المقاومة المسلحة في الضفة وإمكانية استخدام أسلوب حرب المدن

أقلام – مصدر الإخبارية

المقاومة المسلحة في الضفة وإمكانية استخدام أسلوب حرب المدن، بقلم المختص في الشؤون العسكرية أحمد عبد الرحمن، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

تظهر المقارنة بين القدرات الفلسطينية والإسرائيلية تفوقاً هائلاً لمصلحة “جيش” الاحتلال يصعب الحد من تأثيراته. لذلك، على المقاومين الأبطال اختيار أفضل السبل لمواجهة هذا التفاوت في القدرات والإمكانيات.

بات واضحاً منذ بداية العام المنصرم أن العدو الصهيوني يركّز معظم جهوده الأمنية والاستخبارية والعسكرية على احتواء الحالة الثورية المتصاعدة في مدن الضفة الغربية المحتلة ومخيماتها، ولا سيما بعد عودة خيار “الهجمات المسلحة” كخيار أساسي يستخدمه الفلسطينيون في الرد على العدوان الذي لم يتوقّف لحظة واحدة.

هذا الخيار الذي تمّ تغييبه قسراً لأكثر من 15 عاماً لأسباب مختلفة لا مجال لشرحها الآن، عاد بقوة، وخصوصاً بعد تشكيل كتائب المقاومة المسلحة على غرار “كتيبة جنين” وأخواتها في نابلس وطولكرم وغيرها من المدن والمخيمات الفلسطينية.

وما زاد رغبة العدو الإسرائيلي في القضاء على تلك المجموعات والكتائب و”اجتثاثها من جذورها بشكل كامل”، هو تحوّلها إلى مصدر إلهام للشباب الفلسطيني، سواء المؤطّر تنظيمياً أو الذي لا ينتمي إلى أي فصيل مقاوم.

النوع الثاني تحديداً نجح في تنفيذ مجموعة من العمليات “الهجومية” النوعية في قلب “المدن” الصهيونية، مثل “تل أبيب” والخضيرة وبئر السبع، إضافة إلى القدس المحتلة والخليل وغيرهما من المناطق الأخرى. تلك العلميات أوقعت أكثر من 30 قتيلاً إسرائيلياً العام الماضي، في إحصائية وُصفت بالأكبر خلال الأعوام السبعة عشر الماضية.

وبالتالي، وجدت “إسرائيل” نفسها أمام واقع صعب وخطر تتدحرج فيه الأمور باتجاه ما يمكن أن نسمّيه “انتفاضة مسلحة” مكتملة الأركان، تذهب بحالة “الأمن” التي عاشتها “دولة الكيان” لسنوات إلى المجهول؛ تلك الحالة التي نجحت بشكل كبير، وبمساعدة أطراف أخرى، في فرضها، سواء في محيط مدن الضفة التي توجد فيها مئات المغتصبات وآلاف المستوطنين أو في المدن المحتلة عام 48، التي أصبحت في مأمن بدرجة كبيرة من “العمليات القتالية” التي ضربتها بشدة مع بداية انتفاضة الأقصى وحتى العام 2006 تقريباً.

الخيارات الإسرائيلية
وضعت الأجهزة الأمنية في “إسرائيل” على طاولة متخذي القرار من المستوى السياسي خيارين لا ثالث لهما للتعاطي مع هذا الواقع المعقّد الذي بدا في لحظة ما غير قابل للاحتواء، وفي طريقه إلى انفجار كبير يخلط الأوراق ويذهب بالأوضاع إلى ما كانت عليه إبان “انتفاضة الأقصى” وما نتج منها من تغيّرات هائلة في تطور عمل المقاومة وإدخال وسائل جديدة ومؤثرة في إطار المواجهة مع الاحتلال.

الخيار الأول الذي قدّمته أجهزة استخبارات العدو، لا سيما جهاز “الشين بيت”، كان القيام بعملية عسكرية واسعة، على غرار عملية “السور الواقي” في نهاية آذار/مارس 2002، التي اجتاح بموجبها “الجيش” الإسرائيلي، في عهد رئيس الوزراء السابق أريئيل شارون، كل المدن الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وحاصر مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله، وقتل واعتقل مئات الفلسطينيين، وهدم عشرات البيوت.

أما الخيار الثاني، فكان القيام بعمليات خاطفة “كر وفر” أو ما يطلقون عليها في أروقة “الجيش” الإسرائيلي “العمليات الجراحية”، بحيث تقوم “القوات الخاصة” الإسرائيلية التي تملك إمكانيات تسليحية مميزة وقدرات قتالية عالية، وبدعم من فرق الجيش والاستخبارات المختلفة، بتنفيذ عمليات هجومية سريعة نسبياً داخل المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، لا سيما الشمالية منها، كجنين ونابلس، بهدف اعتقال أو اغتيال من تعتقد أنهم يقودون العمل المسلح في الضفة، أو الذين يموّلونه مالياً، وصولاً إلى “المحرّضين”، سواء كانوا سياسيين أو إعلاميين.

ولأنَّ تكلفة الخيار الأول من وجهة نظر قادة كبار في “الجيش” الصهيوني يمكن أن تكون باهظة وتحمل مخاطر جمّة، من قبيل اشتعال كل ساحات الضفة والداخل المحتل ودخول قطاع غزة على خط مواجهة عسكرية كبيرة، إضافة إلى خطر انهيار أجهزة السلطة الفلسطينية التي ما زالت “إسرائيل” بحاجة إليها لأسباب كثيرة، فقد فضّل المستوى السياسي الصهيوني اللجوء إلى الخيار الثاني.

هذا الخيار، من وجهة نظرهم، أقل تكلفة لقوات “الجيش” المنهكة من الأساس، ويحقق ولو بالحد الأدنى الغرض المراد تحقيقه، ويقلّل بشكل أو بآخر خطر تلك الكتائب والمجموعات، ويضعها في موقع الدفاع عن النفس داخل تموضعها الجغرافي في المدن والمخيمات الفلسطينية.

وقد بدأ تنفيذ هذا الخيار بداية نيسان/أبريل من العام الماضي، في عملية أُطلق عليها “كاسر الأمواج”، بمشاركة العديد من وحدات “الجيش” والاستخبارات الإسرائيلية، وبنسق مرتفع في معظم الأوقات، بحيث لم يمر يوم من دون أن تنفذ فيه القوات الخاصة الصهيونية عمليات اقتحام للمدن والمخيمات. وقد رافق ذلك العشرات من عمليات الاعتقال والاغتيال لكوادر المقاومة وهدم بيوت المقاومين والمقاتلين، لا سيما الذين نفذوا عمليات هجومية في قلب المدن المحتلة.

وقد أحاط العديد من المعطيات بهذا التحرك العملياتي والميداني الواسع، الذي تحوّل إلى عمليات ممنهجة تعتمد على جهد استخباري واضح ودعم الكثير من أذرع المؤسسة الأمنية والعسكرية الصهيونية، إذ امتلك العدو مروحة واسعة من الخيارات، معتمداً في ذلك على إمكانيات نوعية لا تتوفر للطرف المقابل الذي اعتمد على الروح القتالية العالية وبعض الخبرات التي حصل عليها بطريقة أو بأخرى فقط، في ظل واقع ميداني صعب ومعقّد.

أولاً: توصيف قدرات العدو
1 – قوات قتالية خاصة
يملك “الجيش” الإسرائيلي مجموعة من الوحدات “الخاصة” التي تتميّز بقدرات قتالية على أعلى مستوى، وهي مجهزة بأحدث وسائل التكنولوجيا التي تمكّنها من أداء مهامها بحرفية عالية، وبنسبة مخاطرة منخفضة نسبياً، وتحظى بدعم ومتابعة من أعلى المستويات في “الجيش” الإسرائيلي، وتُعتبر الذراع الضاربة لهذا “الجيش”، ويوكل إليها تنفيذ المهام الحسّاسة والصعبة التي تحتاج إلى جنود ومقاتلين على درجة عالية من الاحترافية.

ومن أهم هذه الوحدات وأكثرها نشاطاً في ساحات القتال “وحدة دوفدوفان”، وهي وحدة قتالية خاصّة تعمل في جميع الأراضي المحتلة، مع التركيز على الضفة الغربية بشكل خاص.

هذه الوحدة تكاد تعمل من دون توقف لمنع الأنشطة التي تقوم بها فصائل المقاومة وإحباطها، وهي تحافظ على مستوى عالٍ من النشاط، وتظل على أهبة الاستعداد العملي على مدار الساعة وعلى مدار العام.

يقوم مقاتلو هذه الوحدة بتنفيذ العديد من الأنشطة، مثل الاعتقالات والاغتيالات وجمع المعلومات من خلال وحدات “المستعربين”.

2 – سيطرة جوية كاملة
مكّنت القدرات الجوية الهائلة التي يملكها العدو الصهيوني قواته من فرض سيطرتها على أجواء مناطق العمليات بشكل كامل، ما أتاح لها رصد أماكن تحرك المقاومين بشكل مفصّل، ومكّنها من تقديم معلومات شبه كاملة للوحدات التي تقاتل على الأرض، ناهيك بمشاركتها في بعض الأحيان في القتال بواسطة طائرات “ميني درون” انتحارية، كما حدث في مدينة نابلس أثناء عملية اغتيال الشهيد وديع الحوح.

3 – سيطرة على الأرض
رغم أنَّ المدن والمخيمات التي تتم فيها العمليات القتالية تخضع للسلطة الفلسطينية، ورغم أن جميع ساكنيها هم من الفلسطينيين فقط، وأن جزءاً كبيراً من هذه المدن يقع داخل حدود المنطقة “أ” التي تتبع إدارياً وأمنياً، بحسب اتفاق أوسلو، لقوات السلطة التي يزيد عدد المنتسبين إلى أجهزة الأمن فيها على 60 ألف ضابط وجندي، فإنّ سيطرة القوات الإسرائيلية على الأرض تكاد تكون شبه كاملة، وهي تملك حرية الحركة كما تشاء في كل الجغرافيا المحيطة بتلك المدن، وفي جزء كبير داخلها، باستثناء الأماكن التي يوجد فيها المقاومون.

إنّ دخول قوات العدو وخروجها يتم من دون أن يعترضها أحد، وقيامها بمحاصرة البيوت والحواري وارتكاب الجرائم أصبح أمراً معتاداً.

4 – سيطرة على الفضاء الإلكتروني وأنظمة الاتصالات
في هذا المجال، تتفوق “إسرائيل” على معظم دول العالم، وليس على المقاومين في الضفة المحتلة فحسب، فهي تملك منظومات تجسس إلكترونية تعد من الأحدث على مستوى العالم، منها على سبيل المثال لا الحصر قاعدة “أوريم الاستخبارية” السرية، التي تعدّ من أكبر قواعد التجسس والتنصّت وجمع المعلومات على مستوى العالم، وتتبع لوحدة جمع المعلومات المركزية للاستخبارات العسكرية، المعروفة بوحدة رقم “8200”. ومن مهامها رصد المكالمات الهاتفية، والاتصالات اللاسلكية، والمراسلات الإلكترونية.

