هذه العملية قد تخلق عند الفلسطينيين وهما أو مراهنة ليست في محلها بأن المعركة في فلسطين معركة العرب والمسلمين جميعا وعلى الفلسطينيين المراهنة على الأطراف الخارجية، وهي مراهنة ومزاعم غير صحيحة حيث كل الأنظمة والجماعات الحزبية العربية والإسلامية ليست الآن في وارد القتال دفاعا عن الفلسطينيين ولم يحدث عبر التاريخ أن حاربت هذه الأطراف من أجل تحرير فلسطين حتى حزب الله كانت حروبه مع إسرائيل من أجل تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، وهذا لا يعني تجاهل التأييد الشعبي وأشكال الدعم المادي الشعبية والرسمية.
هذه الصواريخ تستحضر صواريخ حركة حماس وفصائل المقاومة في غزة وحروبها التي بالرغم من تأثيرها المعنوي إلا أنها لم تؤدي إلا لمزيد من معاناة أهالي غزة وإفقارهم وتدمير بنيتها التحتية وتكريس للانقسام، لأن عملية إطلاق الصواريخ لم تندرج في سياق استراتيجية وطنية لتحرير الأرض، والصواريخ لوحدها لا تُحرر أرضا.
وخلاصة القول، على الفلسطينيين الاستفادة من تجارب الماضي وعدم المراهنة كثيرا على الأطراف الخارجية حتى العربية والإسلامية فحال هذه الأطراف غير مهيأة لمساندة الفلسطينيين عسكريا، ولهم في تجربة جبهة الصمود والتصدي وجبهة الممانعة عبرة، ونأمل أن يكون حالهم مختلفا مع محور المقاومة.

من نصدق سموترتش أم كتبهم الدينية؟

أقلام – مصدر الإخبارية

من نصدق سموترتش أم كتبهم الدينية؟، بقلم الكاتب الفلسطيني إبراهيم ابراش، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

صرح بتسلئيل سموترتش المنظر الجديد للصهيونية العنصرية ووزير مالية الاحتلال، في تصريحات له في فرنسا بالأمس أنه “لا يوجد شعب فلسطيني وأن هذا ليس سوى اختراع يعود عمره الى أقل من مائة عام”. وتأتي هذا التصريحات كجزء من الحرب الصهيونية المعممة على الفلسطينيين شعباً وهوية وتاريخاً ولتبرير الممارسات الإرهابية والاستيطانية.

وسنستشهد بنصوص من كتبهم (المقدسة) وهي جزءٌ من الكتاب المقدس الذي يشمل العهدين القديم والجديد وهذا الكتاب موجود في الكنائس وفي المكتبات بكل اللغات بما فيها اللغة العربية، وإن كانت هذه الاقتباسات تؤكد على وجود لليهود في فلسطين القديمة كما كانوا موجودين كديانة في بلاد أخرى ونحن لا ننكر وجود ديانة يهودية، إلا أنها تؤكد أيضاً على أسبقية وجود الشعب الفلسطيني على هجرة اليهود أو بني إسرائيل الأوائل إلى فلسطين.
ففي الكتاب المنسوب إلى نبيهم يشوع بن نون (كتاب يوشع) جاء: ” وقد بقيت أرض كثيرة – لم يدخلها اليهود – وهي : كل دائرة الفلسطينيين وكل أرض الجاشوريين – أمام مصر – وأقطاب الفلسطينيين الخمسة – وهم : الغزي والاشرودي و الاشقلوني والجتي والعقروني …” . وفي عصر (القضاة) الموالي لعصر يوشع جاء في سفر القضاة (10:7) : ” فحمى غضب الرب على بني إسرائيل – وباعهم بيد الفلسطينيين فحطموا إسرائيل ثماني عشرة سنة – في جميع أرض بني إسرائيل ” وفي سفر القضاة ( 13 :1 ) جاء : ” ثم عاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب – فدفعهم الرب إلى يد الفلسطينيين أربعين سنة ” . وفي العصر التالي – عصر النبي ( صموئيل ) جاء في الكتاب المنسوب إلى هذا النبي : ( صموئيل الأول 4 : 1 ) : ” وخرج جيش بنو إسرائيل للقاء الفلسطينيين – فانكسر ( انهزم ) بنو إسرائيل أمام الفلسطينيين } وتكررت الهزيمة ” .وفي عهد الملك ( طالوت) واسمه في كتابهم ( شاول ) جاء في ( صموئيل الأول 13 : 5 ) : ” واجتمع الفلسطينيون لمحاربة بني إسرائيل أيام شاول الملك: ثلاثون ألف مركبة حربية وستة آلاف فارس وشعب ( جيش ) عدده كالرمل الذي على شاطئ البحر .. فاختبأ اليهود في المغارات والغيامن والآبار .. وكل شعب اليهود ارتعب من الفلسطينيين ” . وفي عهد داوود جاء في سفر ( صموئيل الأول 27 : 12 ) أن داود يهرب للمرة الثانية ويختبئ هو ورجاله عند ملك الفلسطينيين الذي أكرمهم , وظلوا عنده سبعة أشهر ، وفي كتاب (صموئيل الثاني ) جاء أنه بعد أن صار ( داود ) ملكاً على اليهود , قام باسترداد والديه وزوجاته وأولاده من عند ملك الفلسطينيين الذي أكرمهم جداً . وفي عهد سليمان وفي كتاب ( ملوك أول 4 : 24 ) جاء أن حدود مملكة اليهود تنتهي عند حدود مدينة غزة التي لم تدخل أبداً ضمن مملكة اليهود. وظلت بعد ذلك ملكاً للفلسطينيين. وفي كتاب (أخبار أيام ثاني 17 : 11 ) صار ملوك الفلسطينيين أصدقاء لملوك بني إسرائيل الذين ملكوا بعد موت سليمان).

