يوميات الحجر المنزلي بغزة ما بين حكاوي وضغط نفسي وممارسة للمواهب

خاص-مصدر الاخبارية 

في إحدى زقاق مخيم جباليا شمال قطاع غزة، والذي مازالت الحكومة تفرض عليه حظرا تاما لمواجهة تفشي كورونا، تجلس السبعينية فاطمة عوض تلوح في إحدى أدوات التهوية البسيطة وهي عبارة عن  “أطباق البلاستيك”  في محاولة  للحصول على جرعات من الهواء  في محيط منزلها وبجوارها أحفادها يلهون ويلعبون كإحدى طقوس الحجر المنزلي

يمر الوقت مملا بالنسبة للسبعينية رغم أنها تحاول تبادل أطراف الحديث مع إحدى جارتها عن بعد وهي مرتدية الكمامة كإحدى الاجراءات الاحترازية.

حكاوي أيام البلاد 

تشرح تفاصيل يومها في ظل الحجر المنزلي قائلة:” أحاول أن أصنع تفاصيل يومية خاصة مع أحفادي، فمثلا أروي لهم قصص أيام البلاد، أعطي الفتيات بعض النصائح لا سيما حفيدتي الصغيرة وهي مقبلة على الزواج وتكوين أسرتها، وأجلس مع أبنائي فهذه فرصة جيدة أنهم لا يذهبون للعمل أصبحت أراهم ساعات طويلة فقبل كورونا كنت بالكاد ألتقيهم مرة بالأسبوع، أما الآن نجلس يوميا وهذا شعور لم أعيشه منذ وقت طويلا”.

تضيف بعد العصر يوميا ينقطع التيار الكهربائي حينها أشعر بضيق كبير ولا يمكنني الخروج للتنزه مثلا لزيارة البحر أو إحدى منازل الأقارب،  لذللك أرتدي الكمامة  الطبية و أجلس على عتبة  المنزل أحاور بعض الجارات لكن عن بعد تحسبا لنقل العدوى كوني أعاني من أمراض مزمنة ” ضغط وسكري” كما أني أشرب الشاي وأتناول بعض المسليات.

وكما وصفا السبعينية فاطمة أن الحجر المنزلي له إيجابيات وسلبيات بالنسبة لها فالأول قربها من عائلتها وأبنائها وأحفادها  فهي تساعد أحيانا زيجاتهم في صنع الطعام، والأمر الآخر تخوفها المستمر من انتشار الباء بشكل أكبر فغزة تعيش أزمات كبيرة ولديها ما يكفيها، ولدى فاطمة خمسة أبناء جميعهم متزجون و اثنى عشر حفيد.

ويتواصل حظر التجوال في قطاع غزة، في إطار الجهود الحكومية لمواجهة انتشار فيروس كورونا .

الأجهزة الأمنية تواصل فرض الحظر 

وتواصل الأجهزة الأمنية المختصة بوزارة الداخلية والأمن الوطني، الانتشار في كافة محافظات قطاع غزة، لتطبيق إجراءات تخفيف حظر التجول المتخذة فيما يخص كل منطقة ومحافظة.

وكانت وزارة الداخلية قررت مزيدًا من إجراءات تخفيف القيود على حركة المواطنين في عدد من مناطق مدينة غزة، والتي أعلن عنها ضمن ضوابط وإجراءات السلامة العامة للوقاية من فيروس “كورونا”.

وقال المتحدث باسم الداخلية إياد البزم إن إجراءات التخفيف تأتي في ضوء التقييم المستمر للحالة الوبائية لفيروس “كورونا” في القطاع.

وبالنسبة لضحى عبد الله  28 عاما التي تعيش في مخيم الشاطئ، لم تجد في الحجر المنزلي إي إيجابيات بل العكس، فهي تجده شكّل لها  ضغط نفسي وأعطى فرصة لزيادة حدة المشاكل في المنزل لتي تعيش فيه برفقة زوجها وأطفالها الثلاثة.

تقول ضحى: ” منذ إعلان حالة الطوارئ والإغلاق بدأت أنا وزوجي نعيش حالة من التوتر والقلق أولاء بسبب الخوف على أطفالي، وتركنا للعمل ومصدر رزقنا بعد أن كنا قد حصلنا عليه بشق الأنفس ، لم نذهب للدوام  سوى أسبوعين وجاءت كورونا فلم تكتمل فرحتنا، وبالطبع المنزل مفتوح ولدينا متطلبات كثيرة ولا يوجد مصدر دخل”.

وتعمل ضحى علاقات عامة بعقد مؤقت في إحدى جامعات غزة، كذلك يعمل زوجها مدرس بعقد يومي.

