يا أيها المتأقلم.. بقلم الإعلامية الفلسطينية ميسون عزام

أقلام – خاص مصدر الإخبارية

يا أيها المتأقلم.. بقلم الإعلامية الفلسطينية ميسون عزام، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

لكل دولة أن تقرر ما يحمي مصالحها القومية ولكل شخص كان صاحب قلم أو “متأقلم” أن يتفق مع التحولات المحيطة أو ينتقدها “إن استطاع”، ولكن من غير المقبول أبداً أن يلغي أي كان، بخط قلم، حقوق شعب بأكمله وتاريخاً من النضال الفلسطيني بقيت بوصلته إنهاء الاحتلال والتمسك بحق العودة وإن تعددت مساحاته.

لسوء حظ “المتأقلم”، أن حق الشعب الفلسطيني معترف به دوليًا، وبالتالي قد تسقط فلسطين من عناوين الأخبار، وقد تتراجع من أولويات بعض الدول، لكنها رغم هذا وذك لا يمكن لها أن تسقط من الضمير الإنساني والأخلاقي والقانوني إلا ممن هم ناقصين عقل ودين.

لم يطلب أحد من أي “متأقلم” أن يخجل من مواقفه حتى ولو كانت في مضمونها اللا أخلاقي مخجلة، والخجل ألصق بالنبل ٫ ولكن أقل ما نتوقعه أخلاقياً هو إما التوقف عن قلب الحقائق وتشويه صورة شعب قالت فيه غولدا مائير “غداً يموت الكبار وينسى الصغار” وها هم أبناء ذلك الجيل الذي تحدثت عنه لم ينسى وسيرث أبناؤه القضية ودون أوراق ثبوتية، إما الصمت إلى الأبد, فالكلام لمن يستحق وليس لكل من توفرت له الوسيلة.

أفهم أن ينتقد أي أنسان إخفاقات على المستوى السياسي أو الاجتماعي ولكني أرفض أن أتفهم ما يوصف بالإسهاب اللفظي، مع تبديل الباء باللام٫ في قضية، رغم خذلانها من المجتمع الدولي، إلا أن عدالتها معترف بها دوليا من خلال البنود الأممية بدءًا بالقرار ١٩٤ ،من أهمها، للتذكير علها تنفع٫ “حق عودة اللاجئين” لأنها أرضهم رغمًا عن قناعة أي “متأقلم” وبغض النظر عن طبيعة التسوية التي قد توصلت إليها أو ستتوصل إليها قيادات فلسطينية معترف فيها ومقبولة أو غير ذلك.

وربما تكون هبة أيار ٢٠٢١ والتي طالت الامتداد الجغرافي الشامل لفلسطين التاريخية أفضل مثال يعكس استمرار التمسك بالهوية رغم استمرار سياسات التطهير العرقي والفصل العنصري المستمرة منذ عشرات السنين والذي وثق بتقرير أممي في ٢٥ من مارس ٢٠٢٢ ، عدا وصفه غزة بالسجن المفتوح.

عزيزي “المتأقلم” هناك فرق شاسع بين انتقاد شعارات لا تسمن ولا تغني عن جوع٫ وبين المس بحق لا يسقط بالتقادم حتى لو مات بعض الكبار ومات ضمير بعض الأحياء، يمكن لأي قوة أن تسرق الأرض من تحت أقدام أصحابها، ولكن لا يمكن لها أن تسرق الحق وأن تتجاهل أكثر من خمسة وعشرين مليون فلسطيني حول العالم ما بقي الزعتر والزيتون.

تهويد الأرض وتهجير الشعب الفلسطيني

أقلام – مصدر الإخبارية

تهويد الأرض وتهجير الشعب الفلسطيني، بقلم الكاتب الفلسطيني سري القدوة، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

ممارسات جيش الاحتلال القمعية تجسدت عبر مرحلة طويلة من ممارسة الإرهاب والقمع والتنكيل وأن هذه الجرائم تكشف حقيقة الاحتلال وتكشف مدى تورط وكذب وزيف ادعاءات نتنياهو وغيره بشأن اخلاقيات جيش الاحتلال الذي هو امتداد طبيعي لعصابات الهاجاناه والارغون والبالماخ والوكالة اليهودية للهجرة وتلك الجرائم البشعة التي ارتكبتها عصابات الاحتلال بأوجه متعددة لاستهداف الشعب الفلسطيني وممارسة القمع بحقه من خلال العديد من عمليات التهجير القسري وقد تمت بشكل مبرمج ومخطط بهدف تطهير فلسطين من سكانها العرب، حيث واكبت عملية التهجير القسري حملات مكثفة من العنف والإرهاب والمجازر والتي شكّلت إحدى الأسباب الرئيسية لهجرة عرب فلسطين من قراهم ومدنهم، وإن جيش الاحتلال لا يزال يمارس المذابح ضمن عقيدته الاجرامية وإن كان بشكل أقل عن فترة الأربعينيات من القرن الماضي حيث يهدف من وراء ممارسة هذا النوع من الإرهاب إلى تدمير البنى التحتية للفصائل الفلسطينية، وتبقي مذبحتي صبرا وشاتيلا ومخيم جنين شاهدتان على إرهابية دولة الاحتلال واستمرار ممارساتها القمعية بحق الشعب الفلسطيني بالإضافة إلى التلويح باستخدام القوة العسكرية المفرطة لتطبيق وإخافة وإرهاب المواطنين للنيل من صمودهم وإرادتهم وتصديهم للاحتلال العنصري.

في خطوة تعبر عن بشاعة الموقف الإسرائيلي وإرهاب المؤسسة العسكرية التابعة لجيش الاحتلال وعنصرية هذا الجيش الذي يمارس العمل الإرهابي والعنصري ويخضع لتربية إجرامية وعقائد تعبر عن نمط الإرهاب والعنصرية والكراهية والتميز حيث يتم ممارسة الإرهاب الفكري والقمع لمحاولة فرض وقائع جديدة على الأرض بنشر خرائط تصفية القضية الفلسطينية والتسويق لمشاريع وهمية فاشلة والبدا في تنفيذ يافطات تشير إلى التقسيم الجغرافي للمدن الفلسطينية لخدمة برامج الاحتلال القائمة على سرقة ما تبقى من الأراضي الفلسطينية.

ما من شك بان هذه الممارسات مضحكة وتدعو للسخرية ولا يمكن أن تشكل إلا استهتارا بكل القيم والأعراف والقوانين الدولية، وإن محاولات حكومة الاحتلال تطبيق وترويجها لمشاريع ومؤامرات وهمية واتخاذها خطوات وتعليق يافطات تشير إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية هي لعبة مرفوضة ولا تساوى حتى ثمن الورق الذي كتبت عليه ولا تعني للشعب الفلسطيني أي شيء وتشجع المستوطنين على تنفيذ عمليات ضد الشعب الفلسطيني ومواصلة جرائمهم واستكمال سرقة الأراضي الفلسطينية ونهبها.

هذا الاجرام الوقح والاحتلال القمعي يمارس ابشع الوسائل الممكنة والمحرمة دوليا وان هذا العمل الإرهابي المنظم يعبر عن عقلية فاشية عنصرية وانحطاط أخلاقي حيث تجسد صور الموت والدمار والتنكيل الإسرائيلي اليومي وما تشهده المدن الفلسطينية من اعمال قمع وعدوان تقشعر له الأبدان وإنه يعيد الى ذاكرتنا ما حصل مع المتضامنة الأميركية راشيل كوري حين أقدمت جرافة إسرائيلية على جرفها وإعدامها عن سبق وإصرار وتعمد عام 2003.

التصعيد والعدوان على حقوق ووجود الشعب الفلسطيني بتشجيع ورعاية من الإدارة الأميركية وبتوافق مع مؤامرات تصفية القضية الفلسطينية وإقدام حكومة الاحتلال على ارتكاب الجرائم المركبة يشكل انتهاكا للقانون الدولي من خلال سعي الاحتلال لتوسيع دائرته الدموية وان تلك الجرائم تمثل استخفافا بالمجتمع الدولي واستغلالا للمساعي الدولية يواصل الاحتلال عدوانه ضمن المخطط الاستيطاني الاستعماري الغير القانوني مستهدفا الشعب الفلسطيني والنيل من صموده، وان تلك السياسات الإسرائيلية التي يكرسها الاحتلال وجرائمه الطويلة والمتراكمة سوف تؤدي بالنهاية الى تفجير المنطقة برمتها وتكرس نظام الفصل العنصري وتدمر مبدأ حل الدولتين وعدم التوصل الى سلام عادل وشامل بالمنطقة.

أقرأ أيضًا: القدس قوة الحضارة وعبق التاريخ.. بقلم سري القدوة

في ذكرى انطلاقة الجهاد الإسلامي الـ36.. أي مستقبل؟ وأي تحديات؟

أقلام – مصدر الإخبارية

في ذكرى انطلاقة الجهاد الإسلامي الـ36.. أي مستقبل؟ وأي تحديات؟، بقلم الكاتب الفلسطيني أحمد عبد الرحمن، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

منذ نشأة حركة الجهاد الإسلامي قبل 42 عاماً وأجندتها مُعلنة على رؤوس الأشهاد، وهي تدعو إلى التحالف مع كل قوى الأمة الحيّة التي تعارض وجود رأس حربة المشروع الاستعماري في المنطقة المسماة “إسرائيل”.

في أواسط سبعينيات القرن الماضي، بدأت فكرة تشكيل تنظيم فلسطيني مسلّح ذي خلفية إسلامية ينتهج مبدأ الكفاح والقتال في مواجهة الكيان الصهيوني تراود عقول بعض الشباب الفلسطينيين الدارسين في جمهورية مصر العربية.

كان على رأس تلك المجموعة من الطلبة شاب في مقتبل العمر لم يتجاوز العقد الثالث من عمره بعد، يُدعى فتحي إبراهيم الشقاقي، من مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وكان يدرس في كلية الطب في جامعة الزقازيق.

بدا هذا الشاب في ذلك الوقت متقدّماً على الكثير من أقرانه على صعيد الفكر والنظرة إلى المستقبل، وبدا كذلك أنه يحمل رؤية إسلامية مختلفة عن تلك التي كانت سائدة في أوساط الإسلاميين حينذاك، ولا سيما في أوساط جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين التي كان ينتمي إليها.

بدأت الفكرة لدى الشقاقي تكبر يوماً بعد يوم، وأخذت تتحوّل بشكل تدريجي إلى نشاطات محدودة، من خلال نشرات صغيرة وجلسات قليلة العدد رافقها طرح لبعض الأفكار التي بدت في ذلك الوقت غريبة وغير منطقية، إلا أن سلاسة طرحها من قبل ذلك الشاب الذي كان أصدقاؤه يصفونه بأنه متّقد الذهن وشديد الذكاء ويملك قدرة كبيرة على الإقناع، جعلها تجد طريقها نحو قلوب وعقول مجموعة من رفاق الدراسة الذين كان بعضهم يأتي من أماكن بعيدة، حيث يدرسون في جامعات الصعيد والإسكندرية، إلى جامعة الزقازيق للاستماع إليه وهو يُبحر في عالم الفكر، ويُبدع في عالم السياسة، وينظر إلى القضية الفلسطينية من خلال منظور جديد، ويقدّم قراءة هادئة ومرنة للإسلام بمفهومه الواسع الذي يقبل الاختلاف ويستوعب الجميع، ويفنّد الكثير من الأكاذيب، ويوضح الكثير من الحقائق، ويضع الأمور التي تهم الأمة في نصابها، بعيداً من الأجندات الحزبية والسياسية والمذهبية.

في تلك الفترة من عمر الأمة، حدث تطور مهم ودراماتيكي قلب الأمور رأساً على عقب، وشكّل رافعة لكل قضايا المستضعفين في المنطقة والعالم، وتحوّل إلى أنموذج فريد من نوعه لكل من أراد مقارعة الظلم ومجابهة قوى الاحتلال.

هذا الحدث كان انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني على نظام الشاه المجرم في شباط/فبراير من العام 1979، وما رافق ذلك من تطوّرات وتحوّلات صبّت جميعها في مصلحة قضايا الأمة العادلة، وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية.

