مخبوزات بأنامل صغيرة..”داوود البوجي” يستند على فتياته الستة في كسب لقمة عيشهم

كريم قدورة – مصدر الإخبارية

لطالما ارتبط لقب “أبو البنات” في أذهان الجميع بمن لم ينجب الأولاد، خاصة في المجتمعات العربية، وغالباً ما يكون هذا الشخص مثيراً للشفقة لمن حوله.

حيث يسود الفكر في المجتمعات العربية عامة إن الذكور لديهم القدرة على العمل وتحمل المسؤولية أكثر من الإناث.

ولكن في غزة وجه آخر جميل أثار لطافة المجتمع، وأثبت مدى حنان البنات على الآباء في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تعصف بالقطاع.

في ساعات الصباح الباكر، تستيقظ عائلة داوود البوجي (44 عاماً) بمنزله في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وتستعد خمسة من فتياته ، للذهاب إلى مدراسهن، ثم تعدن إلى منزلهن لتناول وجبة الغذاء والدراسة، ولكن نهارهن لم ينته بعد، حيث يبدأن بمهمة تجهيز أنفسهن ليتحولن ووالدتهن لخلية نحل لمساعدة الأب في العمل.

يقول البوجي لـ”مصدر الإخبارية”:” تخرجت من الهند تخصص بكالوريوس فني أسنان، ودرست دبلوم تسويق ومبيعات، وآخر في علوم الكومبيوتر، ولم أجد أي فرصة عمل في ظل ارتفاع معدل البطالة بقطاع غزة”.

ويتابع البوجي :” بسبب ضيق الحال، والظروف المادية الصعبة، قررنا بالتشاور والإجماع بين أفراد أسرتي من زوجتي وبناتي، تأسيس”مخبز الست بنات”، وهو نسبة لعدد بناتي، لصناعة المعجنات، منها خبز التميس السعودي الشهير، لتوصيلها للمواطنين في المنازل وللموظفين الراغبين في تناول وجبة الإفطار، وذلك بسعر زهيد يتراوح بين واحد وأربعة شواقل”.

ويوضح الأب أنهم قاموا بتحويل غرفتين من المنزل لمكان مخصص للعمل، فالغرفة الأولى لإنتاج العجين وخبزه، والثانية لتحضير وحشو الشطائر بشكل شهي لتصبح جاهزة للتوصيل إلى الزبائن.

ويلفت إلى أنه يخرج أيضاً إلى الأماكن العامة مثل شاطئ بحر غزة “الكورنيش”، والمتنزهات العامة، ويضع الفطائر بصورة غير نهائية “نصف نيئة” في صندوق خشبي ملاصق بدراجته النارية “ديلفري”، ليعد الطعام أمام الزبائن بصورة نهائية وبشكل احترافي مما يجذبهم لتناوله.

البوجي: البنات نعمة

مريم 14 سنة، رؤى 13 سنة، ومرام 12 سنة مروة 11 سنة، ورؤية 10 سنوات، هن خمس من بناته يساعدن في عمله بصناعة الفطائر ليؤكدن أن كل المقولات حول “هم إنجاب البنات” ما هي إلا معتقدات خاطئة.

يقول البوجي حول انتقاد المجتمع لإنجاب عدة بنات دون الذكور:”الكثير من الناس يعلنون صراحة حبهم وميلهم لإنجاب الذكر على حساب الأنثى، ولكن هذه أقدار بيد الله، والأهم أن يكون الطفل بصحة جيدة قبل معرفة جنسه، والحمد الله كان في إنجابي للبنات نعمة ومساندة لي”.

أما مريم البنت الأكبر تصف سعادتها بالعمل مع والدها بالقول:”” أنا سعيدة جداً بمساعدة أبي، لكي نخفف عنه أعباء مصاريف البيت، فعملي معهم لا يؤثّر على دراستي أنا وأخواتي، لقد بتنا أكثر وعياً”.

وتابعت:” أنا وأخواتي كلٌ منا لديها مهام في صناعة العجين وخبزه وعمل الخلطة المحشية، وإحدانا تستقبل الطلبات وتسجلها لكي تمررها علينا، وأحياناً نخرج مع أبي أنا وأخواتي إلى الأماكن العامة لكي نساعده في توصيل الطلبات للزبائن”.

دعم وتشجيع

الأم هدى 34 عام تقول:”أنا أعمل وأشغل بناتي معي في البيت لمساعدة زوجي الذي طال بحثه عن فرصة عمل”.

وتستأنف الأم لـ”مصدر الإخبارية”:” تفاعل مع مشروعنا الصغير الكثير من الناس، وآخرين طلبوا وجبات سريعة تشجيعًا لنا، وهذا المشروع لكي أضمن حياة بناتي مستقبلاُ بسبب عدم وجود أخ لهم”.

يشار إلى أن نحو 4,840 طفلًا من بين 372,600 طفل تتراوح أعمارهم من 10 أعوام إلى 17 عامًا انخرطوا في أعمال بدوام كامل في قطاع غزة خلال العام 2018؛ وفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

و كان 1,490 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 10 أعوام و17 عامًا يعملون في أثناء التحاقهم بالمدارس، ويُتوقع أن النسبة الحقيقية أعلى من ذلك.

وارتفعت نسبة البطالة في قطاع غزة إلى52%، ووصلت معدلات الفقرإلى 50% من إجمالي السكان البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة.