قطاع غزة: جوازات السفر المصفرة حقوق الفلسطينيين الضائعة

كتب مصطفى إبراهيم

مقالات رأي – مصدر الإخبارية

كتب مصطفى إبراهيم: “بلغت من العمر 22 سنة ولا أزال مرفقة مع والدتي في وثيقة سفر مصرية، والبطاقة التعريفية المؤقتة الزرقاء الصادرة من وزارة الداخلية في غزة لا تعترف بها البنوك”.

وصلت رنا من الكويت حيث ولدت، إلى غزة- الوطن، برفقة عائلتها عام 1997، بتصريح زيارة تقدمت به جدتها، ويشترط موافقة السلطات الإسرائيلية للسماح لهم بالدخول إلى القطاع.

والد رنا غادر قطاع غزة قبل عام 1967، للعمل في الكويت، وكان يحمل وثيقة سفر فلسطينية صادرة من جمهورية مصر العربية للاجئين الفلسطينيين المقيمين في قطاع غزة، وعند احتلال الرئيس العراقي صدام حسين الكويت عام 1990، كانت عائلة رنا في زيارة صيفية إلى سوريا.

ومكثت العائلة في سوريا حتى عام 1997، حين تعرض الوالد لحادث اضطره للتفكير في العودة إلى القطاع مع عائلته، عادت رنا وهي صحافية، مع شقيقيها برفقة والديها، واضطرت شقيقاتها الأربعة للبقاء خارج فلسطين، فأختها الكبرى طبيبة في اليمن، والثانية مهندسة بتروكيمياويات في كندا، واختها الثالثة تعمل صحافية في جورجيا، أما الرابعة فبقيت في سوريا لاستكمال دراستها، وعادت الى القطاع عام 2011، وهي لا تحمل أي وثيقة تعريف فلسطينية.

تضيف رنا “عدنا إلى قطاع غزة عام 1997، ومثل الناس أخدنا البطاقات التعريفية الزرق، حتى حصلنا على بطاقات الهوية الفلسطينية ورقماً وطنياً بعد 10 سنوات عام 2007، أنا ووالدي ووالدتي وشقيقاي، وبقيت شقيقاتي الأربع خارج فلسطين ولم يحصلن على بطاقة هوية وجواز سفر فلسطيني، وذلك بعدما تقدم والدي بطلب جمع الشمل ووافقت عليه السلطات الإسرائيلية”.

تقول رنا “قبل عام من حصولي على الهوية الفلسطينية الرسمية عام 2006، تخرجت من الجامعة، وحصلت على فرصة للعمل الموقت مدة 4 شهور وهذا الأمر ترتبت عليه إجراءات لاستلام مكافأة العمل الموقت. وبلغت من العمر 22 سنة ولا أزال مرفقة مع والدتي في وثيقة سفر مصرية، والبطاقة التعريفية الموقتة الزرقاء الصادرة من وزارة الداخلية في غزة لا تعترف بها البنوك.

وهذا اضطرني لاستخدام جواز سفر والدتي (صورة عنه، ورقمه) في كل المعاملات الرسمية والمالية وداخل بنك فلسطين لاستلام المكافأة الشهرية، كان الأمر محرجاً جداً والأكثر مرارة، أنني لم أحصل على بطاقة هوية رسمية (بعد عام 2007) إلا بموافقة السلطات الإسرائيلية على فلسطينيتي، وحصلنا على بطاقات الهوية بعد موافقتها على كشوفاتنا”.

قصة رنا واحدة من عشرات آلاف الحكايات التي تروي أزمات غزة المؤبدة، والمستعصية جراء الإجراءات الإسرائيلية العقابية. هي انعكاس لأبرز نتائج اتفاق أوسلو الكارثية، والذي وقعته منظمة التحرير مع إسرائيل والتي لا تعترف بحق أي فلسطيني لا يحمل بطاقة الهوية وتعتبره “مقيماً غير شرعي”، وفي حال اضطر إلى السفر، فإنه لا يستطيع العودة للعيش مع أسرته.