فجّرت تلك الثورة شعوراً طاغياً بالأمل والتفاؤل عند الشاب فتحي الشقاقي ورفاقه، إذ رأوا فيها ما يخفف عنهم وحدتهم وقلّة عددهم وغربة أفكارهم وأطروحاتهم، ونظروا إليها بأنها يمكن أن تشكّل بديلاً حقيقياً لكثير من المبادئ البالية والأطروحات الهزيلة والأنظمة الفاسدة، وهو ما عبّر عنه الشقاقي من خلال كتابه الذي بدا غريباً وجريئاً آنذاك “الخميني.. الحل الإسلامي والبديل”، الذي اعتقل في إثره عدة أيام في السجون المصرية.

بعد عامين ونصف عام تقريباً من انتصار الثورة الإيرانية، وقع حدث مفصلي آخر، إذ تم اغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات في 6 تشرين أول/أكتوبر 1981، بعيد فترة وجيزة من عودة الشقاقي إلى قطاع غزة، بعدما أنهى دراسته الجامعية.

بعد عملية الاغتيال، تم اعتقال جزء كبير من أصدقاء الشقاقي ورفاقه الذين لم يُنهوا دراستهم بعد، رغم عدم تورطهم من قريب أو بعيد بتلك العملية، إذ تم ترحيلهم لاحقاً إلى قطاع غزة. حينها، التمّ شمل الأصدقاء من جديد، وعادت الفكرة إلى وهجها مرة أخرى.

وبعد مداولات ونقاشات مستفيضة، تم الاستقرار على تحويل الحلم إلى حقيقة، والفكرة إلى واقع، والمأمول إلى ملموس، إذ وُضعت في أواخر العام 1981 اللبنة الأولى لتأسيس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، التي تمر علينا في هذه الأيام الذكرى الثانية والأربعون لتأسيسها على أيدي الشقاقي وإخوانه، والذكرى السادسة والثلاثون لانطلاقتها الجهادية التي تم التأريخ لها في ذكرى عملية الشجاعية البطولية في 6 تشرين الأول/أكتوبر 1987، التي كانت أحد الأسباب المباشرة لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى بعد ذلك بشهرين تقريباً.

إطلالة على التاريخ
منذ ذلك التاريخ الذي أُسّست فيه حركة الجهاد، وخلال سنوات طويلة، عاشت الحركة بثبات وصمود ورباطة جأش، رغم ما تعرّضت له من استفزازات واتهامات ومضايقات، ورغم ما تلقّته من ضربات من رأس الشر والإفساد في المنطقة “إسرائيل”، ورغم وحشة الطريق الذي سارته في كثير من الأحيان وحيدة، تلملم أشلاء قادتها ومجاهديها، وتعضّ على ألم الخذلان وقلّة النصير، ورغم فقرها وقلّة زادها وحصارها ومحاولة خنقها.

رغم كل ذلك وغيره الكثير مما لا يسمح الوقت بالتذكير به، استمرت الحركة في طريقها من دون أي تراجع أو انكفاء، تواجه الريح، وتتصدّى للتشويه، ولا ترقب من فوهات بندقيات رجالها الأشدّاء إلا مآذن القدس العتيقة، ولا ترنو ببصرها رغم محاولات التعتيم وظلمة الطريق إلا إلى فجر الحرية والتحرير، غير آبهة بتضحيات هائلة وطعنات غادرة، مرددة قول أمينها العام الأول ومؤسسها الشهيد فتحي الشقاقي: “حارس العمر الأجل”، ومستلهمة الشعار الخالد لأمينها العام الثاني الدكتور رمضان شلح رحمه الله: “والله لو وضعوا كل شموس الأرض في يميننا، وكل أقمارها في يسارنا، على أن نتنازل عن شبر واحد من فلسطين أو ذرة تراب من القدس فلن نقبل”.

في ثنايا هذا التاريخ المجيد لحركة الجهاد الإسلامي، يمكن لنا أن نرى حجم الجهد والتعب الذي قدّمته الحركة وما زالت، إذ كان لها شرف تفجير انتفاضة الحجارة، وإن كان البعض ما زال يحاجج في ذلك، وكان لها شرف تفجير ثورة السكاكين، وإن كان البعض ما زال يُنكر ذلك، وكان لها شرف تنفيذ أول عملية استشهادية في فلسطين، وإن كان البعض يحاول أن يتجاوز عن ذلك.

وكان لها شرف رفع شعار الواجب رغم الإمكان وتحقيقه فعلاً مقاوماً على الأرض، على الرغم من تشكيك البعض في ذلك، وكان لها شرف إعادة الروح إلى العمل المقاوم في الضفة المحتلة بعد سبات طويل استمر أكثر من 15 عاماً، رغم إنكار البعض ذلك، وكان لها الكثير والكثير من البطولات والإنجازات التي لا يتسع المجال لذكرها، والتي وضعتها منذ النشأة وحتى الآن على رأس قائمة المستهدفين بالقتل والاغتيال والحصار والتشويه.

أجندة الجهاد الإسلامي
خلال هذه المسيرة الطويلة من البذل والعطاء، كانت أجندة الجهاد واضحة كالشمس، سواء على المستوى الداخلي أو على صعيد علاقاتها في المنطقة والإقليم، فهي لم تتلوّن كما يفعل البعض، ولم تقفز من قارب باتجاه آخر عند شعورها بالمخاطر والأزمات، ولم تُسقط شعارات وترفع أخرى بحسب ما تقتضيه مصلحة الحركة، بل ظلّت ثابتة متمسكة بمبادئها من دون خوف أو وجل، رغم ما دفعته من أثمان، وما زالت أمينة على مصالح شعبها وأمتها، وحريصة على أن تبقى يدها نظيفة من المال الحرام، ومن دم إخوة الدين والوطن. عدوّها واحد، وقتاله مقدّم على كل ما سواه. لا تلتفت إلى الصغائر، ولا تنتظر من أحد صدقة أو إحساناً.

منذ نشأة حركة الجهاد الإسلامي قبل 42 عاماً وأجندتها مُعلنة على رؤوس الأشهاد، وهي تدعو بكل وضوح إلى التحالف مع كل قوى الأمة الحيّة التي تعارض وجود رأس حربة المشروع الاستعماري في المنطقة المسماة “إسرائيل”. لذلك، رفعت شعار مركزية القضية الفلسطينية، وهي تدعو كذلك إلى وحدة الأمة على قاعدة جمع مفردات القوة في الأمة، حتى تستطيع مواجهة تكتل قوى الشر والعدوان الذي يقف على رأسه “الشيطان الأكبر” أميركا.

أجندة الجهاد كانت وما زالت ترتكز على الدعوة لمواجهة العدو في كل أماكن وجوده، وبكل الوسائل الممكنة، والتواصل مع كل المكوّنات التي يمكن أن تساعد في الوصول إلى هذا الهدف، بصرف النظر عن اللغة والطائفة والعِرق واللون.

وقد حرصت حركة الجهاد على مدار تاريخها الطويل وقيادتها المتعاقبة على بناء علاقات داخلية وخارجية واضحة وشفّافة، إذ لم يحدث أنها سمحت لأي حليف أو شريك، إقليمياً كان أو محلّياً، ومهما كانت قوة العلاقة معه بالتدخّل في قرارها أو فرض أجنداته عليها أو التأثير في توجهاتها وعلاقاتها.

ورغم أن البعض اعتقد في لحظة ما، سواء بحسن نيّة أو بغير ذلك، أن تحالف الحركة مع قوى إقليمية معينة وتلقّي الدعم منها بعدما تخلّى عنها معظم العرب والمسلمين هو انصياع لأجندة خارجية واستسلام لمشيئة إقليمية، فقد أظهرت السنوات الأخيرة أن موقف الجهاد كان صائباً، وأن الحركة كانت تنظر إلى المستقبل بعيون مفتوحة وبقلب طاهر ونظيف.

ثبات رغم التغيّرات
على الرغم من التأثيرات الهائلة التي يمكن أن تُحدثها أي عملية تغيير على مستوى القيادة في هيكلية الدول أو الجماعات وعملها، وهو الأمر الذي عانته حركة الجهاد الإسلامي، وتحديداً على صعيد الأمانة العامة، فإن هذا التغيير الذي جاء في فترات حسّاسة وحاسمة من عمرها لم يؤدِّ إلى سقوطها أو تفكّكها، سواء على مستوى الهيكل التنظيمي أو فيما يخص علاقاتها وتحالفاتها أو على صعيد التعامل مع القضايا المختلفة.

وبعد استشهاد الأمين العام المؤسس الدكتور فتحي الشقاقي في تشرين الأول/أكتوبر 1995، وتولي خلفه الدكتور رمضان شلح (رحمه الله) منصب الأمانة العامة، لم تعانِ الحركة، كما توقّع البعض حينها، تحولاً استراتيجياً في مواقفها من عدد من القضايا، سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الإقليمي، ناهيك بحالة الاشتباك مع العدو الصهيوني، ولم تُعِد تموضعها السياسي أو الميداني، كما اعتقد آخرون.

ويبدو لي أن البعض في تلك الفترة، ولا سيما من أصحاب النيات الحسنة، اختلط عليهم الأمر ما بين الشكل والمضمون، إذ إنهم اهتموا بالشكل والأسلوب وبعض المفردات التي استخدمها كل من الدكتور الشقاقي وخلفه الدكتور رمضان، وتغاضوا عن الفكرة والمبدأ والمضمون، الذي كان كله منسجماً إلى أبعد الحدود.

هذه الحال تكرّرت بعد تولّي الأمين العام الحالي الأستاذ زياد النخالة الأمانة العامة قبل 4 سنوات ونصف سنة تقريباً، إذ مضى على الطريق نفسه، وحافظ على الإرث التاريخي للحركة كما هو من دون نقصان، بل ربما توسّعت الحركة في عهده نتيجة الكثير من التطورات في ساحات أخرى غير الساحة الفلسطينية، وباتت خلال السنوات الثلاث الأخيرة تحديداً أكثر نضوجاً ووضوحاً وقوةً، وهو ما أهّلها لتقود مرحلة صعبة وحاسمة من تاريخ الصراع مع المحتل الصهيوني.

ويمكن لنا أن نقول بكل حياد وشفافية إن القائد النخالة لم يبتدع سياسة مختلفة عن سابقيه، كما يدّعي البعض، ولم يقامر بمصلحة شعبه وأهله تنفيذاً لأجندات خارجية، كما يزعم البعض الآخر، بل إنه تحمّل أمانة وتركة ثقيلة في مرحلة صعبة وحساسة من تاريخ الصراع في فلسطين والمنطقة، احتاج فيها إلى كثير من الحنكة والذكاء، ورباطة الجأش، والصبر على الأذى، حتى يتمكّن من قيادة حركته وشعبه إلى بر الأمان.

تحدّيات وعوائق
بما أن حركة الجهاد الإسلامي منذ نشأتها وحتى يومنا هذا اختارت المضي في طريق الجهاد والمقاومة من دون النظر إلى ما يمكن أن ينتج منه من أثمان باهظة وتضحيات هائلة عاشت بعض تفاصيلها في السنوات الأربع الأخيرة تحديداً، إذ تم اغتيال قادتها التاريخيين في قطاع غزة، وتشديد القبضة الأمنية على ناشطيها وكوادرها السياسيين والعسكريين في عموم الضفة المحتلة، وصولاً إلى استهداف كوادرها في سوريا وغيرها من دول المنطقة، والكثير من التحدّيات الأخرى على صعد مختلفة لا نجد الوقت مناسباً للإشارة إليها أو الكشف عنها، فإنها بالرغم من كل ذلك تواصل المسير من دون كلل أو ملل، مؤمنة بأن المطلوب منها هو العمل فقط، وليس التكفّل بالنتائج، إذ إن النتائج تبقى في يد الله وحده.

وبالتالي، فإن استمرارها على هذا الدرب الذي قد يبدو موحشاً في فترات كثيرة يضع أمامها الكثير من التحديات والعوائق التي يجب عليها تجاوزها وعدم الاستسلام لها أو التوقّف عندها، والحركة لديها تجربة غنية تؤهلها للقيام بهذا الأمر بنجاح، لا سيما أنها تملك الخبرة المطلوبة والإمكانيات المعقولة والإيمان المطلق بأن أصحاب الحق لا يتعبون، ولا يتراجعون، ولا ينكسرون.