إلى جانب هذه القاعدة، تملك “إسرائيل” أنواعاً مختلفة من طائرات الاستطلاع التي يمكنها جمع المعلومات المرسلة إلكترونياً أو اعتراض المكالمات والرسائل الصادرة عن الأجهزة النقالة، ولا سيما الذكية منها. إضافةً إلى كلّ ذلك، هناك المناطيد العسكرية التي تساهم في جمع المعلومات أيضاً واختراق الهواتف والأجهزة اللوحية المختلفة.

كلّ ما سبق يمنح العدو سيطرة معلوماتية مطلقة على مسرح العمليات تمكنه من معرفة أماكن المقاومين وتحركاتهم والتنبؤ بخطواتهم وكشف مخابئهم وكمائنهم.

ثانياً: توصيف قدرات المقاومين
لا تقارن الظروف التي يقاتل فيها المقاومون الفلسطينيون في الضفة المحتلة، من حيث السيطرة على الجغرافيا والأجواء والإمكانيات القتالية، بتلك المتوفرة للعدو الصهيوني، وهذا ينطبق أيضاً على صعيد عدد المقاتلين الذين لا يتجاوزون في أفضل الأحيان بضع مئات، ما لم يكن أقل من ذلك.

1 – القدرات التسليحية
يفتقد المقاومون في مدن الضفة المحتلة ومخيماتها الحد الأدنى من الإمكانيات العسكرية اللازمة لخوض مواجهة شبه متكافئة مع قوات العدو الصهيوني، ويفتقدون أيضاً، بسبب الظروف المحيطة بهم، التدريبات اللازمة التي يمكن أن تعوّض جزءاً من هذا الخلل في القدرات التسليحية.

وبحسب كل المشاهد المصوّرة التي نراها عبر وسائل الإعلام، فإن معظم تلك الأسلحة هو بنادق هجومية من طراز “M16” إسرائيلية الصنع تم الحصول عليها بطريقة أو بأخرى.

وعلى الرغم من أن هذه البنادق سريعة الإطلاق وخفيفة الوزن، ويصل مداها الفعّال إلى 600-900 متر، فإنها لا تستطيع اختراق الدروع المصفحة للآليات الإسرائيلية، لا سيما إذا كانت المسافة الفاصلة بين المقاتلين وقوات العدو كبيرة نسبياً.

إضافة إلى البنادق، هناك محاولات بدأت تصبح أكثر وضوحاً على مستوى العبوات الناسفة المحلية الصنع، التي ستشكل، في حال احتوائها مواد شديدة الانفجار على غرار “TNT أو C-4″، معضلة كبيرة لقوات الاحتلال.

2 – السيطرة على الأرض
يمكن القول إن سيطرة المقاومين الفلسطينيين على الأرض ليست مكتملة، وأنهم لا يملكون سيطرة واضحة على “مسرح العمليات”، وإن كانوا يقاتلون داخل مدن ومخيمات فلسطينية؛ فافتقادهم الأدوات اللازمة لإحكام هذه السيطرة، مثل وسائل الدفاع الأرضي والجوي، وعدم وجود غرف عمليات محترفة، وصعوبة المناورة بالنيران، والافتقاد لعوامل الدعم الميداني من أجهزة السلطة، وغير ذلك الكثير من العوامل… كل ذلك يحرمهم من ميزة مهمة وأساسية، وهي ميزة “السيطرة والتحكم” في الميدان القتالي، الذي يمنح صاحبه خيارات متعددة لتحقيق النصر وتكبيد عدوه خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.

3 – السيطرة الجوية
باستثناء ما قام به المقاومون منتصف هذا الشهر من إطلاق طائرة “درون” صغيرة حلقت فوق رؤوس القوات الإسرائيلية المتوغلة في مخيم جنين، فإنَّ إمكانيات المقاتلين في مجال السيطرة على سماء المعركة معدومة بشكل كامل، ولا تتوفر لهم أي إمكانيات تقنية في هذا المجال الحاسم الّذي يسيطر عليه عدوهم بشكل كامل، بفضل ما يملك من إمكانيات وقدرات كبيرة وحديثة.

4 – القدرات الإلكترونية
ينطبق على هذا المجال الحساس المهم ما انطبق على سابقه على مستوى السيطرة الجوية، فالمقاومة في الضفة المحتلة لا تملك أي إمكانيات على مستوى “الحرب الإلكترونية”، ولا يبدو أنها يمكن أن تتحصل على ذلك في الفترة المقبلة، فالظروف المحيطة بها وبعملها، والتضييق والحصار والمطاردة، وسيطرة العدو على كل مداخل المدن الفلسطينية ومخارجها، يجعل من شبه المستحيل الحصول على إمكانيات من هذا القبيل، ولا سيّما أن إمكانيات كهذه لا تتوفر بسهولة، والأجهزة والأدوات المطلوبة لمثل هذا العمل ليست موجودة في متناول الجميع.

بناءً على ما تقدَّم من مقارنة للقدرات التسليحية، والإمكانيات القتالية، والسيطرة الجوية والبرية والإلكترونية، بين “الجيش” الإسرائيلي من جهة، والمقاومين والمقاتلين من جهة أخرى، والتي أظهرت تفوقاً هائلاً لمصلحة “جيش” العدو يصعب الحد من تأثيراته أو التقليل من تداعياته، فإن على المقاومين الأبطال اختيار أفضل السبل لمواجهة هذا التفاوت في القدرات والإمكانيات، وتقليل الفجوة الناتجة من هذا التفاوت إلى حدها الأدنى، والعمل على تحويل التهديد الذي تشكّله هذه القوة الكبيرة التي يملكها عدوهم إلى فرصة سانحة لإيقاع أكبر قدر من الخسائر في صفوفه. وفي المقابل، خفض خسائرهم إلى حدها الأدنى.

ورغم أنّ هذا الأمر صعب ومعقّد في ظل اختلال واضح في موازين القوى، فإنه، ومن خلال تغيير جوهري في تكتيكات القتال، لا سيما داخل المدن والمخيمات، يصبح وارداً وممكناً، فتحويل أسلوب القتال المفتوح الذي يعتمد على جرأة المقاتلين وحماستهم، إلى أسلوب “حرب المدن”، سيغيّر كثيراً من شكل المعركة، وسيحقق الكثير من الإنجازات التي افتقدناها خلال العام الماضي.

في الجزء الثاني، سنتحدث بإذن الله باستفاضة عن أسلوب “حرب المدن” وكيفية استغلال كل التفاصيل الصغيرة في ساحة العمليات، وسنحاول إجراء مقاربة عملية بين الجانب النظري لهذا الأسلوب وطبيعة الأرض والجغرافيا في مدن الضفة للحصول على أفضل النتائج الممكنة.

أقرأ أيضًا: خبير استراتيجي: إسرائيل تعيش حالة ارتباك ستُقرب المواجهة العسكرية

عن خصائص حكومة التطرف والخراب الإسرائيلية.. بقلم أكرم عطا الله

أقلام-مصدر الإخبارية

لم يكن أحد يتصور أن الحكومة الإسرائيلية بتركيبتها الحالية ستلتزم بوقف الاستيطان مقابل تراجع الفلسطينيين عن الشكوى لمجلس الأمن، فالرجل الأقوى في هذه الحكومة على الإطلاق هو بتسلئيل سموتريتش وزير المالية ونصف وزارة الجيش بما يخص الضفة والاستيطان رئيس «الصهيونية الدينية».

لذا بات من الضروري متابعة وفهم كيف يفكر ويتصرف هذا الرجل لمعرفة إيقاع الحركة السياسية وتطورات الصراع مع الفلسطينيين.

كل السياسيين الذين عملوا في الحكومات الإسرائيلية تنازلوا بعض الشيء عن مواقفهم وشعاراتهم السابقة نحو الحلول الوسط من أجل الشراكة إلا سموتريتش العقائدي المتصلب، والذي يعرف جيداً باعتباره حجر الزاوية لهذه الحكومة مكامن قوته القادرة على إسقاط نتنياهو وإرساله للمحكمة.

كيف لحكومة اتفقت في اتفاقاتها الائتلافية على أن “أرض الضفة الغربية هي أرض شعب إسرائيل يستوطن فيها كيفما شاء” أن توافق على وقف الاستيطان؟ كان الأمر بحاجة إلى هواة في السياسة ليصدقوا أن الحكومة الإسرائيلية ستقدم تنازلاً أيديولوجياً لوقف الخطوة الفلسطينية والتي لا تعني شيئاً بالنسبة للصهيونية الدينية، لكن الأمر لم يكن أكثر من محاولة أميركية رديئة الإخراج ضد الداهية بنيامين نتنياهو لتفكيك حكومته.

الديمقراطيون يكرهون نتنياهو ليس فقط منذ عهد أوباما بل منذ عهد كلينتون، وقد عمل بايدن كل ما في وسعه للحيلولة دون انتخابه، لكنه فاز ليشكل حكومة أشد تعارضاً معهم وتسبب لهم كل هذا الإحراج، سواء بالسياسات التي تتخذها أو بتغيير منظومة القضاء ما «يقضي على القيم المشتركة مع الولايات المتحدة».

سُعار الاستيطان دفع الفلسطينيين للذهاب لمجلس الامن، وهنا كان الموقف الأكثر حرجاً للولايات المتحدة، فهي من جهة ترفض هذا النهم الذي يقضي كما تقول على حل الدولتين ويفتح على خيارات الجحيم، ولكنها بالمقابل لا تستطيع التصويت بالموافقة وتنقلب فجأة على العلاقة الاستراتيجية السائدة ببين الدولتين. بل إن بايدن رأى أن الأمر بتلك البساطة يمكن أن يشكل فرصة لإسقاط حكومة نتنياهو من خلال نقل المعركة بين أعضائها حين يطالب بوقف الاستيطان، وهو يعرف أن هذا الشرط كفيل بانسحاب سموتريتش فوراً، وربما أن الفلسطينيين رأوا في تلك فرصة تستحق المغامرة بلا حسابات دقيقة ليقوموا بسحب مشروعهم.

لكن نتنياهو أكثر دهاء من ذلك، فهو سياسي محتال وخبير في لعبة البقاء، ولم تكن محاولة بهذه السذاجة يمكن أن تمر قبل أن يقلب الطاولة على رأس الفلسطينيين والإدارة الأميركية، ويذهب لصناعة معركة أمنية يغطي غبارها على كل الأحداث تبدأ في نابلس وتنتهي بصواريخ غزة وتستنفر مساعي التهدئة وتتكرم إسرائيل برد محدود إكراماً للوسطاء يكون موضوع الاستيطان قد اختفى تماماً، حيث لم يعد على الأجندة سوى الحيلولة دون حرب، وهكذا يكون نتنياهو قد خدع الجميع ليس فقط الفلسطينيين الذين خسروا مجلس الأمن وخسروا الميدان، بل الأهم كمين بايدن الذي أراد أن يستدرج نتنياهو نحوه.
لقد فكرت الإدارة الأميركية بمصلحتها فقط، فحكومة نتنياهو تصيبها بحرج شديد وتتمنى ان تصحو صباحاً وتجدها قد سقطت، فالحكومة ستعرضها للكثير من المواقف والضغط. ولكن لماذا يعتقد الفلسطينيون أن مصلحتهم باتت في إسقاط هذه الحكومة؟ فالسياق التاريخي يقول عكس ذلك.

ومن أجل إثبات ذلك علينا أن نرسم سيناريو سقوطها وبإجراء حسبة بسيطة يمكن أن يكون الأمر أكثر وضوحاً.

إذا ما سقطت حكومة نتنياهو وتم انتخاب بديل فعلى الأغلب سيكون يائير لابيد، سيتنفس الأميركيون الصعداء سيحتضنونه مثل لعبة جميلة، وستحظى إسرائيل بحضن دولي دافئ يسمح لها بمزيد من القتل «حكومة العام الماضي سجلت رقما قياسيا «ومزيدا من مصادرة الأراضي ومزيداً من الاستيطان ومزيداً من تجاهل الفلسطينيين.

كل هذا سيكون بتشجيع ورعاية أميركية وأوروبية بل وسيطلب العالم من الفلسطينيين السكوت نهائيا حتى لا يتم التشويش على لعبته الجديدة، هذا على الصعيد الدولي، أما على الصعيد الداخلي فستكون حكومة القانون وتنهي التفسخ في المجتمع الإسرائيلي وتزيد مناعته وتقوي اقتصاده.

الحكومة القائمة هي عامل مريح لكل خصوم إسرائيل وتحديداً الفلسطينيين، فهي حكومة أدت إلى شرخ في المجتمع الإسرائيلي وبوادر شرخ في علاقاتها الخارجية، فحتى الآن لم توجه دعوة لنتنياهو لزيارة واشنطن، وهي حكومة أدت إلى تخريب دولة القانون بخطة القضاء، حكومة تتسبب في انهيار اقتصادي وهجرة شركات ورؤوس أموال وتوقف المستثمرين عن الاستثمار بها، وستؤدي إلى تخفيض التصنيف الائتماني، بل إن أفضل ما تقدمه هذه الحكومة هو هذا الوجه البشع خارجياً والمتطرف داخلياً تجاه فئات المجتمع الأخرى. فلماذا يتعاون الفلسطينيون لإسقاطها لأجل حكومة معاكسة لكل هذا؟

هذه مصلحة أميركية بالكامل، ولكنها ليست بالضرورة مصلحة فلسطينية بل على حساب الفلسطينيين وضد مصلحتهم، وخاصة للتساوق الفلسطيني مع مصالح الإدارة الأميركية بثمن كبير على نمط التنازل عن الشكوى في المؤسسات الدولية؟ … السياسة بحاجة لحسابات أكثر هدوءاً، حسابات المصلحة لا حسابات العواطف، فلا متسع للحب والكراهية في حسابات السياسة… الفلسطينيون يكرهون حكومة نتنياهو – سموتريتش- بن غفير لكن السياسة لا تقاس بالعواطف، إسرائيل تكره «حماس» وبشدة لكنها تمرر لها 30 مليون دولار شهرياً. فهل يمكن أن يتعلم الفلسطينيون درسين، الأول إنهاء هذا الانقسام، والثاني المساهمة بالإبقاء على حكومة التطرف والخراب.

الرد على مجزرة نابلس قادم

أقلام – مصدر الإخبارية

الرد على مجزرة نابلس قادم، بقلم المدون الفلسطيني عزات جمال، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

عقب الجريمة البشعة التي ارتكبها الاحتلال الأربعاء 2023_2_21 في مدينة نابلس والتي أدت لارتقاء عشرة من الشهداء حتى الآن وعشرات الإصابات المختلفة، وذلك خلال عملية أطلقها الاحتلال للوصول لإثنين من قادة عرين الأسود الشهداء حسام اسليم ومحمد أبو بكر الجنيدي.

حيث رفضا رحمهما الله تسليم أنفسهم للاحتلال وقررا المقاومة حتى النصر أو الشهادة، وقد تمكنا أثناء حصارهما من إرسال رسالة صوتية موجهة لشعبنا الفلسطيني، يعلنون فيها تمسكهم بدرب المقاومة ومطالبتهم بالحفاظ على البارودة التي كانت دوما إرث الشهداء، كما أعلنا بأنهما لن يُسامحا كل من لاحقهم أو آذاهم في طريق مقاومتهم للاحتلال.

وقد استبسل في القتال الشهيدان ومعهم كل شباب مدينة نابلس ومخيماتها الذين هبوا سريعا لفك الحصار عن البطلين المحاصرين، وهذا يفسر أعداد الشهداء والجرحى المرتفع بسبب ضراوة الاشتباكات مع قوات الاحتلال التي اقتحمت المدينة بعشرات الجيبات العسكرية في ظل غياب أجهزة السلطة الأمنية المعهود.

يذكر أن السلطة الفلسطينية كانت قبل يوم واحد قد توصلت لاتفاق مع الاحتلال برعاية أمريكية يقضي بالامتناع عن تقديمها مشروع قرار في مجلس الأمن يطالب الاحتلال بوقف الاستيطان في الضفة والقدس، وقد عبرت عدد من الفصائل والفعاليات الرسمية والشعبية عن إدانة سلوك السلطة المرفوض وغير المبرر والذي يحمل خذلان لشعبنا الذي فقد ما يزيد على 60 شهيد منذ بداية هذا العام فقط، خاصة بأن قضية الاستيطان هي قضية تحظى بإجماع دولي على رفضها وإدانة سلوك الاحتلال.

الرد على مجزرة نابلس قادم وقد أعلنت المقاومة في غزة عبر تغريدة الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة بأن المقاومة “صبرها أخد في النفاد في ظل العدوان المتصاعد على أهلنا في الضفة والقدس” وكذلك أعلنت فصائل العمل الوطني والإسلامي تنظيم عدد من فعاليات الدعم والإسناد للأهل في الضفة والقدس تشمل اعلان اليوم الأحد 2023_2_22 يوم إضراب وغضب في محافظات الوطن مجتمعة.

وقد أطلقت المقاومة فجر اليوم عدد من الصواريخ باتجاه مدن الغلاف “سديروت وعسقلان” ولعلها تأتي في إطار إيصال رسالة للاحتلال بأنها على جهوزية حقيقية لإسناد شعبنا المنتفض في القدس والضفة والداخل وتتابع ما يجري عن كثب وهي لن تتردد في التدخل لرد العدوان.

فبتقديري أن الرد الحقيقي سيترجمه شعبنا ومقاومته على يد أبطال عرين الأسود وكتيبة بلاطة وكتيبة جنين وكل التشكيلات العسكرية؛ وعلى يد كل مُشتبك ينتظر الفرصة ليسير على درب رعد الخازم وعدي التميمي وخيري علقم وحسين قراقع، سيكون ردا بحجم الجريمة يسوء وجه الاحتلال وجيشه الذي فشل برغم كل جهوده وجهود أجهزة مخابراته على وقف ثورة شعبنا المتصاعدة في القدس والضفة والداخل.

إن غزة اليوم تمثل مصدر الإلهام لكل الفعل الثوري المتصاعد في كل ساحات الوطن، وسيف الشعب الفلسطيني في وجه صلف الاحتلال؛ لكن ذلك لا يعني أن الساحات الأخرى غير قادرة على الرد وإيلام العدو المحتل، فالثورة في حالة تصاعد واضح ومستمر، وغزة والقدس والضفة وداخلنا المحتل لن يترك مسؤولياته ولن يتردد في الدفاع عن مقدساته وأرضه بكل أشكال المقاومة، وإن غدا لناظره قريب والحرب سِجال.

أقرأ أيضًا: مجزرة نابلس وخطاب الهزيمة.. بقلم:مصطفى إبراهيم

حان الوقت للإجابة عن الأسئلة الصعبة.. بقلم: طلال عوكل

بقلم-طلال عوكل:

