خاص | رحلات العودة.. الموسيقى و”آكلة السماقية” في مواجهة الرصاص

غزة – خاصمصدر الإخبارية

عصر يوم الثلاثاء الذي وافق العاشر من سبتمبر العام الجاري، هذه أول مرة تصل الفنانة التشكيلية رنا الرملاوي “23 عاما” لمنطقة ملكة -شرق غزة -إحدى النقاط الأساسية لمخيمات مسيرة العودة المستمرة حتى الآن والتي انطلقت في مارس 2018.

رنا الرملاوي

ذهاب الرملاوي إلى حدود غزة، هي استجابة لدعوة فريق العودة الثقافي الذي أطلق سلسلة من الأنشطة التراثية والثقافية تحت مسمى “رحلات العودة” والمشاركة في فاعلياته التي تؤكد على تمسك أهالي قطاع غزة بحق العودة.

حين وصلت الرملاوي لمخيم العودة في منطقة ملكة، أخذت زاوية من المكان وبدأت تشارك على طريقتها.

خلال ساعتين متواصلتين انتهت الشابة من إعداد منحوتة رملية تجسد المشهد الشهير للمرأة الفلسطينية التي تعانق جذع شجرة الزيتون في الضفة المحتلة أثناء محاولة جرافات الاحتلال اقتلاع تلك الشجرة.

تقول الرملاوي عن سبب اختيارها لنحت هذا المشهد:” هذا المشهد عالق في ذهني مذ كنت صغيرة، واختياري له هو تأكيدا على أن المرأة الفلسطينية المتمسكة بحقها على اعتبار أن أشجار الزيتون رمزا فلسطينيا، ومن خلال مشاركتي بهذه الفعالية لربما تكون هذه المنحوتة تعبيرا عن تمسكنا نحن بحق العودة أيضا”.

الرملاوي لاجئة من بلدة “برقة” المحتلة، وهي واحدة من عشرات الفنانين الذين شاركوا في فعالية “رحلات العودة” الذين عبر كل واحد منهم على طريقته على فكرة العودة وتمسك الفلسطينيين بحقهم والعودة إلى أراضيهم.

6 رحلات شاركت بها الرملاوي مع فريق العودة منذ انطلاقتها، وتنتظر بفارغ الصبر الرحلة السابعة، رغم أنها لم تشارك ولو لمرة واحدة في مسيرات العودة، تقول:” رحلات العودة أعطت لنا مساحة في التعبير عن قضيتنا بطريقة سلمية بحتة دون أي خوف أو وحشية إسرائيلية”.

وتبعد تقريبا مخيمات العودة التي تقام عليها مهرجانات رحلة العودة عن السياج الحدودي الذي يتنشر خلفه مئات الجنود الإسرائيليين المدججين بالأسلحة الثقيلة والمتطورة قرابة 2 كيلو مترا.

واللافت في رحلات العودة هي المشاركة الواسعة من كبار السن والأطفال والنساء الذين رقصوا وغنوا على إيقاع موسيقى التراثية والوطنية، ويبدو أن رحلات العودة من الممكن أن يقال عنها هي مهرجان ثقافي تراثي أسبوعي، وبحسب المنظمين يكون أما يوم الأربعاء أو الثلاثاء.

لماذا “رحلات العودة”؟!

صاحب الفكرة الناشط السياسي أحمد أبو ارتيمة أحد مؤسسي فكرة مسيرة العودة ومسؤول فريق العودة.

رحلات العودة هي ضمن سلسلة عمل نضالي سلمي بعيد المدى يعتمد على مجموعة من المبادئ البسيطة كما يوضح أبو ارتيمة، ثم أتبع قائلا: “تتمحور تلك المبادئ حول أن حق العودة هو جوهر قضيتنا، وتوسيع قاعدة المشاركة الأهلية والمجتمعية، وإيجاد بيئة آمنة للحراك تقلل قدرة الاحتلال على إيقاع الخسائر بنا”.

وبحسب الناشط أن هناك رسائل داخلية وخارجية تحملها رحلات العودة، أبرزها محاربة الرواية الإسرائيلية التي تسعى دوما لتصوير الفلسطيني بأنه يعشق الموت.

“نحن نواصل الطريق لأن غايتنا نبيلة، نحن نواصل لنيل الكرامة والعودة وتقرير المصير، نعبر عن حقوقنا بالموسيقى والفن وأننا شعب يحب الحياة”. هكذا يكمل أبو ارتيمة.

هناك من يقول إن رحلات العودة هي انقلاب على أعمال مسيرات العودة، وأن أبو ارتيمة انسحب من أعمال مسيرات العودة ويحاول البحث عن طريقة أخرى لإيصال رسالته.

لكن الرجل ينفي ذلك قائلا:” رحلات العودة هي جزء أساسي من أعمال مسيرات العودة، وغير ذلك محض كذب”.

