حكايات من زمن أبو عمار.. عندما كان يدخل فلسطين سراً

رام الله – مصدر الإخبارية

نضال طويل لا يمكن قراءته دون الحديث عن الذاكرة المتعلقة بمفجر الثورة الفلسطينية الحديثة الشهيد الراحل ياسر عرفات “أبو عمار”.

في أربعينات القرن الماضي كانت الزيارة الأولى للشهيد ياسر عرفات لمدينة لخليل، قدم إليها سراً ومكث في بيت رفيق دربه في النضال المرحوم موسى عبيدو التميمي، ففي ربيع عام 1948، قاتل أبو عمار ضد العصابات الصهيونية جنوب فلسطين، ثم انضم إلى “جيش الجهاد المقدس” الذي أسّسه الشهيد عبد القادر الحسيني، حسب ما قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد سعيد التميمي لوكالة الأنباء الرسمية “وفا”.

وأضاف، هذا الرجل الذي كان لا يكل ولا يمل في سبيل الدفاع عن وطنه، يبعث الطمأنينة في النفس حتى بعد استشهاده بـ 16 عاما، لما لهذا القائد الرمز من مآثر تذكر بفعل قوته وذكائه وحنكته التي كان يتمتع ويتصف بها، كان أبو عمار يجوب محافظات الوطن سرا، وزار أيضا منزل عبد الحميد القدسي في شمال الضفة الغربية، وزار عدة محافظات والتقى قيادات العمل الوطني في عدة مواقع بهدف إطلاق حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” والعمل من خلالها في مواجهة الاحتلال.

وقال التميمي، أطلق أبو عمار مع رفاق دربه في “فتح” الكفاح المسلح مساء يوم 31 كانون الأول/ ديسمبر 1964 في العملية العسكرية الأولى” عملية نفق عيلبون”، ودخل إلى الأرض المحتلة في تموز/ يوليو 1967م بعد شهر على سقوطها تحت الاحتلال عبر نهر الأردن للإشراف على سير عمليات الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي.

للمزيد : السيرة الذاتية للرئيس المؤسس الراحل ياسر عرفات

وتابع، بعد عام 1967م زار أبو عمار الضفة الغربية وقطاع غزة عدة مرات سراً، وكانت زياراته تندرج في إطار دعمه للنضال والعمل الوطني المنظم في مواجهة الاحتلال، إلى أن عاد أبو عمار الى غزة رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير وحركة “فتح” بتاريخ 1/7/1994م، حيث انتخبه المجلس المركزي الفلسطيني يوم 12/10/1993 رئيساً للسلطة الوطنية، ومن ثم وقّع أبو عمار “اتفاقية القاهرة” لتبدأ مرحلة نقل الأراضي المحتلة “غزة أريحا أولا” إلى السلطة الفلسطينية، وكانت عودته النهائية للاستقرار في الوطن يوم 12/7/1994، حين وصل إلى غزة ليبدأ من مقره في “المنتدى” معركة بناء السلطة الوطنية وإنشاء مؤسساتها.

وأوضح، أن أبو عمار زار الخليل عدة مرات بعد عودته النهائية الى ارض الوطن، وكان مقر اقامته ومنامه رابطة الجامعين ولا زالت غرفة نومه التي تتميز ببساطتها، على حالها محتفظ بها في الطابق الثاني بمقر الرابطة الرئيسي في شارع عين سارة وسط المدينة حتى اليوم.

وقال، “أذكر انه التقى مواطنين من سكان حي تل الرميدة كانت بينهم السيدة هناء أبو هيكل التي قدمت له مفاتيح منزلها، فمسك بيديها وقتها مقبلا لها وقال لها “لا يحرث الأرض إلا عجولها”، وأدرك الحضور يومها تماما ما قاله أبو عمار رحمه الله وهم متجذرون بأراضيهم وممتلكاتهم حتى اليوم رغم الاعتداءات المتواصلة عليهم من قبل الاحتلال ومستوطنيه”.

وحسب التميمي، كان أبو عمار حين يزور الخليل يلتقي آلاف المواطنين ويقول “انا في ضيافة وحضرة أبا الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام، وفي مرقده وغيره من الانبياء وزوجاتهم عليه جميعا منا أفضل صلاة واتم تسليم، هنا اشعر بالطمأنينة مع أبناء شعبي وان هذا الوطن سيبقى محفوظا محروسا بفضلهم، وسيزول الاحتلال مهما طال الزمن ولن يعمر ظالم في هذا الوطن المقدس”.

وتابع، مما أسره لي أبو عمار قبل حصاره في مقر إقامته برام الله بعدة أيام، انه التقى بداية السبعينات في القرن الماضي القائد الحاج أمين الحسيني رئيس المجلس الأعلى الإسلامي، ورئيس العلماء، وقد لعب دورا هاما في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث قال له الحسيني بعد أن شده من بزته العسكرية: “انا سلمتك إياها نظيفة وخليها نظيفة يا أبو عمار”، وكان لهذه الكلمات إثر عظيم في نفسه، فحافظ عليها واجه العالم كله بصمود وحكمة أسطورية على عهد الشهداء والجرحى والاسرى.

وكما قالها الياسر، “سيأتي يوم ويرفع فيه شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق كنائس القدس ومآذن القدس وأسوار القدس الشريف”، و”ليس فينا وليس منا وليس بيننا من يفرط بذرة من تراب القدس الشريف”، و”يرونها بعيدة ونراها قريبة وإنا لصادقون”.

ورحل المناضل والقائد المؤسس ياسر عرفات “أبو عمار” في الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2004، بعد أن رسخ نهجاً ثورياً صلباً، وعقب حصار إسرائيلي جائر لمقر الرئاسة، جاء رداً على مواقفه الصلبة وتمسكه بالثوابت الوطنية.

تاريخ الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، سيظل يشكل ذكرى أليمة تذكر برحيل قائد فلسطيني عرفه التاريخ بالمقدام وعرفه شعبه بالأسطورة التي لا يوجد على الأرض شبيها لها، وفي ذكراه تسلط الأضواء على حياته النضالية.