خاص | العمليات الفردية على حدود غزة.. لماذا؟

غزة – خاص مصدر الإخبارية

هذه أول مرة تدخل الشابة آلاء أبو صلاح “23عاما”، غرفة توأمها هاني أبو صلاح “23 عاما” الذي قتل فجر 1-8-2019، حين نفذ عملية فردية شرق حدود مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة.

منذ لحظة استشهاده، وآلاء لم يكن لديها المقدرة على دخول تلك الغرفة، تقول: ” كنت أرفض فكرة الدخول إلى الغرفة حتى لا أتذكر التفاصيل التي عشتها وتربطني مع توأمي الذي كنت متعلق به جدا وأشعر به دوما”.

عملية الثأر

وهي تقلب ملابسه في دولابه البسيط، تروي الشابة آلاء، عن الساعات الأخيرة التي عاشتها مع توأمها، ففي ساعة العاشرة من تلك الليلة جهز هاني طعام العشاء لأسرته المكونة من 8 أفراد، بعدها ارتدى بذلته العسكرية، استعدادا لمهمة رباط اعتيادية قرب المنطقة الحدودية، فهو منظم لدى كتائب القسام الذراع العسكرية لحماس.

تقول الشابة: ” حين ارتدى كامل ملابسه العسكرية، طلبني في غرفته وأهداني وشاح أسود مطرز وقال لي هذه هدية لك بدون مناسبة؛ في الحقيقة لم أشعر أي شيء على وجهه، ولم أعتقد أن هذه اللحظة ستكون الأخيرة بيني وبينه”.

في التفاصيل ترجّل بشكل فردي متوجهاً إلى السلك الحدودي، وقطع السياج ومكث خلف تلة كان يستخدمها الجنود لقمع المشاركين في مسيرة العودة لساعتين متواصلتين وحين اقتربت قوة إسرائيلية من المكان سنحت له فرصة إطلاق النار مباشرةً عليها، ما أدى إلى إصابة ثلاثة جنود، بينهم ضابط. بحسب اعتراف الجيش.

وللإشارة جاءت عملية أبو صلاح بعد يوم واحد على إنهاء جيش الاحتلال تدريبات عسكرية على شريط الحدودي لغزة وصفها بأنها “الأكبر والأوسع” منذ العدوان على غزة عام 2014 لرفع جاهزية جيشه في المنطقة الجنوبية، في أعقاب المناورات التي أُطلق الجيش عليها اسم “الفصول الأربعة”.

تقريبا، كانت العملية الفردية بحدود الساعة الثانية فجرا، في اللحظة التي كان هاني يتبادل إطلاق النار، كانت توأمه تضع يدها على قلبها وتطوف في المنزل من نافذة إلى آخرى، لتتعرف على مصدر تلك الاشتباكات المسلحة.

تكمل الشابة: “كنت أشعر شيئا غريبا في صدري، بعد ما توقف إطلاق النار، شعرت وكأن شيئا خرج من صدري”.

بحسب العائلة فإن الدافع الأساسي لإقدام هاني على تنفيذ عملية مستقلة، هي انتقاما لمقتل شقيقه المقعد فادي أبو صلاح “مبتور القدمين”، التي تعمدت القناصة الإسرائيلية إعدامه في يوم 14-5 -2019 وهو على عربته، علما أنه تاريخ مقتله هو التاريخ ذاته للحظة قطع قدميه بعد قصف الإسرائيلي، والفارق بينهما عشر سنوات.

تؤكد التوأم آلاء أن شقيقها كان يحب الحياة كثيرا، كان يحلم أن يصبح رجل أعمال، ولكن بعد إعدام فادي بدم بارد، تحول هاني إلى شخص دائم التفكير ويقضي ساعات طويلة في غرفته.

تتابع الشابة اللاجئ من مدينة يافا المحتلة:” كنت اسمعه يخاطب صورة فادي المعلقة في غرفته، وكان يبكي كثيرا”.