ومن هذه الأزمات، حاملو البطاقة الزرقاء في قطاع غزة، الممنوعون من الحصول على الهوية الفلسطينية الرسمية التي تعترف بها سلطات الإسرائيلية. ويذكر أن الأخيرة لا تزال تمنح الموافقة على السجل السكاني الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وليس من حق السلطة الفلسطينية إجراء أي تغيير على السجل السكاني، المواليد والوفيات واستبدال بطاقات الهوية الشخصية، إلا بإذن إسرائيلي، وبالتالي فهؤلاء ممنوعون من الحصول على جواز سفر فلسطيني.

وعملت السلطة الفلسطينية في وقت من الأوقات على منح أصحاب الحاجة الانسانية مثل المرضى والذين لا علاج لهم في قطاع غزة ويحرمهم الاحتلال من الحصول على تصاريح للعلاج في مستشفيات القدس والضفة الغربية، جوازات سفر بدون رقم وطني “مصفرة”.

إلا أن السلطات المصرية أوقفت العمل بهذه الجوازات عام 2018، وتشير بعض المصادر إلى أن السلطة الفلسطينية، هي التي أوعزت للسلطات المصرية بوقف العمل بالجوازات المصفرة للضغط على “حركة حماس”، ما أدى إلى حرمان عشرات الآلاف من حقهم في التنقل والسفر، وما يترتب على ذلك من حقوق أخرى كالحق في التعليم والعمل والعلاج والرعاية الصحية، والزواج وتكوين أسرة.

ووفق بيانات وزارة الداخلية في قطاع غزة، فقد قامت منذ عام 2007 باصدار نحو 22365 بطاقة تعريف زرقاء من وزارة الداخلية في قطاع غزة. غير أنه وفق مصادر الداخلية فالرقم أعلى من ذلك، فهذه بيانات صادرة عام 2019، قد يكون الرقم تجاوز 30 ألفاً.

أصدرت وزارة الداخلية في غزة، بطاقات زرقاً لحوالى 15829 من الذكور و17285 من الإناث ممن هم فوق الـ16 سنة، إضافة إلى 1888 ذكراً و1775 أنثى ممن هم أقل من 16 سنة، وذلك لتسهيل أمورهم الحياتية اليومية لحملة بطاقة التعريف في المعاملات، وتشمل خدمات الصحة والتعليم، ضمن حدود قطاع غزة، الذين دخلوا إلى قطاع غزة من طريق معبر رفح بتصاريح زيارة موقتة أو “سياحية”، وأولئك الذين دخلوا القطاع عبر معبر رفح بجوازات سفر عربية أو أجنبية، إضافة إلى الفلسطينيين الذين تزوجوا من جنسيات أخرى، من دون أن يحصلوا على قرار “لم الشمل”. ولم يقتصر الأمر على الآباء بل شمل أبناءهم والذين تزوج بعض منهم وكونوا أسراً منفردة عن آبائهم.

ومنذ بداية قيام السلطة الفلسطينية  عام 1994 بناء على اتفاقية أوسلو، بلغ عدد هؤلاء الأشخاص 50 ألفاً، لكن مع مرور الوقت وموافقة إسرائيل على طلبات لم الشمل، تقلص العدد.

وبعد سيطرة “حماس” على غزة عام 2007، أوقفت السلطات الإسرائيلية استقبال طلبات الحصول على جمع الشمل، آخر دفعة تمت الموافقة عليها كانت عام 2008.

وعلى إثر لقاء وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله في آب/ أغسطس الماضي، وافقت الحكومة الإسرائيلية على منح 5 آلاف جمع شمل لعائلات فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وذلك للطلبات المقدمة خلال السنوات الماضية، كدفعة أولى.

حتى بعد موافقة “إسرائيل” على طلبات جمع الشمل المذكورة فهذا لا يعني شيئاً مقارنة بأعداد الفلسطينيين المقيمين في الضفة والقطاع بطريقة غير شرعية وفقاً لاتفاق أوسلو، هذا عدا ملايين الفلسطينيين الممنوعين من حق العودة إلى فلسطين أو حتى إلى ما يسمى أراضي “سلطة الحكم الذاتي”، أي السلطة الفلسطينية.