صحفيات من غزة ينقلن تجربتهنّ بالعمل في ظل جائحة كورونا

خاص-مصدر الاخبارية

من مسافة الصفر وسط الأجهزة الطبية وتراكم مسحات وعينات فحص كورونا في المختبر المركزي بغزة، تقف الصحافية فاطمة العطاونة تمسك بيديها المايك أمام الكاميرا، مرتدية الزي الواقي ومتبعة إجراءات السلامة، لتكون على الخط الثاني من المواجهة بعد الأطقم الطبيّة لنقل المشهد الصحي في ظل انتشار وباء كورونا.

فاطمة العطاونة وهي صحافية تعمل كمراسلة لفضائية النعيم
فاطمة العطاونة وهي صحافية تعمل كمراسلة لفضائية النعيم

تقول فاطمة العطاونة وهي صحافية تعمل كمراسلة لفضائية النعيم: “لأول مرة منذ بداية عملي الصحافي أقوم بتغطية الجانب الصحي، اعتدت على تغطية الحروب على القطاع، والأزمات ومسيرات العودة، لكن تغطية كورونا هي جديدة والأشد خطرًا، كوننا نواجه عدو خفيّ غير معروف، يتربض بنا، قد نصاب به في أي لحظة”.

ومنذ اندلاع جائحة كورونا في غزة تغير نمط التغطية الصحافية بما يتوائم مع اهتمام الناس ومتابعتهم للأخبار والتقارير المتعلقة بانتشار الفيروس، بعض الطواقم الصحافية اكتفت أن تكون على رأس عملها من المنزل، والبعض الآخر نزل للميدان وفق قيود وإجراءات وقائية مشددة، لا سيمّا الصحفيات.

تضيف العطاونة “المهمة ليست بالسهلة لافتقار معلومات أو خلفيّة سابقة عن العمل في ظروف الوباء، لكني أجد نفسي محظوظة كوني درست سابقًا تخصص تحاليل طبيّة وإدارة صحيّة ما ساعدني في تكوين معلومات عن طبيعة الفيروسات والتعامل معها، فجسدت ذلك خلال عملي الصحافي”.

لكن هذا لا يعني أنها كانت بعيدة عن الخوف، فكان ينتابها في كل مرة تنزل بها للميدان، ليس فقط قلقًا على نفسها بل على أسرتها أيضًا، وهذا ما دفعها لعزل نفسها عن أسرتها، والقيام بفحص كورونا أكثر من مرة للتأكد من عدم التقطها للعدوى، كذلك حرصها الدائم على اتباع إجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي.

وعن أبرز التحديات التي تواجها تشير الصحافية إلى أن عمل الصحافية في الميدان بغزة مختلفة عن تجربة عمل الصحافي فهي ثقيلة بالنسبة لهنّ أكثر، نظرًا لضيق مساحة التنقل والحركة وارتداء ملابس الوقاية، إضافة لعدم وجود وسائل حماية كافية وأدوات سلامة.

ووفق إحصائيات أعدتها مؤسسة فلسطينيات النسوية في مؤتمرها السنوي لعام 2020 بعنوان “الإعلاميات العربيات في زمن الجائحة “تبيّن أن جائحة كورونا ألقت بظلالها النفسية والاجتماعية على الصحفيات العربيات بشكلٍ عام، وتأثرت 63% من الصحفيات الفلسطينيات بالجائحة.

أما الصحافية سمر أبو العوف، التي تعمل مصورة فوتوغرافية وصفت تجربتها بالعمل أثناء وباء كورونا والتي عايشت عمل الكادر الطبي في غرفة العناية المكثفة أثناء عملية ولادة لإحدى السيدات لمدة يومين كاملين، بأنها تجربة فربدة ومميزة عاصرت وشاهدت فيها كفاح وصعوبة عمل الممرضات خاصة الأمهات منهنّ وصمودهنّ وصبرهنّ داخل عملهنّ رغم الخطر الذي يحدق بهنّ ويهدد حياتهنّ.