لو لم يكن هناك شعب فلسطيني فلماذا سميت فلسطين تاريخياً بهذا الاسم فالدول تسمى باسم الشعب الذي يسكنها؟ حتى وعد بلفور نفسه وقبل أكثر من مائة عام نص على “إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين” وليس في (إسرائيل).

إن لم يكن الفلسطينيون الذين يعيشون في وعلى أرضهم منذ آلاف السنين وتجمهم نفس اللغة والعادات والتقاليد والهوية والثقافة شعباً فهل اللقطاء الذين جمعتهم الحركة الصهيونية من كل أصقاع الأرض ومن كل الأعراق: عرب وروس وفرنسيين وأثيوبيين وأمريكيين الخ يشكلون شعباً أو قومية؟ نعم يجمعهم الدين ولكن الدين ليس قومية أو شعبا، وماذا يقول سموترتش للأمم المتحدة والمنظمات الدولية وغالبية دول العالم التي تعترف بوجود الشعب الفلسطيني بل وبحقه في دولة مستقلة، وفي العالم خوالي 120 سفارة وممثلية لفلسطين؟ فهل كل العالم على خطأ وسموترتش وحده على صواب؟

إضرابات النقابات في معادلة الصراع مع الاحتلال

أقلام – مصدر الإخبارية

إضرابات النقابات في معادلة الصراع مع الاحتلال، بقلم الكاتب الفلسطيني إبراهيم ابراش، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

وكأنه لا يكفي الشعب الفلسطيني ما يتعرض له من طرف حكومة صهيونية عنصرية لا تخفي أهدافها بتصفية الوجود الوطني الفلسطيني، ولا يكفيه الانقسام والفصل بين غزة والضفة وبين الداخل والخارج، ولا يكفيه حالة الفقر والبطالة وتراجع مؤشرات التنمية ومحاولة العدو تجهيل الشعب الفلسطيني، فتأتي إضرابات النقابات وخصوصا في قطاع التعليم وكأنها إعلان عن نجاح المراهنة الإسرائيلية بتوقيعها اتفاقية أوسلو، حيث كانت تراهن على تغيير معادلة الصراع من صراع كل الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال إلى صراع حزبي على السلطة، و تغيير في وظيفة المجتمع المدني وخصوصا النقابات من قاعدة من قواعد الثورة الفلسطينية إلى حركات وتنظيمات تواجه سلطة فلسطينية لتحقيق مكتسبات مادية.

لا شك أنه في الوضع الطبيعي والظروف العادية فإن الإضرابات التي تقوم بها النقابات تكتسي شرعية قانونية لأن مهمة النقابات الدفاع عن حقوق منتسبيها، ولكن … أن تأتي هذه الإضرابات وفي هذا الوقت الذي تتوسع فيه الهجمة الصهيونية على كل شعبنا بحيث لا يميز العدو في عدوانه بين العامل و المعلم والمهندس والفلاح والتاجر حتى السلطة الفلسطينية نفسها مهددة من الاحتلال، وفي الوقت الذي تقرصن دولة الاحتلال أموال المقاصة وتسعى لإفشال الدور الوطني للسلطة الوطنية، وأن تأتي في ظل الانقسام حيث بعض مكونات النقابات تنتمي لقوى معارضة لا تعترف بالسلطة وتعلن موقفا واضحا بمناهضتها وسعيها لإفشالها، وأن تؤدي الإضرابات إلى تعطيل العام الدراسي …كل هذا يطرح تساؤلات عميقة حول التحولات التي طرأت في العلاقة بين الحركة النقابية والمجتمع المدني بشكل عام من جهة والسلطة الوطنية التي يفترض أنها امتداد لمنظمة التحرير وعنوان سياسي للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة من جهة أخرى.

