مصطفى إبراهيم: اسرائيل تدير الصراع على السيطرة على الأرض والتهجير

التأمل في أخوال البلاد والعباد، والمشهد المكرر خلال الـ 17 شهراً من حرب الإبادة، وأوامر الاخلاء المستمرة لقضم مزيد من الأرض وتدمير ما تبقى من مساكن وبنية تحتية.

وفرض امر واقع جديد بذريعة اجراء مفاوضات حول الافراج عن الاسرى الإسرائيليين تحت الضغط العسكري، وما تبقى من قطاع غزة باحتلال اسرائيل أجزاء كبيرة منه بالنار والقتل والتدمير، وتقدر المساحة المحتلة من الجنوب الى الشرق الى الشمال بنحو ‎%‎ 65 من مساحة القطاع.

وفي ظل خرق اتفاق وقف إطلاق النار وتوسيع العملية العسكرية، بشكل أكثر شراسة، واهدافها المعلنة وغير. المعلنة، والادعاء بتحقيق اهداف الحرب للقضاء على حكم حماس وقدرتها العسكرية، وخلق واقع جديد على الارض، والسيطرة على جزء كبير من القطاع.

ويدور الناس حول أنفسهم ولا يعلم الناس ابن المفر والى اين الذهاب، وانتشرت الخيام في الشوارع، وما تبقى من ساحات من دون اي مساعدة او مقومات للحياة.

وازدادت الطوابير على ما تبقى من محطات مياه التحلية، وكل ذلك مع تقليص مساحة القطاع الواقع تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة، جواً وبحراً وبراً.

الحقيقة وحسب خطط الحكومة الإسرائيلية والتي ينفذها الجيش الإسرائيلي هي مدخل لاحتلال القطاع عسكرياً، بدون مواربة وما تريد إسرائيل تحقيقه من خلال العودة للحرب ليس متعلق فقط بالقضاء على حكم حماس وقوتها العسكرية، إنما رسم واقع جديد بهدف تدمير القطاع وجعله منطقة غير صالحة للحياة، كمقدمة لتهجير السكان، والسيطرة الإسرائيلية على جزء كبير من القطاع، ومحور فيلادلفي وفرض منطقك عازلة على امتداد القطاع من الجنوب والشرق والشمال.

وتجميع الناس في مناطق ضيقة ومحددة ومكدسة بالناس غرب القطاع، ويعيشون في ظروف غير إنسانية غير مسبوقة وأقسى من الفترة السابقة بتشديد الحصار ومنع دخول المساعدات الإنسانية، من الطحين وغيرها من أنواع الطعام والخضروات الطبية والصحية واغلاق المخابز ومنع ادخال الوقود.

واستمرار قطع التيار الكهربائي وقطع تزويد القطاع بالمياه الذي يعاني أصلاً من أزمة مياه حادة سواء للاستخدام الادمي او مياه الشرب. وتجويع الناس وزيادة نسبة المرضى ونشر الأوبئة.

ونشر الشائعات وخلق حالة من الفوضى والتي بدأت تهز اركان المجتمع الفلسطيني وتفكيك النسيج الاجتماعي.

وحسب التجربة واستمرار حرب الإبادة، يبدوا أن الفلسطينيين غير مدركين لهذه السياسة الاجرامية المتبعة، ويحاولوا الاستفادة من هذه التجربة وأن المجاعة واقعة ومستمرة، وأنين الناس مكتوم، وتجربتهم المرة مستمرة. وان رغيف الخبز الواحد أصبح بثلاثة شواكل وأن رغيف خبز الصاج بشيكل واحد.

تسير المجاعة بهدوء وصمت ويراها الناس امامهم من خلال النقص الشديد في الأسواق، واختفاء البضائع والسلع تدريجياً كما تختفي البقوليات والمعلبات من منازل المواطنين، كما اختفى الدجاج واللحوم منذ بداية شهر رمضان، وأصبحت الأسعار خيالية خاصة اصناف الخضروات الشحيحة. اسرائيل احتلت مدينة رفح وجنوب خان بونس والني تعتبر سلة الخضروات في قطاع غزة.

وبدأت الخيارات بالتراجع والبحث عن خيارات الفلسطينيين التاريخية مثل الزعتر والدفة وما تبقى من زيت وزيتون وجبنة مرتفعة الثمن. وما زال في الاسواق القليل من البندورة والليمون والبقدونس والجرادة، واقراص من الفلافل مرتفعة الثمن تصنع على نار الحطب.

وعلى الرغم من الأهداف الاسرائيلية حول توسيع العملية العسكرية، وارتباط ذلك في ظل المشهد السياسي الإسرائيلي، المتعلق بجلسات محاكمة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وتوقيف اثنين من مستشاري نتنياهو، والتحقيق بتسريب معلومات وتلقي أموال من جهات خارجية (قطر غيت)، كذلك اقالة رئيس جهاز الشاباك.

إلا أن الواقع واضح وفي ظل تمدد واتساع قوة ونفوذ اليمين الإسرائيلي من أقصى اليمين، وهشاشة المعارضة الإسرائيلية الشريكة في الحرب من خلال الإجماع القومي الصهيوني واتجاهاتها اليمينية، وعدم الضغط لوقف الحرب، بل أنه مع الاستمرار في تحقيق هدف الحرب بتدمير قطاع غزة والسيطرة عليه وتفكيك حماس حتى على حساب الاسرى الإسرائيليين في قطاع غزة.

نتنياهو الحريص على الحفاظ على بقاء الائتلاف الحكومي اليميني وبقائه رئيسا له واستمرار دفع غزة والضفة الغربية ثمن ذلك.

ومستمر في حربه وتحقيق أهدافه ومن ضمنها استمرار سياستها القديمة الحديدة لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية ومنع إقامة أي كيان فلسطيني، وتدمير قطاع غزة وتهجير سكانه بدعم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وضم مناطق في الضفة الغربية والسيطرة على الضفة وتدمير مخيماتها، وإنهاك السلطة الفلسطينية واضعافها ماليا والحد من نفوذها على الأرض.

وتصريحات نتنياهو واضحة منذ بداية الحرب، وعدم قبوله بوجود حكم حماس ولا حكم عباس، وإحكام سيطرة إسرائيل على القطاع من خلال منطقة عازلة على طول الحدود، وتحديد من سيحكم قطاع غزة وإن لم يكن إسرائيليا ممكن أن تكون جهات عربية ودولية. وفي ظل هذه المخططات والاهداف يتمسك نتنياهو وائتلافه الحاكم بالقضاء على أي حلم فلسطيني والتنكر لحقوقهم.

مع ذلك يمكن للفلسطينيين التحرك وفق مصالحهم ومواجهة مخططات اسرائيل بالتنكر للحقوق الفلسطينية، وهذا يتطلب مواقف فلسطينية موحدة وتقديم رؤية فلسطينية جديدة للخروج من الازمة بالتعاون مع الدول العربية ووقف تحقيق إسرائيل أهدافها.

وفتح حوار وطني بين جميع الفصائل والحركات السياسية والاجتماعية، من دون استثناء أو إقصاء، من أجل وقف حرب الإبادة في غزة ومواجهة التحديات الوجودية أمام الشعب الفلسطيني الذي يعاني من جرائم الاحتلال ويعيش حالة من الانقسام الخطير والاتهامات المتبادلة وممارسة حالة الانتظار في مقابل الغطرسة وحرب الإبادة والتنكر للحقوق الفلسطينية. وإعادة الاعتبار لمؤسسات الشعب الفلسطيني التمثيلية والضعف والترهل الذي تعاني منه.