معنّفات غزيات يروين لمصدر الاخبارية مأساتهن في العدوان الأخير

سالي ثابت – شبكة مصدر الاخبارية

“طليقي يمنعني من احتضان طفلي الوحيد”، تقول ألاء الفتاة العشرينية “لشبكة مصدر الاخبارية” إنها تعيش ظروف قهرية وبائسة بسبب ما تعانيه من تعنيف نفسي من قبل طليقها الذي يمنعها من مشاهدة طفلها الوحيد بسبب الحرب التي قطعت المحافظات ومنعت حركة المركبات والتنقل بين المدن من جهة وتعنت طليقها وإجحاف المحاكم في صدار إصدار قرار ينصفها ويعطيها حق المشاهدة لفلذة كبدها من جهة أخرى.

وتطالب ألاء المختصين والجهات الحقوقية والقانونية بضرورة وضع آلية للسيدات المطلقات والأخذ بعين الاعتبار قضايا السيدات المعنفات في قطاع غزة.

“أريد أن أعد طعام لأطفالي قبل أن أموت”

تغريد سيدة خمسينية العمر، تعاني من سرطان الثدي وتم انفصالها عن زوجها على أثره، تقول: “طليقي يسكن بجانب منزل أهلي ولا يفصلني عن أولادي سوى أمتار قليلة”، مضيفة أنها تسمعهم وتراهم بشكل يومي ولكن عن بعد كما أعربت.

تضيف تغريد وعيناها تملؤها الدموع وصوتها لا يكاد أن يخرج بأنها راضية بقضاء الله وقدره وبمرضها، ولكن ما يؤرقها ويبعث الحسرة ويبث الحزن في قلبها انها ممنوعة من احتضان أطفالها ومشاركتهم لحظات الفرح والحزن، مشيرة إلى أنها وفي الحرب الأخيرة على قطاع غزة كانت تهرع إلى باب بيتها غير الآمن مع كل صاروخ أو انفجار أو غارة تسقط على الحي، وتصيح بأعلى صوتها على أطفالها لتشعرهم بالأمن والطمأنينة وأنها بجانبهم ولن تتخلى عنهم.

تغريد التي أرهقها المرض وعبثت الظروف القاسية في حياتها وغير وجهتها القهر، تقول: “ما أتمناه فقط هو أن أطمئن على أطفالي وأعد لهم الطعام وأشتري لهم الملابس كي يتذكروني قبل أن أغادر هذه الحياة”.

“حصلت على لقب معلقة ومازالت قضيتي تائهة في محاكم غزة “

أم أحمد الحاصلة على لقب “معلقة ” كما أكدت لنا والتي حصلت مشادة كلامية بينها وبين زوجها في أيام الحرب الأولى، مما دفعه إلى أن يأخذ طفلته عنوة عنها ويصطحبها للبقاء معه، مانعاً إياها مهاتفة والدتها أو حتى الرد عليها للاطمئنان على أحوالها في الحرب على قطاع غزة.

تقول أم أحمد” لشبكة مصدر الاخبارية”: “تحملت طليقي بكل سلبياته فهو إنسان متواكل ويعتمد علي في كل شئ وكان يخونني بشكل مستمر، وعندما أناقشه كان يرد علي بالضرب المبرح ويقول لي” أنا حر وانا رجل يحق لي كل شيء”.

أم أحمد ذات الجسد النحيل والوجه الشاحب والقوام المنحنئ تؤكد أنها تعرضت إلى التعنيف الجسدي مدة العشر سنوات وبشكل يومي/ ولكنها صبرت لأجل طفلتها التي أنجبتها بعد زواج دام كثيراً ولم ترزق بذرية إلا بعد طول انتظار، مضيفة أنها اعتقدت بأن طليقها سيتغير ويكف عن تعنيفها لأجل ابنتها ولكن خاب ظنها وأصبح يعنفها أكثر وأكثر.

