إسرائيل ومحاولة سحق حقوق الإنسان عبر تقويض المنظمات المدنية

مصطفى إبراهيم

إسرائيل تحاول تجريم أي تجمع فلسطيني مستقل، من خلال استهداف مؤسسات المجتمع المدني النشيطة في الضفة الغربية، التي تلعب دوراً حيوياً في الدفاع عن حقوق الإنسان، وتقديم الخدمات الاجتماعية.

أثار قرار وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس تصنيف 6 مؤسسات حقوقيّة فلسطينية رائدة على أنها “إرهابية”، بادعاء انتمائها لـ”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، بحسب قائمة نشرتها وزارة القضاء الإسرائيلية، في 22 تشرين الأول/ أكتوبر عاصفة من الاستنكار والنقد الشديد من منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية والإسرائيلية، التي أصدرت بيانات إدانة شديدة اللهجة ووصفت القرار بالشائن والانتقامي.

والمؤسسات هي: “الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان”، و”الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال”، و”الحق” وهي أقدم مؤسسة حقوق إنسان فلسطينية، و”اتحاد لجان العمل الزراعي”، و”اتحاد لجان المرأة الفلسطينية”، و”مركز بيسان للبحوث”. وهذه المؤسسات كلها مسجلة لدى وزارة الداخلية الفلسطينية وفق قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وتخضع لرقابتها ورقابة وزارة الاختصاص، وتقدم تقارير سنوية عن عملها لتلك الوزارات.

يأتي هذا القرار تتويجاً لعشرات السنين شهدت محاولات إسرائيلية للسيطرة على الشعب الفلسطيني، وتقويض عمل منظمات المجتمع المدني المستقلة المدافعة عن حقوق الإنسان الفلسطيني، وبخاصة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير.

هي خطوة لتدمير المجتمع المدني الفلسطيني، ومنعه من فضح جرائم إسرائيل والانتهاكات اليومية ضد الفلسطينيين، وسحق المجتمع الفلسطيني، وهي بشاعة وبلطجة لا حدود لهما، وتتجليان في إفلات المسؤولين الإسرائيليين من المساءلة والمحاسبة.

ويأتي ذلك في سياق حملة التحريض العنصرية الواسعة والمنظمة التي تقودها جمعية “مراقب الجمعيات” (NGO Monitor)، المعروفة بمواقفها التحريضية تجاه المؤسسات الفلسطينية إذ تراقب أداءها ونشاطاتها، وتقدم معلوماتها للوزارات الإسرائيلية المختصة.

وما تصنيف إسرائيل منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية بـ”الإرهاب” سوى مزاعم كاذبة لنزع الشرعية عنها وإلغاء تمويلها.

قد يكون التبرير الوحيد للقرار قائماً على نشاطاتها وعملها المهني، وليس على العاملين فيها، ومثابرتهم على التوجه للمحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين كمجرمي حرب وفي مقدمتهم غانتس المتهم بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة.

منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية أعلنت عن تضامنها ومساندتها الكاملة للمنظمات الفلسطينية، ووصفت القرار بأنه مهين، مؤكدة أن “علاقتها بالمنظمات الفلسطينية قائمة على العمل المشترك لفضح سياسات الاحتلال العنصرية”. وأعربت “منظمة أطباء لحقوق الإنسان” الإسرائيلية عن تضامنها مع المنظمات الفلسطينية ضد قرار غانتس وطالبته بالتراجع. وقالت “نعمل مع منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية وسنواصل القيام بذلك والقرار اضطهاد سياسي غير لائق ضد المنظمات التي تعمل بلا كلل لحماية حقوق الإنسان”.

ورأى نشطاء إسرائيليون أن هذه الخطوة التي لم تجرؤ حكومات رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو على اتخاذها، هي هجمة ضد الوجود الفلسطيني وحقه بتقرير المصير.

اقرأوا أيضاً:

إسرائيل تحاول تجريم أي تجمع فلسطيني مستقل، من خلال استهداف مؤسسات المجتمع المدني النشيطة في الضفة الغربية، التي تلعب دوراً حيوياً في الدفاع عن حقوق الإنسان، وتقديم الخدمات الاجتماعية. وذكر “المركز القانوني لحقوق الأقلية في العربية في إسرائيل”، أن استخدام قوانين الإرهاب لا يشكل سوى غطاء قانوني لملاحقة سياسية تميز أنظمة استعمارية واستبدادية، وهي هجمة غير مسبوقة، ضد كل من يدافع عن حقوق الإنسان، ويقاوم الاحتلال والفصل العنصري الإسرائيلي في الضفة الغربية.

