من غزة إلى مستشفى إيخلوف.. في الضفة…

رحلة موت الطفل سليم النواتي

غزة _ مصدر الإخبارية

بقلم/ مصطفى إبراهيم

أعلنت وزيرة الصحة الفلسطينية في رام الله الدكتورة مي كيلة عن تشكيل لجنة تحقيق في وفاة الطفل سليم النواتي (17 سنة)، بعدما تقطّعت به السبل من مستشفى إلى آخر بحثاً عن علاج للسرطان، حتى استسلم ورحل.

جاء القرار بتشكيل لجنة تحقيق بعد موجة غضب في قطاع غزة على وفاة الفتى، وهو طالب في الصف الثانوي الثاني في مدرسة فلسطين في غزة.

يقول عم الطفل جمال النواتي لـ”درج”، إنه في بداية نوفمبرتشرين الثاني/  2021، شعر سليم بألم في البطن، وتم نقله إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة، وبعد إجراء الفحوص تم تحويله إلى طبيب مختص بالدم، فطلب إجراء التحاليل اللازمة التي بينت أن الطفل مصاب بسرطان الدم في النخاع الشوكي.

ونظراً إلى عدم توفر العلاج اللازم لمرضى السرطان والأمراض الخطيرة الأخرى، ومنع السلطات الاسرائيلية ادخال أجهزة الفحص والعلاج بالإشعاع إلى غزة وغير ذلك من العلاجات، تم تحويله إلى مستشفى بيت جالا في الضفة الغربية.

وبعد إتمام إجراءات التحويل من وزارة الصحة، والحصول على التغطية المالية وموعد دخول المستشفى، بدأت معاناة جديدة للحصول على تصريح وموافقة الجانب الإسرائيلي على السماح للمريض بالخروج من قطاع غزة للوصول إلى الضفة الغربية. ويتم التنسيق عادة عبر هيئة الشؤون المدنية “الارتباط الفلسطيني” في السلطة الفلسطينية، المكلفة بالتنسيق مع سلطات الاحتلال.

يذكر أن الأخيرة تسمح لـ50 في المئة فقط من مرضى السرطان من سكان غزة بالعلاج في مستشفيات القدس والضفة الغربية والداخل الفلسطيني، وتضع شروطاً ومعايير بحسب الأوضاع الأمنية، إذ يخضع طلب التصريح للانتظار بذريعة دراسة الطلب الذي يعني البحث الأمني عن صاحب الطلب حتى وإن كان رضيعاً، وقد تصل مدة دراسة الطلب إلى 80 يوماً، مع ضرورة ان يكون عمر المرافق للمريض فوق الـ50 عاماً، وغيرها من الشروط، إلى ابتزاز المرضى وذويهم من المرافقين للتعاون مع الإسرائيليين، إضافة الى تعرضهم للاعتقال، وتلك القيود تمنع وصول كثيرين لتلقي العلاج، وقد توفي عدد من المرضى بسبب تلك الإجراءات.

وبعد أيام من تقديم طلب التصريح رد الجانب الإسرائيلي أن الطلب قيد الدراسة، ما يعني المزيد من الانتظار وتدهور الحالة الصحية للطفل النواتي، فدراسة الطلب قد تستغرق من 30 إلى 80 يوماً.

وبتاريخ  16/11/2022، اضطرت العائلة إلى تقديم طلب جديد، ما يعني إجراءات ومواعيد جديدة وتغطية مالية جديدة والبحث عن مستشفى آخر فيه مكان شاغر، وتصريح من السلطات التي قد ترفض الطلب، وبالفعل رفضت الطلب مرة أخرى.

تقدمت العائلة بطلب جديد وذلك بتاريخ 24/11/2021، بعدما حصل الطفل  على إحالة أخرى وموعد جديد للعلاج، وهذه المرة كانت “التحويلة” إلى مستشفى النجاح الوطني الجامعي في مدينة نابلس، ورفض الجانب الإسرائيلي منحه تصريحاً.

وبعد تدخل منظمات حقوق الإنسان تمكنت العائلة من الحصول على الموافقة لمنح الطفل وعمه إذن سفر من غزة إلى مدينة نابلس في الضفة الغربية وكان ذلك بتاريخ 26/12/2021.

في اليوم التالي استعد سليم وعمه للسفر عبر معبر بيت خانون، بناء على الموعد المحدد في مستشفى النجاح الجامعي، وبحوزتهما جميع التقارير والتغطية المالية.

وبعد مقابلة مدير التحويلات الطبية المكلف بمتابعة المرضى المحولين من غزة، أخبر سليم وعمه أن مستشفى النجاح لا يستقبل  أي مريض جديد من غزة.

وبعد اتصالات مع وزارة الصحة في رام الله وغزة، أصر مستشفى النجاح على عدم استقبال سليم، بسبب عدم سداد المستشفى ديونها للمستشفى.

توجه عم سليم إلى دائرة التحويلات في الخارج في مقر وزارة الصحة (رام الله)، التي أجرت بدورها اتصالات مع مستشفى النجاح الذي أصر على رفض استقبال سليم  أو أي مريض يتم تحويله من غزة.

في اليوم التالي بتاريخ 28/12/2021، أجرت دائرة العلاج في الخارج بمدينة رام الله اتصالات مع عدد من المستشفيات الأهلية والخاصة المتعاقدة معها الوزارة، وهي مستشفى المطلع، مستشفى المقاصد في القدس، المستشفى الاستشاري في مدينة رام الله، وكان الرد أنها لا تستقبل حالات مرضية جديدة من غزة.