الصحافية سمر أبو العوف
الصحافية سمر أبو العوف

وحول العمل الصحفي في ظل جائحة كورونا، تقول أبو العوف: “الأمر لا يقل خطورة عن تغطية الحروب، قمت بتصوير بؤرة وباء بالمستشفى، ٢٠ ممرض وممرضة أصيبوا بكورونا داخل القسم، وعدد لا بأس به من المخالطين كان موجودًا، لكني كنتُ حذرة جدًا بالتعامل مع الطاقم الطبي، وحريصة على إجراءات الوقاية وعدم لمس أي من الأدوات الطبية، وارتداء الملابس الواقية، والتباعد، تعقيم كاميرتي والتخلص من كل شيء ارتديته قبل مغادرة المشفى”.

لم تكن الأعباء الملقاة على عملها الصحفي، مقتصرة على الميدان. كونها أم لأربعة أطفال، شكل ذلك عليها عبئًا إضافيًا فهي مضطرة للخروج والبقاء على رأس عملها، حتى في أيّام الإغلاق الشامل، والقيام بواجبات أسرتها المنزلية وتلبية احتياجاتهم، كذلك الحرص بشدّة على اتباع الإجراءات الصحيّة والوقائية تحسبًا لنقل العدوى لهم.

بدورها تؤمن الصحافية دعاء روقة والتي تعمل مراسلة لقناة المسيرة الفضائية أن الصحافيون أصحاب رسالة توعوية وإنسانيّة ولكن العمل في تغطية كورونا بغزة يختلف كليًا عن دول الخارج ، من حيث الووصول ومدى توافر مقوّمات السلامة والوقاية، رغم أنه يتم العمل عن نفس القضية  لكن  الجميع يعلم ظروف قطاع غزة المعقدة وضعف الإمكانات.

وقامت دعاء بنقل قصص المصابين الناجين من كورونا، ربما كان ذلك من أصعب القصص التي غطتها طيلة عملها الصحافي، تحسبًا لنقل العدوى لها، أو لعائلتها بعد عودتها للمنزل لا سيّما أن والدتها تعاني من أمراض مزمنة، الأمر الذي فرض مسؤولية أكبر على عاتقها، ما بين واجبها المهني، وواجبها رعاية والدتها.

الصحافية دعاء روقة والتي تعمل مراسلة لقناة المسيرة الفضائية
الصحافية دعاء روقة والتي تعمل مراسلة لقناة المسيرة الفضائية

“المميز بهذا المجال أنه أول تجربة تلفزيونية لي بعمل تقارير ميدانية في ظل أوضاع خطرة ليست ناجمة عن الاحتلال كالمعتاد بل عن جائحة تضرب في كل مكان ولا تميز بين شاب وفتاة أو طفل أو مُسن” تقول الصحافية فداء حلس مراسلة فضائية معًا الإخبارية في وصف تجربة عملها على وقع تفشي كورونا بغزة.
تقول حلس “نقلنا قصص مختلفة عن مصابي كورونا، والإغلاق، والمعيقات والعقبات التي تواجه عمل المختبر المركزي وتوقفه عن العمل، والاحتياج الدائم لدعم القطاع الصحي ومتابعة الوضع الوبائي مع وزارة الصحة”.

وترى حلس رغم مخاطر هذه التجربة، إلا أن المسؤولية المهنيّة والمجتمعيّة كانت تطغى، مشيرة إلى مجموعة من التحديّات التي تواجه عملها كصحافية في ميدان الوباء وتتثمل بضعف الدعم النقابي، وعدم منح الصحفيين والصحفيات تصاريح للعمل الميداني الأمر الذي يشكل عائق وعقبات أمام إتمام عملهم، بالإضافة إلى الافتقار غالبًا لأدوات السلامة والوقاية.

وتستمر الصحافيات في قطاع غزة بالعمل، وبذل المجهود رغم المخاطر المحدقة بعملهنّ، متخذات أقصى درجات الحرص، والحذر، والتقيد بالإجراءات الوقائية التي تفرضها وزارة الصحة.