تتوالى التشريعات التي تصدر عن الكنيست الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية، التي تضيف مؤشّرات قانونية أخرى، لتؤكد الطابع العنصري لدولة الاحتلال، والتي تؤشر، أيضاً، إلى أبعاد السياسة الإسرائيلية التي تستهدف الوجود الفلسطيني وليس فقط الحقوق السياسية.
القانون الذي أقره الكنيست قبل بضعة أيام، ويتعلق بسحب الجنسية أو الإقامة من المقاومين، والذين يتقاضون مساعدات مادية من السلطة، ويقضي بتدمير منازلهم، يشكل واحداً من الترجمات العملية لقانون القومية العنصري، والذي يؤكد، أيضاً، الآفاق الذي تلتزم بها إسرائيل لمعالجة الصراع العربي والفلسطيني الإسرائيلي، من المهم ملاحظة أن إقرار هذا القانون يعكس توافقاً واسعاً لا يقتصر على الائتلاف الحكومي وإنما يشمل أحزاباً أخرى محسوبة على ما يسمى “الوسط” و”اليسار” المزعوم.هذا يعني أن الخلاف بين الائتلاف الحكومي والمعارضة، لا يشمل الإجراءات العنصرية، وإنما يتعلق بما تسمى الديمقراطية، والإجراءات الحكومية التي أخذت تتجاوز كل التحذيرات، سواء من قبل “المعارضة” أو الشارع أو الرئيس الإسرائيلي، حيث أقر الكنيست بالقراءة الأولى مشروع القرار الخاص بالقضاء الذي تقدمت به الحكومة.
الائتلاف الحكومي، يمضي في شرعنة الاستيطان وتوسيعه، وفي اتجاه الانقلاب على القضاء، ونحو تعميق الأبعاد العنصرية للسياسة العامة الإسرائيلية في حاضرها وآفاقها، تتم من خلال تحدّي النداءات الدولية، ونصائح الحلفاء، وأيضاً مواقف “المعارضة” التي يتسع تأثيرها في الشارع اليهودي والاستيطاني.
المجتمع الدولي بدوره، لا يتجه نحو الضغط على الحكومة الإسرائيلية للتراجع عن سياساتها وتشريعاتها، وسلوكها في الميدان، ولا حتى يتجه نحو تحقيق ما أراده بيان مجلس الأمن الدولي، الذي تهرّب من مسؤولياته تجاه وقف الاستيطان غير الشرعي، ووقف الإجراءات الأحادية التي تهدد “رؤية الدولتين”.بيان مجلس الأمن، يشكل تهرباً من المسؤولية عن تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية وأبعادها، ما يعطي فرصة للحكومة الإسرائيلية لمتابعة سياساتها التصعيدية.
الحكومة الإسرائيلية أشارت إلى أنها ستكتفي بتشريع تسع بؤر استيطانية، استجابة لبيان مجلس الأمن، ولكنها ستواصل توسيع الاستيطان بعد أن يتم تجاوز الأحداث المرتقبة خلال شهر رمضان.
الولايات المتحدة على رأس الدول الحليفة لإسرائيل، وصاحبة وراعية المشروع الاستعماري، ليست في وارد القيام بأي عمل من شأنه أن يفتح الآفاق أمام عملية سياسية تقوم على “رؤية الدولتين”.
هذا يعني أنه لم يعد واقعياً، انتظار تطورات وتدخل عوامل فاعلة، لبناء سياسة فلسطينية قائمة على المراهنة على إمكانية تحقيق هدف دحر الاحتلال عن الأراضي المحتلة العام 1967، أو على إمكانية إحياء المفاوضات السياسية، لتحقيق عملية سلام، حتى لو كانت محدودة، ودون ما أقرته الشرعية الدولية.
لا ضرورة، لصرف الوقت والجهد في توصيف الواقع الذي يتعلق بالاحتلال وسياساته وإجراءاته، ولا حتى في توصيف الحكومة التي يصفها الإسرائيليون بالعنصرية والفاشية.
الواقع الإسرائيلي أصبح معلوماً بكل تفاصيله وأبعاده ومآلاته، ما يستوجب من الفلسطينيين البحث في تداعيات هذا كله على الصراع، وما يفرضه على الفلسطينيين من مسؤوليات تاريخية.
الفلسطينيون تائهون حتى الآن، وينقسمون فوق انقسامهم، على تعريف المشروع الوطني، وتقييم طبيعة المرحلة ومنقسمون على أشكال النضال.
ثمة حاجة ماسّة لمأسسة التفكير الاستراتيجي والاستعانة بخبراء فلسطينيين وعرب وربما أصدقاء أجانب، للوقوف على الحقائق كما هي، وتقديم الخلاصات، والاقتراحات للقيادات الفلسطينية، التي عليها أن تحول كل ذلك، لميدان ممارسة السياسة.
لا يمكن لأي خبراء، أو حكماء، أن يقدموا استنتاجات صحيحة واقعية وعلمية، إذا كانوا مرتبطين بالمستويات التنفيذية، أو مستويات صنع القرار، ما يستدعي استقلالية مثل هذه المؤسسة.
إن كل ما يجري في المنتديات والمؤتمرات، وورشات العمل، والدراسات التي لا تتجاوز في قيمتها الثرثرات، التي لا تجد من يستقبلها أو يهتم بها من القيادات السياسية، التي دأبت على الثقة، بالخبرات الحزبية، والمستشارين الملحقين بتلك القيادات والفصائل.
من جديد، يصفع الواقع، كل من يحتل موقعاً قيادياً، في مستويات اتخاذ القرار العام، أو الفصائلي، خصوصاً حين يتعلق بالانقسام، والمصالحة واستعادة الوحدة، ولا تنفع كل التصريحات التي تعبر عن مخاطر هذا الانقسام، وتدّعي حرصها على إنهائه.
لقد حان الوقت، بل لقد صرف الفلسطينيون الكثير من الوقت العبثي تحت طائلة انقسام يعترف الكل أنه يخدم السياسة الإسرائيلية، ولا يقدم للفلسطينيين أي فائدة.
ثمة جدوى من النضال على المستوى الدولي، والقاري والإقليمي والعربي، أيضاً، فلقد طردت القمة الإفريقية الوفد الإسرائيلي ومنعته من حضور القمة، بالرغم من سعي البعض لمنح إسرائيل صفة مراقب.
الفلسطينيون بحاجة ماسّة وعاجلة للإجابة عن بعض الأسئلة الحيوية والأساسية.
هل لا تزال هناك فرصة لتحقيق عملية سلام بأفقٍ سياسي، تنتج عنه دولة على الأراضي المحتلة العام 1967؟
هل من العقلانية الاستمرار في المراهنة على المشروع الوطني، الذي انبنت عليه الاستراتيجية الفلسطينية خلال مرحلة “أوسلو”؟
هل بقي شيء من “أوسلو”، يستحق التمسك به وأخذه بعين الاعتبار بعد أن أقفلت إسرائيل صفحته بكتلٍ ضخمة من الإسمنت والحديد؟
هل ثمة إمكانية لتراجع إسرائيل، إلى ما قبل تشكيل الائتلاف الحكومي العنصري الفاشي؟
كيف يمكن وقف شلّال الدماء الذي ينزف بكثافة، وآخره المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل في نابلس، أمس، بعد عديد المجازر، وعمليات الإعدام الميداني، وهدم البيوت وتهجير أصحابها؟
كيف يمكن تصحيح الأوضاع العربية التي تشهد على مزيد من “اتفاقيات التطبيع” رغم افتضاح طبيعة الحكومة الإسرائيلية وأهدافها، بينما يتذرّع هؤلاء بالانقسام الفلسطيني؟
أسئلة كثيرة تفرض نفسها على المستويات السياسية الفلسطينية الرسمية والفصائلية، دون تأخير أو إضاعة المزيد من الوقت.

تقدير موقف: تحديات إقليمية متعددة تواجه القضية الفلسطينية

بقلم -معتز خليل:

أعلنت قناة الميادين اللبنانية، القريبة من المقاومة، في خبر عاجل لها بثته في صباح يوم الخميس الموافق الثالث والعشرين من فبراير إن الوسيط المصري لعملية التسوية طلب عدم الرد عسكرياً على جريمة نابلس، والمقاومة ردت على هذا الطلب بالرفض.
يأتي هذا مع كشف بعض من وسائل الإعلام العربية إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وعلى هامش لقاء عقده مع العاهل الأردني على هامش قمة القدس في العاصمة المصرية القاهرة تم الاتفاق على توحيد الجهود من أجل حث إسرائيل على عدم التصعيد ومحاولة الاتفاق أيضا مع منصات الاتصال لدى المقاومة للتهدئة ، خاصة قبل حلول شهر رمضان
ما الذي يجري؟
تبذل مصر جهودا مضينه ومتواصلة من آجل الوصول إلى حل للأمة المشتعلة بالأراضي الفلسطينية ، وهو ما بات يتعرض للكثير من التحديات والأزمات التي لا تنتهي نتيجة:
1- مواصلة إسرائيل لعملياتها في الأراضي الفلسطينية بلا توقف.
2- من الواضح إن إسرائيل لديها بعض من الأهداف الاستراتيجية التي تسعى لتنفذيها ، منها على سبيل المثال القضاء على عناصر المقاومة وتحديدا عناصر عرين الأسود وكتيبة جنين.
3- تتكبد إسرائيل خسار جمة في ظل إصرار ومواصلة عناصر المقاومة لعملياتهم العسكرية في قلب إسرائيل ، ورد إسرائيل بالمقابل عليها.
ومع كل هذا تتعرض الوساطة المصرية لتحديات جمة، الأمر الذي يفرض وجود رفيق أو ما يمكن وصفه بالشريك في هذا الإطار . ومن الواضح أن الأردن تلعب دورا مهما ودقيقا في هذا الصدد لعدة أسباب منها:
أ‌- تدرك المملكة الأردنية خطورة وحساسية الموقف في فلسطين ، وهو إدراك ينبع من اعتبارات متميزة منها الاعتبارات التاريخية والثقافية والاجتماعية.
ب‌- كثير من الملفات المرتبطة بالصراع الإسرائيلي مع الفلسطينيين تتطلع عليها الأردن وتعرفه عن ظهر قلب ، وبالتالي باتت قضية منح الأردن حيزا أكبر وأوسع في منظومة العمل السياسي العربي أو الإقليمي المشترك للتهدئة أمرا حتميا ، مع دقة الموقف والأزمة الحالية.
ج- تعرف الأردن جيدا كثير من تقديرات الموقف الحاسمة في الصراع الإسرائيلي مع الفلسطينيين ، منها مثلا أن هناك نية حتمية من المقاومة للتصعيد في شهر رمضان ، وهو أمر قاله عدد من قيادات المقاومة بصورة علنية دون تردد أو مواربة.
وفي هذا الإصار تسعى الأردن مثل مصر أو غيرها من الدول لتهدئة الموقف في فلسطين لعدة أسباب ومنها:
1- أن العالم الآن يعيش في أزمة حقيقة لن تنتهي قريبا، وتتمثل في الأزمة الأوكرانية ، وهو ما يمثل تحديا مهما لكافة الأطراف العربية والإقليمية مع تداعيات هذه الحرب.
2- تغرق كثير من دول المنطقة في أزمات ، منها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية ، الأمر الذي يجعل التعاون والاتفاق بين الدول العربية وبعضها البعض أمرا حتميا في ظل ما يجري الآن على الساحة السياسية.
3- على صعيد المقاومة هناك تباين على أرض الواقع، ومنذ صباح اليوم الخميس نشرت بعض من المراكز البحثية الإسرائيلية بعض من تقديرات الموقف ، التي تشير إلى أن المؤسسة العسكرية الاسرائيلية مقتنعة بأن جناح مهم في حركة حماس لا يرغب بالتصعيد ، رغم اطلاق صواريخ ليلة الأربعاء من غزة باتجاه اسرائيل عقب المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في مدينة نابلس اسفرت عن استشهاد 11 مواطنا وجرح 100 اخرين.
ووفقا لبعض من هذه التقديرات فان إسرائيل هي الاخرى لا ترغب في الوصول إلى تصعيد وجولة قتال أخرى ضد غزة.
تقدير استراتيجي
الفترة القادمة تمثل فترة الاتحاد أو العمل السياسي العربي بصورة مجتمعة وليس فردية، بمعنى أن التوجه للاتفاقيات الثنائية والثلاثية ، وحتى الاتفاق بين الدول العربية بصورة مشتركة للعمل والتعاون سويا لحل أزمة ما بات أمرا دقيقا بسبب:
1- ضعف المؤسسات العربية وتباين أدائها السياسي وقلة حيلته في كثير من الأزمات (جامعة الدول العربية نموذجا).
2- تفضيل كثير من الدول العربية للاتفاق الثنائي آو الثلاثي الفردي مع بعضها البعض عن منظومة العمل العربي المشترك التي يتطلب تنفيذ توصياتها أو قراراتها كثيرا من الوقت الذي يؤثر سلبيا على مسار القضية ذات الاهتمام المشترك.
وبالتالي فإن مصر وما تمتلكه من خبرة ، والأردن وما تمتلكه من تراث سياسي وأمني واستراتيجي يتعلق بالقضية الفلسطينية مؤهلتان سويا لتحقيق الكثير في هذا الملف، ومن الممكن الوصول لنتائجه ملموسة مع وجود أطراف عربية تنظر باحترام لهذا التحالف، مثل قطر مثلا آو الإمارات أو بالأصح جهات سيادية في كلتا الدولتين. عموما فإن التحديات التي يفرضها الواقع الإقليمي والفلسطيني تحديدا ومن بعده الواقع الدولي يفرضان اتخاذ الكثير من الخطوات اللازمة من أجل حل الأزمة الفلسطينية الحالية الآن.

