تكاليف التعليم العالي بين الجودة وتوفر فرص العمل.. بقلم عقل أبو قرع

أقلام-مصدر الإخبارية

أطلقت الجامعات والكليات والمعاهد المختلفة في بلادنا خلال الاسابيع القليلة الماضية، حملات مركزة لاستقطاب من اجتاز امتحان التوجيهي، وما زالت هذه الحملات وبل المنافسة الحادة متواصلة في وسائل الإعلام ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

ويتضح من المستوى المتدني لمعدلات القبول التي تعلن عنها مؤسسات التعليم العالي في بلادنا ومقارنة مع الماضي، مدى التنافس الحاد لاستقطاب الطلاب، وفقط من أجل الاستحواذ على أكبر عدد ممكن من الطلبة، وبالتالي على أقساط التعليم التي تجبيها منهم، والتي يدفعونها بغض النظر عن نوعية أو جودة التعليم، أو طبيعة التخصص الذي يحتاجه سوق العمل عندنا.

وأصبح واضحا أن هذه الأقساط ورغم التراجع في مستوى ونوعية التعليم العالي عندنا، ورغم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية، ترتفع بشكل منتظم ومتواصل وغير مبرر، وأصبح من غير المألوف بدء السنة الدراسية الجديدة في الجامعات الفلسطينية دون حدوث أشكال او عدم تفاهم على دفع الاقساط، وفي احيان عديدة يتم تعطيل الدراسة، وحتى تحدث مواجهات بين الطلبة وإدارات الجامعات ويتم اغلاق الجامعات، وبالتالي إلحاق خسائر فادحة بكل مكونات التعليم العالي في بلادنا.

ومن الواضح سواء من خلال عرض وجهات النظر المختلفة او من خلال النقاش، ان ارتفاع الأقساط بحجة تغطية العجز المالي في الجامعات الفلسطينية هو ليس حديثا او وليد السنة الحالية، بل هو عجز دائم منذ بداية التسعينات، وبالتالي فأن أسبابه متراكمة، و رغم ان البعض انتقد الحكومة اما لضعف الدعم المخصص اصلا للجامعات او لعدم ايصال هذا الدعم بالكامل خلال السنة، لأن موضوع رفع الاقساط او نسبة من الأقساط ما زال يتسم بالحساسية والمعارضة وخاصة من قبل الطلبة وربما من قطاعات أخرى من المجتمع الفلسطيني، التي تعتقد بعدم حرمان او إعاقة تعليم اي طالب كفوء او يستحق التعليم، لأسباب مادية.

ومعروف أن مؤسسات التعليم العالي في العالم اما ان تكون جامعات حكومية، او تتبع “الولاية” كما في الولايات المتحدة الامريكية وبالتالي الحكومة او الولاية مسؤولة عنها ومن ضمن ذلك المسؤولية المالية وبعضها موجود في بلادنا وهي الكليات او الجامعات الحكومية التي تتبع وزارة التعليم العالي مباشرة، وإما ان تكون جامعات خاصة للربح كما بعضها موجود في بلادنا وبدأ ينتشر ويزداد، حيث تم إنشاؤها من قبل مستثمرين لتحقيق الربح.

هذا بالإضافة الى جامعات ليست للربح وليست حكومية وتشرف عليها مجالس امناء تقوم برسم سياساتها وتأمين احتياجاتها والتزاماتها، ومنها المالية، وغالبية الجامعات في بلادنا تتبع هذا النوع من الجامعات، وبالتالي فانه من المتعارف عليه ان مجالس الامناء هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن تأمين احتياجاتها وسد العجز المالي الذي تعاني منه، وفي الولايات المتحدة الامريكية، تقوم الجامعات غير الحكومية التي يشرف عليها مجالس امناء بإنشاء أذرع استثمارية، اما بشكل مباشر او من خلال التعاون مع القطاع الخاص.

وتقوم بالاستثمار من خلال استغلال الطاقات البشرية او الابحاث او الاختراعات او حتى استثمار مالي مباشر، بحيث تشكل عائدات الاستثمار سندا ودعما للجامعة في الأزمات ولتغطية العجز المالي ان حدث، ومعروف ان قيمة الصندوق الاستثماري لجامعة ” هارفرد” الأمريكية مثلا، تتعدى ال 25 مليار دولار أمريكي.

وفي خضم الارتفاع المتواصل في تكاليف التعليم العالي في بلادنا، أليس بالأحرى بالجامعات الفلسطينية ان تضع خطط استراتيجية للاستثمار وإنشاء صناديق استثمارية خاصة بها تحقق عائد مالي يساهم في سد عجزها المالي، وأليس بالأحرى كذلك بناء علاقات وروابط مع القطاع الخاص الفلسطيني، علاقات تحقق فائدة مشتركة للطرفين، وأليس بالأحرى ترشيد النفقات وحتى إغلاق تخصصات أصبح وجودها عبئا ماليا واجتماعيا، وأصبحت نسب البطالة من خريجيها تزيد عن ال 80%.

وهناك العديد من الخطوات الاخرى ومنها انشاء الوقفيات وتأجير مرافق وغيرها، بحيث تساهم في حل او تخفيف العجز المالي، وبالتالي عدم القاء تبعات مالية تعاني منها مؤسسات التعليم العالي عندنا، على عاتق وكاهل الطلبة، من خلال استنزافهم وارهاق ذويهم، برفع الأقساط والتنافس المسعور على استقطاب أكبر عدد مهم، بغض النظر عن نوعية وجودة التعليم الذي يتهاوى بشكل متواصل، والاهم التغاضي عن حاجة سوق العمل وتوفر فرص عمل لائقة للخريجين، وبالتالي المساهمة في تزايد شبح البطالة وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والتربوية المدمرة.

اقرأ/ي أيضا: الهيئة المستقلة تطالب التعليم بتقديم توضيحات بخصوص التنقلات التي أجرتها