أولى تلك التحدّيات التي تواجهها حركة الجهاد هي البناء الداخلي، إذ إن البناء الداخلي للحركات والتنظيمات يعد أخطر تحدٍّ يمكن، في حال ترهّله أو ضعفه، أن يؤثر في جسمها، لا سيما في ظل تعرّض هذا البناء لكثير من الضغوطات الهائلة الناتجة من فقدان القادة وانخفاض الدعم المالي وزيادة الأعباء والتغيّرات على مستوى البيئة والمجتمع.

وفي اعتقادي، إن الحركة رغم ما تعرضت له من ضربات، ورغم ما عانته من أزمات، خصوصاً على المستوى المالي، ما زالت تملك كل القدرة على مواجهة هذا التحدّي وتجاوز آثاره بأقل قدر من الخسائر.

وقد كانت التجربة الانتخابية التي خاضتها الحركة قبل أشهر لاختيار أعضاء مكتبها السياسي وأمينها العام، في ظل الحملات الإسرائيلية العنيفة التي استهدفتها، خير دليل على أنها تملك من القدرة التنظيمية والخبرة والحنكة السياسية ما تستطيع من خلاله تحدّي الكثير من العوائق وتجاوز الكثير من العراقيل.

التحدّي الثاني الذي لا يقل أهمية عن سابقه هو المواجهة مع العدو الصهيوني وما يترتّب عليها من نتائج وتداعيات. لقد ركّز العدو معظم جهوده الاستخبارية والعسكرية خلال السنتين الأخيرتين تحديداً على حركة الجهاد، لأنه أدرك قبل غيره أنها مسؤولة عن إشعال ساحات الضفة المحتلة من جديد، وأنها لا ترضى بالضيم، ولا تسكت على العدوان، وأنها جاهزة على الدوام، وبصرف النظر عن الكثير من الظروف المحيطة، للذهاب نحو المواجهة معه والتصدّي لمخططاته، مهما كلف ذلك من ثمن.

لذلك، قام العدو بشن العديد من الحملات العسكرية ضد الحركة، سواء في طول وعرض الضفة الغربية؛ ساحة الصراع الأساسي الآن أو في قطاع غزة، حيث تموضع القوة العسكرية الرئيسية التي تملكها، والتي تلوّح من خلالها في وجه العدو كلما حاول التغوّل على شعبها أو الاعتداء على مقدساتها.

وبالتالي، فإن الحركة أمام تحدٍ صعب ومكلف ويحتاج إلى الكثير من الخطط والدراسات والنظرة إلى المستقبل، ولا سيما أن المواجهة مع العدو لم تعد كما كانت في السابق، إذ إنها أصبحت أكثر عنفاً، وأوسع مدى، ويمكن أن تنتج منها تداعيات مؤثرة وحاسمة.

هذه المواجهة فرضت على الحركة تحدياً ثالثاً، ووضعها أمام التزام حاسم ومصيري، إذ إنها أفرزت واقعاً جديداً لا أكاد أذكر أنها مرّت به خلال سنوات طوال من عمرها، إذ تم اغتيال عدد كبير من قادتها العسكريين الذين كان بعضهم يشغل مهام حيوية وحسّاسة على صعيد المواجهة مع العدو، سواء في أثناء المعارك المختلفة التي جرت مع المقاومة في قطاع غزة، أو من خلال الإشراف وتوجيه سير العمل المقاوم الذي تقوم بها كتائب سرايا القدس في الضفة المحتلة.

وبناء عليه، ونتيجة فقدان الحركة قادة كباراً من مؤسسي جناحها العسكري، لا سيما في معركتي “وحدة الساحات” و”ثأر الأحرار” أو في أواخر عام 2019، حين تم اغتيال أحد أبرز قادتها الشهيد بهاء أبو العطا أو خلال المواجهات الكثيرة التي خاضتها مع الاحتلال في السنوات الأخيرة، فإنها تواجه تحدي إعادة هيكلة جناحها العسكري الذي بات يتحمّل أكبر عبء على صعيد المواجهة مع قوات الاحتلال إلى جانب باقي فصائل المقاومة الوطنية والإسلامية.

ليس هذا فحسب، بل عليها أيضاً القيام بكل ذلك على صعوبته في ظل استمرار المواجهة، وتواصل العدوان، وارتفاع منسوب التهديدات التي تتعرّض لها كل يوم في عدد من الساحات، والتي تستهدف كل مفاصلها، وفي مقدمتها قادة الصف الأول.

التحدّي الرابع الذي ينبغي للجهاد الإسلامي مواجهته هو تحالفاتها المحلية والإقليمية، التي اتسمت، كما أشرنا سابقاً، بالوضوح والشفافية وتميّزت عن غيرها بالمواقف المبدئية التي لا تخضع لتبادل المصالح أو المنافع.

وفي اعتقادي، إن تحالفات الحركة على المستوى الداخلي كانت، وما زالت، متوازنة وناضجة إلى أبعد الحدود، على الرغم من مرورها ببعض الفتور والتوتّر مع بعض الفصائل في أوقات معينة، نتيجة ظروف قاهرة وتباينات طارئة، إلا أنها لطالما عادت إلى طريقها القويم بالسرعة القصوى، متجاوزة بعض الخلافات، ومتناسية بعض الأخطاء والهفوات.

والتحدّي هنا ليس نتاج خلاف حركة الجهاد مع هذا الفصيل أو ذاك، إنما نتيجة وجود تباينات كبيرة بين تلك الفصائل، لا سيما أكبر حركتين فتح وحماس، وهذا ما يجعل الجهاد، وهي التي بذلت جهوداً جبارة في سبيل تقريب وجهات النظر بين الجانبين، تمشي وسط حقل من الألغام، إذ إن المطلوب منها هو الحفاظ على علاقات واضحة ومرنة تجاه طرفين متناقضين في كثير من الملفات، وهو الأمر الذي أثبتت التجربة أنه عمل صعب ومعقّد، ويحتاج إلى الكثير من طول النفس والحنكة والذكاء.

أما على مستوى المنطقة والإقليم، فتبدو علاقات الحركة منسجمة مع خطّها العام الذي يرفع شعاراً واضحاً لا لبس فيه، ويشير إلى أن محددات اقتراب الحركة أو ابتعادها من هذا الطرف أو ذاك يأتي نتيجة موقفه من القضية الفلسطينية من جهة، وموقفه من العدو الصهيوني من جهة أخرى.

إن الحركة تقترب من أي طرف، بصرف النظر عن حجمه ووزنه، بقدر اقترابه من قضية الشعب الفلسطيني العادلة، وتبتعد عن كل الأطراف التي تنأى بنفسها عن هذه القضية المحقّة وتدير ظهرها لها، كما يفعل الكثيرون.

وبما أن الحركة تدير علاقاتها الإقليمية على هذا الأساس، فهي لا تجد حرجاً في الاقتراب من دول حاول البعض إظهارها بأنها صاحبة مشاريع مذهبية وطائفية، كالجمهورية الإسلامية في إيران، وهي التي ثبت للجميع بأنها صاحبة أكبر مساهمة في دعم المقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها وتحويلها من مقاومة متواضعة على مستوى الإمكانيات والخبرات إلى قوة مهنية وصلبة ومهابة الجانب.

في المقابل، لا تجد غضاضة في الابتعاد عن كثير من الدول التي لم تكن يوماً سوى خنجر مسموم في ظهر الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ولم تقدم له سوى المزيد من اليأس والإحباط والخذلان.

ختاماً، نحن نعتقد أن مسيرة حركة الجهاد العبقة بدماء شهدائها الأبرار، وبشموخ أسراها البواسل في سجون الاحتلال، وبإصرار مقاتليها الأبطال في غزة وجنين ونابلس وطولكرم وطوباس وعقبة جبر وكل جنبات الوطن، ستصل في نهاية المشوار إلى ما ترنو إليه، غير عابئة بجراحات تُدمي جسدها، ولا بعقبات تعترض طريقها، وهي مسيرة لن تتوقف إلا على أبواب المسجد الأقصى، ترفع شارات العزة، وتلوّح برايات الحرية، وتردّد نشيد الانتصار.

أقرأ أيضًا: الوحدات والتشكيلات العسكرية الإسرائيلية بقلم أحمد عبد الرحمن

الاحتلال بين التهويد والتوسع الاستيطاني

أقلام – مصدر الإخبارية

الاحتلال بين التهويد والتوسع الاستيطاني، بقلم الكاتب الفلسطيني سري القدوة، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

ما أعلنت عنه حكومة الاحتلال المتطرفة من خطط وسياسات بدأت بتنفيذها على الأرض وبما يشمل جرائم التطهير العرقي والتمييز العنصري ومواصلة الاعتداءات على مدينة القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية واستباحة المسجد الأقصى وتكثيف عمليات الاستيطان وضم الأراضي وهدم المنازل واحتجاز جثامين الشهداء حيث تستمر حكومة الاحتلال الإسرائيلي بعدم الالتزام والتنكر لقرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات الموقعة مما يقوض الأسس التي قامت عليها عملية السلام برعاية دولية، وعدم استجابة حكومة الاحتلال للتحذيرات الفلسطينية والعربية والدولية لخطورة هذه الجرائم المدانة والمرفوضة كل ذلك سوف يقود المنطقة الى المزيد من التخبط والإرباك والانفجار الشامل.

جرائم المستوطنين المتواصلة ستقود المنطقة الى المزيد من اعمال العنف وتأجيج الصراع القائم والمحتدم نتيجة استمرار جريمة الاعتداء الهمجي التي يقوم بها أعضاء المجموعات الصهيونية المتطرفة والسماح لأعضاء المجموعات الصهيونية المتطرفة بالتجول في أحياء القدس القديمة وبداخل باحات المسجد الاقصى واستعداداهم للاعتداء على أهالي البلدة الآمنين حيث يعتبر ذلك تواطؤا بالاعتداء وتساهل مع المجرمين وحمايتهم من قبل حكومة التطرف.

الانتهاكات المستمرة والممارسات المستفزة من قبل قوات الاحتلال واقتحام مدن الضفة الغربية باتت تشكل خطورة كبيرة على الوضع القائم وسوف تؤدي الى تدهور وتفجير المنطقة بأكملها في ظل تصعيد ممارسات القمع والتنكيل من قبل حكومة الاحتلال وباتت تفرض واقع وأزمات جديدة سوف تزيد الأمور تعقيدا في ظل حالة الفوضى التي تمارسها حكومة الاحتلال للتهرب من مسؤولياتها وتداعيات ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتسويقها لرواية كاذبة للمجتمع الدولي تتنافي مع الحقيقة والواقع.

وإمام تلك المؤشرات وتصاعد الممارسات الإسرائيلية يجب على المجتمع الدولي وبشكل عاجل الطلب من المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في تلك الجرائم وفتح ملف المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإضافتها الى الملفات التي تم تقديمها سابقا والدعوة الفورية لقدوم لجنة التحقيق الدولية المستمرة في مجلس حقوق الإنسان وإحالة مخرجاتها بشأن مسؤولية الاحتلال عن هذه المجزرة للمحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن.

ممارسات القوة القائمة بالاحتلال وحكومتها الإرهابية وارتكاب قواتها مجازر مروعة في مدن ومخيمات الضفة الغربية واستهداف حياة الاسرى في سجون الاحتلال تشكل ضربة قوية لكل الجهود الدولية التي تطالب بعدم التصعيد مما يعد استهتار بالقانون الدولي من قبل دولة الاحتلال التي تستفيد من الصمت الدولي وازدواجية المعايير.

وبات من المهم الإسراع في توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وخاصة في البلدة القديمة في القدس ووضع حد للمتطرفين الذين يعملون على تغيير طابع مدينة القدس وحضارتها وتاريخها الديني الأمر الذي سيقاومه الشعب الفلسطيني بدفاعه عن حقوقه وتاريخ مدينته المقدسة وبات من الواضح بان موجة اعتداءات المستوطنين سوف تتصاعد ضد المواطنين في أنحاء متفرقة في الضفة الغربية وإن هناك مؤشرات بتصاعد هجمات المستوطنين والقيام بأعمال إرهابية ضد المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم.

في ظل ذلك من المهم قيام الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة بالتحرك العاجل لوضع حد للجرائم والاعتداءات الإسرائيلية ومساءلة (إسرائيل) عنها وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة الداعية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وفي مقدمتها القرارات (242 و338 و497) ولا بد من المجتمع الدولي التحرك وتحمل مسؤولياته لوضع حد لمثل هذه الاعتداءات المتكررة التي تشكل خرقا صارخا للمعاهدات والمواثيق الدولية ولمبادئ القانون الإنساني الدولي.