اقرأ أيضاً: مجزرة نابلس وخطاب الهزيمة.. بقلم:مصطفى إبراهيم

مجزرة نابلس وخطاب الهزيمة.. بقلم:مصطفى إبراهيم

أقلام _ مصدر الإخبارية

هذه الجماهير الغفيرة التي تعتمل صدورها وقلوبها بالغضب والحزن، مهمتها ليست فقط تشيع الشهداء والهتافات في وداعهم بانتظار مجزرة جديدة ورد فعل انتقامي.

والتضليل بخطاب اعلام الهتافات من قبل اعلام رسمي أصبحت مهمته التضليل. لا شيءٍ يبرر هذا العدوان، وما يجري من قتل يومي في نابلس وجنين والقدس، وعدوان اجرامي. والخطاب الرسمي الفلسطيني الاستجداء والوقوف على أبواب الأمم المتحدة والرهان على الموقف الأمريكي والمطالبة بالحماية، ومصطلح “احمونا”، الذي تحول لخطاب رسمي والهروب من التوافق على برنامج وطني لمقاومة الاحتلال.

ويبدو الموقف والخطاب الفلسطيني العاجز بأن مهمته تسهيل مهمة الاحتلال ونظام الفصل العنصري، وعدوانه وقتل الفلسطينيين، وتفكيك أزماته وتطبيع العلاقات الأمنية معه على حساب الشعب والقضية.

حصيلة العملية الإرهابية ومجزرة نابلس 11 شهيداً، واصابة نحو 100 بجروح.‏ وبلغ عدد الشهداء منذ بداية العام الجاري حتى الآن ( 62 شهيداً ).

وعلى الرغم من التفاهمات بين دولة الاحتلال والسلطة الفلسطينية برعاية أمريكية، واستجابة السلطة سحب التصويت على ادانة الاستيطان الإسرائيلي في مجلس الأمن الدولي، بناء على تفاهمات بين حسين الشيخ وتساحي هنجبي، والرئيس محمود عباس ورئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو في القنوات الخلفية.

وفي بداية الأسبوع جرت اتصالات بين السلطة وإسرائيل بشأن تهدئة التوتر قبل شهر رمضان، وتم الاتفاق على استمرار الاتصالات.

كل ذلك علي أمل فتح أفق سياسي كما ورد في بيان اللجنة لمركزية لحركة فتح أول أمس الثلاثاء. مجزرة نابلس وهذه نتيجة الرهان على الوعود الامريكية وهمها فقط الحفاظ على أمن ⁧إسرائيل ‬⁩ أولاً وأخيراً.

في ظل عدم توقف الحرب ‬⁩ التي تشنها حكومة نتنياهو ضد الفلسطينيين في الضفة.

مجزرة نابلس وهي استمرار لسياسة نتنياهو وخطط حكومة التغيير لبيد / غانتس وتكتيكاتهم باجماع صهيوني على ارتكاب الاحتلال الجرائم. وتواطؤ الادارة الأمريكية وما تسميه مخاوف الاحتلال الأمنية.

تشن دولة الاحتلال حرب شرسة تستخدم فيها تكتيكات واستراتيجية عدوانية قائمة على القتل والردع.

شراسة العدوان الإسرائيلي مستمرة منذ بداية العام الماضي وكأنها نسخة من الحرب التي شنتها دولة الاحتلال في العام 2002 (السور الواقي).

خطاب التضليل الرسمي لاحتواء الغضب الجماهيري، والتغطية الإعلامية لمجزرة نابلس، ستنتهي مع نهاية توديع الشهداء، والاعلان عن يوم اضراب وحداد وطني في الضفة الغربية، وبالمراقبة في غزة، والادانة والشجب والاستنكار من قبل الفصائل، والقيادة والطلب من المجتمع الدولي والولايات المتحدة الامريكية الضغط على حكومة نتنياهو التي تتلقى الدعم والحصانة.

خطاب القيادة الفلسطينية المعتاد، والمعروف مسبقاً، وتجاهل الغضب الشعبي، وتعمل كأنها وسيط، وكعادتها عند وقوع هذه المجازر التي تثير غضب الفلسطينيين، تخرج سلاحها النووي والتهديد المتمثل بالذهاب الى مجلس الامن الدولي لطلب الحماية الدولية، وتقديم بلاغات للمحكمة الجنائية الدولية.

تجارب الفلسطينيين مريرة مع القيادة ورهانها على الوعود الأمريكية وقراراتها غير القابلة للتنفيذ، سواء تلك المتعلقة بوقف العلاقة مع الاحتلال ووقف التنسيق الأمني بناء على توصيات المجلس المركزي. وسابقة سحب دعمها لمشروع قرار في مجلس حقوق الإنسان لإدانة دولة الاحتلال بناء على تقرير القاضي غولدستون في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، على اثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2009، بذريعة أن من شأنه أن يقوض جهود عملية السلام.

هذا الخطاب والسوابق والاستجداء بطلب الحماية تنتج خطاب الهزيمة واهانة الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.
وكما تحول خطاب الحياة مفاوضات إلى خطاب رسمي عام، تحول الخطاب الوطني الى خطاب بدنا حماية، واستسهال القتل واستباحة الدم الفلسطيني، والاستخفاف بالجماهير الفلسطينية وتهميشها وتغييبها عن العمل الوطني والسياسي ومقاومة الاحتلال علي الارض.

قرصنة إسرائيل الكمبيوترية جريمة في حق الإنسانية! بقلم توفيق أبو شومر

أقلام-مصدر الإخبارية

لم أرصد أية ردود فعل قوية ضد أخطر عملية قرصنة إسرائيلية كمبيوترية دولية!، برزت هذه القرصنة في التحقيق الصحفي الخطير المنشور في صحيفة الغارديان البريطانية يوم 15-2-2023م، وهو التحقيق الذي يمثل إدانة صريحة لإسرائيل لأنها تنتهك حقوق الإنسان في كل دول العالم!

شركة القرصنة الإسرائيلية مختصة بتزييف نتائج الانتخابات في العالم، نجحت الشركة في تزييف انتخابات ثلاثين دولة في العالم، في أوروبا، وآسيا، وإفريقيا، استخدمت التضليل والكذب سرقت البيانات الشخصية، وشوَّهتْ صور بعض الزعماء السياسيين المعارضين في العالم!

سجل الفريق الصحفي ست ساعات من التحقيق مع مسؤولي هذه الشركة!

ومن طرائف التزييف والتضليل أن شركة القرصنة هذه اشترت لعبة جنسية فاضحة من موقع أمازون، وأرسلت اللعبة إلى زوجة أحد السياسيين لإفساد علاقته الزوجية وتشويه سمعته الانتخابية!

لم تكتفِ هذه الشركة الإسرائيلية الاستخبارية التابعة لجهاز الأمن بذلك فقط بل إنها تقوم بسرقة الإيميلات الشخصية في الفيس بوك، وتويتر، ولنكدن، وتسرق بطاقات الائتمان، حتى محفظة البتكوين،

هذه الشركة تجمع السجلات الاستخبارية عن ضحاياها، وتزرع أجهزة اتصال سرية، هذه الشركة ليست شركة خاصة، بل هي فرع من شركة أمنية إسرائيلية تقدم المشورة السرية للجهات الأمنية الإسرائيلية، أسست عام 1999م.

اقرأ/ي أيضا: قراصنة يسربون بيانات 30 ألف إسرائيلي

هي شركة (ديمومان العالمية) مقرها في مستوطنة مودعين أسسها، تال حنان، وأخوه، زوهر حنان، وهما من رجال المخابرات الإسرائيلية!
ما قامت به الشركة، وما تقوم به ليس قرصنة فردية، تخضع للمحاسبة الشخصية، بل هو اعتراف صريح بانتهاك أبسط حقوق الإنسان، وإفساد الديموقراطية والعدالة في العالم كله!

نسي كثيرون قضية شركة، أن أس، أو، الإسرائيلية المنتجة لبرنامج بيغاسوس القادر على اختراق أجهزة الأيفون، يستولي البرنامج على الكاميرا والميكرفون ويسجل مكالمات المعارضين السياسيين والمفكرين، كشف هذا البرنامج أسرار خمسين ألف مشترك ممن ترغب الشركة في بيع تسجيلاتهم للحكومات الديكتاتورية لهدف تصفيتهم، وقد نشرت صحيفة الواشنطن بوست تحقيقا موسعا عن ذلك 22-8-2022م.

للأسف، فإن أكثر الدول تغض الطرف عن شركات القرصنة الكمبيوترية الإسرائيلية لأنها زبائن هذه الشركات، غير أن، إيتاي ماك وهو إسرائيلي يعمل في مجال حقوق الإنسان حصل على توقيع ستين مثقفا وسياسيا إسرائيليا تقدم بشكوى للمحكمة الإسرائيلية يوم 15-1-2023م ضد شركة إسرائيلية جديدة اسمها، كوغانيت سوفت وير، لأنها زودت حكومة، مينمار ببرنامج تجسس لتعقب المعارضين، مما أسهم في تصفيتهم، واتهم، إيتاي ماك وزارة الخارجية الإسرائيلية، ووزارة الجيش، بأنهم جميعهم يرتكبون جرائم ضد الإنسانية!

كان مفروضا أن يحظى هذا الملف بالعناية والمتابعة من الجمعيات والمؤسسات والدول كافة، غير أن هذه التحقيقات الصحفية ظهرت في ثنايا الأخبار كفلاشات سريعة، ولم تدم طويلا، ولم تحظَ إلا بالشجب والاستنكار الخطابي اللحظي، ولم تصبح اتهامات جنائية دولية ضد أبسط مبادئ حقوق الإنسان في العالم!

لا يجب أن ننسى، نحن الفلسطينيين، أننا لا نعاني فقط من احتلال الأرض، ومن القمع والتشريد والقتل، بل إننا نعيش تحت مظلة دفيئة استخبارية كمبيوترية إحتلالية عنصرية مبنية من جدران وسقوف مصنوعة في شركة بيزك الإسرائيلية!

أخيرا، ماذا سيحدث لو كانت شركات القرصنة هذه فلسطينية أو عربية؟!

