مصطفى إبراهيم: ملاحظات حول الانتخابات وإفساد الحيز العام

مقال رأي -مصدر الإخبارية

 بقلم مصطفى إبراهيم

تسود فلسطين حالة انكسار وطني وتجريف للحالة السياسية، وعلى الرغم من المضي قدما في العملية الانتخابية التي فجرت عن حقيقة عمق الانقسام، التي لم تقتصر على على الخلاف السياسي فقط، وتسير في سياق سنوات الانقسام المستمرة بل عززت من المناكفات والتخوين والكراهية والتهديد والتخويف.

العدد الكبير من القوائم الانتخابية حق للناس وتعبير عن شوق الفلسطينيين للمشاركة في الحياة السياسية و العملية الديمقراطية والتعددية وان الشعب الفلسطيني شعب حي، لكن مع أن هذا العدد الكبير من القوائم سيؤدي لمشاركة واسعة، لكن في المقابل سيؤدي إلى نسبة كبيرة من تشتيت الأصوات الضائعة والمهدرة، وهي دليل أيضا على عدم رضا الفلسطينيين عن أداء الفصائل الفلسطينية.

يبدو أن الدعاية الانتخابية بدأت مبكرا، وحملت في مضامينها خطاب الكراهية والتخوين وعدم قبول الآخر وعدم تحمل المسؤولية الوطنية والأخلاقية، في مخالفة صريحة للقيم والأخلاق الوطنية قبل ما ينص عليه قانون الانتخابات.

فجرت قضية منع محكمة الانتخابات ترشيح الأسير حسن سلامة جدلا وخلافا بين حركتي حماس وفتح، وبدا الأمر أن الأخيرة تدافع عن المحكمة باعتبارها محكمة فتحاوية والقضاة هم من السلطة القضائية التي تتبع السلطة الفلسطينية.

وبناء على هذا الجدل تتردد مقولة، أنه لا يحق لأحد التعليق على أحكام القضاء، والرد على ذلك وفقا لتفسير رجال القانون، أنه قد تصدر بعض الأحكام القضائية المتعلقة بشأن الحريات العامة أو المشاركة السياسية.

ويرى البعض أنه “لا يحق لأحد التعليق على الأحكام القضائية” وهؤلاء يستندون في رأيهم للحفاظ على هيبة القضاء ومكانته، إلا أن الحقيقة والمنطق والقانون غير ذلك.

الحقيقة أنه من واجب رجال القانون وأصحاب الرأي والكتاب التعليق على الأحكام القضائية بالقدر الذي يختصون به، ومن واجبهم التعبير عن وجهة نطرهم في خطأ أو صواب تلك الأحكام، ونحن نقف على أعتاب العالم المتحضر الذي يرسخ مبادئ النزاهة والشفافية والحق في الحصول على المعلومات والديمقراطية.
وفيما يشكل التعليق على الأحكام القضائية فهو نوع من أنواع الرقابة القانونية ذات الطابع الفقهي، والرقابة المدنية والشعبية ذات الطابع المتنور في مجتمع مدني حي.

وفي ضوء ذلك يضيق صدر القاضي من التعبير عن الرأي، ويضع القاضي نفسه مكان السلطة التنفيذية ويدافع عنها بما يمثله من توجهات سياسية، وهل يجوز للقاضي العمل في الشأن السياسي، والتدخل في ما يكتبه الناس من مواقف.

أي سلطة قضائية، وأي قضاء مستقل الذي لا يحترم الحريات العامة، والحق في التعبير عن الرأي، ويصادر حقه أن يكون مستقلاً ونزيها، وهو من صمت على تغول السلطة التنفيذية التي انتزعت سلطاته.

بعض الموظفين الكتبة الذين يتجولون للنظر في ما يكتب على الحيطان من آراء تعبر عن قضايا وطنية وتهم الرأي العام، هؤلاء يعبرون عن رايهم خوفا من قطع الراتب، وخدمة طوعية لإرضاء السلطان الذي لا يراهم، لا ينتج عنهم إلا ما يمليه عليهم السلطان من توجهات سلطوية لا تؤمن بحرية الرأي والحق في الاختلاف.

إفساد الحيز العام وتجريف الحياة السياسية سياسة لا تزال قائمة في الساحة الفلسطينية، برغم التوجه لانتخابات لاختيار مجلس تشريعي جديد، يأمل كثيرون منه أن يكون البداية للتغيير في الحياة السياسية الفلسطينية. فكيف سيكون ذلك في كل هذا الظلام والانقسام، وعدم القدرة على استعادة الروح الفلسطينية واحترام حقوق وتعزيز صمود وكرامة الفلسطينيين التي لويت اعناقهم من أجل البقاء في السلطة.

إجراءات عديدة اتخذتها السلطة الفلسطينية خلال السنوات الماضية تدفع الفلسطينيين للغضب وكراهية السلطة، في مقدمتها سياسة قطع الراتب التي اتخذتها السلطة الفلسطينية في قلب العملية الانتخابية وهناك أرواح وآمال معلقة عليها بأنصاف من قطعة رواتبهم، وهي بمثابة حكم بالإعدام على الإنسان.

وقد طال هذا الحكم الآلاف من الموظفين الفتحاويين قبل غيرهم من الموظفين الآخرين، ولا يزال سيف مسلط على رقاب الكثيرين، ويتحسسون رقابهم مع بداية كل شهر، سواء كانوا في الأجهزة الأمنية أو المدنية بما فيهم القضاء والذي يرى البعض منهم نفسه فتحاويا.

المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب مصطفى إبراهيم .