وانتقد أبو ارتيمة في مقالة له على حسابه الشخصي مقالة انتشرت على أسوشايتد برس تظهر أن هناك جدلا محليا واسعا حول “رحلات العودة” وأن أبو ارتيمة أحد مؤسسي مسيرة العودة أصبح أشد الكارهين لها.

عنف الاحتلال ضد مسيرة العودة

الاحتلال الإسرائيلي خلال أعمال مسيرة العودة لم تترك المساحة للموهبين الفلسطينيين بنقل الصورة الحقيقة لمشاعرهم وحقوقهم.

فالقناصة والرصاص العشوائي وقنابل غاز الأعصاب التي استهدفت المتظاهرين السلميين بمختلف فئاتهم وأجناسهم بشكل مباشر وجعل كل من يقترب من السياج قريب من جدا من الموت منع كل الأشكال السلمية والإبداعية التي يدعو إليها أبو ارتيمة فوجد من يوم الأربعاء أو الثلاثاء من كل أسبوع بوابة أخرى يمكن أن يصدر تلك الأعمال السلمية البحتة.

وبحسب إحصائية لمركز الميزان رصدت عدد الجرحى والقتلى الفلسطينيين المشاركين في مسيرة العودة منذ 31-3-2018 إلى 31-10-2019، وأظهرت الإحصائية أنه قتل 214 شخصا من بينهم 46 طفلا وسيدتين، فيما كان عدد الجرحى (18795) الأطفال منهم (4808) فيما أصيب856 من النساء.

شاعر الرحلة

منذ انطلاق مسيرة العودة الكبرى، لم ينقطع الشاعر الشاب على السماك “24 عاما” عن المشاركة بقصائد من وحي خياله تتلاءم مع عنوان كل جمعة في مسيرة العودة متنقلاً بين ساحات وخيام المسيرة الخمس.

وكل مرة يكون جالسا في الخيام التي نصبت ويبدأ إلقاء قصائده، لكن بسبب الوحشية الإسرائيلية ومهاجمة الجنود للمشاركين وإطلاق القنابل على الخيام لا يستطيع الشاعر الصاعد إرسال صوته، بسبب هروب المشاركين واختناق حنجرته نتيجة قنابل الغاز.

لكن منذ مشاركته في رحلات العودة أصبح السماك يستعرض قصائده بكل اتزان وقوة دون أي خلل، وبدأت تأخذ شهرة واسعة.

يقول:” لم انقطع عن المشاركة منذ 18 شهرا، ولكن في كل مرة لم اشعر أن كلماتي قد وصلت، ولكن مع تنظيم رحلات العودة اتحات لي هذه الفرصة حيث يستمع لي كبار السن والمشاركين دون أي معيق إسرائيلي أو شيء يذكر، فالهدوء يعم المكان، فقط أسمع صوتي وتفاعل المشاركين بعد انتهاء فقرتي”.

فعالية وعد بلفور

من بين أعضاء فريق العودة، صابرين النجار” 46 عاما” هي والدة المسعفة الشهيدة رزان النجار التي أعدمتها القناصة الإسرائيلية خلال ممارستها عملها الإنساني على حدود خانوينس 1-6-2018.

الأم النجار مسؤولة عن قسم الآكلات التراثية الفلسطينية، ويشارك معها في هذا القسم عشرات النساء من في عمرها.

تقول الأم النجار: “انضمامي للفريق، هدفه الأساسي لمواصلة الطريق السلمي الذي ضحت من أجله ابنتي رزان “.

طوال المشاركة في رحلات العودة لم يتعرض أحدا لأي إصابة من جنود الاحتلال الإسرائيلي، فقط مرة واحدة أطلق الجنود وابلا من قنابل الغاز المسيل للدموع على المهرجان الثقافي كان هذا في الرحلة الثالثة. بحسب الأم النجار.

آخر مشاركة للسيدة النجار كانت في 2-11-2019، أي في الذكرى 102 لوعد وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور بالتوصية لإقامة دولة يهودية على الأراضي الفلسطينية.

أتخذ فريق العودة وقتها شكلا مختلفا من فعالياته، إذ جرى التنسيق مع كبار السن من الداخل المحتل، بحيث يتقدم المشاركين من غزة إلى السياج لمبادلة الرسائل مكتوبة بخط اليد تؤكد على فكرة العودة، وإيصال صورة التئام مؤقتة للشعب الفلسطيني الذي يحاول الاحتلال تمزيقه بكل الأدوات.

لكن جنود الاحتلال منعوا اقتراب كبار السن من الجانب الآخر للأراضي المحتلة وقطعوا الطريق عليهم، وأفشل الاحتلال تلك الفعالية السلمية والنوعية.

يقول أبو ارتيمة عن تلك الفعالية:” طوال أسبوع كامل ونحن ننسق مع كبار السن من الداخل المحتل للمشاركة والقدوم على الطرف الأخر من حدود غزة، في الحقيقة كنت متوقع أن يعطل الاحتلال هذا الأمر، ولكن يكفينا شرف المحاولة”.