مقال عبري: الحلم الصهيوني كابوس.. السلام الإسرائيلي الفلسطيني أقل احتمالاً

ترجمة خاصة – مصدر الإخبارية

مقال لجرشون باسكين في جيروزاليم بوست

ترجمة: عزيز المصري

“لقد هاجرت إلى إسرائيل قبل 45 عامًا في سن 22 عامًا من نيويورك. كنت ناشطا صهيونيا شابا. انضممت إلى حركة الشبيبة الصهيونية، يهودا الشباب عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري. لقد صعدت بسرعة إلى مناصب قيادية في الحركة. في السنة الأخيرة من دراستي الثانوية، كنت رئيس منطقة Long Island في Young Judaea، وهي واحدة من أكبر المناطق وأكثرها نجاحًا في البلاد بأكملها. قضيت السنة بين المدرسة الثانوية والجامعة في إسرائيل في برنامج “السنة الدراسية” للحركة.

مكثت في كيبوتس عين حرود إيهود لمدة نصف عام ثم قضيت نصف عام في القدس. حتى قبل ذلك العام، بعد زيارة إسرائيل مرتين خلال المدرسة الثانوية، علمت أنه بعد الانتهاء من درجة البكالوريوس (في السياسة وتاريخ الشرق الأوسط) سأجعل من إسرائيل موطني. تعلمنا في “الحركة” أن الهجرة إلى إسرائيل كانت أكثر من مجرد تغيير بسيط في العنوان. إن الهجرة إلى إسرائيل هي تغيير جوهر حياتنا وتقديم مساهمة حقيقية لإسرائيل.

قبل الانتقال إلى إسرائيل، أدركت أن السؤال الوجودي الأساسي الذي يواجه إسرائيل هو أنه إذا استمرت إسرائيل في السيطرة على الأراضي التي احتلتها في يونيو 1967، فستكون هناك في النهاية أغلبية فلسطينية بين النهر والبحر. علمنا في الحركة أن حجر الزاوية للصهيونية كان ضمان أغلبية يهودية في دولة إسرائيل.

حتى العامين الماضيين، كنت أعتقد أن هناك احتمال أن تدخل إسرائيل في عملية سلام حقيقية مع الفلسطينيين وأن دولة فلسطينية مستقلة يمكن أن تنشأ في الضفة الغربية وغزة مع القدس كعاصمة مشتركة. إذا حدث ذلك، يمكن لإسرائيل أن تظل الدولة القومية الديمقراطية للشعب اليهودي بأغلبية يهودية واضحة.

كنت أعتقد بشكل أساسي أن الديمقراطية الحقيقية والمساواة بين جميع مواطني إسرائيل أمر ممكن، بشرط أن يتم تنفيذ حل الدولتين. في رأيي، كان إنشاء دولة فلسطينية هو التحقيق النهائي للحلم الصهيوني.
معسكرات السلام ماتت والحلم الصهيوني الآن كابوس.

بعد اغتيال رئيس الوزراء رابين، الانتفاضة الثانية التي قتلت معسكرات السلام على الجانبين، وفشل عملية السلام، وانعدام الاهتمام أو الإرادة السياسية في المجتمع الدولي، وفقدان كامل للإيمان بأن السلام ممكن في كلا الجانبين. المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني، أصبح الحلم الصهيوني كابوسا. إن الحفاظ على الأغلبية اليهودية مع الحفاظ على السيطرة على ملايين الفلسطينيين أمر مستحيل إذا كانت القيم الديمقراطية مهمة وضرورية.
إسرائيل ليست الملاذ الآمن لليهود الذي تحدث عنه القادة الصهاينة. إنه في الواقع، أحد أقل الأماكن أمانًا في العالم أن تكون يهوديًا. أعتقد أنه بعد الهولوكوست كان هناك واجب أخلاقي لإنشاء دولة إسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي. لكن يجب علينا أيضًا أن ندرك أن شعار “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” كان كذبة كاملة.

لمدة ألفي عام، تجول اليهود في جميع أنحاء العالم عديمي الجنسية، ولكن كان هناك دائمًا آخرون يعيشون في هذه الأرض. كانت هناك، في معظم الأوقات، جالية يهودية صغيرة في أرض إسرائيل، لكنهم كانوا أقلية صغيرة، يعيشون مع السكان العرب الأصليين الذين عاشوا هنا لقرون. مع صعود القومية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ولدت الصهيونية السياسية. لكنها لم تكن وحدها في العالم.

ولدت القومية الفلسطينية في نفس الوقت وهناك الكثير من الحقائق والوثائق التاريخية لإثبات ذلك (إذا كنا مستعدين وراغبين في فحص الحقائق التاريخية بموضوعية). القومية الفلسطينية حقيقة واقعة، والصراع بينها وبين الصهيونية الممزوج بمعتقدات دينية متطرفة يؤدي إلى نشوء تعصب سياسي موجود في كل من إسرائيل وفلسطين.

نجح المشروع الصهيوني – ربما بما يتجاوز أحلام أي شخص. إنها في الواقع واحدة من أنجح الحركات السياسية في التاريخ الحديث. نحن الآن بعد خمسة وسبعين عامًا من ولادة دولة إسرائيل. أصبح المشروع الصهيوني مضللاً بل شريرًا أحيانًا. مؤسساتها تنفذ سياسات تطهير عرقي ويستخدم اسمها لتبرير بناء مستوطنات غير شرعية على أرض الفلسطينيين.

ردود الفعل الصهيونية تجاه الفلسطينيين هي أفعال تتخذها إسرائيل غالبًا ما تتضمن العنف وإرهاب الدولة والعقاب الجماعي وحتى جرائم الحرب، وفقًا للقانون الدولي. لا يهم ما إذا كان الفلسطينيون ينفذون هجمات عنيفة أو تحركات دبلوماسية غير عنيفة، مثل الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل – فالرد الإسرائيلي هو نفسه دائمًا تقريبًا.

لقد ناضلت مع ماضي الصهيوني. لقد توقفت لبعض الوقت عن وصف نفسي بالصهيونية. لا أستطيع التماهي مع ما تم فعله باسم الصهيونية. لقد أثبتت إسرائيل أنها لا تستطيع أن تكون يهودية وديمقراطية. (يقول البعض أنها يهودية للعرب وديمقراطية لليهود!)

يجب أن أعيش مع التناقض المتمثل في أنني أعيش في إسرائيل لمدة 45 عامًا كشخص جاء إلى هنا بموجب قانون العودة الصهيوني. لقد نشأت عائلة هنا وكنت جزءًا من الحركة الصهيونية معظم حياتي. إسرائيل هي بيتي ولا يوجد مكان آخر في العالم أريد أن أعيش فيه.
أنا إسرائيلي وكمواطن إسرائيلي سأستمر في استخدام حقوقي للنضال من أجل جعل إسرائيل ديمقراطية حقيقية تعيش بسلام مع جيرانها الفلسطينيين. سأستمر في النضال حتى تصبح إسرائيل دولة لجميع مواطنيها الذين يجب أن يتمتعوا بالمساواة الكاملة – كما ورد في إعلان الاستقلال الإسرائيلي.

ما زلت أدرك أهمية وجود منطقة يتمتع فيها اليهود بحرية العيش كيهود، وتطوير ثقافتهم وحمايتها، والتمتع بالأمن الجسدي والوطني. أعتقد أنه من المهم أن يعرف اليهود المعرضون للخطر في جميع أنحاء العالم – لأنهم يهود – أن لديهم منزلًا يأتون إليه متى وإذا لزم الأمر. لا تزال الأسباب الجذرية لتأسيس الحركة الصهيونية قائمة.
إنني أدرك الأهمية التاريخية والدينية لأرض إسرائيل ومدينة القدس للشعب اليهودي. ولكن دون أي تناقض على الإطلاق، فإنني أدرك أيضًا الأهمية التاريخية والدينية للقدس وفلسطين للشعب الفلسطيني. هذه أرض شعبين ومهمة لثلاث ديانات توحيدية. لن يغادر أي من الشعبين هذه الأرض، ولكلا الشعبين صلات عميقة بجميع أنحاء الأرض.

أنا لا أزعم أنني أعرف ما هو الحل لإيجاد طريقة للعيش بسلام على هذه الأرض. أعلم أنه لا يمكن القيام بذلك إلا من قبل أشخاص طيبين من كلا الجانبين يعملون معًا لجعل السلام حقيقة واقعة”.

رابط المقال في صحيفة جيروزاليم بوست.

