غزل بيت حانون

يوم قامت القيامة في بيت حانون حملت غزل روحها على كفها وأنقذت عائلتها

دعاء شاهين-مصدر الإخبارية

“لا أدري كيف كنت أركض مسرعة لإنقاذ عائلتي، أتنقل من شارع لشارع هاربة من الصواريخ كنت أنقلهم، ولا أعلم من مصاب أو كل همي فقط كان إنقاذهم من لهيب الصواريخ التي بدأت تنهال على رؤوسنا لأن القيامة كانت قد قامت فعلًا”. تقول غزل فياض 21 عامًا.

تستعيد الفتاة الناجية، أحداث قصتها المفجعة لحظة بلحظة، حيث حملت روحها على كفها وأنقذت عائلتها كاملة وزوجها. في مدينة بيت حانون تحديدًا بمنطقة حي البعلي الملاصق للمناطق الحدودية للقطاع حيث عاشت تجربة أليمة، ستظل ترافقها طيلة حياتها،

في ليلة الإثنين، إحدى ليالي العدوان الإسرائيلي، العصيبة على شمال قطاع غزة تحديدًا، كانت تجلس غزل برفقة زوجها في منزلها الصغير، هاتفتها والدتها في مكالمة خاطفة منتصف الليل، مفادها أنها ستهرب هي وأشقائها ووالدها إليها، كون منزل ابنتهم الأكثر أمانًا بالنسبة لهم، حيث كان شعور غريب يختزل الأم، بأن حدث ما سيحدث وخوفًا على العائلة خرجوا من منزلهم مسرعين.

بالطبع رحبت غزل بمجيء عائلتها إليها، كانت قلقة جدًا منذ أن أنهت والدتها معها المكالمة، لم يهدأ بالها حتى وجدت عائلتها تطرق بابهم، فبدل أن تستقبلهم في ثياب العيد التي كانت تتجهز لارتدائها لهم في أول زيارة إلى منزلها، جاؤوا إليها نازحين.

قرابة الـ20 شخص من عائلة فياض كانون يقنطون في منزل واحد، اتفقوا على أن كل مجموعة تجلس في مكان، حتى إن انهال عليهم للقصف ينجوا بعض منهم، وبينما كانت عائلة غزل يتشاورون فيما بينهم، بدأت طائرات الاحتلال تتغول بقصفٍ عنيف في منطقتهم.

كل ما بجوار منزل غزل تحول لدمار، زلزال يضرب في المكان، السماء تحولت للهب أحمر، بدأت والداتها تصرخ “القيامة قامت يا أولاد اتشاهدوا على روحكم”، لا أحد يجرؤ على الخروج من المنزل فهم لا يعلمون أين القصف، لكن غزل حينها تملكتها الشجاعة ونظرت من أحد نوافذ منزلها وشاهدت أن جميع الجيران يركضون هاربون لا يعرفون إلى أين لكن الصراخ يملًأ المنطقة، الأطفال والرجال والنساء كلهم أصابهم الخوف والهرع الموت كان يتربص بهم من كل اتجاه.

تروي غزل” عندما شاهدت مشهد نزوح الجيران ونار الصواريخ أصبحت تتناثر في المنزل هرولت مسرعة لعائلتي، وزجي لنهرب نحن أيضًا فمنزلي هو الآخر لم يعد آمنًا، لكن القصف كان أسرع مني، لا أذكر كيف قصفنا فما أذكره أن البيت تحول إلى دخان أسود وغبار والجدران بدأت تتساقط وجميع أهلي مصابين، لا أعرف من أين جاءتني القوة وخرجت بالشارع حين سمعت صوت إسعاف”.

توجهت غزل مسرعة للإسعاف فتقمصت دور المسعفة محاولة إنقاذ عائلتها، لكن في تلك اللحظة لم يكن مسموح للإسعاف الاقتراب، خاصة بعد أن قصفت وقتها صواريخ الاحتلال السيارات التي كانت تأتي لنقل الجرحى، المنطقة حولت لساحة حرب من طرف واحد وهو الاحتلال ضد المدنيين العزل.

تتابع غزل ” طالما أن الإسعاف لم يأتي بدأت أنا في نقل أفراد عائلتي، لم أبك حينها ولم أصرخ حتى أني شعرت، بتوّرم جفوني بشكل مخيف فالدمع احتبس، وتحولت منطقة العين للون الأزرق، بسبب الخوف”، نجحت الناجية بالفعل في نقل عائلتها بمساعدة المسعفين إلى مشفى بيت حانون، لكن تم تحويل أشقائها الإثنين إلى الشفاء بشكل مباشر كون إصابتهم وصفة حينها بالخطرة.

طيلة أيام الحرب كانت تتنقل غزل ما بين مشفى الشفاء وبيت حانون للاطمئنان على زوجها وعائلتها حيث نقلوا للعلاج بأعجوبة.

وبعد 11 يومًا من العدوان عادت غزل لتفقد منزلها وما حل في المنطقة التي هربت منها، لكنها لم تجد حائطًا بجوار الآخر، كل مافي المنطقة مدمّر، فمنزلها الصغير الذي كانت تتدخر هي وزجها الشيقل بجوار الشيقل لتجهيزه على حد وصفها فقد ذهب في رمشة عين.

تكمل غزل ” رفضت السكن في مدارس الأونروا أردت البقاء على أنقاض منزلي، حاولت استصلاح أنا وزوجي المصاب، بعد أن خرج من المشفى جزء صغير استبدلنا بعض الجدران بقطع قماش، وضعنا فيه أغراضنا الأساسية به، وتحول منزل الأحلام الذي جهزته غزل بفارغ صبرها هي وزوجها إلى خيمة صغيرة تجمعهم الإثنين بعد أن أنقذت حياته.

ورغم انتهاء العدوان لم تنته مأساة غزة، فزوجها خرج من المشفى ودخلت هي بدل منه لكن للخضوع لجلسات العلاج النفسي، للعلاج من هول الصدمة التي تعرضت لها، خلال العدوان.

Exit mobile version