أقرأ أيضًا: القدس قوة الحضارة وعبق التاريخ.. بقلم سري القدوة

إيهود براك: تل أبيب تواجه خطر التدمير الذاتي

أقلام- مصدر الإخبارية

كتب وديع عواودة: قال رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود براك إن قيادة إسرائيل الحالية عمياء كما كانت عشية حرب 1973، وإنها تواجه تحديا داخليا وجوديا لا يقل عن التحديات الخارجية. كما قال إن التطبيع مع السعودية مهم لإسرائيل، كبداية لاعتراف دول إسلامية أُخرى، وفرصة اقتصادية مثيرة للاهتمام، لكنها لا تنتظر عند الباب، والطريق إليها ملتوٍ ومعقد ولا يوجد أي ضمان للوصول إليها.

في مقال بعنوان: “هذا هو الخيار الأخير المتبقي؛ إسرائيل عشية الحسم”، نشره موقع القناة 12 العبري، يشكّك براك بإمكانية الحصول على الأغلبية اللازمة في مجلس الشيوخ الأمريكي للمصادقة على “حلف دفاعي” كما يطلب السعوديون، الآن عشية انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة، وكذلك يشكّك في قدرة حكومة نتنياهو الحالية على تقديم أقل ما يمكن مما يطلبه السعوديون والأمريكيون في الشأن الفلسطيني.

ويرى براك أن هناك سخرية تاريخية من حقيقة أنه في الوقت الذي نضج فيه التطبيع مع السعودية، توجد في إسرائيل حكومة غير طبيعية”، ويضيف: “أيضاً، موضوع التطبيع شائك أكثر مما يبدو، فالولايات المتحدة لا تستطيع الموافقة على دائرة وقود كاملة (تخصيب لليورانيوم) على الأراضي السعودية، يتم تفعيلها بيد السعوديين، أيضاً وجود دائرة كاملة على الأراضي السعودية وبرقابة تشغيل أمريكي هو خطوة خطرة في حالة تغيير النوايا (بن سلمان يقول بصورة واضحة إذا أصبحت إيران نووية فإن السعودية ستغدو نووية أيضاً)، أو في حال تغيير النظام.

ويعلل براك معارضته لفكرة الموافقة الإسرائيلية على فرن نووي مدني في السعودية بترجيحه أيضاً أن عدداً كبيراً من التقنيين السعوديين سيعملون في هذه المنشأة، ولن تكون هناك أي مشكلة في طرد الأمريكيين وجلب مهندسين من باكستان مكانهم حتى يستطيعوا “تفعيل الدائرة” بمفردهم. وطبقاً لبراك فإنه من الواضح أنه بعد السعودية، فإن تركيا ومصر ستسعيان لمكانة “دولة عتبة نووية”، وهذه ستكون نهاية نظام السلاح النووي، وستكون هذه مخاطرة غير معقولة للمنطقة والعالم”.

كما يعلّل براك استبعاده للتطبيع مع السعودية في هذه الفترة بالقول إنه أكثر من هذا كله فإن الرئيس جو بايدن يعلم جيداً، وأكثر من البقية، أنه يمكن أن يجد نفسه يمنح نتنياهو هدية قيّمة جداً في كانون الثاني/يناير 2024، ليجده بعدها بأشهر، وخلال المعركة الانتخابية، يدعم منافسه بصوت مرتفع ولاهث.

براك: إن حكومة الفشل تقود إسرائيل إلى الهاوية، وفي طريقها، تحطم الاقتصاد والأمن والعلاقات مع الولايات المتحدة

الصراع على هوية إسرائيل

في مقاله، يتطرق براك للسجالات الإسرائيلية الداخلية، ويقول إنه خلال “عيد العرش” يتعزّز الصراع على هوية إسرائيل وطريقها ومستقبلها، منبهاً إلى أن الأجواء تغدو أكثر احتقاناً مع الاقتراب من الحسم.

ويبرر اعتقاده بدنوّ لحظة الحسم بالقول إن قضاة المحكمة العليا سيكتبون قريباً جداً قراراتهم بشأن الالتماسات ضد قانون إلغاء “حجة المعقولية” وضد “قانون العزل”، وإن نتنياهو ووزراءه يوضحون الآن أنه من الممكن ألا يلتزموا قرارَ المحكمة العليا، وفي خضم زيارة مذلة تقريباً في الولايات المتحدة، تظهر التوقعات الجميلة بشأن اختراق سريع في العلاقات مع السعودية، وهذا بالإضافة إلى المواجهات بين تنظيم “الرأس اليهودي” والمحتجين بسبب صلاة كانت تفرض فصلاً بين النساء والرجال في الحيز العام.

ويمضي براك في توصيف الحالة الإسرائيلية المحتدمة الآن: “في الوقت نفسه، يوجد مجرم من الدرجة الأولى في أوروبا، يتحدث بصوته من داخل السجن عن فساد نتنياهو، ولو حدث هذا في بريطانيا أو ألمانيا أو الدول الإسكندنافية، لَأدى إلى استقالته، أما عندنا، فكل شيء يختفي بسبب كثرة الأحداث. وأخيراً، فقد وصل القتل في المجتمع العربي داخل إسرائيل إلى نقاط ذروة جديدة.

إن حكومة الفشل تقود إسرائيل إلى الهاوية، وفي طريقها، تحطم الاقتصاد والأمن والعلاقات مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى التكاتف الداخلي الذي أنقذنا قبل نحو 50 عاماً في حرب 1973 القاسية، وكل ما يقف في طريقها”.

وضمن قراءة براك للواقع وللمستقبل القريب في إسرائيل يقول إنه يحاول التركيز على ثلاث نقاط مهمة تنتظرها:

إنهم يرفضون الامتثال للمحكمة العليا

ويحذر براك مما هو موجود وقادم: “يجب ألاّ نتوهم، فالانقلاب الدستوري لا يزال يتقدم، ورفْضُ الامتثال لقرارات المحكمة العليا هو رصاصة في رأس “الديموقراطية”، وإذا قبلنا بهذا، فإن إسرائيل ستتحول إلى دولة عالم ثالث، يكون فيها الامتثال لسلطة القانون وضعاً غير طبيعي”، وهذا هو هدف نتنياهو، وعلينا منعه من الوصول إليه. إن النية المعلنة بعدم الامتثال تحوّل قرارات المحكمة العليا في مجال حجة المعقولية، وأيضاً العزل، ولجنة اختيار القضاة، مصيرية. إنها انتصار الحرية أو لحظة انتصار للنازية في تاريخنا”.

كما يؤكد براك أن نتنياهو وعصابته يؤمنون بأنه في حال توقفوا عن الامتثال لقرارات المحكمة العليا ولم يحدث أي شيء، فإن الجميع سيعتاد؛ المواطنون، والإعلام أيضاً، الذي يخطئ بعدم أخذ موقف، سيعتادون جميعاً، وكذلك حراس العتبة، حراس الديموقراطية، وبعدهم ستعتاد المحكمة العليا لعدم وجود خيارات أُخرى، فهي، كما يقال، لا تملك المال ولا السيف، وليس لديها إلا نحن، المحتجون، الذين نقاتل دفاعاً عن استقلالنا. ولذلك، يجب القول بوضوح: إن رئيس الحكومة والحكومة الذين لا يمتثلون لقرارات المحكمة العليا هم “حكومة متمردة”، غير شرعية، رئيساً وأعضاءً، وتضع نفسها فوق القانون. لذلك، سيكون فوق رؤوسهم علم أسود من اللاقانونية الواضحة”.

“ديموقراطية” في حالة دفاع عن النفس

كذلك يزعم براك أن إسرائيل “ديموقراطية تدافع عن نفسها”، وعلى الإسرائيليين العمل الآن بالقوة النابعة من حقهم في “الدفاع عن أنفسهم”. ويتابع: “أنا على قناعة بأن واجب كل قاضٍ في المحكمة العليا، وكل نائب في النيابة العامة، وكل حراس العتبة في قيادات الجيش والشاباك والموساد، وأيضاً رئيس الدولة وزعماء المعارضة، وواجبنا- نحن المواطنين- أن نتحرك بشجاعة وبكافة الطرق القانونية من أجل إحباط هذا الانقلاب.

وأقول لنا، نحن المحتجين وأيضاً المواطنين، إن العصيان المدني غير العنيف هو الطريق الصحيح، وقد حان وقته. لا يمكن لأي إنسان شريف أن يدّعي مستقبلاً أن يافطة “الديكتاتورية قادمة” لم تكُن موجودة عشية عيد العرش سنة 2023، ومكتوبة بخط واضح على الحائط. إن لم ننهض ونتصرف بسرعة، فإن أحداً لن يستطيع التحرُّر مستقبلاً من مسؤوليته عن النتيجة”.

“يوم الغفران” في تل أبيب

ويستذكر براك الصلاة التي شهدت فصلاً بين النساء والرجال في المساحات العامة في تل أبيب والمدن العلمانية، ويعتبرها استفزازات مقصودة وخرقاً لقرار المحكمة العليا، بمبادرة من تنظيم “رأس يهودي”، الذي يسعى للفوضى على طريق تحقيق الدولة التوراتية.

ورغم انتقادات وجهت ضد محتجين علمانيين لقيامهم بدور الشرطة والتدخل لفضّ صلاة تفصل بين الرجال والنساء في مكان عام يقول براك إن الشرطة، بصورة غير مسبوقة، لم تقم بفرض قرار المحكمة العليا، وحولت المسؤولية إلى بلدية تل أبيب، وفي غياب تحرُّك الجهات التي يخوّلها القانون القيام بذلك، فإن قيام المواطنين، سكان المدينة، بإزالة العازل الفاصل بين النساء والرجال يشكّل حالة دفاع عن النفس، ودفاع عن سلطة القانون في الحيز العام الذي يعيشون فيه.

يرى براك أن هناك سخرية تاريخية من حقيقة أنه في الوقت الذي نضج فيه التطبيع مع السعودية، توجد في إسرائيل حكومة غير طبيعية

ويضيف، في دفاعه عن الناشطين العلمانيين اليهود في تل أبيب: “حتى دموع التماسيح بشأن “اليساريين يهاجمون اليهود في يومهم المقدس”، بحسب رواية نتنياهو، فإنها ليست إلا تحريضاً، فإن أحداً لم يكن يريد القتال، وخصوصاً في “يوم الغفران”، لكن المسؤولين عما حدث هم “رأس يهودي” وقياداته، وليس المحتجين. من أزال السواتر ليسوا أقل يهودية ممن بادروا إلى الاستفزازات، والمؤكد أنهم وطنيون أكثر كثيراً منهم.

حتى أن الرسالة التي أرسلَتها بعض قيادات الاحتجاجات، وفيها تحفّظ عما قام به المحتجون، كانت غير ضرورية في اعتقادي، لكن لنذكّر؛ رأيي ليس أكثر أهمية من رأي هؤلاء الذين أرسلوا الرسالة، حتّى أن رأيهم ليس أكثر أهمية من رأي من قاموا بالأمر الصائب، في رأيي، لإحباط هذا الاستفزاز”.

ويقول أيضاً إن قوة الاحتجاجات هي بانفتاحها على الآراء، وبالتسامح إزاء ما يقوم به الآخر، فتعدُد الوجوه هو مصدر قوّتنا.

ويمضي براك في الدفاع عن الاحتجاجات المتجددة للأسبوع التاسع والثلاثين، وشملت مظاهرة، ليلة أمس، مقابل فندق نتنياهو وزوجته في الجولان السوري المحتل: “أمامنا أهداف مشتركة، وهذه طبيعة الاحتجاجات الشعبية العفوية الواسعة التي حققت إنجازات غير مسبوقة على مستوى دولي، لكن الذروة لا تزال أمامنا. علينا ألا نتردد حتى تنتصر قيم وثيقة الاستقلال وسلطة القانون، وحتى نتأكد من أن هذا التهديد لمستقبلنا كأشخاص أحرار قد زال ولا يمكن أن يعود”.