عملية نابلس تكشف عن بصمات “روح” سياسات بن غفير داخل الشاباك

مقالات – مصدر الإخبارية

كتب: معتز خليل

“صباح يوم الأربعاء الموافق الثاني والعشرين من شهر فبراير هاجمت قوة من عناصر الجيش الإسرائيلي ومعها عناصر من جهاز شاباك وأفراد من الوحدة الشرطية الخاصة البلدة القديمة من مدينة نابلس، وكان الهدف من عملية نابلس بحسب بيان جيش الاحتلال تحييد ثلاثة مطلوبين متورطين في عمليات اطلاق نار في الضفة الغربية والتخطيط لتنفيذ عدد اخر من العمليات في الوقت الفوري ، وأسفرت العملية عن استشهاد عدد من الفلسطينيين وعناصر المقاومة أيضا.
ما الذي يجرى؟
بات من الواضح وعقب عملية نابلس وفي ضود تحليل ما سبقها من عمليات ما يلي:
1- استمرار إسرائيل في هذه العمليات يؤكد أن هناك تحضيرات متواصلة للقيام ببعض من العمليات للمقاومة خلال شهر رمضان ، وتعلم إسرائيل جديا صعوبة إيقاف هذه العمليات تماما ، وبالتالي فإن الحل يتمثل في تنفذي عمليات قتل نوعية ضد العناصر الفلسطينية لتخفيف أي آثار متوقعة يمكن أن تحصل في شهر رمضان جراء العمليات العسكرية الفلسطينية.
2- استمرار الجيش الإسرائيلي والمؤسسات الأمنية التابعة له في تعقب المطلوبين الفلسطينيين واغتيالهم حال مبادرتهم بالدفاع عن أنفسهم.
3- هناك اتفاق ضمني على أن إسرائيل ستواصل عملياتها لتصفية القيادات في جماعتي عرين الأسود أو كتيبة جنين بغض النظر عن أي تداعيات لهذه التصفيات.
4- في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل عملياتها العسكرية ، خاضت السلطة الفلسطينية مفاوضات مع إسرائيل ، وهي المفاوضات التي توصلت فيها السلطة إلى بعض من النقاط المتميزة ، ومنها توقف الاستيطان مقابل عمل السلطة جديا على وقف العمليات ، فضلا عن تخفيف الأعباء عن كاهل الفلسطينيين بالسماح لهم بالعمل في داخل إسرائيل.
5- وفي الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل عملياتها العسكرية تواصل بعض من الأطراف الإقليمية وعلى رأسها مصر جهودها من أجل التهدئة ، غير أن استمرار العمليات الإسرائيلية يعني بالنسبة لهذه النقطة تحديدا:
أ‌- عدم اكتراث بعض الأجهزة بالدور المصري والانتباه له، بدعوى أن العمليات الفلسطينية تحصد أرواح الإسرائيليين ، وبالتالي لا صوت يعلو فقوت الصوت الأمني وتقديره العسكري.
ب‌- موافقة مصر أو عناصر أمنية بها على استمرار العمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية ، وهي الموافقة التي لا يشترط أن تكون معلنة ، ولكن يكفي عدم التعليق على هذه العمليات والاكتفاء ببيانات من الخارجية للتنديد والشجب.
ج- رغم هذا الموقف المصري تهاجم بعض من الصحف ووسائل الٌعلام الإسرائيلية مصر ، وتحديدا الرئيس عبد الفتاح السيسي وتحديدا برنامجه الاقتصادي تزامنا مع هذا التصعيد ، ومن أبرز من هاجموا الرئيس السفير يتسحاق ليفانون في مقال له بصحيفة معاريف ، وإيهود يعاري المحلل السياسي بالتليفزيون الإسرائيلي (القناة ١٢) ، وحمل الهجوم إهانة شخصية للرئيس ، حيث اتهم ليفنانون السيسي بعدم معرفة الفارق بين المسجد الأقصى وحائط البراق ، فيما أتهم يعاري الرئيس بعدم الإدراك الاقتصادي.
د- الهجوم على الرئيس المصري يأتي في إطار رد إسرائيل على تحركات مصرية محددة تتعلق بالسلام الإبراهيمي ، وتحديدا بين دولة خليجية كبيره وبين إسرائيل ، واكتشفت إسرائيل تفاصيل ما يمكن وصفه بالحنق المصري إزاء عدد من الملفات المتعلقة بالسلام بينها وبين هذه الدولة ، ومن هنا كانت توصية بعض الأجهزة لكتابها المفضلين بالهجوم على شخص الرئيس، والهجوم على مشروعه الرئاسي وهو التطوير الاقتصادي ، وليس أي قضية أخرى.
وقد أعترض رئيس احد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الموجودة في مكتب رئيس الوزراء على هذا التوجه ، واستشهد بأن معايرة المصريين بمشاكلهم الداخلية ستنعكس سلبا عليهم ، رغم أن هذا المسؤول شخصيا لا يحب الدور المصري ولا يثق في جهوده كثيرا .
واستشهد هذا المسؤول بما جرى في عهد الرئيس مبارك ، وحديثه لاحد قادة إسرائيل الآمنين بأن لدية كثيرا من المشاكل الداخلية والأزمات ، وأن القضية الفلسطينية والتجاذب مع إسرائيل يسببان الكثير من القلق له ، وأعرب الرئيس المصري الراحل مبارك عن ترحمه على يتسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل ، وهو ما حصل في لقاء مع مسؤول أمني إسرائيلي كبير .
غير آن قيادات من شاباك لم تكترث لهذه التوصية واعتبرتها مجرد سرد سياسي.
تقدير استراتيجي
بات من الواضح أن إسرائيل لا تكترث بأي تحركات إقليميه ، وترد على الفلسطينيين والمصريين وأي طرف بدون أي تدخل منه. اللافت آن الشاباك وبهذه السياسات الأمنية التصعيدية ينتهج نفس ذات السياسات التي يدعو إليها وزير الأمن الإقليمي بن غفير ، ورغم التشاحن والخلافات بين قيادات شاباك وقيادات الجيش والمخابرات من جهة مع بن غفير ، إلا أن الواقع العملي على الأرض يشير إلى أن روح السياسات التي ينادي بها بن غفير عقب كل عمليه فلسطينية ، وعقب أي تصعيد تحصل على الأرض ، وبات الشاباك بن غفيري في سياساته ، الأمر الذي بات واضحا مع هذا التصعيد.
عموما بات من الواضح إن إسرائيل تمتلك بنكا استراتيجيا لأهداف ستقوم بها ، وهي الأهداف التي تواصل القيام بها من خلال عملياتها المتواصلة التي لا تهدأ في الضفة الغربية ضد الفلسطينيين”.

اقرأ أيضاً: عدوان نابلس: وحشية تخفي تخبّط الاحتلال.. ودخول متأخّر لغزة على خط النار

المقاومة المسلحة في الضفة وإمكانات استخدام أسلوب حرب المدن

أقلام-مصدر الإخبارية

كتب المحلل السياسي أحمد عبد الرحمن أنه بات واضحاً منذ بداية العام المنصرم أن العدو الصهيوني يركّز معظم جهوده الأمنية والاستخبارية والعسكرية على احتواء الحالة الثورية المتصاعدة في مدن الضفة الغربية المحتلة ومخيماتها، لا سيما بعد عودة خيار “الهجمات المسلحة” كخيار أساسي يستخدمه الفلسطينيون في الرد على العدوان الذي لم يتوقّف لحظة واحدة.

هذا الخيار الذي تمّ تغييبه قسراً لأكثر من 15 عاماً لأسباب مختلفة لا مجال لشرحها الآن، عاد بقوة، وخصوصاً بعد تشكيل كتائب المقاومة المسلحة على غرار “كتيبة جنين” وأخواتها في نابلس وطولكرم وغيرها من المدن والمخيمات الفلسطينية.

وما زاد رغبة العدو الإسرائيلي في القضاء على تلك المجموعات والكتائب و”اجتثاثها من جذورها بشكل كامل”، هو تحوّلها إلى مصدر إلهام للشباب الفلسطيني، سواء المؤطّر تنظيمياً أو الذي لا ينتمي إلى أي فصيل مقاوم.

النوع الثاني تحديداً نجح في تنفيذ مجموعة من العمليات “الهجومية” النوعية في قلب “المدن” الصهيونية، مثل “تل أبيب” والخضيرة وبئر السبع، إضافة إلى القدس المحتلة والخليل وغيرهما من المناطق الأخرى. تلك العلميات أوقعت أكثر من 30 قتيلاً إسرائيلياً العام الماضي، في إحصائية وُصفت بالأكبر خلال الأعوام السبعة عشر الماضية.

وبالتالي، وجدت “إسرائيل” نفسها أمام واقع صعب وخطر تتدحرج فيه الأمور باتجاه ما يمكن أن نسمّيه “انتفاضة مسلحة” مكتملة الأركان، تذهب بحالة “الأمن” التي عاشتها “دولة الكيان” لسنوات إلى المجهول؛ تلك الحالة التي نجحت بشكل كبير، وبمساعدة أطراف أخرى، في فرضها، سواء في محيط مدن الضفة التي توجد فيها مئات المغتصبات وآلاف المستوطنين أو في المدن المحتلة عام 48، التي أصبحت في مأمن بدرجة كبيرة من “العمليات القتالية” التي ضربتها بشدة مع بداية انتفاضة الأقصى وحتى العام 2006 تقريباً.

الخيارات الإسرائيلية
وضعت الأجهزة الأمنية في “إسرائيل” على طاولة متخذي القرار من المستوى السياسي خيارين لا ثالث لهما للتعاطي مع هذا الواقع المعقّد الذي بدا في لحظة ما غير قابل للاحتواء، وفي طريقه إلى انفجار كبير يخلط الأوراق ويذهب بالأوضاع إلى ما كانت عليه إبان “انتفاضة الأقصى” وما نتج منها من تغيّرات هائلة في تطور عمل المقاومة وإدخال وسائل جديدة ومؤثرة في إطار المواجهة مع الاحتلال.

الخيار الأول الذي قدّمته أجهزة استخبارات العدو، لا سيما جهاز “الشين بيت”، كان القيام بعملية عسكرية واسعة، على غرار عملية “السور الواقي” في نهاية آذار(مارس) 2002، التي اجتاح بموجبها “الجيش” الإسرائيلي، في عهد رئيس الوزراء السابق أريئيل شارون، كل المدن الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وحاصر مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله، وقتل واعتقل مئات الفلسطينيين، وهدم عشرات البيوت.

أما الخيار الثاني، فكان القيام بعمليات خاطفة “كر وفر” أو ما يطلقون عليها في أروقة “الجيش” الإسرائيلي “العمليات الجراحية”، بحيث تقوم “القوات الخاصة” الإسرائيلية التي تملك إمكانيات تسليحية مميزة وقدرات قتالية عالية، وبدعم من فرق الجيش والاستخبارات المختلفة، بتنفيذ عمليات هجومية سريعة نسبياً داخل المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، لا سيما الشمالية منها، كجنين ونابلس، بهدف اعتقال أو اغتيال من تعتقد أنهم يقودون العمل المسلح في الضفة، أو الذين يموّلونه مالياً، وصولاً إلى “المحرّضين”، سواء كانوا سياسيين أو إعلاميين.

ولأنَّ تكلفة الخيار الأول من وجهة نظر قادة كبار في “الجيش” الصهيوني يمكن أن تكون باهظة وتحمل مخاطر جمّة، من قبيل اشتعال كل ساحات الضفة والداخل المحتل ودخول قطاع غزة على خط مواجهة عسكرية كبيرة، إضافة إلى خطر انهيار أجهزة السلطة الفلسطينية التي ما زالت “إسرائيل” بحاجة إليها لأسباب كثيرة، فقد فضّل المستوى السياسي الصهيوني اللجوء إلى الخيار الثاني.

هذا الخيار، من وجهة نظرهم، أقل تكلفة لقوات “الجيش” المنهكة من الأساس، ويحقق ولو بالحد الأدنى الغرض المراد تحقيقه، ويقلّل بشكل أو بآخر خطر تلك الكتائب والمجموعات، ويضعها في موقع الدفاع عن النفس داخل تموضعها الجغرافي في المدن والمخيمات الفلسطينية.

وقد بدأ تنفيذ هذا الخيار بداية نيسان/أبريل من العام الماضي، في عملية أُطلق عليها “كاسر الأمواج”، بمشاركة العديد من وحدات “الجيش” والاستخبارات الإسرائيلية، وبنسق مرتفع في معظم الأوقات، بحيث لم يمر يوم من دون أن تنفذ فيه القوات الخاصة الصهيونية عمليات اقتحام للمدن والمخيمات. وقد رافق ذلك العشرات من عمليات الاعتقال والاغتيال لكوادر المقاومة وهدم بيوت المقاومين والمقاتلين، لا سيما الذين نفذوا عمليات هجومية في قلب المدن المحتلة.

وقد أحاط العديد من المعطيات بهذا التحرك العملياتي والميداني الواسع، الذي تحوّل إلى عمليات ممنهجة تعتمد على جهد استخباري واضح ودعم الكثير من أذرع المؤسسة الأمنية والعسكرية الصهيونية، إذ امتلك العدو مروحة واسعة من الخيارات، معتمداً في ذلك على إمكانيات نوعية لا تتوفر للطرف المقابل الذي اعتمد على الروح القتالية العالية وبعض الخبرات التي حصل عليها بطريقة أو بأخرى فقط، في ظل واقع ميداني صعب ومعقّد.

