قابوس

حكاية قابوس.. هكذا انقلب على والده

مسقط _ مصدر الاخبارية

 

توفي قابوس بن سعيد سلطان عمان عن عمر يناهز الـ 79 عاما، في ساعة مبكرة من صباح السبت.

ولم يُعلن رسميا سبب وفاة السلطان قابوس، لكن تقارير أشارت إلى أنها جاءت بعد صراع طويل مع مرض سرطان القولون الذي كشفت إصابته به منذ عام 2014.

وكان قد أمضى أسبوعا للعلاج في بلجيكا الشهر الماضي.

وحكم قابوس عمان منذ مطلع السبعينيات، ليصبح أحد أطول القادة العرب بقاء في السلطة.

وظل السلطان قابوس مهيمنا على صناعة القرار الأعلى في عُمان طوال فترة حكمه، إذ شغل مناصب رئيس الوزراء والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ووزير الدفاع ووزير المالية ووزير الخارجية.

من العزلة إلى الانفتاح

ولد السلطان قابوس بن سعيد في 18 نوفمبر/تشرين ثاني 1940 في مدينة صلالة بمحافظة ظفار، وهو النجل الوحيد لسعيد بن تيمور ، وهو ثامن سلاطين أسرة البوسعيد.

أكمل دراسته في أكاديمية “سانت هرست” العسكرية الملكية في بريطانيا، وعاد إلى عُمان في عام 1964.

تولى حكم السلطنة عام 1970، بعد انقلابه على والده السلطان سعيد بن تيمور الذي عرف بنظام حكمه المتشدد، واندلاع عدد من التمردات والثورات في البلاد ضد نظام حكمه.

وتعد عُمان من الدول الخليجية الأكثر تمسكا بالتقاليد، كما كانت حتى سبعينيات القرن الماضي على الأقل من أكثرها عزلة أيضا.

وتحتل عُمان موقعا استراتيجيا عند مدخل الخليج في الزاوية الجنوبية الشرقية لشبه الجزيرة العربية، وكانت في القرن التاسع عشر تتنافس مع البرتغال وبريطانيا على النفوذ في منطقتي الخليج والمحيط الهندي.

ولكن البلاد عانت تحت حكم السلطان سعيد الذي تولى الحكم في عام 1932 من عزلة دولية استمرت لعدة عقود وكانت مجتمعا إقطاعيا يشهد حركات عصيان داخلي متعددة.

وبعد أن أطاح السلطان قابوس بوالده في عام 1970، عمل على إخماد حركات التمرد التي كانت في بلاده ومن بينها التمرد في محافظة ظفار الجنوبية (1965 – 1975) وتطلب ذلك منه حوالي خمس سنوات.

وبعد تمكنه من إخماد التمرد في جنوب البلاد، فتح عُمان للعالم الخارجي وأطلق عملية اصلاح اقتصادي وزاد الانفاق في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية.

وفي العام نفسه تولى قابوس مناصب سلطان عُمان ورئيس وزرائها ووزير خارجيتها.

كما رأس قابوس وزارتي الدفاع والمالية. وحظت سياساته بشعبية في عمان رغم غياب الديمقراطية.

وفي عهده استخدمت عوائد النفط لتطوير البنية التحتية في البلاد.

التحديث

ودأب قابوس على تحديث هياكل الحكم تدريجياً بإقامة مجلس استشاري سنة 1981 تم استبداله بمجلس الشورى سنة 1990 ومن ثم مجلس الدولة سنة 1997. لكن السلطان لا يزال يتخذ كل القرارات المهمة بنفسه.

وعلى مدى حكمه الذي دام نحو 5 عقود، نجح قابوس في تحويل عمان، الدولة النفطية الصغيرة، من بلد فقير تمزقه النزاعات إلى بلد يتمتع بدرجة من الرخاء، ولعب دور الوساطة بين دول الخليج وإيران.

