الكيباه المحبوكة لعبادة يوم الغفران في تل أبيب جلبت كارثة على إسرائيل

ترجمة وتقديم/ د. غانية ملحيس
المقال المهم لجدعون ليفي في صحيفة هارتس الاسرائيلية الصادرة أمس ، يسلط الضوء على عمق الانقسام بين يهود إسرائيل العلمانيين والقوميين المتدينين. وتكمن أهميته في أنه يؤذن بصحوة متأخرة وغير مكتملة لبعض يهود إسرائيل. بعد أن بات اليمين الصهيوني الديني القومي الفاشي يتأهب لإحكام سيطرته على المستعمرة الصهيونية .
واللافت للانتباه في المقال ان يهود إسرائيل العلمانيين يأخذون على أشقائهم القوميين والمتدينين أنهم يوظفون ذات الوعد الإلهي للشعب المختار، الذي سبق أن وظفه المشروع الاستعماري الاستيطاني الغربي الصهيوني العنصري للاستيلاء على فلسطين واستبدالها بإسرائيل واستبدال شعبها العربي الفلسطيني بالمستوطنين اليهود المستجلبين من كافة بقاع الأرض لتنفيذ الوعد.
ويتفاجئون بأن اليمين القومي والديني الصهيوني لم يعد يكتفي بدولة إسرائيل الثانية في الأراضي الفلسطينية والعربيه المحتلة منذ العام 1967 ، التي أنشأها لهم مؤسسوا دولة إسرائيل الأولى في العام 1948، ووفروا لهم ،وما يزالون، الرعاية والحماية الجماعيه والفردية بما يفوق المتاح في إسرائيل الأولى. وزودوهم بالموارد العسكرية والسياسية والاقتصادية والقانونية والمؤسسية والإعلامية والثقافية. ومنحوهم الأولوية التنموية في الاستثمارات العامة والبنى التحتية. واغدقوا عليهم الامتيازات الاقتصادية والمنح المالية والإعفاءات الضريبية والسكنية. وأقروا لهم بحق الاستقلال في التعليم. واستثنوهم من الخدمة العسكرية الإلزامية. وأطلقوا أيديهم في استباحة الفلسطينين بشرا وزرعا ومالا وحجرا .
وهالهم – مؤخرا – خروج المارد الذي رعوه طوال 56 عاما من القمقم. وأفاقوا متأخرين على تغلغله وتمدده في كل مفاصل إسرائيل الأولى، بعد أن مكنوه من التحصن وبناء قوته الخاصة في إسرائيل الثانية. إذ ظنوا ان الخطر سيقتصر فقط على الشعب العربي الفلسطيني المستهدف كله بالإبادة والتطهير العرقي والاقتلاع التغييب. واغفلوا دروس التاريخ وعبره وقاعدته الأساسية ” أكلت يوم أكل الثور الأبيض”
وها هو جدعون ليفي يطلق صرخة استغاثة غير مكتملة ،تختزل الصراع الداخلي في المستعمرة الصهيونية بالاحتلال الناشئ عام 1967، وتفصله عن جذوره وأسبابه الحقيقية المتصلة بجوهر المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري. وما يزال يغفل أن خلاص يهود إسرائيل يكمن فقط الانخراط بمشروع نهضوي تحرري إنساني نقيض يخوضونه مع أبناء الشعب الفلسطيني الأصيل لبناء مستقبل أفضل ، يعيش فيه جميع الأحرار من أبناء الشعب الفلسطيني المقيمون داخل الوطن والعائدون من مواطن اللجوء، ويهود إسرائيل المشاركون في النضال التحرري ضد الاستعمار الاستيطاني الصهيوني العنصري والراغبون في مواصلة العيش في فلسطين، والإسهام في دولة وطنية يعيش فيها الجميع أسيادا في بلد سيد حر مستقل يسوده القانون . ويتساوى فيه جميع المواطنين في الحقوق والواجبات .
وفيما يلي ترجمة للمقال :
الكيباه المحبوكة لعبادة يوم الغفران في تل أبيب جلبت كارثة على إسرائيل
جدعون ليفي
(27/9/2023 )هارتس
“عندما نستمع إلى الضجة حول “المذبحة” في ميدان ديزنغوف في تل أبيب يوم الغفران، و”حرمة اليوم” والإساءة إلى “مشاعر المصلين”، من المستحيل أن لا نتذكر الإساءات اليومية التي يرتكبونها بحقنا، نحن اليساريين العلمانيين. لكن في إسرائيل ليس لدى العلمانيين أية مشاعر. المتدينون فقط لديهم مشاعر لا يجب الإساءة إليها. هل جرحت مشاعرهم؟ وفي تلك الساحة، أصبح من الواضح فجأة أن لدينا أيضا مشاعر. هل تم تدنيس قيمهم؟ لقد تم تدنيس بلدنا منذ فترة طويلة. علاوة على ذلك، فإن نسبة كبيرة من الضرر الذي لحق بنا، نحن الديمقراطيين العلمانيين، كان سببه المتذمرون في ميدان ديزنغوف.