الأمس واليوم

ويرى براك أنه مع بداية العام الجديد، 50 عاماً على تلك الحرب (حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973)، يجد الإسرائيليون أنفسهم مرة أُخرى أمام خيارات مصيرية، لكن هذه المرة التحدي داخلي، لكنه أيضاً وجودي، ولا يقل عن التحدي الخارجي حينها. ويعلل براك تشخيصه، الذي سبقه به رئيس إسرائيل السابق رؤوفين ريفلين الذي اعتبر، عام 2015، أن حالة التشظي بين “الأسباط الإسرائيلية” أخطر على إسرائيل من قنبلة إيران، بالقول: “كما حدث حينها، فالقيادة، اليوم أيضاً، عمياء عن الواقع، كما كانت حينها عمياء بسبب أحكام خاطئة وأخطاء حرجة ومصيرية. وعلى الرغم من ذلك، فقد كان هناك شعور بالمسؤولية الثقيلة، ولم تكن هناك أي دوافع خفية غير مصلحة الدولة. أما اليوم، فلا أقول الشيء نفسه عمن يقودون الانقلاب الدستوري، وعلى رأسهم رئيس الحكومة، فهُم يقودوننا نحو مسار تدمير داخلي.

يمكنهم وقفه وإلغاؤه إلى الأبد، لكنهم لا يقومون بذلك لدوافع غريبة، بعيدة كل البعد عن مصلحة الدولة ومستقبلها. ويخلص براك للقول إنه كما كان الوضع في السابق، فإن الذين سينقذون الموقف اليوم أيضاً هم المواطنات والمواطنون الشجعان والمصممون، لكن الفَرق أنهم حينها (في حرب 1973) كانوا باللباس العسكري وإصبعهم على الزناد، أما اليوم، فهم يرتدون قميصاً عادياً ويحملون علَماً في اليد، ويعلمون حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ولن يقبلوا بأي خيار آخر إلاّ النصر، بغض النظر عن الثمن”.

عن ملتقى فلسطين

اقرأ/ي أيضًا: الانفكاك العربي الرسمي عن القضية الفلسطينية

الانفكاك العربي الرسمي عن القضية الفلسطينية

أقلام – مصدر الإخبارية

كتب مهند عبد الحميد مقالاً بعنوان “الانفكاك العربي الرسمي عن القضية الفلسطينية” وفصّل فيه كالتالي:

تساءل الروائي غسان كنفاني حول قرار مجلس الأمن رقم 242 : هل هو قرار لحل القضية الفلسطينية ام قرار لإزالة آثار عدوان 67؟ التساؤل يحيلنا الى ذلك القرار الذي ينص على :

أ. سحب القوات المسلحة من أراضٍ (الأراضي) التي احتلتها في النزاع.

ب. إنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب واحترام واعتراف بسيادة وحدة أراضي كل دولة في المنطقة واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها وحرة من التهديد وأعمال القوة. يؤكد أيضا الحاجة الى تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.

القرار في حقيقة الأمر عبّر عن ميزان قوى كان نصيب الدول العربية فيه هزيمة ساحقة، انتزعت إسرائيل من خلالها اعترافاً عربياً «بسيادة ووحدة أراضيها وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها وحرة من التهديد وأعمال القوة». ب

اختصار اعترفت الدول العربية بنتائج حرب 48 . كان ذلك بمثابة فك الارتباط السياسي العربي الرسمي عن القضية الفلسطينية، وتحويلها من «قضية العرب المركزية» أو «قضية العرب الكبرى» إلى «تسوية عادلة لقضية اللاجئين».

وعندما يكون ميزان القوى هو المقرر، فإن الطرف الذي يتحكم بتطبيق قرار مجلس الأمن، هو الطرف الأقوى، حيث جرى اعتماد الانسحاب من أراض بمعنى بعض الأراضي، وليس من الأراضي، أي جميع الأراضي. قرار مجلس الأمن 242 واعتراف النظام العربي الرسمي به وضع أساساً صلباً لكل التحولات السياسية والاقتصادية الكارثية اللاحقة.

كانت المفارقة بين هذا التحول السياسي النوعي وبين « حالة من إنكار الهزيمة، وتخفيفها الى «نكسة»عابرة، وتبريرها بعوامل خارجية فقط وفي أحسن الأحوال الاعتراف بأهمية التكنولوجيا والتدريب للجيوش العربية كما يقول صادق جلال العظم في كتابه «النقد الذاتي بعد الهزيمة».

فالنكسة أخفقت في تحقيق أهدافها لأن الأنظمة التقدمية لم تسقط»، كما يقول الخطاب الرسمي.

مقابل ذلك يقول العظم إن إنكار الهزيمة جسّد غياب فكر نقدي، يطرح سؤال حرية المواطن ودوره، وعلاقات التخلف وبنيتها الاجتماعية، وثقافة العجز والتبرير.

وفي غياب النقد يعاد إنتاج الهزائم وعلاقات التخلف. المفكر إبراهيم فتحي يذهب الى الجذر بالقول في كراس (طبيعة السلطة): هذه الطبقة لا تعرف الاعتماد على الجماهير في صداماتها مع الاستعمار ولا تقوى على خوض حرب جدية بوجود عناصر المهادنة لديها.

وكانت منذ البداية توجه الضربات للتنظيمات السياسية والنقابية والى كل الحريات الديمقراطية المنتزعة في عهود سابقة. وبعد الهزيمة ليست على استعداد في سياق حل تناقضاتها مع الاستعمار الى إعطاء الطبقات الشعبية أي دور في المعركة لأن معنى ذلك التنازل عن احتكارها للسلطة.

وبدلاً من ذلك تبحث في شبكة العلاقات المحيطة بها عن تسويات وأنصاف حلول مع القوى المعادية وتتهادن مع القوى الرجعية في المنطقة، وتعد العدة للاعتراف بإسرائيل وبحدودها الآمنة مقابل الانسحاب من الأراضي المحتلة.

في غياب فكر ناقد وحريات، وإدارة الظهر لإعادة بناء طاقات وقدرات الشعوب المعنية بالتحرر من الاحتلال ومن علاقات التبعية، تنفرد الأنظمة في البحث عن حلول لأزماتها بالتفاهم وبالاعتماد على شبكة التحولات والعلاقات الجديدة. وبممارسة الضغوط، حيث كانت آخر محاولة لممارسة الضغط هي حرب أكتوبر/ تشرين الأول 73.

وكما أنكرت هزيمة 67 قدمت انتصاراً في أكتوبر بمضمون هزيمة 67 وذلك حين دعا قرار مجلس الأمن 338 جميع الأطراف المعنية إلى البدء فوراً بعد وقف إطلاق النار، بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (242) (1967) بجميع أجزائه.

هنا تتناقض حالة الانتصار مع التزام المنتصر بقرار هزيمة سابقة بدون أي إضافات او رتوش على الأقل في المسألة الفلسطينية. كانت حرب أكتوبر امتداداً لسياسة الانفتاح اللامحدود على الحلف الأميركي الإسرائيلي ودول البترودولار، وامتداداً للاستعداد المحموم لإبرام صفقة سياسية منفردة، لكن التعنت الإسرائيلي حال دون ذلك، ما أدى الى خوض حرب محدودة هدفها فتح الباب المغلق أمام الحل السياسي وتوفير غطاء للتنازلات التي ما كان بمقدور نظام السادات تقديمها بدون حرب.

وما ان صمتت المدافع حتى دشن السادات الحل المنفرد مقايضاً القضية الفلسطينية برمتها ومصالح النظام السوري حليفه في الحرب ودور مصر الإقليمي والدور الاعتباري لجامعة الدول العربية التي تترأسها مصر، مقابل عودة سيناء بقيود ثقيلة تمس سيادة مصر، ومقابل حصول النظام على عضوية التبعية الجديدة.
كانت المفارقة بناء قيادة م.ت.ف لبرنامجها ومشروعها الوطني استناداً للتغيير الذي أحدثته حرب أكتوبر/ تشرين الأول.

وكان للاعتراف العربي الرسمي بتمثيل م.ت.ف للشعب الفلسطيني «ممثلاً شرعياً وحيداً»، مع أن القراءة الموضوعية لحرب أكتوبر وقرار مجلس الأمن 338، ولمكانة فلسطين المتدنية فعلاً لدى النظام العربي الرسمي، تحتمل القول: كانت وظيفة الاعتراف العربي الرسمي حينذاك هي الانفكاك عن القضية الفلسطينية، واستبدالها من مكانة قضية مركزية عربية، إلى قضية فلسطينية خاصة بالممثل الشرعي الوحيد. م

ا ورد في مقالة الصحافي السعودي عبد الرحمن الراشد في صحيفة الشرق الأوسط يعزز فكرة الانفكاك العربي عن القضية الفلسطينية حين قال: «لم يعد لمصر أن تفرض حلاً بالنيابة عن الشعب الفلسطيني بعد الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلاً وحيداً».

ويضيف الراشد: أثبتت مشاريع السلام الثنائية أن معظمها فعال وقادر على الاستمرار» ما عدا اتفاق أوسلو، ولم يأت الراشد على ذكر «مبادرة السلام العربية» التي قدمت حلاً وافق عليه جميع الدول العربية بما في ذلك الممثل الشرعي الوحيد والرباعية الدولية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ورفضته إسرائيل التي تعمل بقوة كل ما من شأنه منع إقامة دولة فلسطينية.

وهي التي اشترطت انفصال النظام المصري عن القضية الفلسطينية، وحذا حذوه دول الامارات والبحرين والسودان والمغرب. وجاء دور المملكة السعودية.. ؟ يقول الراشد : «خلال الشهور التالية ستتضح إمكانية طرح حلول للقضية الفلسطينية ضمن المسعى السعودي، ويستعرض احتمالات تفعيل الحلول المعطلة في اتفاق أوسلو، او العمل على مشروع جديد يعيد تعريف الحكم الفلسطيني، ويتحدث عن تسهيل السفر الجوي وفك أزمة التنقل البري المذلة والمرهقة، والبحث عن سبل لتعزيز القطاع التجاري الفلسطيني الخاص بفتح الأسواق له وأقل ما يمكن فعله إنقاذ الوضع الإنساني في الضفة وغزة.

ويضيف: من المتوقع ان تقدم حكومة نتنياهو خطوات لبناء الثقة بوقف الاستيطان وتعدي المتطرفين على الأماكن الإسلامية، ويختم الراشد بأن السعي وراء حل شامل للنزاع من خلال مشروع واحد مهمة صعبة ان لم تكن مستحيلة في الظروف الإقليمية الحالية».

لم يأت الراشد على ذكر الدولة الفلسطينية او ربما كانت هي «المستحيلة». حصاد الشعب الفلسطيني من اتفاقات الدول العربية بدءاً من اتفاقات كامب ديفيد مروراً بالاتفاقات الإبراهيمية واتفاقات السودان والمغرب وصولاً الى الاتفاق السعودي الوشيك وفق مصادر عديدة، كان حصاداً مراً ومريراً.

بيد انه لم يكن مفاجئاً قياساً بسيادة فكر الهزيمة لدى الأنظمة التي قادت التحرر الوطني، وبسيادة علاقات تبعية جديدة، المشكلة كانت وما تزال فكر الهزيمة الفلسطيني.

اقرأ أيضاً: مسؤوليتنا لابقاء القضية الفلسطينية حجر زاوية السياسة العربية

الاتفاق الفلسطيني السعودي: “من طقطق إلى السلام عليكم‎”

أقلام – مصدر الإخبارية 

أكتب هذا المقال الذي يعرض قصة الاتفاق السعودي الفلسطيني من “طقطق إلى السلام عليكم”، وأنا أتمنى أن المعلومات الواردة فيه، على الرغم من أنها تستند إلى مصادر عدة إعلامية وسياسية مطلعة، غير صحيحة، أو تنقصها الدقة؛ لأنها إذا كانت صحيحة فهي تعني أن التطبيع السعودي قادم قادم، فهو بدأ ويمكن أن يصل إلى محطته الأخيرة سريعًا، أو بعد حين، وأن هناك أكثر من غطاء فلسطيني له، مع أنه لا يتضمن إنهاء الاحتلال ولا دولة فلسطينية.

منذ أشهر عديدة، بدأت مباحثات فلسطينية سعودية شارك فيها الرئيس محمود عباس في الزيارة التي قام بها إلى السعودية في نيسان الماضي، وطلب فيها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من السلطة تقديم تصور للحفاظ على “حل الدولتين” و”الحفاظ على فرص السلام”، من خلال فتح أفق سياسي، إضافة إلى مباحثات أخرى شارك فيها وفد فلسطيني برئاسة حسين الشيخ، الذي التقى بنايف السديري، السفير السعودي في الأردن مرات عدة، قبل وبعد تعيينه سفيرًا لدى فلسطين، وقنصلًا غير مقيم في القدس.