قلق وضغط نفسي 

و فق ما ذكرت ضحى أن جلوس زوجها في المنزل  خلق مناوشات عدة وبالتالي يحاول تفريغ قلقه في المنزل مما يقد يجعله يفتعل المشكلات على أسبط الأسباب، وأحيانا قد يضطر به الأمر لضرب الأطفال مما يجعلها تعيش حالة من السخط.

وتتابع “أتمنى أن لا تطول حالة الحجر المنزلي أكثر لا سيما في ظل انقطاع التيار الكهربائي، الحصار، وقلة فرص العمل، فنحن نعيش ظروف معيشية صعبة لا تسمع لنا بمزبد من الإغلاق،  وبسبب ضيق الحال لا أجرؤ أحيانا طلب شراء  بعض الحاجيات الأساسية من زوجي كحليب لطفلي الصغير،  “حفاظات” رغم  ضروريتها لأني أعلم أنه لا يوجد معه مال ودون عمل ، لذلك أحاول تدبير أموري بصمت.

وترا ضحى أنه لا يوجد وعي لدى العائلات بغزة للتعامل مع ظروف الحجر الصحي، وذلك لأن جميع الناس يعانون من تراكم الأزمات وجاءت كورونا وزادت- الطين بلة- مما أدى الحجر المنزلي لزيادة في  حالات العنف بأشكاله.

لكن على العكس تماما أعطى الحجر المنزلي للشاب محمود نصر 33 عاما ويعيش في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة  فرصة للتقرب من  أسرته فهو يعمل منسق مشاريع في إحدى المؤسسات الدولية بغزة، وبالتالي عمله كان  يأخذ أغلب وقته، أما الآن في ظل كورونا بات منزله يأخذ وقته.

أتقنت فن الطهي 

يقول محمود:” أحاول التعايش بشكل إيجابي مع فعاليات الحجر  بالمنزل، لذا بدأت منذ جلوسي بالمنزلي تعلم مهارات جديدة من فن الطهي ، وصنع الحلويات ومشاركة وزوجتي بعض أعمال المنزل، ووجدت أن هذه فرصة عظيمة بالنسبة لنا كعائلة، كذلك تعلمت من طفلاي الصغيران  الرسم وهذا أمر جميل”.

ويضيف “نحاول أنا وعائلتي صنع يوم جميع من خلال ممارسة بعض الهوايات المشتركة بيننا”.

بدوره يشرح الأخصائي النفسي فضل أبو الهين عن تداعيات الحجر المنزلي للعائلات قائلا:”

إن المنزل بات حل  بديل عن الخروج وبالتالي يجب أن يكون هنالك وعي لدى الأهالي بأهمية وجود مساحة آمنة داخل جدرانه، بعيدا عن أي أساليب أخرى  كالعنف مثلا، أو افتعال المشاكل أوغيرها لأنها في الحقيقة لن تجدي نفعا”.

وأضاف “نحن ندرك تماما أن المواطنين في قطاع غزة يعيشون حالات أزمات متراكمة، سواء على صعيد شخصي أو على صعيد عام، بسبب ارتفاع معدلات الفقر، والبطالة، تدنس مستوى المعيشة، فمن الطبيعي أن  تشرع هذه الأزمات وتفتح الأبواب لمزيد من الضغوطات النفسية، والتي قد تكون أغلبها معقدة لدى الشخص وبالتالي يحاول تفريغها بدرجة أولى في المنزل المكان الذي يأويها “.

 أشار أبو الهين في حديثه أن العنف ليس  هو الحل ، فالأجدر من الأهلي أن يكونوا على وعي وإدراك أكبر في كيفية التعامل مع هذه الأزمة للخروج بأقل الأضرار تحديدا النفسية.

نصائح وإرشادات 

 ويعزي أسباب ذلك إلى أن الناس يعيشون حالة من الترقب المجهول لا يعرفون متى سينتهي هذا الوباء،  وعودة الحياة لطبيعتها كالسابق، وهذا الأمر قد يشكل صدمة عند البعض لا سيما ممن اعتادوا الخروج من المنزل للعمل يوميا والآن ممنوعون بشكل إحباري  بسبب الحظر التام.

ووجه المحلل النفسي  بعض النصائح للتعامل مع الحجر المنزلي  أولها  العيش بمبدأ التشاركية أي على الأهالي مشاركة أبنائهم اهتماماتهم مما يخلق نوع من المودة بينهم والتآلف.

وصقل بعض المهارات من خلال التعلم الذاتي داخل المنزل هذا بدوره يخفف من حدة التوتر وإضاعة الوقت سدى، تناول المشروبات الدافئة النعناع باستمرار لأنه يخفف الضغط النفسي ومهدأ للأعصاب، القيام  ببعض جلسات التفريغ النفسي داخل المنزل .