خاص| بعد 12 عام على العدوان.. معاناة بيوت لم تُعمّر وكابوس فقْد لا ينتهي

خاص- مصدر الإخبارية

لا زال المواطن ناجي قديح (57 عاماً) الذي يسكن بلدة خزاعة الحدودية الواقعة شرقي محافظة خانيونس، بعد 12 عام على العدوان يعيش، تحت آثار  تدمير الاحتلال الإسرائيلي لمنزله خلال عدوان عام 2008، فمنذ ذلك الوقت حتى الآن تتنصل الجهات المسؤولة من إعادة إعمار منزله، بحجة عدم وجود التمويل الكافي.

يروي المواطن قديح لـ”مصدر الإخبارية” تفاصيل معاناته فيقول”: “حتى هذا الوقت أسكن برفقة عائلتي التي عدد أفرادها 15 شخصاً، في بيت لا يستر سقفه سوى مجموعة ألواح حديدية مهترئة، لا تقي برد الشتاء ومطره وتزيد من حر الصيف ورطوبته”، مبيناً “أن تلك الظروف الصعبة، تزيد من فرص إصابة أبنائه بالأمراض الجلدية والفيروسات المختلفة”.

ويتابع قديح:” في كثير من الأحيان، أشعر بالاختناق من الحالة التي وصلت لها، فما ذنب أطفالي وأحفادي، أن يعيشوا في ظل هذه الظروف، التي لا تتوفر فيها أي سمة إنسانية”، مضيفاً “أواجه يومياً أسأل من الأطفال، عن الوقت الذي نحتاجه لبناء بيت مشابه للبيوت التي تنتشر في بلدتنا، لكنّي للأسف لا أجد إجابة، وأكتفي بحبس الدموع والصمت”.

بصوت يصحبه الألم يطالب قديح المؤسسات الدولية والجهات الحكومية في قطاع غزة، بالنظر بعين الإنسانية لأزمته هو وعائلته ولباقي الأسر التي لا زالت تعاني إلى الآن من عدم إعمار بيوتها التي تهدمت خلال عدوان عام 2008″، مشيراً إلى أنه برفقة باقي الأسر المتضررة “يلجئون للاعتصام في مقار الأونروا القريبة من أماكن سكنهم، للمطالبة بحقوقهم، لكنّهم يواجهون من قِبل الأجهزة الأمنية، التي تفض تلك الاعتصامات وتعيدهم لمنازلهم”.

حرب 2008

وفي تصريح سابق لها قالت وزارة الأشغال العامة والإسكان بغزة إن 250 منشأة سكنية تم تدميرها من قِبل الاحتلال الإسرائيلي، خلال العدوان الذي شنه على غزة عام 2008، لا زالت تنتظر الإعمار حتى هذا اليوم، مبينةً أن إسرائيل هدمت خلال العدوان، حوالي 5700 وحدة سكنية بشكلٍ كلي، فيما تعرضت نحو 50 ألف وحدة سكنية أخرى، لأضرار جزئية، البعض منها بليغ.

وأوضحت الوزارة أنه تم إعادة إعمار حوالي 5450 وحدة سكنية، من خلال التبرعات التي وصلت للقطاع، من الجهات المختلفة، فيما تبقى نحو 250 وحدة سكنية، انهدمت في العدوان الأول، لم تعمر حتى الآن”، لافتةً إلى أن “نقص التمويل العربي والدولي، هو من أعاق إعمار تلك المنشآت، التي تحتاج لحوالي، 8 مليون دولار، ليتم إعمارها من جديد”.

ذكريات العدوان.. كابوس لا ينتهي

إلى هذا الوقت، تعيش الحاجة صباح أبو حليمة (60 عاماً)، كابوس الذكريات التي عايشتها خلال عدوان عام 2008، فكيف لا وقد فقدت في تلك الأيام زوجها وعدداً من أفراد عائلتها.

وفي نفس الاستهداف الذي طال منزلها أصيبت أبو حليمة إصابةً بليغة نُقلت على إثرها لتلقي العلاج في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أجريت لها عدد من العمليات الجراحية الخطيرة، لتعود لغزة بعد مرور أشهر.

وقالت الحاجة أبو حليمة لمصدر الإخبارية: “إن الحرب بشعة جداً، وحصدت كل جميل في حياتها، ودمرت بيتها وأرضها الزراعية”، موضحةً أنها كانت شاهدة على استشهاد زوجها وعدد من أبنائها وأحفادها بالصواريخ الإسرائيلية، التي استهدفتهم بينما كانوا يعملون بأرضهم الزراعية الواقعة في بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة”.

