كتب مصطفى إبراهيم: مواجهة الاستيطان وتداعيات مقتل نزار بنات

مقال رأي – مصدر الإخبارية

كتب: مصطفى إبراهيم

على وقع انشغال الفلسطينيين بالأحداث الجارية في الضفة الغربية المحتلة على إثر جريمة قتل الناشط السياسي نزار بنات من قبل قوة من الأجهزة الامنية الفلسطينية، استكملت الحكومة الإسرائيلية الجديدة إجراءات فرض واقع جديد على الأرض واقامة مستوطنة جديدة وشرعنة ما يسمى بـ تسوية وتبييض البؤرة الاستيطانية “إفياتار”، المقامة في جبل صبيح في قرية بيتا الفلسطينية قرب نابلس في قلب الضفة الغربية، وإن هذا كان هدفها منذ البداية.

ووفقاً لما ذكرته رئيسة فريق متابعة المستوطنات في حركة “سلام الآن”، حاغيت عوفران، إنه في هذه “التسوية” ثبت أن “المستوطنين يقررون سياسة إسرائيل في المناطق” المحتلة، فقد تم الاتفاق بين الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين على إبقاء مبنى دائم وقاعدة عسكرية سيسكنه جنود سرية عسكرية، ومعهد ديني لتدريس التوراة (ييشيفاة)، وبعد ذلك إجراء مسح للأراضي بهدف إقامة المستوطنة.

وعلى الرغم من الادعاء القائل بمحاولة جيش الاحتلال الإسرائيلي الظهور بأنه يعارض إقامة المستوطنة، لكن هذا يبدو كتضليل أكثر من أنه يعبر عن موقف، فجيش الاحتلال هو المسيطر في الضفة، وإقامة البؤرة الاستيطانية تمت تحت أنظاره، طوال الفترة الأخيرة.

ووفقاً لصحيفة يديعوت احرنوت أنه منذ بداية أيار/مايو الماضي اتسعت البؤرة الاستيطانية واستقرت، تحت رعاية حكومة نتنياهو والمصادقة التي منحتها لها بصمت.

المحلل السياسي في الصحيفة، ناداف أيال، قال: إن قادة المستوطنين سعوا إلى إقامة البؤرة الاستيطانية، وأن المستوطنة دانييلا فايس قادت الاتصالات مع الحكومة من أجل التوصل إلى التسوية، وأن وزيرة الداخلية، أييليت شاكيد، شكلت حلقة الوصل بين فايس وبين وزارة الأمن ورئيس الحكومة، نفتالي بينيت.

في المقابل قال المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، أن الاتفاق الآخذ بالتبلور بين الحكومة والمستوطنين في البؤرة الاستيطانية غير القانونية “إفياتار: لا يعكس تسوية، وإنما يبشر بانتصار جارف للأخيرين.

وتثبت الأيام الأولى لحكومة بينيت، لبيد مرة أخرى ما كان معروف منذ وقت طويل: قادة المستوطنين هم مجموعة الضغط الأقوى في الدولة، وتبدل الحكومات وإنهاء ولاية بنيامين نتنياهو لا تغير هذا الوضع.

وربما العكس: ممثلو المستوطنين، يوسي داغان ودانييلا فايس، يعلمون تماماً على أي أزرار ينبغي أن يضغطوا من أجل تشغيل نفتالي بينيت وأييليت شاكيد.

ويتبين مرة أخرى أنه من أجل مصالح المستوطنين، يفقد وزير الامن بيني غانتس تأثيره على وزارته، حيث كان غانتس قال لقادة المستوطنين، قبل بضعة أيام فقط، أنه لن تكون هناك أي تسوية وأنه سيتم إخلاء البؤرة الاستيطانية.

ووفقاً لهرئييل ان غانتس اكتشف سريعاً جداً، أنه لا يتوقع له في هذه الحكومة متعة أكبر قياساً بالشراكة الاضطرارية السابقة مع نتنياهو، وفي الأسبوع الماضي فقط، لجم شركاؤه في الحكومة محاولته تشكيل لجنة تحقيق في قضية الغواصات. والآن هم يفرضون على غانتس استسلاماً في قضية البؤرة الاستيطانية.

وحسب هرئيل أن الادعاء الذي يسمعه غانتس في كلتا الحالتين، هو أن التوازن الداخلي في الحكومة الجديدة ناعم جداً ويحظر تشكل خطر على استمرار ولايته بخطوات غير مألوفة، ولا تكون مقبولة على جميع أطرافها، وعملياً القرارات تُتخذ من أجل دعم مصالح بينيت، وفيما في الخلفية دفيئته الأيديولوجية، حركة الاستيطان.

في نهاية شهر آيار/مايو الماضي قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إطلاق تحقيق دولي حول انتهاكات إسرائيلية لحقوق الإنسان ارتكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومناطق الـ48 منذ نيسان/ أبريل الماضي، وأيضاً في “الأسباب العميقة” للتوترات.

اعتبر هذا القرار مهم لأن هذه المرة الأولى التي يشكل مجلس حقوق الإنسان لجنة تحقيق بتفويض لا تحدد مدته مسبقاً، ويعالج الأسباب الجذرية للتمييز العنصري الإسرائيلي الممنهج ضد الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الأراضي المحتلة عام 67″.

وخلال النصف الأول من هذا العام صدر تقريران هامان من مؤسستين لحقوق الانسان الأول تقرير مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الانسان “بتسيلم”، والثاني تقريرمنظمة “هيومان رايتس ووتش” الأميركية، التقريران يؤكدان على واقع الفصل العنصري (أبارتهايد) في فلسطين.

وفي مارس/ آذار من العام الجاري أكدت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية السابقة فاتو بنسودا ، على الشروع في إجراء تحقيق يتعلق بالوضع في فلسطين، وسيغطي التحقيق جرائم تدخل في اختصاص المحكمة والتي يُزعم أنها ارتكبت منذ تاريخ 13 حزيران/يونيو 2014، بما فيها جريمة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة.

على ضوء ذلك، ينشغل الفلسطينيون بأزماتهم الداخلية بينما يستبيح نظام الفصل العنصري الاسرائيلي الضفة الغربية، وتعطيل نضالنا المشترك ضده وضد مشاريعه وبناء المستوطنات وشرعنتها، ما يتطلب من الفلسطينيين البحث في تدارك تداعيات جريمة مقتل نزار بنات ومسألة قمع الحريات العامة والاستفراد بالنظام الفلسطيني، والأزمة التي يعيشها الفلسطينيين، وما تمارسه دولة نظام الفصل العنصري من القتل اليومي، وسياسة الاعتقالات اليومية وفي مقدمتها الاعتقال الإداري، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي من الفلسطينيين، وتجزئة الضفة والقيود على حرية الحركة والتنقل، ومواجهة حصار غزة والقيود المشددة عليها.

ما نحتاجه هو البحث في ما يجمع ويوحد وأن يكون هناك نظام لتوحيد جميع الطاقات من النضال المشترك بكافة الاشكال، وتصعيد النضال الشعبي كما يحدث في قرية بيتا، نضال يأخذ البعد الدبلوماسي والقانوني و يسعى لملاحقة المسؤوليين الإسرائيليين ومقاضاتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية، وغيرها من الوسائل لمواجهة نظام الفصل العنصري، واستكمال البناء على ما تم تحقيقه من انتصار للكرامة الوطنية في هبة ومعركة سيف القدس والتوقف عن محاولات شيطنتها.