عندما أرى إسرائيليين يرتدون القلنسوة المحبوكة وقمصان السبت البيضاء اللامعة، وأهدابهم الطقوسية تتدلى من الجوانب وبنادقهم تخرج من الخلف، وينظمون صلاة في قلب هذه الساحة العلمانية، فإن هذا يسيء إلى مشاعري بشدة. إنه يذكرني أنهم وأمثالهم يخرجون كل ليلة جمعة (وليالي أخرى) للقيام بأعمال شغب ضد جيرانهم من الرعاة وهم يرتدون نفس ملابس السبت الاحتفالية، ويحملون نفس الأسلحة، مدعومة الآن بالهراوات والقضبان الحديدية.
الاحتجاج ضد صلاة الفصل بين الجنسين في يوم الغفران يكسر الحركة الاحتجاجية في إسرائيل
حتى لو كان معظم المصلين في الساحة لا يشاركون بفعالية في هذه الهيجان، فمن المعقول الافتراض أنهم يدعمونهم، على الأقل من خلال صمتهم.
المشاغبون هم من لحمهم ودمهم. إنهم يأتون من نفس القرية أو المدرسة الدينية أو المدرسة الدينية النسائية أو المدرسة الثانوية. إن استيلاء المستوطنين ومحرضيهم على الأماكن العامة في تل أبيب يسيء إلى مشاعري، كما أن أفعالهم تلحق بي ضررا كبيرا.
منذ سنوات، إسرائيل تتشكل على صورتهم. لقد انجرفت إسرائيل في أعقابهم لسنوات عديدة، حتى نجحوا في النهاية في قلب موازين القوى من خلال العنف والخداع والابتزاز والتهديد والاحتيال. لولاهم لربما أصبحنا دولة ديمقراطية. وبدلاً من ذلك، وبسببهم، أصبحنا دولة فصل عنصري.
إن منظمة روش يهودي، التي تقف وراء تلك الصلاة النقية والبريئة في الساحة، هي دليل قاطع على الارتباط الوثيق بين التدين والاستيلاء القسري على الأراضي المحتلة. في وادي شيلوه يفعلون ذلك من خلال البلطجة. في ساحة ديزنغوف ،من خلال العواطف . لكن الأهداف هي نفسها.
في وادي شيلوه، لم يعد هناك من يوقفهم. وفجأة ظهر الناس في ساحة ديزنغوف ليوقفوهم. ولا ينبغي أن تضيع الدموع على الأذى الذي لحق بهم؛ إنهم لا يستحقون حتى دموع التماسيح. إن الضرر الذي ألحقوه بنا أكبر بكثير.
لا يمكن لأي عمل “أخوي” متخم من النوع الذي يدعون إليه، ولا حوار ولا دراسة مشتركة للتوراة أن تخفي حقيقة أنهم- بدعم من جميع رؤساء الوزراء الإسرائيليين وجيش الدفاع الإسرائيلي- مذنبون بتحويل هذا البلد إلى دولة الفصل العنصري. لو لم يكن هناك يمين ديني، قومي، مسيحاني، عنصري، لما كان هناك مستوطنون. ولو لم يكن هناك مستوطنون، لما كان هناك احتلال منذ زمن طويل. كم هو بسيط، وكم هو صحيح.
عندما يأتون إلى ميدان ديزنغوف، يجلبون معهم أيديولوجيتهم القومية المتغطرسة. وكانت قمة جرأتهم أنهم نزلوا إلى الميدان باسم الحرية والليبرالية والديمقراطية. المستوطنون ومحرضوهم، أعضاء روش يهودي ومؤيدوهم، هم المجتمع الذي يحرم جيرانهم الفلسطينيين بالقوة من هذه القيم. والآن يحاولون أن يفعلوا الشيء نفسه تدريجيا في تل أبيب. وليس لهم الحق في الاستفادة من الليبرالية. وهم أعداءها.
إن رؤية أعضاء حركة غارين توراني – الشباب اليهود المتدينين الذين ينتقلون كمجموعة إلى أحياء المدينة – في قلب تل أبيب يسيء أيضا إلى مشاعري. إن كل من زار في السنوات الأخيرة البلدات الفلسطينية التي أصبحت مدنا يهودية عربية مختلطة في العام 1948 يعرف ما يخطط أعضاء هذه الحركة للقيام به: التهويد، والاستفزاز، والقيام بالاستيلاء بالقوة، وفي النهاية، دفع السكان المحليين خارجا.
إذهب إلى الرملة أو اللد أو عكا وسترى. هناك، إنهم يسيئون إلى الكثير من المشاعر. والآن، من الصحيح والضروري منعهم في تل أبيب. يمكنك أن تجد كل شيء في حركة غارين توراني، باستثناء النوايا الحسنة.
نعم، الكيباه المحبوكة أصبحت رمزا يشعل المقاومة. كثير من الذين يرتدونها يتحملون المسؤولية عن ذلك. إنه الرمز الذي يحمله المزيد والمزيد من ضباط جيش الدفاع الإسرائيلي وكبار المسؤولين في الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية، بالإضافة إلى العديد من القضاة والصحفيين والسياسيين – كثير جدا.
الكيباه المحبوكة تجعل من يرتديها محل شك حتى يثبت العكس. لقد جلبت الكيباه المحبوكة كارثة على إسرائيل. وهذا يجب أن يقال.
اقرأ أيضاً: محمد أبو النصر (الوحش) بندقية الفدائي وقلم الكاتب