في الحالة الفلسطينية يتداخل العام مع الخاص والسياسي مع المدني، الشعب الفلسطيني بكل فئاته ومستوياته انتظم في حركة جماهيرية واحدة، قيادة سياسية، نقابات، أحزاب لمواجهة الاحتلال، ولم يكن تأسيس الحركة النقابية بداية وقبل قيام السلطة في إطار حركة مطلبيه اقتصادية أو اجتماعية بل في إطار حركة جماهيرية سياسية نضالية تسعى للاستقلال والحرية وإبراز الهوية الوطنية والحفاظ عليها.

تواجدت الحركات النقابية في فلسطين قبل النكبة وكانت جزءًا من الحركة الوطنية في مواجهة الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية، وبعد النكبة نهضت مجددا في رحم حركة التحرير الوطني خلال الشتات وكانت المواثيق والقوانين الأساسية لجميع النقابات تنص على انها قاعدة من قواعد الثورة الفلسطينية، وبالفعل كان كثير من المؤسسين والنشيطين في الحركة الوطنية منظمين للحركة النقابية، وكان منتسبو[k1] مؤسسات المجتمع المدني من اتحادات وجمعيات ومنظمات اجتماعية هم الذين رفدوا حركة المقاومة أو الثورة والنخبة السياسية الفلسطينية والسلطة الوطنية خصوصاً، وهؤلاء مدينين للمجتمع المدني بكل تكويناته.

دخول منظمة التحرير الفلسطينية مسلسل التسوية وتوقيعها اتفاقية أوسلو وبداية الحكم الذاتي الفلسطيني في مناطق من الضفة والغربية وقطاع غزة غيَّر في وظيفة المؤسسات المدنية والسياسية التي ظهرت في مرحلة الثورة، فالسلطة الوطنية الفلسطينية التي تدير مناطق الحكم الذاتي أصبحت بمثابة السلطة السياسية لها حساباتها وسياساتها وارتباطاتها الناتجة عن مسلسل التسوية, وهي سياسة وارتباطات لا تتفق بالضرورة مع موقف كل الشعب الفلسطيني ومؤسساته المدنية، ومن هنا حدث الانفصال بين المجتمع المدني وخصوصا النقابات وحركة التحرر الوطني التي يُفترض أن السلطة الوطنية امتداد لها.

وهكذا لاحظنا منذ تأسيس السلطة 1994 ظهور (مجتمع مدني) بعضه تابع للسلطة وآخر يمارس دور المعارضة في مواجهتها، كما أن السلطة اعترفت للنقابات بحق العمل النقابي وحقها بالأضراب وكل أشكال الاحتجاجات السلمية لتحقيق أهدافها بل ووقعت الحكومة مع النقابات اتفاقات وتفاهمات لضمان حقوق العاملين.

ما أربك العلاقة بين الحركة النقابية والسلطة هو انعدام الثقة والانقسام السياسي ومحاولة قوى سياسية معارضة للسلطة الهيمنة على النقابات ليس لتحقيق مزيد من المطالب المعيشية بل لمناكفة السلطة وإضعافها بل وسيطرة بعض أحزاب المعارضة على بعض النقابات مما عزز حالة انعدام الثقة وتخوفات السلطة من توظيف العمل النقابي للإضرار بها.

من حق المعلمين أن يعيشوا حياة كريمة لأن بناء الأجيال يقوم على اكتافهم، ولا يُعقل أن يكون أجر المعلم أقل من أجر عامل في إسرائيل وحتى في الضفة، كما أن على الحكومة الالتزام بتعهداتها مع النقابات، ولكن في نفس الوقت على المعلمين وكل النقابات ألا يتجاهلون حراجة الظروف التي تمر بها السلطة وأن هناك أطراف متعددة معنية بتدمير السلطة وإفشالها وهؤلاء قد يوظفون النقابات لهذا الغرض.