وبعد رفض تلك المستشفيات استقبال سليم أصدرت دائرة العلاج تحويلة طبية جديدة إلى مستشفى فلسطين الحكومي الطبي في رام الله، الذي رفضت إدارته استقبال المريض برد مكتوب بأن لا إمكانية لاستقباله في مجمع فلسطين الطبي.

وفي اليوم ذاته، توجه عم سليم إلى مكتب وزيرة الصحة في رام الله مي الكيلة وتقدم بشكوى ضد دائرة العلاج في الخارج، وبعد انتظار ثلاثة أيام في رام الله وصل رد للعائلة من مكتب الوزيرة، بأنه بعد تدخل من مكتب الرئيس محمود عباس، (وكأنه المنقذ الذي يتدخل لإنقاذ حياة الناس) تقرر تحويل المريض إلى مستشفى في الداخل الفلسطيني (إسرائيل).

وبتاريخ 3/1/2022، تلقت دائرة العلاج في الخارج من مستشفى إيخلوف الإسرائيلي في تل أبيب، أنه سيتم استقبال المريض للعلاج.

وبعد تقديم طلب تحت ما يسمى “إنقاذ حياة” جاء الرد من الجانب الاسرائيلي، بأن صور التقارير الطبية غير واضحة والمطلوب إرسال تقارير جديدة. فكان أن حصل سليم على موعد جديد في مستشفى إيخلوف.

بعدها طلبت هيئة الشؤون المدنية في غزة من سليم وعمه مغادرة رام الله والعودة إلى غزة، وكانت تفصلهما عن الموعد 10 أيام.
وفي اليوم المحدد، تدهورت حالة سليم الصحية وهو في دائرة العلاج، واغمي عليه وتم استدعاء سيارة إسعاف لنقله إلى مجمع رام الله الطبي حيث فارق الحياة بعد دخوله المستشفى بـ15 دقيقة.

وفي اليوم ذاته، صدرت شهادة وفاة لسليم، وهي سرعة في الإجراءات كان يمك أن تنقذ حياة الفتى، لو لم تأت متأخرة إلى هذا الحد.

قصة سليم الحزينة هي قصص كثيرين من فلسطينيي غزة، الذين إذا لم يقتلهم المرض، قتلتهم المماطلة والإجراءات المعقّدة والمهينة، فيدفع المريض ثمن الحصار من جهة والبيروقراطية والفساد من جهة أخرى، إذ تغيب السياسات الصحية الناجعة، وتغرق السلطة الفلسطينية في ديونها للمستشفيات، وهي ديون يدفع كثيرون حياتهم لقاءها.

وفاة سليم أثارت غضباً كبيراً، وقد أصدرت منظمات حقوقية بيانات ادانة واستنكار، معتبرة أن لجنة التحقيق التي شكلتها الوزيرة غير كافية، وتجب مراعاة استقلالية لجنة التحقيق، وإشراك جهات متخصصة مستقلة  في المجال الصحي والطبي، وضرورة إشراك ممثل عن عائلة الطفل، ونشر نتائج لجنة التحقيق بشفافية بدون إبطاء وتأخير.

وبرغم تشكيل لجنة تحقيق في الحادثة، إلا أن الفلسطينيين لا يثقون بنتائج تلك اللجان، فتوصياتها لا تؤدي إلى أي مساءلة، أو تغيير في السياسات التي تؤدي إلى مثل هذه الأحداث المؤسفة.

شددت “الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال/ فلسطين” في بيانها على أن تشكيل لجنة تحقيق في وفاة الطفل سليم النواتي يجب ألا يقتصر على تحميل أفراد المسؤولية فقط، بل يجب أن تكون هناك مراجعة شاملة لنظام التحويل للعلاج في الخارج بشكل يضمن تمتع المرضى بحقوقهم الصحية. ورأت أن الإجراءات البيروقراطية المتبعة ساهمت في حرمان الطفل حقه في الحياة.

في المقابل، أدانت منظمات حقوقية أخرى الحصار الذي تفرضه إسرائيل، والعقوبات الجماعية المفروضة على قطاع غزة والقيود والعراقيل التي تحول دون وصول المرضى إلى المستشفيات الفلسطينية في الضفة بما فيها القدس وداخل الخط الأخضر، مطالبة بإزالة العراقيل التي تحول دون تزويد مستشفيات قطاع غزة بالأجهزة التشخيصية والعلاجية الضرورية لعلاج المرضى وإنقاذ حياتهم، وضمان حرية الحركة للمرضى ومرافقيهم من دون أي تأخير أو إبطاء.

تبدو قصة سليم مثلاً صارخاً على معاناة المرضى المجبرين على التنقل إلى مستشفى إلى آخر، بحثاً عن علاج، ويتم تحويلهم إلى مستشفيات تعلم وزارة الصحة أنها لن تستقبلهم، كما قال مستشفى النجاح بنابلس، بسبب الديون المتراكمة على الوزارة أو بسبب عدم اختصاص بعضها، ما يحمّل الوزارة مسؤولية كبيرة في هذا الملف. كما أن رفض مستشفى النجاح ومجمع فلسطين الطبي استقبال الطفل النواتي، لا يمكن تبريره أخلاقياً وقانونياً، ويستوجب أيضاً التحقيق فيه وفي ملابساته كما ذكر بيان صادر عن مركز “الميزان لحقوق الإنسان”.