الأسرى المضربون عن الطعام.. لحظات ما قبل النصر أو الشهادة

"تصبح الحرية والجوع وراء ظهورهم"

خاص – مصدر الإخبارية 

يُثبت الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي يوماً وراء يوم للعالم أنهم طلاب حرية بالدرجة الأولى وأنهم ماضون في خوض أي معركة في سبيل رؤية شمس حريتهم.

ولعل معركة “الأمعاء الخاوية” أصبحت المعركة الأشهر التي يخوضها الأسير بإرادة كبيرة وعزيمة فولاذية، في مواجهة قرارات سجانه أو رفضاً للاعتقال الإداري.

والاعتقال الإداري، هو قرار حبس بأمر عسكري إسرائيلي، بزعم وجود تهديد أمني، دون توجيه لائحة اتهام، ويجدد لـ6 أشهر قابلة للتمديد.

وعلى مدار السنوات الماضية صدّرت زنازين الاحتلال قصص انتصارات سطرها الأسرى الذين خاضوا أطول إضرابات عن الطعام في التاريخ القديم والحديث، رغم قساوة وضراوة المعركة وتأثيرها على تردي أوضاعهم الصحية بشكل كبير.

أسرى فلسطينيون حاربوا بضراوة في معركة “الأمعاء الخاوية”

وكان آخر الأسرى المنتصرين في معركة انتزاع الحرية، الأسير هشام أبو هوّاش الذي خاض إضراباً عن الطعام مدته 141 يوماً رفضاً لاعتقاله إدارياً، بتاريخ (4 يناير 2022).

والأسير أبو هواش (40 عاماً) وهو من دورا جنوب غرب الخليل، معتقل منذ الـ27 من شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 2020، وحوّل إلى الاعتقال الإداريّ لمدة ستة شهور، وهو متزوج وأب لخمسة أطفال وتعرض للاعتقال عدة مرات سابقًا، وبدأت مواجهته للاعتقال منذ عام 2003 بين أحكام واعتقال إداريّ، وبلغ مجموع سنوات اعتقاله (8) سنوات منها (52) شهرًا رهن الاعتقال الإداريّ.

الأسير أبو هواش لم يكن الأسير الوحيد الذي اجتاز أيام طويلة في معركة الحرية، فقد أضرب عدد كبير من الأسرى لفترات طويلة منهم: كايد الفسفوس (32 عاماً) وأمضى (131 يوماً) من الإضراب، والأسير مقداد القواسمي (24 عاماً)، والأسير علاء الأعرج (103 يوماً)، والأسير سامر العيساوي (42 عاماً) من قرية العيسوية شمال شرقي القدس، وهو صاحب أطول فترة إضراب في التاريخ (270 يوماً) من الإضراب، والأسير المبعد إلى قطاع غزة أيمن شراونة (46 عاماً) من الخليل الذي أمضى (261 يوماً) من الإضراب عن الطعام.

ولعل المتأمل في هذه الأرقام يفكر باستحالة القدرة الطبيعية على تحمل هذه الفترات الطويلة من الصوم عن الطعام، والمتأمل بشكل أعمق يذهب إلى ما هو أبعد.. حول ما الذي يشعر ويفكر به الأسير المضرب من بداية المعركة مروراً بمراحل الإعياء الأولى حتى شعوره باقترابه من الشهادة؟

أيمن الشراونة: الأسير منتصر في كلتا الحالتين!

في هذا التقرير يروي الأسير المحرر أيمن إسماعيل الشراونة من بلدة دورا في الخليل، والمبعد إلى قطاع غزة منذ نحو 10 أعوام، لمصدر الإخبارية، تجربته النفسية والجسدية مع ظروف الإضراب عن الطعام.

يقول الشراونة الذي اجتاز معركة الأمعاء الخاوية مدة 161 يوماً، حاملاً راية النصر مبعدأ إلى غزة بتاريخ: 17مارس 2013، إنه “لا شك أن قرار خوض هذه المعركة ليس بالأمر بالسهل ولا بالأمر البسيط، بل على العكس هو قرار صعب ويدرك الأسيرالذي يعتزم خوض هذه المعركة أنه ذاهب إلى اللاعودة في هذا الإضراب، إلى أن ينتتصر فيها”.

ويضيف أن “نتائج الحالتين أمر يسعد به الأسير فإذا واصل إضرابه أمام تعنت الاحتلال فهو منتصر باستشهاده، وإذا رضخ الاحتلال لمطالبه فهو منتصر على سجانه”.