تم تتويج الأمر كله باللقاءات التي عقدها وفد فلسطيني زار السعودية في أوائل أيلول الماضي، على أن يجمل نقاط الاتفاق التي خلصت إليها المباحثات، وتم ذلك واتُّفق على اعتبار الورقة الفلسطينية مرجعية للطرفين.

توقعات عالية وخيبة أمل كبيرة

لقد بدأت القيادة الفلسطينية المباحثات مع القيادة السعودية بسقف عالٍ؛ حيث اعتقدت أن تطبيع بلد عربي بمكانة وأهمية السعودية لا بد من أن يوفر فرصة كبيرة بأن تتضمن الصفقة الجاري التباحث حولها مكونًا فلسطينيًا مهمًا، خصوصًا أن حاكم الرياض اختار أن يشارك الفلسطينيون بما ينوي عمله، وهو يريد تأييدهم؛ نظرًا إلى أهمية ذلك في تسويق الصفقة السعودية الأميركية التي تتم مناقشتها برعاية أميركية.

تأسيسًا على التوقعات العالية، طرح الجانب الفلسطيني ضرورة أن تكون مبادرة السلام العربية هي الأساس للتعامل مع القضية الفلسطينية. ولكن المفاجأة كانت في أن الجانب السعودي كان يبحث عن مصالحه، ويركز على مطالبه الخاصة بالمفاعل النووي المتقدم، ومعاهدة الدفاع المشترك، والأسلحة المتقدمة، ولا يضع القضية الفلسطينية ضمن أولوياته، بدليل أنه وافق على أن تكون المبادرة أساس العملية الجارية، ولكن بإجراء تعديل “بسيط” قلب الموقف رأسًا على عقب؛ إذ اعتبر أنه يجب ألا تكون المبادرة العربية نقطة البداية، بل الهدف النهائي الذي يجري العمل من أجل تحقيقه. وكما قال عبد الرحمن الراشد في مقاله الأخير “التفاوض السعودي الإسرائيلي” المنشور في صحيفة “الشرق الأوسط: “إن المسار السعودي قد لا يحقق دولة فلسطينية، كونه مثل كل الاتفاقات الثنائية سيقوم على المصالح الثنائية مثلما قامت”، ومثله قال محلل شهير مؤيد للموقف السعودي بأنه يمكن للمبادرة العربية أن تتحقق خلال 5 أو 10 أو 15 سنة.

استند السعوديون في موقفهم السابق إلى تقدير فلسطيني ذُكِرَ سابقًا في الورقة الفلسطينية المقدمة إليهم حول صعوبة التوصل إلى حل نهائي، خاصة في مواضيع الدولة والقدس واللاجئين، مشددًا على ضرورة استغلال الفرصة الحالية، من خلال تحسين الموارد والأحوال المعيشية؛ ذلك لأن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا يمكن أن توافق على المبادرة العربية ولا حل الدولتين.

نعم، ليس واقعيًا البدء من هنا؛ ولكن هذا لا يمكن تبريره مع أنه إن حدث سينسف المباحثات من أول لقاء بسبب رفض الحكومة الإسرائيلية، فهل هذا السقف هو ما تقبل به الحكومة الكهانية. كما أن القيادة الرسمية موقفها ضعيف جدًا؛ لأنها تتعامل مع الحكومات الإسرائيلية الأخيرة ضمن سقف منخفض، وهو السلام الاقتصادي، من دون بعد سياسي، لدرجة أن مسؤولًا فيها قال إن السلطة مستعدة لوقف خطواتها الأحادية (والمقصود بها التدويل واللجوء إلى المحاكم الدولية وتبني المقاومة السلمية) إذا أوقفت إسرائيل خطواتها الأحادية!!

تسوية انتقالية – أوسلو 2

لذا، كان المخرج البائس – وفق المصادر المطلعة – الذي اتفق عليه الجانبان الفلسطيني والسعودي هو الاتفاق على تقديم “مطالب واقعية مقبولة” قابلة للتحقيق، والمطالبة بالتوصل إلى تسوية انتقالية جديدة لمدة ثلاث سنوات (أوسلو 2)، يتم خلالها خلق الأجواء الإيجابية الضرورية لتطبيق المبادرة العربية، والتركيز على تطبيق 14 التزامًا إسرائيليًا في اتفاق أوسلو لم تنفذ، مثل (النبضة الثالثة: وقف الاستيطان، وعدم بناء بؤر استيطانية جديدة، وعدم شرعنة البؤر القائمة، ونقاط عديدة في بروتوكول باريس الاقتصادي لم تطبق، واحترام هيبة السلطة، خصوصًا بعدم اقتحام المدن المصنفة (أ)، المفترض أنها تحت سيطرتها بالكامل، وإطلاق سراح الأسرى المعتقلين ما قبل أوسلو … إلخ).

واللافت أن الجانب السعودي طالب السلطة أيضًا وفق المصادر بتقديم تنازلات جديدة، من خلال تقديم اقتراحات محددة توضح ما المقصود بوقف الاستيطان، وما يمكن تحويله من مناطق (ج) إلى مناطق (أ)، ورأى أن الآلية المناسبة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الرياض ورام الله هو البناء على اتفاقات شرم الشيخ والعقبة للاتفاق على ترتيبات أمنية وعلى المرحلة الانتقالية الجديدة بوجود جهات دولية ضامنة، وهذا يتطلب عقد اجتماعات جديدة. إنّ خفض السقف منذ البداية يدفع حكومة نتنياهو إلى المزيد من التطرف.

مباحثات أميركية فلسطينية فاشلة

حتى تكتمل الصورة، جرت، إلى جانب المباحثات السعودية الفلسطينية، مباحثات أميركية فلسطينية في رام الله وعمّان، والسعودية نفسها شارك فيها (معلومة بحاجة إلى تأكيد) الوفد الفلسطيني وباربارا ليف، مساعدة وزير الخارجية، في لقاءات عمّان والقاهرة، وبريت ماكغورك، كبير مستشاري الرئيس جو بايدن، في السعودية؛ إذ جاء في الموقف الأميركي ضرورة تقديم مطالب فلسطينية “واقعية” للسعوديين والأميركيين حتى تساهم في التوصل إلى اتفاق سعودي إسرائيلي.

فعلى سبيل المثال، كانت هناك طلبات فلسطينية بضرورة عدم استخدام الفيتو في مجلس الأمن يمنع حصول الدولة على العضوية الكاملة، وفتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وإزالتها من قائمة الإرهاب، وفتح القنصلية الأميركية في القدس، بما يعني البدء الأميركي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتقديم المساعدات مباشرة إلى السلطة، والضغط على إسرائيل لإيقاف العقوبات المالية على السلطة، وغيرها.

كان الرد الأميركي على تلك الطلبات سلبيًا تمامًا، فالاعتراف بالدولة – وفق الأميركيين – خطوة لا بد أن يُتفق عليها بالتفاوض، وهي ليست نقطة بداية، وإنما نقطة نهاية. أما مسألة المساعدات وفتح مكتب المنظمة وإزالتها من قائمة الإرهاب فتحتاج إلى تغيير قوانين أميركية، وهذا يستغرق وقتًا. وحينما التزمت إدارة بايدن بحثّ الدول المانحة على الاستمرار في دعم السلطة الفلسطينية، واستئناف الدعم من تلك الدول التي أوقفته مثل السعودية؛ كان الرد السعودي بأننا لسنا جمعية خيرية، ولن نقدم مساعدات على بياض، وأي مساعدات ستأتي وستكون ضخمة، ولكن في سياق عملية سياسية تبدأ بعد التطبيع.

ولعل الأخبار عن دعم سعودي للسلطة بمبلغ 170 مليون دولار (أقل من المبلغ الذي مُنح للاعب رونالدو)، منها 70 مليون للأمن و100 مليون لميزانية السلطة، أول الغيث، ومكافأة للموقف الإيجابي للسلطة من الجهود المبذولة للتطبيع السعودي. والمطلوب منها ألا تكتفي بعدم الرفض، بل التأييد وحتى المشاركة.

أما النقاط الأخرى فستأتي لاحقًا أو تُطبق، فمثلًا المكتب الفلسطيني الموجود حاليًا في السفارة الأميركية منفصل عنها ويقدم تقاريره إلى الخارجية الأميركية مباشرة.

الخلاصة: أوضح حاكم الرياض موقفة في مقابلته مع فضائية فوكس نيوز، بأن القضية الفلسطينية مهمة، ولكنه حصر الأمر في الحديث عن تحسين أحوال الفلسطينيين، ولم يذكر مبادرة السلام ولا الدولة الفلسطينية ولا أي شيء آخر، وعندما يذكر كل من وزير الخارجية السعودي والسفير السديري المبادرة والدولة فيكون ذلك ضمن الفهم الذي عرضناه آنفًا.

الرياض وافقت على صفقة ترامب

إذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء سنوات قليلة، نتذكر أن الرياض وافقت على صفقة ترامب وغضبت من الرئيس الفلسطيني لأنه عارضها، وأوقفت المساعدات التي تقدمها إلى السلطة، وهي صفقة على سوئها الشديد لم تقرها الحكومة الإسرائيلية، وهي أقل سوءًا مما هو مطروح الآن، فهي فيها دولة فلسطينية وحدود ولو شكلًا، بينما المطروح محاولة إحياء أوسلو عبر تسوية انتقالية، وتجاهل أن التسوية الانتقالية القديمة استمرت حتى الآن أكثر من ثلاثين عامًا وكانت المعطيات والظروف أفضل مما هي عليه الآن ولم تؤد إلى الدولة، بل إن إمكانية تحقيقها باتت أبعد وأصعب إن لم تكن انتهت.

كما أن الاتفاقات الإبراهيمية لا يمكن أن تُوقّع من دون ضوء أخضر سعودي، وما يجري من تطبيع تدريجي سعودي يدل بصورة واضحة إلى أين تسير الأمور، مثل: فتح المجال الجوي، واللقاءات السرية، والتعاون العسكري والأمني، وزيارة وزيري السياحة والاتصالات.

كما أن موافقة السعودية على الممر الاقتصادي لا تقل أهمية عن التطبيع، وهو يدل على انحياز سعودي لمشروع يمكن أن يؤثر سلبيًا في مشروع “الحزام والطريق” الصيني، وفي مصر ولبنان وسوريا وتركيا وإيران وروسيا.

لا يعني ما سبق أن الطريق للتطبيع سالكة، بل إن المطالب السعودية، خصوصًا فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم دورة كاملة له صيغ عدة محل نقاش، لضمان عدم إنتاج قنبلة نووية سعودية، وكذلك هناك صيغ عدة لمعاهدة الدفاع ما بين صيغة حلف الناتو إلى معاهدة البحرين، وما بينهما من معاهدتي كوريا واليابان، وأحد المخارج المطروحة التي أشار إليها نتنياهو هي أن يتم التطبيع السعودي بصورة متدرجة؛ إذ يتم الاتفاق أولًا على اتفاق إطار (إعلان مبادئ) حتى تنضج الأوضاع الأميركية والسعودية والإسرائيلية لإبرام معاهدة سلام وتبادل السفراء، وهذا ما يؤكده تصريح جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، بأن المباحثات الرامية إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية توصلت إلى إطار سياسي لاتفاق مستقبلي؛ إذ وضع الطرفان هيكلية أساسية لما يمكن السير باتجاهه، ويتعين على الجميع تقديم تنازلات؛ لأن الاتفاق معقّد، وهذا ما أشارت إليه وكالة رويترز، التي بيّنت التقدم في المباحثات، وأكدت أن المباحثات باتت مرهونة بالاتفاق الدفاعي.

نفاق الكثير من الكتاب والمحللين

أعرف أن انتقاد السعودية ليس أمرًا هينًا، وله ثمن، لذلك نرى بعض المعلقين الذين كانوا مشهورين بانتقاداتهم اللاذعة لسياسة الرياض يتحلون حاليًا بالموضوعية، ويتحدثون عن احتمالين في تفسير الموقف السعودي: الأول أن مرونة السعودية ما هي إلا مناورة، ولا يمكن لها أن تُقدِم على صفقة تضعف إمكانية قيامها بدور قيادي في المنطقة والعالم، والآخر أن السعودية حسمت أمرها، والبحث جار حول الثمن والتوقيت والتفاصيل، وأن ما قامت به من لعب على المعسكرين الشرقي والغربي ما هو سوى تكتيك لتحقيق أفضل صفقة ممكنة تكرس الاصطفاف التاريخي.