حرب 2008

أما الطالب الجامعي إبراهيم عياد، الذي يقطن في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، فيروي كيف اغتالت الحرب أحلام طفولته فيقول: “كنت في العدوان الأول، بالصف الرابع الابتدائي، وكنا وقتها نستعد لتقديم اختبار اللغة الإنجليزية، لولا أن باغتتنا أصوات القصف الشديدة جداً، والتي سببت ارتباكاً في الحياة والمدرسة، وشعرنا أننا دخلنا بيوم القيامة”.

ويلفت عياد إلى أن “ذكريات ذلك العدوان، الذي استشهد فيه العشرات من أبناء حيه وأصيب خلاله إخوانه الاثنين بإصابات متوسطة، لا زالت قاسية جداً على ذاكرته، ويحاول الهروب منها دائماً، لأنها تفتح أمام عقله التفكير بالموت وفقط”، منبهاً إلى أنه “يعتقد أن جميع أهالي قطاع غزة، الذين عاشوا ذلك العدوان، وما تبعه من عدوانات أخرى وتصعيدات، بحاجة لعلاج نفسي وتفريغ طويل، للتخلص من آثار تلك المشاهد والتجارب”.

ضربة قاسية

في ذكرى العدوان الثانية عشر أكدت وزارة الداخلية بغزة أنها قدّمت نموذجاً في مجابهة العدوان الإسرائيلي بكل بسالة، ولملمت جراحها، وشكّلت صمام أمانٍ لشعبنا، ولجبهتنا الداخلية واستقرارها”، مضيفةً “ما عجز الاحتلال عن تحقيقه قبل اثني عشر عاماً بالعدوان والقتل والدمار، سيظل عاجزاً عن تحقيقه بكل الوسائل الخسيسة أيّاً كانت”.

وأضافت الداخلية في بيان لها اليوم الأحد: “ذكرى العدوان هذا العام تأتي في ظروفٍ صعبةٍ واستثنائيّة، حيث تقف وزارة الداخلية بقيادتها وجنودها في ميدان الدفاع الأول من أجل التصدي لجائحة كورونا، وتبذُل في سبيل ذلك كل طاقاتها، وتُسخّر إمكاناتها كافة من أجل حماية أبناء شعبنا، والحفاظ على حياتهم”.

واندلع العدوان الإسرائيلي الأول على غزة، بتاريخ 27 ديسمبر/ كانون أول لعام 2008، واستمر لمدة 23 يوماً، دمرت خلاله إسرائيل آلاف المنشآت المدنية والتجارية، كما قتلت مئات المواطنين الأبرياء، إضافة لاستخدامها لأسلحة محرمة دولياً، وفقاً لبيانات حقوقية.

وكانت إسرائيل بدأت العدوان بتوجيه ضربة عسكرية قاسية لغرة، شارك في تنفيذها حوالي 80 طائرة حربية، حيث ألقت عشرات القنابل والصواريخ المتفجرة، على مقار أمنية وحكومية تتبع لحركة حماس، في ضربةٍ مفاجئة واحدة.

وردّت المقاومة الفلسطينية على تلك الضربات، بإطلاق قذائف صاروخية نحو المدن الإسرائيلية، القريبة من حدود قطاع غزة، ونجحت بعد ذلك في تنفيذ عدة عمليات عسكرية مباشرة تجاه قوات من الجيش الإسرائيلي، الذي قرر الدخول في الحرب البرية، بعد 8 أيام من ضربته الأولى.

وخلال عدوان 2008 استشهد 1436 فلسطينياً، بينهم 410 طفلاً، و104 سيدة، و100 مسن، وأصيب أكثر من 5400 مواطناً، نصفهم من الأطفال، كما تعرضت عدة عائلات في قطاع غزة، خلال ذلك العدوان لمجازر إبادة جماعية، كان من أبرزها مجزرة عائلة السموني، التي فقدت 29 شهيداً من أبنائها دفعة واحدة في يناير/ كانون الثاني 2009، وعائلة الداية من حي الزيتون بمدينة غزة التي فقدت 22 شهيداً في ذات الشهر.

وفي المقابل قُتل 13 إسرائيلياً، بينهم 10 جنود، وأصيب 300 آخرين بإصابات مختلفة، وفق ما أعلنت قوات الاحتلال.