وبحسب بيان وزارة القضاء الإسرائيلية التي يترأسها الوزير جدعون ساعر، وهو يميني متطرف يؤمن بأرض إسرائيل الكاملة ووهو ليكودي سابق وقد أسس حزباً جديداً هو “حصانة إسرائيل”، أن هذه المؤسسات “مرتبطة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، وهي حصلت بين عامي 2014 و2021 على أكثر من “200 مليون يورو” من دول أوروبية عدة.

وقال بيان وزارة القضاء إن “عشرات المسؤولين في هذه المؤسسات مرتبطون بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بطرائق مختلفة، حتى إن بعضهم كان متورطاً في قتل الشابة رينا شنراف. ومع ذلك، فالحكومات السابقة تجاهلت لسنواتٍ الوقائع”.

منذ سنوات، تشن إسرائيل حملة تحريض واسعة على مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية في الاتحاد الأوروبي في محاولة لقطع تمويلها.

وقد شكلت إسرائيل ما يسمى وزارة الشؤون الاستراتيجية والديبلوماسية وأفرزت لجنة رسمية للقضاء على حركة المقاطعة العالمية المناهضة لإسرائيل، المعروفة باسم BDS، وقد خصصت ميزانية بـ128 مليون شيكل لمحاربة محاولات نزع الشرعية عن إسرائيل.

وعام 2018 قال وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الأسبق، غلعاد إردان، إن الاتحاد الأوروبي يمول حركة المقاطعة، وهو “يتجاهل أدلة واضحة على أن منظمات المقاطعة التي تتلقى تمويلاً منها، بشكل مباشر أو غير مباشر، تتعاون مع منظمات إرهابية مثل “حماس” والجبهة الشعبية”.

وفي حينه ردت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، بأن “الاتهامات حول دعم الاتحاد الأوروبي للتحريض أو الإرهاب لا أساس لها من الصحة وغير مقبولة، والتقرير نفسه غير مناسب ومضلل. إنه يمزج الإرهاب مع قضية المقاطعة، ويخلق حالة من الارتباك غير المقبول في نظر الجمهور”.

خطورة هذا القرار أو الأمر العسكري الذي صدر من وزير الدفاع الإسرائيلي في 19 تشرين الأول 2021 وأعلن فيه عن تصنيف 6 مؤسسات فلسطينية، “منظمات إرهابية”، بحسب بيان مشترك لـ”هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية” أن قانوناً إسرائيلياً صدر عام 2016، يجرّم فعلياً أنشطة هذه الجمعيات ويسمح للسلطات الإسرائيلية بإقفال مكاتبها، ومصادرة أصولها، واعتقال وسجن الموظفين فيها، ويحظر تمويل أنشطتها أو حتى مجرد الإبداء علناً عن دعم أنشطتها.

وهذا القرار المجحف والمريع هو اعتداء من الحكومة الإسرائيلية على حركة حقوق الإنسان الدولية. وقد سعت السلطات الإسرائيلية على مدى عقود بشكل ممنهج إلى تكميم رصد حقوق الإنسان ومعاقبة أولئك الذين ينتقدون حكمها القمعي للفلسطينيين.

ومع أن عاملين في منظماتنا واجهوا الترحيل وحظر السفر، فقد كان المدافعون الحقوقيون الفلسطينيون يتحملون دائماً وطأة القمع”، وفق البيان.

قرار القضاء بحق 6 منظمات حقوقية فلسطينية مهنية ومعروفة بسبب نضالها ضد الاحتلال والفصل العنصري الإسرائيلي، هو استهداف لعموم الفلسطينيين ونضالهم المشروع، وهذه المنظمات بحاجة لا إلى دعم المجتمع المدني وحسب، بل إلى دعم جميع مكونات المجتمع والنظام السياسي الفلسطيني، لمنع الاستفراد بها وإسكات صوتها وعملها في فضح جرائم إسرائيل.