حتى مع اتهامات يوجهها البعض بأن حالة الارباك في تدبير السلطة للشأن العام وما يشوب السلطة من أوجه فساد كما يزعم البعض ووجود بعض الأطراف في السلطة نفسها معنية بالتصعيد مع النقابات لإبعاد الأنظار عما تعيشه من مأزق وعجز في مواجهة العدوان الصهيوني وانغلاق أفق مراهنتها على التسوية السياسية… هذه الاتهامات كما الاتهامات التي توجهها الحكومة لبعض مكونات نقابة العاملين يجب ألا تكون عائقا أمام تصويب العلاقات بين الحكومة والحركات النقابية وخصوصا المعلمين، فاستمرار الإضرابات لن يتضرر منه إلا التلاميذ وأولياء أمورهم وليس الحكومة، بل يمكن القول بأن كل أشكال الإضرابات وتعليق العمل أو التدريس في الحالة الفلسطينية، معلمين وأطباء ومحامين الخ، مرفوضة ويجب إعادة النظر بها، سواء كانت لأسباب مطلبية أو سياسية كالمناسبات الوطنية ودعم الأسرى وغيرها، فالمجتمع الفلسطيني الذي يعيش في مرحلة بناء الدولة ومواجهة السياسة الصهيونية لتجهيل الشعب الفلسطيني وافقاره يحتاج لكل طاقات الشعب في كل المجالات في هذه المرحلة المحرجة، والإضرابات لن يتضرر منها إلا المجتمع الفلسطيني وعلى النقابات البحث عن وسائل نضالية أخرى لتحقيق مطالبها.

أقرأ أيضًا: العدو لا يستطيع لوحده حسم الصراع في فلسطين وعليها

العدو لا يستطيع لوحده حسم الصراع في فلسطين وعليها

أقلام – مصدر الإخبارية

العدو لا يستطيع لوحده حسم الصراع في فلسطين وعليها، بقلم الكاتب الفلسطيني إبراهيم ابراش، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

يتخوف كثيرون من أن الحكومة الصهيونية المتطرفة بزعامة نتنياهو وزمرته تعمل على حسم وإنهاء الصراع في وعلى فلسطين وبالتالي إنهاء القضية الفلسطينية، ومع اعترافنا بقوة الخصم إلا أن حسم وانهاء الصراع ليس قرارًا إسرائيليًا خالصًا، نعم يمكن إنهاء الصراع مع دول وأنظمة عربية وإسلامية ولكن القضية والمسألة الفلسطينية تخص الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى وإن لم يستسلم الفلسطينيون ويرفعون الراية البيضاء، وهذا لم يحدث، فسيستمر الصراع حتى وإن كان بثمن أكثر فداحة.

خلال الأشهر الأخيرة تأكدت حقائق لا يمكن لعاقل تجاهلها ستحدد مستقبل الصراع وطبيعته وهي:
الحقيقة الأولى: أنه لا يمكن التوصل لأية تسوية سياسية مع الحكومة الصهيونية اليمينية والفاشية حتى على مستوى الالتزام بالاتفاقات الموقعة، أوسلو ولواحقها، كما أن توجهات وممارسات الحكومة الحالية تُنذر بنكبة جديدة تتجاوز مشاريع توسيع الاستيطان إلى ارتكاب مجازر جماعية وعمليات تهجير قسرية للفلسطينيين وإلغاء الدور الوظيفي الوطني للسلطة الفلسطينية.

الحقيقة الثانية: أن الشعب الفلسطيني لم يتنازل عن حقوقه الوطنية المشروعة وعنده الاستعداد لمقاومة الاحتلال بما هو ممكن ومتاح حتى وإن اقتصر الأمر على عمليات فدائية فردية.

الحقيقة الثالثة: بالرغم من التنديد الواسع للإرهاب الصهيوني كما جرى مع جرائم المستوطنين والجيش في حوارة إلا أنه لا يبدو في الأفق أي توجهات دولية جادة للضغط على إسرائيل لتتراجع عن ممارساتها كما لا يوجد أي تحرك لتفعيل عملية السلام.

الحقيقة الرابعة: تأكد أن الصراع هو بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني وسقوط أي مراهنة على الأمتين العربية والإسلامية كأنظمة وأحزاب ومنظمات إقليمية، حيث لمسنا ردود فعل دولية رافضة لجرائم الاحتلال أكثر من ردود الفعل العربية والإسلامية.

الحقيقة الخامسة: تأكد عدم قدرة بنية النظام السياسي الفلسطيني بمرجعيتيه وسلطتيه في غزة والضفة في الارتقاء لمستوى ما يجري حيث لم نسمع عن تفعيل حوارات المصالحة أو اجتماعات قيادية شاملة وبالتالي غياب أية استراتيجية أو رؤية وطنية لمواجهة ما تتعرض له القضية والشعب من مخاطر.