وعندما سألناها لماذا لم تنفصل عن طليقها عندما كان يعنفها قالت: “أهلي كتير صعبين ووالدي متوفي وعايشة عند أخوي ومخه صعب وكمان بيضربني كتير إذا جبت سيرة الطلاق”.

وعن كيفية انفصالها عن زوجها قالت: “هذه المرة كانت مختلفة فقد ضربني بآلة حادة على رأسي الذي غرق بالدم وكدت أفقد حياتي، ولولا عناية الله وتدخل الجيران والتقرير الطبي الذي أرفقه الطبيب معي لخسرت حياتي للأبد وهذا ما جعل أخي يقتنع بضرورة انفصالي”، مؤكدة بأنها كانت تعيش في سجن كبير وانتقلت إلى سجن أكبر عند أخيها كما أسلفت.

“الآثار النفسية المترتبة على التعنيف ضد النساء”

أكدت الاخصائية النفسية في اتحاد لجان المرأة الفلسطينية سهى صلوحة بأن التعنيف ضد النساء والضغوط السياسية والاجتماعية المتمثلة بالحرب الأخيرة على غزة ألقت بظلالها على علاقة أفراد الأسرة الفلسطينية ببعضهم البعض، وأدت لتنامي ظاهرة العنف الأسري وتنوع أشكاله من الإهمال والتوبيخ إلى الضرب والتعذيب سواء للطفل أو للمرأة.

وأضافت أنه قد ازدادت في الآونة الأخيرة ظاهرة تعنيف المرأة والطفل في المجتمع الفلسطيني والغزي على وجه الخصوص بسبب عوامل نفسية وموروثات اجتماعية إضافة إلى الضغوط المعيشية المرتبطة بالحرب و الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تعيشها غزة، مشيرة إلى أن العنف الأسري يتم عبر ممارسات عديدة كالاعتداء الجسدي مثل الصفع والضرب والتهديدات بواسطة السلاح والاعتداء الجنسي، كما يشتمل على الإساءة النفسية كالتخويف والاضطهاد والإيذاء الاقتصادي كالحرمان من الأموال والغذاء والاحتياجات الأساسية والرعاية الصحية والعمل.

وأكدت صلوحة أن الأطفال أيضاً لا يسلمون من التعنيف الأسري والذي ازدادت شدته وقسوته مع ظروف الحرب الضاغطة التي خلفت آثار سلبية إضافية على نفسية الأطفال وشخصياتهم وتأخرهم الدراسي.

وتابعت: “الكثير من الأطفال يتعرضون للعنف الأسري في ظروف النزوح بشكل خاص حيث نزحت العديد من الأسر في غزة إلى مراكز الإيواء والتي تفتقد للكثير من أساسيات الحياة من مرافق أساسية كالمطبخ ودورات المياه النظيفة والمساحة الكافية”، مشيرة إلى أن الخوف وانعدام الأمان للكثير من الآباء والأمهات إضافة إلى الاضطرابات النفسية التي ينقلها الأهل إلى أطفالهم من خلال السلوكيات العنيفة تعكس على مدى تفاعلهم واندماجهم في المجتمع.

وبينت أن هذا بدوره يعمل على نقل الأطفال أيضاً فيما بينهم هذه المشاعر السلبية، فتغلب العدوانية على صفاتهم، مؤكدة أن هذه السلوكيات تشكل أحد أسوأ انعكاسات العنف الذي يمارس ضدهم، وأن العنف ضد الطفل والمرأة سواء بشكل معلن أو غير معلن يهدد أمنهم وسلامتهم، ويبقى راسخاً في أذهانهم مدى الحياة، ويتسبب لهم بمشاكل عديدة وأزمات نفسية كالعدوانية والاكتئاب والانطواء على الذات.

وحول الألية والبرامج النفسية المتبعة وقت السلم أو حتى الحرب قالت صلوحة: “يجب القيام بحملات توعية للأهالي لتعريفهم بالعنف الأسري وخطورته على أطفالهم ونسائهم، إضافة إلى إخضاع الأطفال والنساء لدورات علاج نفسي للتخفيف من معاناتهم”.