انشغلت الشابة في تقديم مشروب الشاي لطاقم مصدر الإخبارية لتكمل عنها والدتها انتصار أبو صلاح “47 عاما”، وتقول:” هاني كان واثقاً أن العدالة لشقيقه لن تأتي، وأن العالم لن يعاقب الاحتلال على جرائمه، فقرر أن يأخذ زمام المبادرة وأن ينتقم لشقيقه بنفسه”.

وتؤكد الأم أنها حزينة جدا على فقدانها شابين خلال عام تقريبا، تكمل:” كنت أبحث له عن عروس لتشغله عن التفكير الدائم بشقيقه فادي ولكن لم أنجح بذلك”.

بحسب مصدر من المقاومة كشف أن التحقيقات الداخلية التي أجرتها المقاومة أظهرت أن ما قام به أبو صلاح هو تخطيط ذاتي لحظي، ومن دون تعليمات من القيادة العسكرية.

كثافة العمليات الفردية.. لماذا؟

توالت بعد عملية أبو صلاح، سلسلة من العمليات المُشابهة على “السّياج الحدوديّ” شرق قطاع غزّة.

ففي 10 أغسطس استشهد أربعةُ فلسطينيين على الحدود الشرقيّة للمنطقة الوسطى أثناء محاولتهم تنفيذ عملية ضدّ قوات الاحتلال، هم عبد الله الحمايدة (21 عاماً)، وعبد الله الغمري (19 عاماً)، وأحمد العديني (20 عاماً)، وعبد الله المصري “21عاما”.

وفي الصباح اليوم التّالي، 11 أغسطس، شَهِدَ محاولةً أخرى قام بها الشّهيد مروان ناصر على شرق بيت حانون شمال قطاع غزة.

وبعدها بأسبوع وقعت آخر تلك العمليات حتى اللحظة، ليلة 18 أغسطس، والتي أسفرت عن استشهاد ثلاثة مقاتلين شرق بيت لاهيا شمال قطاع غزة ، هم محمود الولايدة (24 عاماً)، محمد أبو ناموس (27 عاماً)، ومحمد الترامسي (26 عاماً).

في الحقيقة لا يعتبر هذا النّوع من العمليات جديداً في قطاع غزّة، فقد نُفِّذَت عملياتٌ مشابهةٌ يتوّجه فيها شبانٌ مسلّحون للاشتباك مع قوات الاحتلال عند السّياج الحدوديّ.

كعملية الشّهيد هاني المجدلاوي الذي اقتحم موقع زيكيم العسكريّ في 21 أغسطس 2018.

لكن الجديد هنا هو تصاعد هذا النمط من العمليات، إذ يُمكن القول إنّها المرة الأولى التي يشهد فيها القطاعُ حالةً كهذه، تتكرر فيها العمليات بشكل واضح خلال فترةٍ زمنيّة وجيزة. إذ ملخص حصيلة تلك العمليات الأخيرة، 9 قتلى في أربع عمليات منفردة خلال 17 يوما.

يجمع مراقبون أن هناك أسباب عدة دفعت هؤلاء الشبان إلى تنفيذ عمل عسكري منفرد، وتحديدا في هذا التوقيت؟!

من بينهم المحلل السياسي ثابت العمور الذي رأى أن أبرز الأسباب العامة التي دفعت هؤلاء الشبان إلى تلك العمليات:” عدم شعور القاعدة الجماهيرية وخصوصا الشباب، بتغير جوهري وملموس على حياتهم بعد تطبيق تفاهمات التهدئة مع الاحتلال، لذلك قرروا ان يكون لهم كلمة”.

أما السبب الثاني والمهم من وجهة نظر العمور:” يبدو أن هذه النوع من العمليات الارتجالية خرج من رحم مسيرات العودة التي أكسبت الشبان الجرأة في اختراق السياج الفاصل خلال فعالياتها الأسبوعية، واكتشافهم ثغرات في المنظومة الأمنية مكنتهم عدة مرات من التسلل عبر السياج إلى الأراضي المحتلة عام 48، والقيام بحرق وتخريب مواقع ودشم الاحتلال”.