أولاً: توصيف قدرات العدو
1 – قوات قتالية خاصة

يملك “الجيش” الإسرائيلي مجموعة من الوحدات “الخاصة” التي تتميّز بقدرات قتالية على أعلى مستوى، وهي مجهزة بأحدث وسائل التكنولوجيا التي تمكّنها من أداء مهامها بحرفية عالية، وبنسبة مخاطرة منخفضة نسبياً، وتحظى بدعم ومتابعة من أعلى المستويات في “الجيش” الإسرائيلي، وتُعتبر الذراع الضاربة لهذا “الجيش”، ويوكل إليها تنفيذ المهام الحسّاسة والصعبة التي تحتاج إلى جنود ومقاتلين على درجة عالية من الاحترافية.

ومن أهم هذه الوحدات وأكثرها نشاطاً في ساحات القتال “وحدة دوفدوفان”، وهي وحدة قتالية خاصّة تعمل في جميع الأراضي المحتلة، مع التركيز على الضفة الغربية بشكل خاص.

اقرأ/ي أيضا: ضابط إسرائيلي يكشف تفاصيل العملية العسكرية في نابلس

هذه الوحدة تكاد تعمل من دون توقف لمنع الأنشطة التي تقوم بها فصائل المقاومة وإحباطها، وهي تحافظ على مستوى عالٍ من النشاط، وتظل على أهبة الاستعداد العملي على مدار الساعة وعلى مدار العام.

يقوم مقاتلو هذه الوحدة بتنفيذ العديد من الأنشطة، مثل الاعتقالات والاغتيالات وجمع المعلومات من خلال وحدات “المستعربين”.

2 – سيطرة جوية كاملة
مكّنت القدرات الجوية الهائلة التي يملكها العدو الصهيوني قواته من فرض سيطرتها على أجواء مناطق العمليات بشكل كامل، ما أتاح لها رصد أماكن تحرك المقاومين بشكل مفصّل، ومكّنها من تقديم معلومات شبه كاملة للوحدات التي تقاتل على الأرض، ناهيك بمشاركتها في بعض الأحيان في القتال بواسطة طائرات “ميني درون” انتحارية، كما حدث في مدينة نابلس أثناء عملية اغتيال الشهيد وديع الحوح.

3 – سيطرة على الأرض
رغم أنَّ المدن والمخيمات التي تتم فيها العمليات القتالية تخضع للسلطة الفلسطينية، ورغم أن جميع ساكنيها هم من الفلسطينيين فقط، وأن جزءاً كبيراً من هذه المدن يقع داخل حدود المنطقة “أ” التي تتبع إدارياً وأمنياً، بحسب اتفاق أوسلو، لقوات السلطة التي يزيد عدد المنتسبين إلى أجهزة الأمن فيها على 60 ألف ضابط وجندي، فإنّ سيطرة القوات الإسرائيلية على الأرض تكاد تكون شبه كاملة، وهي تملك حرية الحركة كما تشاء في كل الجغرافيا المحيطة بتلك المدن، وفي جزء كبير داخلها، باستثناء الأماكن التي يوجد فيها المقاومون.

إنّ دخول قوات العدو وخروجها يتم من دون أن يعترضها أحد، وقيامها بمحاصرة البيوت والحواري وارتكاب الجرائم أصبح أمراً معتاداً.

4 – سيطرة على الفضاء الإلكتروني وأنظمة الاتصالات

في هذا المجال، تتفوق “إسرائيل” على معظم دول العالم، وليس على المقاومين في الضفة المحتلة فحسب، فهي تملك منظومات تجسس إلكترونية تعد من الأحدث على مستوى العالم، منها على سبيل المثال لا الحصر قاعدة “أوريم الاستخبارية” السرية، التي تعدّ من أكبر قواعد التجسس والتنصّت وجمع المعلومات على مستوى العالم، وتتبع لوحدة جمع المعلومات المركزية للاستخبارات العسكرية، المعروفة بوحدة رقم “8200”. ومن مهامها رصد المكالمات الهاتفية، والاتصالات اللاسلكية، والمراسلات الإلكترونية.

إلى جانب هذه القاعدة، تملك “إسرائيل” أنواعاً مختلفة من طائرات الاستطلاع التي يمكنها جمع المعلومات المرسلة إلكترونياً أو اعتراض المكالمات والرسائل الصادرة عن الأجهزة النقالة، ولا سيما الذكية منها. إضافةً إلى كلّ ذلك، هناك المناطيد العسكرية التي تساهم في جمع المعلومات أيضاً واختراق الهواتف والأجهزة اللوحية المختلفة.

كلّ ما سبق يمنح العدو سيطرة معلوماتية مطلقة على مسرح العمليات تمكنه من معرفة أماكن المقاومين وتحركاتهم والتنبؤ بخطواتهم وكشف مخابئهم وكمائنهم.

ثانياً: توصيف قدرات المقاومين
لا تقارن الظروف التي يقاتل فيها المقاومون الفلسطينيون في الضفة المحتلة، من حيث السيطرة على الجغرافيا والأجواء والإمكانيات القتالية، بتلك المتوفرة للعدو الصهيوني، وهذا ينطبق أيضاً على صعيد عدد المقاتلين الذين لا يتجاوزون في أفضل الأحيان بضع مئات، ما لم يكن أقل من ذلك.

1 – القدرات التسليحية

يفتقد المقاومون في مدن الضفة المحتلة ومخيماتها الحد الأدنى من الإمكانيات العسكرية اللازمة لخوض مواجهة شبه متكافئة مع قوات العدو الصهيوني، ويفتقدون أيضاً، بسبب الظروف المحيطة بهم، التدريبات اللازمة التي يمكن أن تعوّض جزءاً من هذا الخلل في القدرات التسليحية.

وبحسب كل المشاهد المصوّرة التي نراها عبر وسائل الإعلام، فإن معظم تلك الأسلحة هو بنادق هجومية من طراز “M16” إسرائيلية الصنع تم الحصول عليها بطريقة أو بأخرى.

وعلى الرغم من أن هذه البنادق سريعة الإطلاق وخفيفة الوزن، ويصل مداها الفعّال إلى 600-900 متر، فإنها لا تستطيع اختراق الدروع المصفحة للآليات الإسرائيلية، لا سيما إذا كانت المسافة الفاصلة بين المقاتلين وقوات العدو كبيرة نسبياً.

إضافة إلى البنادق، هناك محاولات بدأت تصبح أكثر وضوحاً على مستوى العبوات الناسفة المحلية الصنع، التي ستشكل، في حال احتوائها مواد شديدة الانفجار على غرار “TNT أو C-4″، معضلة كبيرة لقوات الاحتلال.

2 – السيطرة على الأرض
يمكن القول إن سيطرة المقاومين الفلسطينيين على الأرض ليست مكتملة، وأنهم لا يملكون سيطرة واضحة على “مسرح العمليات”، وإن كانوا يقاتلون داخل مدن ومخيمات فلسطينية؛ فافتقادهم الأدوات اللازمة لإحكام هذه السيطرة، مثل وسائل الدفاع الأرضي والجوي، وعدم وجود غرف عمليات محترفة، وصعوبة المناورة بالنيران، والافتقاد لعوامل الدعم الميداني من أجهزة السلطة، وغير ذلك الكثير من العوامل… كل ذلك يحرمهم من ميزة مهمة وأساسية، وهي ميزة “السيطرة والتحكم” في الميدان القتالي، الذي يمنح صاحبه خيارات متعددة لتحقيق النصر وتكبيد عدوه خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.

3 – السيطرة الجوية
باستثناء ما قام به المقاومون منتصف هذا الشهر من إطلاق طائرة “درون” صغيرة حلقت فوق رؤوس القوات الإسرائيلية المتوغلة في مخيم جنين، فإنَّ إمكانيات المقاتلين في مجال السيطرة على سماء المعركة معدومة بشكل كامل، ولا تتوفر لهم أي إمكانيات تقنية في هذا المجال الحاسم الّذي يسيطر عليه عدوهم بشكل كامل، بفضل ما يملك من إمكانيات وقدرات كبيرة وحديثة.

4 – القدرات الإلكترونية
ينطبق على هذا المجال الحساس المهم ما انطبق على سابقه على مستوى السيطرة الجوية، فالمقاومة في الضفة المحتلة لا تملك أي إمكانيات على مستوى “الحرب الإلكترونية”، ولا يبدو أنها يمكن أن تتحصل على ذلك في الفترة المقبلة، فالظروف المحيطة بها وبعملها، والتضييق والحصار والمطاردة، وسيطرة العدو على كل مداخل المدن الفلسطينية ومخارجها، يجعل من شبه المستحيل الحصول على إمكانيات من هذا القبيل، ولا سيّما أن إمكانيات كهذه لا تتوفر بسهولة، والأجهزة والأدوات المطلوبة لمثل هذا العمل ليست موجودة في متناول الجميع.

بناءً على ما تقدَّم من مقارنة للقدرات التسليحية، والإمكانيات القتالية، والسيطرة الجوية والبرية والإلكترونية، بين “الجيش” الإسرائيلي من جهة، والمقاومين والمقاتلين من جهة أخرى، والتي أظهرت تفوقاً هائلاً لمصلحة “جيش” العدو يصعب الحد من تأثيراته أو التقليل من تداعياته، فإن على المقاومين الأبطال اختيار أفضل السبل لمواجهة هذا التفاوت في القدرات والإمكانيات، وتقليل الفجوة الناتجة من هذا التفاوت إلى حدها الأدنى، والعمل على تحويل التهديد الذي تشكّله هذه القوة الكبيرة التي يملكها عدوهم إلى فرصة سانحة لإيقاع أكبر قدر من الخسائر في صفوفه. وفي المقابل، خفض خسائرهم إلى حدها الأدنى.

ورغم أنّ هذا الأمر صعب ومعقّد في ظل اختلال واضح في موازين القوى، فإنه، ومن خلال تغيير جوهري في تكتيكات القتال، لا سيما داخل المدن والمخيمات، يصبح وارداً وممكناً، فتحويل أسلوب القتال المفتوح الذي يعتمد على جرأة المقاتلين وحماستهم، إلى أسلوب “حرب المدن”، سيغيّر كثيراً من شكل المعركة، وسيحقق الكثير من الإنجازات التي افتقدناها خلال العام الماضي.

في الجزء الثاني، سنتحدث بإذن الله باستفاضة عن أسلوب “حرب المدن” وكيفية استغلال كل التفاصيل الصغيرة في ساحة العمليات، وسنحاول إجراء مقاربة عملية بين الجانب النظري لهذا الأسلوب وطبيعة الأرض والجغرافيا في مدن الضفة للحصول على أفضل النتائج الممكنة.

Exit mobile version