عمان اليوم غيرها بالأمس فقد تبدل وجهها الشاحب ونفضت عنها غبار العزلة والجمود وانطلقت تفتح أبوابها ونوافذها للنور الجديد

وأسوة بدول الخليج الأخرى، يعد النفط عماد الاقتصاد العماني، ولكن الإنتاج العماني يُعد متواضعا مقارنة بإنتاج جيرانها. ويعد صيد الأسماك والزراعة مصدرين مهمين للدخل أيضا.

كما شهد قطاع السياحة، وهو مصدر مهم آخر للدخل، انتعاشا في السنوات الأخيرة إذ يقبل السواح على شواطئ عمان البكر وجبالها وصحاريها وعلى العاصمة مسقط بقلاعها ومدينتها القديمة المسورة. وتمكنت عمان إلى الآن من تجنب ظاهرة العنف والتطرف التين تعاني منهما بعض جاراتها.

ومن أقوال السلطان قابوس فيما يتعلق بالتحديث “عمان اليوم غيرها بالأمس فقد تبدل وجهها الشاحب ونفضت عنها غبار العزلة والجمود وانطلقت تفتح أبوابها ونوافذها للنور الجديد.”

سياسة الحياد

طوال سنوات حكمة التي ناهزت خمسة عقود، حرص السلطان قابوس على اتباع سياسة الحياد إزاء الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، وطبع بلاده الواقعة في منطقة تعج بالصراعات والتوترات بهذا الطابع الحيادي.

وارتبط بعلاقات صداقة مع العديد من الدول في العالم العربي والعالم. وعرف بتركيزه على شؤون عُمان الداخلية وتجنب التدخل في شؤون الدول المجاورة، إذ تحد بلاده كل من السعودية واليمن والإمارات وتمتلك موقعا استراتيجيا يتحكم بحركة الملاحة في مضيق هرمز.

كما كان من مؤسسي مجلس التعاون الخليجي وقد حرص على أن يتبع سياسة الحياد نفسها بين أطراف الأزمة الخليجية الأخيرة بين السعودية وبعض الدول العربية الأخرى وقطر في عام 2018 .

واستطاع أن يلعب دور الوسيط في الكثير من النزاعات في المنطقة، لاسيما تلك المتعلقة بإيران المجاورة لبلاده، إذ استطاع تسهيل محادثات سرية بين الولايات المتحدة وإيران في عام 2013، أدت إلى اتفاق نووي تاريخي بعد ذلك بعامين.

احتجاجات 2011

ولم تكن عُمان بمنأى عن فورة الاحتجاجات التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة إبان ما يعرف بـ “الربيع العربي”، فقد اندلعت فيها في عام 2011 مظاهرات مطالبة بالإصلاح وخرج الآلاف إلى الشوارع مطالبين بتحسين الأوضاع الاقتصادية وزيادة الأجور وتوفير فرص العمل ومكافحة الفساد.

وقد سمحت السلطات العمانية لهذه المظاهرات في البداية، لكنها عادت لاحقا إلى استخدام شرطة مكافحة الشغب لقمع هذه المظاهرات، كما حاكمت المئات بموجب قوانين تجرم “التجمعات غير القانونية” و”إهانة السلطان”.

منذ ذلك الحين، واصلت السلطات حظر الصحف والمجلات المحلية المستقلة التي تنتقد الحكومة ومصادرة الكتب ومضايقة الناشطين، وذلك وفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية.

ورد السلطان قابوس على موجة الاحتجاج بإجراء بعض التعديلات الوزارية وتنحية العديد من الوزارء والمسؤولين الذي بقوا في مناصبهم لفترات طويلة وشابت البعض منهم اتهامات فساد، ووسع سلطات المجلس الاستشاري وتعهد بزيادة فرص العمل ورفع الرواتب.

وقد أعلن الديوان الملكي وفاة السلطان قابوس في ساعة مبكرة فجر السبت، وقد اُقيمت مراسم الصلاة على جنازته في مسجد السلطان قابوس الكبير في العاصمة مسقط، بحضور خلفه السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، والمسؤولين في السلطنة، كما أعلنت حالة الحداد في عموم البلاد وتعطيل الدوام الرسمي لثلاثة أيام وتنكيس الأعلام 40 يوما.

Exit mobile version