وما يدعم كلام العمور إن من خلال تتبع سير منفذي العمليات الأخيرة، تبرز مشاركتهم المستمرة سابقاً في المسيرات.

وبعيدا عن مسألة إن كانت “حماس” أو غيرها وراء هذه العمليات أم لا، يرى المحلل السياسي مصطفى الصواف أن تلك العمليات، تعكس تبلورَ رغبات واضحة لدى بعض شباب القطاع بضرورة مواجهة الاحتلال للضغط عسكريا على تنفيذ التفاهمات برفع الحصار على غزة.

الترامسي.. زعيم الإصابات

عن العملية الفردية الأخيرة التي قتل فيها 3 شبان من مخيم جباليا والتي كانت في 17-8، توصلت الانتفاضة الإلكترونية إلى مقابلة أحد الشبان الذين تمكنوا من الانسحاب اثناء العملية بسلام، وتتحفظ الانتفاضة على اسم ذلك الشاب.

في تفاصيل العملية، تبين أن عدد الشبان كانوا 6 أشخاص وبحوزتهم قطعة سلاح واحدة من نوع كلاشن كوف، وحين وصلوا السياج الفاصل وتقريبا على بعد 60 مترا، أطلقت مدفعية إسرائيلية قذيفة واحدة وسطهم.

يقول: ” كنت أبعد عنهم قرابة 20 مترا، شعرت كتلة نار متوجهة إلينا، ارتميت على الأرض، وبدأت بالزحف إلى الخلف، بعدها بدقيقة صعدت طائرة مروحية فوق أصدقائي، وبدأت إطلاق النار عليهم”.

ويؤكد الشاب أن المجموعة التي خرجت جميعها معروفين أنهم من شبان مسيرة العودة ومن الخطوط المتقدمة الذين يشتبكون مع الاحتلال بالحجارة ومعظمهم تعرضوا لإصابات مختلفة.

من بين الشهداء الثلاثة، والذي يعرفه معد التقرير معرفة شخصية، هو محمد الترامسي” 26 عاما”، وهو يعد أحد أيقونات مسيرة العودة إذ تعرض لسبع إصابات مختلفة طوال مشاركته خلال عام ونصف.

أخطر إصابة تعرض إليها الترامسي، حين أصيب قبل تنفيذ العملية بثلاثة أشهر، حين تعرض لإصابة في القدم اليمنى التي أدت إلى جلوسه إلى مقعد متحرك.

لكن لم يمنع الكرسي المتحرك من عدم مشاركة الترامسي، يقول شقيقه عبد الجواد 32 عاما: ” رغم الإصابة التي جعلت منه جليس كرسي متحرك، كل جمعة كان يذهب مع أصدقائه إلى الحدود، يحملوه على أكتافهم ويحملون أيضا كرسيه المتحرك”.

رغم أن عبد الجواد كان يحاول إشغال شقيقه الشهيد بالعمل في مهنة حجارة الرخام، إلا أن محمد كان ينجز عمله سريعا ويذهب إلى الحدود.

يكمل: “حاولت بكل الطرق منعه للذهاب، كنت أعطيه مرتب جيد، ولكن كان يقول لي دوما أن الحدود بحاجة لي يجب أن أشارك أصدقائي”.

قبل أسبوع من العملية، وعد محمد أمه سعاد الشبراوي”62 عاما” مريضة الكلى، بالتبرع بكلية لها، تقول: “رفضت ذلك، رغم إصراره”.

وتذهب الأم سعاد كل أسبوع مرتين إلى المشفى لإجراء عملية غسيل كلى، وكان يذهب محمد معها، لكن يبدو أنها أصبحت تذهب وحيدة.

تختم الأم المريضة: “طوال عامين ومحمد يذهب معي إلى المشفى، لم يتغيب لو لمرة واحدة عن الذهاب، لا أتخيل نفسي أن أذهب إلى المشفى دون محمد”.