يستذكر الأسير المحرر أحداث فترة إضرابه ويبدأ بوصف ما حدث بداية من أول أيام الإضراب، قائلاً “في أول أيام الإضراب يبدأ الأسير المضرب بفقدان صحته تدريجياً ثم يبدأ بفقدان وزنه، وتبدأ الأمراض تغزو جسده..”.

ويكمل حديثه “في العشرين يوم الأولى تبدأ الأوجاع في المعدة والأمعاء، ويبدأ معها التعب والإعياء الشديد والصداع المتواصل، ولكنه يمضي في إضرابه لأنه يدرك بأن هذا الأمر هو ضريبة نيله حريته وانتصاره على السجان”.

الأسرى المضربون عن الطعام يخوضون معركة تحدي

وعن آخر مراحل الإضراب وتردي حالته الصحية بشكل كبير، أجاب الشراونة عن الأمور التي كان يفكر بها عندما يشعر أنه يقترب من الاستشهاد قائلاً: “عندما يقطع الأسير المضرب مشواراً طويلاً في معركة الإضراب عن الطعام ويشعر أنه يقترب من الموت يصبح الجوع والحرية خلف ظهر الأسير ويصبح لديه نوع من التحدي ما بينه وبين ضابط المخابرات أو ضابط الشاباك”.

وأضاف أنه”لا يعقل لإنسان تجاوز المئة والمئتي يوم من الإضراب أن يشعر بالجوع أو يشعر بأنه يريد أن يتراجع في قراره بعدما قطع شوطاً طويلاً في طريق الحرية الصعب”.

وأشار الشراونة إلى أن الأسرى يلجؤون لخوض هذه المعركة نتيجة الظروف القاسية التي يكابدوها داخل السجون الإسرائيلية، والتي يعتبرها الأسير المضرب أشد قسوة من معركة الأمعاء الخاوية .

ولا يبالغ الأسير الشراونة حينما يقول عن فترة الإضراب  إن “كل ثانية تمر كأنها شهر وأكثرعلى الأسير المضرب، الذي لا يرى النوم إلا للحظات معدودة طيلة فترة إضرابه”.

وحول الأساليب التي كان يستخدمها الأسير للضغط على الأسرى المضربين، ذكر المحرر المبعد أن أفراد مخابرات الاحتلال وجهاز الشاباك كانوا يهددونهم باستخدام التغذية القسرية وإجبارهم على كسر إضرابهم.

وأفاد أنه “لا يمكن للاحتلال أن يقدم على إجراء التغذية القسرية للأسرى إلا بقرار من لجنة مختصة مكونة من أطباء مدنيين من خارج مصلحة السجون ومن خارج الدائرة الأمنية الإسرائيلية، يتم تشكيلهم من مشافي مختلفة، وهم من يعطي قرار التغذية القسرية لإدارة السجون”.

إبعاد إلى أجل غير مسمى وقرارات غير قابلة للتنفيذ

ومن المقرر أن تنتهي سنوات الإبعاد العشرة للأسير شراونة إلى قطاع غزة هذا العام ولكنه أبدى عدم تفاؤله بسماح الاحتلال له بالعودة إلى مسقط رأسه في الخليل، قائلاً إنه عندما أبرمت الاتفاقية وأبعد جزء من الأسرى (حوالي 18 أسير) لمدة عام لم يعد أي منهم إلى مدينته، وهناك أكثر 30 أسير أبعدوا لأكثر7 أعوام من ولم يعد أي منهم إلى مسقط رأسه.

وأنهى حديثه قائلاً أنه لن يتمكن من العودة إلى الضفة “إلا وهي محررة من الاحتلال وأعوانه”.

وبدأ الشراونة إضرابه عن الطعام في 1 أغسطس 2012 احتجاجاً على إعادة اعتقاله في يناير 2012 بعد تحرره في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة أو ما يسمى بصفقة “شاليط”،حيث صدر بحقه حكما بالسجن الفعلي 38 عاماً، أمضى منها 10 أعوام.

وكان إطلاق سراحه مشروط بمنعه من الخروج من منطقة سكناه، وعليه مراجعه مخابرات الاحتلال كل شهرين.

في فبراير 2013، تم عزله في عزل سجن “إيله” في الوقت الذي رفضت المحكمة العليا في إسرائيل طلب التدخل في قضيته.

وفي منتصف مارس 2013 أفادت وزارة الأسرى أنه فقد 80 % من بصره، وفي 17 مارس 2013 وبعد 261 يوماً من الإضراب تم ابعاده إلى قطاغ غزة بعد التوصل إلى صفقة مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي تقضي بإبعاده إلى غزة لمدة 10 سنوات مقابل الإفراج عنه.