بقلم ديمتري دلياني: الميليشيا الوظيفية في سياق الإبادة .. حين يتكرّر التاريخ بأقنعة جديدة

ديمتري دلياني – مصدر الإخبارية

ما يُزرَع اليوم في قطاع غزة من اعتماد دولة الاحتلال جزئياً على ميليشيا محلّية عميلة، كأداة في خدمة مشروع التطهير العرقي الإبادي، ليس سوى استنساخٍ فاضح لأساليب استعمارية أثبت التاريخ عجزها وسقوطها المُدوّي. من “جيش لحد” في جنوب لبنان، إلى “الحركيين” في الجزائر، إلى وحدات المتعاونين في أوروبا إبان الاحتلال النازي، ظلّ القاسم المشترك في تلك التجارب هو سعي القوة الاستعمارية إلى صناعة “يد محليّة” تُيسّر لها ارتكاب جرائمها وتُربك المشهد الداخلي للمجتمع المُستهدف.

اليوم، يقف ياسر أبو شباب ومن على شاكلته، مسلحين ببنادق الاحتلال وخوذاته، أمام دباباته وتحت حمايته، كنسخة رديئة من تلك النماذج البائدة. ومن المؤسف أن يتحوّل فلسطيني وُلد في أرضٍ محاصرة إلى أداة في مشروع حصار وتجويع وإبادة وتهجير أبناء جلدته. ما يُراد من تلك العصابة ليس فقط نهب المساعدات ولا هندسة الجوع فحسب، بل صناعة مشهد مشوّه يزعم أن “الاقتتال داخلي”، ليُخفى الوجه الحقيقي للاحتلال.

غير أن من يقرأ التاريخ بعينٍ مفتوحة يدرك هشاشة هذا الرهان. لم يُفلح جيش لحد في تغيير معادلة المقاومة الوطنية في لبنان، ولا استطاعت ميليشيات الحركيين أن تطفئ جذوة الثورة الجزائرية، بل على العكس: لفظتهم شعوبهم ونبذهم التاريخ. كذلك هو الحال في فلسطين؛ شعبٌ خبر محاولات الخداع الصهيونية منذ زمن الانتداب البريطاني. والوعي الفلسطيني الذي تشكّل تحت مطارق التجربة الوطنية لن يُخدع بمثل هذه الأقنعة.

لكن، لا يعني ذلك التقليل من خطورة ما يجري. إذ إنّ توظيف ميليشيا محلية في سياق حرب إبادة هو جريمة ذات طبيعة مركّبة: فيها الفعل العسكري ضد المدنيين، وأيضا تفكيك للنسيج الاجتماعي وفتح جراح داخلية لا تُشفى بسهولة. ولذلك، فإن المواجهة اليوم ليست مع بندقية الإبادة وحدها، بل مع محاولة الاحتلال دسّ سمومه داخل الجسد الفلسطيني.

ورغم قبح المشهد، ثمّة يقينٌ عميق في وعي شعبنا: لا عصابة ولا دبابات ولا مشاريع تهجير ستُفقد غزة صمودها. لقد تعلّم شعبنا كيف يُفكك أدوات الجريمة بوعيه، وكيف يحفظ لنضاله وجهه الإنساني الشريف مهما تنوّعت وجوه القتلة والمجرمين.