إن الهبوط بالموقف الفلسطيني والسعودي حصل، وحث الرياض الفلسطينيين على انتهاز فرصة ولاية بايدن له مغزى كبير، سواء إذا تمت الصفقة أو لم تتم، وما قدم في المباحثات سيكون نقطة البدء بأي مباحثات قادمة.

أنهي ما بدأت به وأتمنى ألا تُقدم السعودية على التطبيع على حساب دورها المنتظر، وعلى حساب القضية الفلسطينية بادعاء أن الدولة الفلسطينية ستأتي لاحقًا؛ أي لا تعقد الصفقة بهذا الثمن البخس، خصوصًا أن إسرائيل في أضعف حالاتها، ونتنياهو تحديدًا في أضعف لحظات حياته، وأميركا لم تعد سيد الأرض المنفرد، فحتى الحديث عن وقف إصدار قرارات جديدة لتوسيع الاستيطان، حتى لو وافق عليه نتنياهو، لا معنى له. فقد صادقت حكومته على بناء 50 ألف وحدة استيطانية في القدس والضفة، وليست بحاجة إلى إصدار قرارات استيطانية جديدة، وكذلك لا معنى لطلب تحويل جزء من مناطق (ج) إلى (أ) أو من (ب) إلى (أ)؛ لأنه لم يعد هناك فرق بين هذه المناطق المستباحة من قوات الاحتلال منذ عملية السور الواقي وحتى الآن.

من يريد مبادرة السلام على الرغم مما تنطوي عليه من اعتراف بالكيان الاستعماري الاستيطاني على 78% من فلسطين وحل الدولتين، عليه أن يوحد ويقوي الموقف الفلسطيني، من خلال إعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، واعتماد برنامج واقعيّ، ولكن لا يستسلم للواقع، بل يسعى إلى تغييره، وإقامة حكم رشيد يكافح الفساد، ويعتمد الانتخابات على كل المستويات بشكل دوري ومنتظم، ويجمع أوراق القوة والضغط الفلسطينية والعربية والدولية، ويوظفها لخلق حقائق جديدة على الأرض، وتغيير موازين القوى؛ حيث تفرض الحقوق الفلسطينية نفسها على دولة الاحتلال، سواء عبر المفاوضات أو من دونها.

المستغرب كتابات كتاب ومثقفين وصحفيين يكيلون كل الانتقادات للقيادة الفلسطينية، ويمدحون أو يتجنبون أي انتقاد للموقف السعودي، ولسان حال بعضهم يبرر ذلك بأن كل الحق على القيادة الفلسطينية، وهي تتحمل المسؤولية فعلًا، ولكنها لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه لولا أن النظام العربي منهار وتابع ودوله استبدادية يدفعها دفعًا إلى هذا الطريق؛ حتى يلومها ويتنصل من مسؤولياته، ولما يمكن أن توصل إليه.

قيادة فلسطينية جديدة تتخلى عن الحل السياسي

الآن، بات المطلوب قيادة فلسطينية جديدة أو تطويع القيادة الحالية أكثر وأكثر حتى لا تطرح الحل السياسي ولا تنبس ببنت شفة عن الحقوق الوطنية، بل تتناول فقط القضايا الإنسانية والمعيشية، مثل تصاريح العمل ولم الشمل ومشاريع اقتصادية … إلخ. وهذا نفسه طرحه نتنياهو وأسماه “السلام الاقتصادي”، ويسميه إسرائيليون آخرون “سلامًا مقابل سلام”، وهذا هو الحل الإسرائيلي الذي لا يقود إلى دولة واحدة ديمقراطية، ولا إلى تحقيق الحقوق المدنية، بل إلى دفن الخيار الفلسطيني، والتمهيد إلى الخطوة اللاحقة، وهي تهجير المزيد من الفلسطينيين إلى الأردن وسيناء وبلدان لجوء جديدة.

اقرأ/ي أيضاً: العلمانيون يغارون منا! بقلم: توفيق أبو شومر

مسؤوليتنا لابقاء القضية الفلسطينية حجر زاوية السياسة العربية

أقلام – مصدر الإخبارية 

القضية الأساسية التي تتصدر الأوضاع الشرق الأوسطية باتت تتمركز في الجهود الأمريكية المبذولة لاحتمالات تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية واسرائيل، و يأتي ذلك في اطار حاجة ادارة بايدن لإنجازٍ قد يبقيه في البيت الأبيض.

وفي سياق هذه الجهود يعود الحديث عن مكانة القضية الفلسطينية في السياسة السعودية ازاء دورها الاقليمي وشروطها ازاء متطلبات التطبيع التي باتت معلنة .

صحيفة الفاينانشيال تايم كشفت أن السعودية تسعى للحصول على تنازلات من الولايات المتحدة، بما في ذلك ضمانات أمنية ودعم لبرنامج نووي مدني والحصول على أسلحة، مقابل تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”.

كما نقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤولين سعوديين أن المملكة ستحتاج أيضاً إلى خطوة إيجابية كبيرة من “إسرائيل” تجاه الفلسطينيين، على الرغم من أنهم لم يوضحوا ما سيترتب على ذلك. وفق ما نقلت BBC عن فايننشال تايمز.

توماس فريدمان، كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز، كتب بعد اجتماعه مع بايدن، “أن المطالب السعودية من إسرائيل يمكن أن تشمل وقف التوسع الاستيطاني، وتعهداً بعدم ضم الضفة الغربية المحتلة”.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وفي مقابلته الشهيرة مع فوكس نيوز أكد أن المفاوضات حول هذا الأمر تتقدم يومياً، والسؤال هو ما الذي يتقدم حول مطالب السعودية من الولايات المتحدة لانجاز التطبيع. اسرائيل التي ترى في هذا التطبيع انجازها التاريخي الأهم بعد انشاء اسرائيل والنكبة الفلسطينية عام 1948، أعلنت وعلى لسان مستشار أمنها القومي تساحي هنغبي رداً على سؤال حول التنازلات الإسرائيلية المحتملة، قال هنغبي “إن إسرائيل لن تقبل بأي شيء يقوض أمنها”. لكنه قال: “إن بلاده لن تقلق من احتمال تطوير السعودية قدرات نووية مدنية”.

ذلك في اشارة واضحة إلى أن اسرائيل ليس فقط ماضية في خطة الحسم والضم، وهو الأمر الذي أكده نتانياهو في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بابرازه خارطة فلسطين باعتبارها خارطة اسرائيل الكاملة منذ العام 1948، بل وأيضاً فإن حديث هنغبي يحمل في طياته تحفظات اسرائيلية على تزويد السعودية بأسلحة متطورة تشمل طائرات F35، التي تسعى السعودية لامتلاكها من الولايات المتحدة.

المملكة العربية السعودية هي صاحبة مبادرة السلام العربية، والسؤال هو إلى أي مدى يمكن للقيادة السعودية أن تظل متمسكة بهذه المبادرة ؟ ، والتي جدد التأكيد عليها كل من وزير خارجيتها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك السفير السعودي عند تقديم أوراق اعتماده للرئيس الفلسطيني في رام الله، وكيف للقيادة الفلسطينية أن تكون عوناً لها في ذلك؟ وهل يمكن للدبلوماسية السعودية تحقيق أي اختراق على هذا الصعيد، سيما في ظل حكومة العنصرية الفاشية بزعامة الثلاثي” نتانياهو – سموترتش – بن غفير ” ؟

ادارة بايدن التي تقود مفاوضات التطبيع تعلن في كل مناسبة رفضها للاستيطان وخطة الضم، إلا أنها حتى اللحظة لم تتمكن من إلزام اسرائيل بوقفهما، بل فهما يتمددان يومياً. صحيح أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة القادرة على وضع حد لسياسة التوسع الاستيطاني، الأمر الذي يشير إلى أنها لم تستخدم ثقلها بعد لتحقيق ذلك، أو أنها هي أيضاً لم تعد قادرة على الزام اسرائيل به.

يبقى السؤال الأهم وهو كيف ستتصرف القيادة الفلسطينية في هذه العملية المتدحرجة ؟ فمن الواضح أن مكانة القيادة الفلسطينية على الصعيدين العربي والدولي، وكذلك على الصعيد الداخلي حيث الانقسام والعزلة الشعبية التي تعاني منها، هي أضعف من أن تكون لاعباً مؤثراً في اتجاهات المفاوضات الجارية رغم ما تظهره القيادة السعودية من حرص على تنسيق موقفها ازاء المكون الفلسطيني في مفاوضات التطبيع التي تقودها الولايات المتحدة.

فتسليم القيادة الفلسطينية بأنها لا تتوقع إمكانية الحصول على اعتراف اسرائيلي بدولة فلسطينية في ظل الأوضاع الراهنة يشكل مؤشراً خطيراً يعفي حكومة الضم العنصرية من جوهر التعامل مع مبادرة السلام العربية، والتي باتت مكوناً من قرارات الشرعية الدولية، و تقوم على معادلة الاعتراف والتطبيع مقابل الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وتمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة على حدود عام 1967وعاصمتها القدس الشرقية، والتوصل لحل عادل لقضية اللاجئين وفقاً للقرار 194.

صحيح أن القيادة الفلسطينية ليست في وضع يمكنها من التعارض مع المصالح السعودية، وهذا غير مطلوب على الأقل في ضوء نتائج سلوكها من اتفاقات التطبيع السابقة، ولكن بالتأكيد أن مبرر بقاء القيادة الفلسطينية ادعاء كونها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة يفرض عليها عدم التنازل في علاقاتها مع مختلف دول العالم عن المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة كما عَرَّفتها الشرعية الدولية، وفي مقدمتها حقه في انهاء الاحتلال وممارسة حقه في تقرير المصير، وأعتقد أن المملكة العربية السعودية ستحترم هذا الموقف من منطلق حرصها على القضية الفلسطينية ومكانتها العربية والاسلامية .

ومن البديهي أن قدرة القيادة الفلسطينية على التمسك بهذا الموقف يفرض عليها استحقاقات باتت معلومة للقاصي والداني، وفي مقدمتها استعادة الوحدة واستنهاض قدرة الشعب الفلسطيني على رفض ومجابهة مخططات اسرائيل لتصفية قضيته وحقوقه الثابتة. وأن أي تأخير في تحقيق ذلك إنما يضع القيادة الفلسطينية في موضع المسؤولية التاريخية عن امكانية نجاح اسرائيل في تحقيق مخططاتها، و فتح شهيتها للتقدم نحو محاولة تصفية الحقوق الفلسطينية .

هذا على الصعيد الاستراتيجي، أما على الصعيد التكتيكي ولكشف نوايا اسرائيل الحقيقية فإن عشرات المطالب الفلسطينية يمكن ابرازها بالاضافة للتمسك الصارم بوقف شامل للاستيطان وتهويد القدس، بما يشمل، وضمن قضايا أخرى، إلزام اسرائيل بحق المقدسيين المشاركة في الانتخابات كما جرت في ثلاث مرات سابقة، واعادة فتح بيت الشرق وباقي المؤسسات الفلسطينية في القدس، وفتح الممر الآمن بين الضفة والقطاع تأكيداً على التمسك بوحدة الكيانية الفلسطينية وباقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس المحتلة على حدود 1967، والتوقف عن اجتياحات المدن والبلدات الفلسطينية وارتكاب جرائم القتل على يد الجيش والمستوطنين، واطلاق سراح الأسرى والغاء القيود الاسرائيلية على دفع السلطة الوطنية لمستحقاتهم أي نزع محاولات اسرائيل وسم نضالهم بالارهاب، و التوقف عن قرصنة أموال المقاصة تحت هذه الذريعة أو غيرها، واعادة الشرطة الفلسطينية على الجانب الفلسطيني من معبر جسر الملك حسين، واعادة النظر باتفاقية باريس المجحفة، وبما يستجيب لاحتياجات بناء وتطوير الاقتصاد الوطني الفلسطيني، وقبل ذلك قبول اسرائيل والولايات المتحدة بعقد مؤتمر دولي للسلام على أساس الالتزام بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية بهدف تطبيقها، وليس مجرد العودة لمفاوضات عبثية حول ما اذا كان لدينا حقوق وطنية أم لا، أو ربط ذلك بالموافقة الاسرائيلية من عدمها كما جرى خلال العقود الثلاث الماضية.