الحقيقة السادسة: مهما كان بأس العمليات الفدائية وشرعيتها وما تلاقيه من تأييد وتعاطف شعبي إلا أن قدرتها لوحدها على تحرير فلسطين أو حتى إنهاء احتلال الضفة والقدس أمر شبه مستحيل.

الحقيقة السابعة: مع تأييدنا للعمل الدبلوماسي وتحركات القيادة الفلسطينية دوليا في الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات إلا أنه من العبث المراهنة أن تُعيد لنا الأمم المتحدة حقوقنا الوطنية أو تُجبر العدو الصهيوني على الانسحاب من الأراضي المحتلة.

الحقيقة الثامنة: التحدي الرئيسي الذي يواجه القيادة والسلطة الوطنية في الضفة راهنا هو كيف يمكن وقف اعتداءات المستوطنين والحفاظ على وجود السلطة ودورها الوطني ودفع إسرائيل للالتزام بالاتفاقيات الموقعة.
الحقيقة التاسعة: هدف حركة حماس وبعض فصائل المقاومة في غزة في الوقت الراهن الحفاظ على السلطة القائمة و استمرار التهدئة على حدود القطاع، مع محاولة توتير الوضع الأمني في الضفة من خلال مواجهة الاحتلال والسلطة الفلسطينية معًا.

الحقيقة العاشرة: حتى مع وجود الحكومة الأكثر تطرفا وعنصرية ووجود وضع دولي وعربي عاجز إن لم يكن متواطئ أحيانا، فلا يمكن لهذه الحكومة أن تحسم الصراع كما يتخوف البعض ليس لأنها لا تريد ذلك بل لأن حسم الصراع نهائيا لا يكون بقرار إسرائيلي بل يجب وجود موافقة فلسطينية أو إعلان الاستسلام وهذا لم يحدث لا رسميا ولا شعبيا، مع التذكير أن العدو لم يحسم الصراع لصالحه عندما حدثت النكبة عام 48 ولم يحسم الصراع بعد حرب حزيران 67 واحتلاله بقية فلسطين وأراضي عربية أخرى.

العدو لا يستطيع لوحده حسم الصراع في فلسطين وعليها

انطلاقا مما سبق وبغض النظر عما ستؤول اليه الخلافات داخل دولة الكيان العنصري حيث كل الحكومات الصهيونية معادية للشعب الفلسطيني والخلافات الداخلية عندهم لها علاقة بالصراع على السلطة وترتيب نظامهم السياسي وليس على علاقتهم مع الفلسطينيين وأي حكومة قادمة ستبني على ما أنجزته سابقاتها ولن تتراجع عنه، وبغض النظر عما سيطرأ على المحيط العربي والدولي من تطورات حيث بدأ صراعنا مع المشروع الصهيوني في عهد عصبة الأمم قبل قيام منظمة الأمم المتحدة، وناضل الفلسطينيون ضد العصابات الصهيونية والاحتلال البريطاني قبل تأسيس جامعة الدول العربية وقبل أن تتواجد على الخارطة السياسية أغلب الدول العربية الحالية، وكانت القضية الفلسطينية حاضرة خلال الحربين العالميتين وخلال الحرب الباردة وما بعدها، واستمر صمود ونضال الشعب الفلسطيني في زمن المد القومي العربي واستمر حتى بعد انهياره، وكان موجودا قبل فوضى الربيع العربي والمد الأصولي وما زال مستمرا بعدهم، والفلسطينيون مستمرون في نضالهم منذ ما قبل التطبيع وما قبل ما يسمى السلام الابراهيمي وسيستمرون.

الصراع مع العدو لن يتوقف سواء استمرت الحكومة الصهيونية الحالية أم تغيرت. صحيح من المفيد استغلال الخلافات داخل معسكر الخصم ولكن دون كثير من الأوهام بأن انهيار الحكومة الحالية سيكون بالضرورة لمصلحة الفلسطينيين وما على هؤلاء الأخيرين إلا تعميق التناقضات داخل الجمهور الإسرائيلي وانتظار النتائج.

لكل ومع كل ما سبق فإن المعادلة التي تحدد شكل الصراع وطبيعته وأدواته مستقبلا وإمكانية حسمه وانهائه لا يضعها أو يتحكم بها العدو فقط ولا المشاريع والمعادلات الإقليمية بل القرار النهائي بيد الفلسطينيين أصحاب الأرض والحق الأصليين، والعالم ينتظر منهم انهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية كشرط رئيس لتمتين وتمكين فعالية القرار الفلسطيني في معادلة الصراع.

أقرأ أيضًا: مجزرة صبرا وشاتيلا ما خُفي منها و ليست الوحيدة.. بقلم: إبراهيم ابراش

Exit mobile version