القضية الفلسطينية ما زالت تسكن في قلوب الشعوب العربية، إلا أن وحدة واستنهاض طاقات الشعب الفلسطيني لمواجهة المخططات العدوانية الاسرائيلية هو الذي يجعل هذه القضية لدى الأشقاء العرب أكثر من مجرد مشاعر ساكنة.

اقرأ/ي أيضاً: الإرهابيون يستعجلون زوالهم.. بقلم عصام شاور

فتى الرواية السورية الجميل.. بقلم: راسم المدهون

أقلام – مصدر الإخبارية 

منتصف التسعينيات، تعرفت على خالد خليفة الكاتب الشاب في تلك الأيام، وصاحب رواية أولى “حارس الخديعة”. كان لافتًا ومهمًا عندي ما قاله لي الروائي الراحل هاني الراهب الذي عرّفني على خليفة: انتبه لخالد.. إنه أمل الرواية السورية القادم بقوة. لاحقًا صرت وخالد خليفة صديقين، وأذكر أن عمق لقاءاتنا وأهمية صداقتنا كانت بعد نشر مقالتي عن روايته الجميلة، والتي أطلقت اسمه بقوة في عالم الرواية، وأعني “دفاتر القرباط”، وهي المقالة التي أشارت للجماليات الفنية والبناء الروائي المتماسك والمشحون بالدراما، والتي لا أزال أعتقد أنها تحتل مكانتها الخاصة بين رواياته جميعًا.

خالد خليفة الصديق والكاتب هو عندي صورة حلب، وهو بمعنى ما ابن العشق الحلبي الفائق للحياة، والذي اعتدنا أن نلمسه في تراث حلب الفني، تمامًا كما عرفناه من عشق أهلها للفنون جميعًا، وبالذات الموسيقى والغناء، ولعل ملامح المدينة التاريخية العريقة قد وجدت طريقها إلى حضور خالد خليفة الشخصي وعشقه العميق للحياة بكل أبعادها، بل حتى في تماهيه مع أصدقائه الكثر، واعتبارهم جزءًا حميمًا من حياته.

في آخر لقاء لي مع خالد، أذكر أننا التقينا فجأة، على ناصية شارع في دمشق، فدعاني لأتناول معه “ساندويشتي” فلافل ساخنة، كنا خلال التهامهما نتحدث عن شيء واحد: كم أننا في تلك اللحظة كنا نتصرف كأننا من “القرباط”، أولئك الذين استدرجتهم مخيلة خالد خليفة إلى صفحات روايته “دفاتر القرباط”.

يغيب، وأغيب، وحين نلتقي بعد ذلك نحس أننا لم نغب، فهو قرأ جيدًا كل ما كتبت، وأنا “التهمت” ما حقق من روايات، وكان ولم يزل لافتًا بعد قراءة كل رواية له أن أقف مع جمالياتها الفنية ومعمارها الروائي الراقي، باعتباره حدثًا “عاديًا”، أي أنه لم يفاجئني أبدًا، وكأنني كنت أمشي خلال ذلك على المقولة الأولى التي كانت مفتتح تعرفي على خالد خليفة، والتي قالها لي الراحل الكبير هاني الراهب: خالد هو أمل الرواية السورية القادم بقوة.

هو، أيضًا، أحد أبرز من كتبوا الرواية، ليس في بلاده سورية وحسب، ولكن أيضًا على المستوى العربي، فذاكرتي تضعه في صورة مستمرة مع كوكبة من الأسماء الروائية العربية البارزة والمرموقة، والتي يقف فيها إلى جانبه من كتاب سورية الروائي الصديق خليل صويلح، أطال الله عمره، وكلاهما من جيل الرواية السورية الجديد الذين يؤكد وجودهم وتألق رواياتهم تجاوز الرواية السورية مكانتها الأولى إلى مقام أعلى وأرفع في الثقافة العربية عمومًا.

لعلّ أهم ما قدمته تجربة خالد خليفة الروائية هو الحفر العميق في “طبقات” المجتمع السوري، وما تحمله من تطورات تاريخية، ومن أحداث ووقائع لا تستقيم قراءتها إلا لكاتب روائي عميق الرؤية وبالغ الصبر يستغرق أعوامًا طويلة لكتابة تلك الحفريات الاجتماعية رواية كما فعل مع روايته “مديح الكراهية”. وأعتقد أنه في تلك الرواية كان الكاتب الذي يتوغل وراء الأحداث والبنى الاجتماعية، ويذهب نحو استنطاق الشخصيات بما هي دلالات كبرى، واضحة ومؤثرة على ظواهر اجتماعية ووجودية. ولم أستغرب أبدًا أن الراحل حين كتب أعمالًا درامية قد نجح أن تكون أعماله منتمية تمامًا، فنيًا وسردًا، إلى ما أسميه عادة “الرواية التلفزيونية”، كما فعل هو بالذات في مسلسله الشهير “سيرة آل الجلالي”، التي برعت في تشريح طبقة التجار وعوالمهم في مدينة حلب، وهي ميزة أعتقد أنه تفرَد بها بين زملائه من كتاب الدراما السوريين، ولفتت الانتباه إلى أعماله، باعتبارها مزجًا للأدب والدراما التلفزيونية على نحو فني جميل. وأهمية هذا يمكن الوقوف عليها من خلال تأمل المكانة الفنية للدراما خلال العقود الأخيرة، وبالذات في مرحلة نهوضها الكبير، وتبوئها مكانة عليا بين الدرامات العربية التي أصبحت حاضرة ومؤثرة في كل البيوت العربية.

الحديث عن الروائي الراحل خالد خليفة لا يستقيم من دون الحديث عن رحلته مع جوائز الرواية، خصوصًا “الجائزة العالمية للرواية العربية البوكر”، التي بدأت مع الدورة الأولى للجائزة، حيث وصل إلى القائمة القصيرة، وفاز يومها الروائي المصري بهاء طاهر بالجائزة، على أن جائزته الأهم في تقديري كانت في اختيار روايته “مديح الكراهية” ضمن قائمة “أهم 100 رواية في العالم في كل العصور”، وهو اختيار نادر لم يشاركه فيه من الروائيين العرب سوى نجيب محفوظ، وإلياس خوري، وإبراهيم عبد المجيد، وهو اختيار لم يكن ليتحقق إلا بعد ترجمة روايته لعدد كبير من اللغات العالمية، ومنها بالطبع اللغات الأوروبية الأبرز، الإنكليزية والفرنسية والإسبانية، ووصولها إلى أوسع دائرة من القراء.

خالد خليفة جاء إلى الأدب والكتابة في “زمن الرواية” وما شهدته الساحة الأدبية من منشورات روائية لا تحصى خلال العقود الثلاثة الماضية، لكنه نجح في تحقيق بصمته الكبرى التي لا تنسى على هذا الجنس الأدبي الجميل والصعب، والذي ظل دائمًا صنوًا ملازمًا للتاريخ والسياسة وعلم النفس كما لعلم الاجتماع، بالنظر لما يحمله الفن الروائي من توغل عميق في تلك الأقانيم كلها بحثًا عن وجوده وأدواته، بل وموضوعاته السردية، كما لا يحدث مع أي جنس أدبي آخر، فاختار أن يحقق تميزه، وأن يقدم براعته ورؤاه العميقة.

رحل خالد خليفة عن عالمنا قبل أن تطأ قدماه الستين من عمره، بعد أزمة قلبية مفاجئة، وقد رحل في ذروة عطائه وتألقه الفني هو المسكون بالأدب والكتابة، وبالرغبة في التعبير عن الحياة بكل أشكالها وتفاصيلها، لأنه خلال حياته الواقعية والروائية، على السواء، ظل ابن الحياة والناطق باسمها.

اقرأ/ي أيضاً: حكومة التطرف الأخطر والأكثر عنصرية

الإرهابيون يستعجلون زوالهم.. بقلم عصام شاور

أقلام – مصدر الإخبارية

الإرهابيون يستعجلون زوالهم، بقلم الكاتب الفلسطيني عصام شاور، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

الصراع بيننا وبين الاحتلال الإسرائيلي صراع ديني وعقائدي، وهذه حقيقة دامغة وليست وجهة نظر شخصية، وإن كان الدين والعقيدة الباطلة لدى الصهيونية العالمية مجرد ذريعة لاحتلال أرضنا وجلب اليهود إليها فإن الدين و العقيدة لدى المسلمين والفلسطينيين هي من تحرك الشعوب الإسلامية والعربية للدفاع عن فلسطين ومقدساتها.

اليهود احتلوا فلسطين تحت شعارات دينية وإن كانت مجرد أكاذيب، زعموا أن فلسطين أرض آبائهم وأجدادهم وأنها أرض الميعاد، ولذلك لا يجوز أن يخرج من بيننا وخاصة من قادة منظمة التحرير من يحذر من تحويل الصراع بيننا وبين اليهود إلى صراع ديني أو حرب دينية، وكأن ما يحدث منذ بداية احتلال فلسطين صراع سياسي أو جغرافي، تلك التحذيرات تحمل في طياتها الكثير من الغباء والجهل أو أن القصد منها حرف البوصلة وتشويه الحقيقة وتمييع القضية الفلسطينية.

اليهود احتلوا فلسطين تحت شعارات دينية وإن كانت مجرد أكاذيب، زعموا أن فلسطين أرض آبائهم وأجدادهم وأنها أرض الميعاد، ولذلك لا يجوز أن يخرج من بيننا وخاصة من قادة منظمة التحرير من يحذر من تحويل الصراع بيننا وبين اليهود إلى صراع ديني أو حرب دينية، وكأن ما يحدث منذ بداية احتلال فلسطين صراع سياسي أو جغرافي

أمس الجمعة توعدت منظمة جبل الهيكل بأنها تخطط هذا العام لكسر كل أرقام الاقتحامات السابقة في موسم ما يسمى عيد العرش، مؤكدة أنها ستوفر المواصلات المجانية من كل المناطق لتحقيق ذلك، كما ستوفر الضيافة للمقتحمين والتدريب المجاني على أداء الطقوس، ودعت جمهورها للتبرع لتحقيق أكبر عدد من الاقتحامات هذا العام.

هذه المنظمة وغيرها من المنظمات الإرهابية المتطرفة تعجل في كسر الكيان الاسرائيلي لانها تظهر حقيقة أطماع اليهود في فلسطين وتظهر عمق حقدهم على الفلسطينيين وعامة العرب والمسلمين، وما يشجعهم على الاستمرار في استباحة المقدسات هو الاستقبال الحافل الذي يحظى به قادتهم في بعض العواصم العربية التي تتآمر على الشعب الفلسطيني وقضيته وكذلك بسبب عمليات التطبيع التي تسير على قدم وساق وتسكت عنها منظمة التحرير الفلسطينية التي تدعي أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهنا نسأل: كيف لمن يمثل الشعب ولديه القوة لصد الاعتداءات على القدس ولا يفعل، كيف له أن يبارك عملية تطبيع مقابل فتات أو وعود كاذبة، من يمثل الشعب عليه ان يحميه ولا يكتفي بالتحذير من تحول الصراع بيننا وبين المحتل الى صراع ديني وغيره من التصريحات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

ختاما نذكر بقوله تعالى: “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”، لذلك نحن لا نخشى من مخططات الاحتلال التي يحاولون إخافتنا بها، لم نعد نؤمن بأن ما يحدث اليوم خططوا له منذ مئة عام، هذه السخافات عفى عليها الزمن، وقطعان المستوطنين التي تعيث فسادًا في القدس ستدخل إلى جحورها مع أول صفارة إنذار، الكيان يصارع الموت بتفتت صفه الداخلي وبوحدة المقاومة الفلسطينية والتي نشاهدها تفتح جبهة مع الاحتلال في مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، وكذلك على حدود قطاع غزة والتي أجبرت الاحتلال أن يعود إلى رشده والقادم أشد على الاحتلال ومن سانده ودعمه ممن يحسبون على العرب والمسلمين.

أقرأ أيضًا: مسيرة الأعلام وانهيار سقف الأحلام.. بقلم عصام شاور

Exit mobile version