في الذكرى الثالثة لرحيله: رمضان شلح غاب ولم يرحل

مقال- خالد صادق

الشمس تغيب كل يوم وقت المساء, وسرعان ما تنبعث في صباح اليوم التالي لتملأ الأرض نورا وضياء, والقمر يأفل من سماء الكون وسرعان ما يعود ويكتمل بدرا ويبعث النور في كل مكان, والنجوم تحجبها الغيوم أحيانا, وما ان تنقشع الغيمة حتى تعود فتتلألأ وتضفي جمالا على هذا الكون الفسيح, في السادس من حزيران 2020, افل نجم الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين القائد والمفكر والمجاهد الدكتور رمضان عبد الله شلح أبي عبد الله, مؤسس سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي, غاب عن عالمنا القصير, لكنه لم يرحل, بقى فكره وثورته وعنفوانه وصلابته, وبقيت وصاياه حاضرة في اذهان تلامذته ومحبيه, رمضان شلح لم يكن قائدا عاديا بل كان مفكرا وخبيرا سياسيا يقرأ الواقع السياسي بعقلية مستنيره, ويرسم خارطة المستقبل بوعي كبير, كانت نشأته في حي الشجاعية الشعبي وسط مدينة غزة, حيث كان قريبا من الناس, ملتحم بقضاياهم, ويعيش تفاصيل همومهم ومعاناتهم, كما كان خطيبا فذا يعتلي منابر المساجد في غزة, ويربط بوعي كبير بين الإسلام وفلسطين, يحاور المفكر والقائد السياسي ويخاطب الحاضنة الشعبية بلغة بسيطة وغير معقدة, يركز على المبادئ العامة التي تحكم العلاقة بين الجميع ونحن نعيش محنة الاحتلال الصهيوني وتغوله على شعبنا, كان لخطابه الوحدوي الراقي المسؤول المنهجي قدرة على غزو العقول وزرع الأفكار وتغذيتها بالدلائل والبراهين التي تعزز الانتماء للدين الإسلامي الحنيف والانتماء للوطن المغتصب والسليب, والسعي الحثيث للحرية والاستقلال والانعتاق من عبودية هذا الكيان المسخ المسمى «إسرائيل», كان رمضان شلح رحمه الله رجلا من زمان اخر, وكان دائم الحديث عن الرحيل, وكأن هذا الكون كله لا يتسع له, فهو وريث مرحلة «المجد» التليد, ذاك المجد المستمد من عقيدتنا الإسلامية التي جاءت لتحررنا من بطش الطغاة وجبروت الغزاة المستعمرين.

كان الرحيل بمثابة انبعاث جديد لفكر صنعه الدكتور رمضان عبدالله شلح, وارسى قواعده وثبتها في أعماق القلوب, وحمل امانته الأمين العام القائد زياد النخالة أبو طارق, ومضى به متخطيا كل العقبات التي كانت تعترض طريقه, لقد تمددت حركة الجهاد الإسلامي شعبيا, وتمدد فعلها المقاوم جغرافيا, وتطور اداءها العسكري ميدانيا, وتنامت قدرتها العسكرية بشكل اذهل الاحتلال وجعله يخوض ثلاثة معارك مع الجهاد الإسلامي دون ان يحقق أي اهداف من وراء تلك المعارك, فسرايا القدس كلما خرجت من معركة استفادت منها وخاضت المعركة التي تليها بقوة اكبر, وصمود اعظم, وقدرات قتالية اعلى, حتى باتت الجهاد رقما صعبا لا يمكن تجاوزه, وقد تجاوزت مرحلة الردع, واصبح الاحتلال الصهيوني يدرك ان الجهاد الإسلامي عصي على الانكسار, وانه لن يستطيع ان يكسر هذه الحركة المجاهدة, حتى وان اغتال كل قياداتها, لأنها تنظيم مؤسسي سياسيا وعسكريا لا يقوم على افراد, انما القائد يخلفه الف قائد, والشهيد يخلفه الف شهيد, وهذا لم يتأت الا بفعل وضع قواعده الدكتور المعلم الشهيد فتحي الشقاقي رحمه الله, واكمل بناءه الدكتور المفكر القائد رمضان شلح, ويعلي بنيانه اليوم الأمين العام القائد زياد النخالة حفظه الله, وكل قائد من هؤلاء القادة العظام خاض معركة لمواجهة قوى الشر حول العالم, والتصدي لأي محاولات للقضاء على الجهاد الإسلامي ومنع تمدده شعبيا, وكان الدكتور رمضان شلح على قائمة المطلوبين للإدارة الامريكية التي ترعى الشر حول العالم, حيث انه في نهاية عام 2017م أدرج مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي»FBI»، الدكتور رمضان شلَّح على قائمة المطلوبين لديه، إلى جانب 26 شخصية حول العالم. وسبق أن أدرجت السلطات الأمريكية الدكتور رمضان شلح على قائمة «الشخصيات الإرهابية» بموجب القانون الأمريكي وصدرت بحقه لائحة تضم 53 تهمة من المحكمة الفيدرالية لولاية فلوريدا عام 2003م.

الإدارة الأمريكية لم تكتف بذلك انما قامت عام 2007م بضمه لبرنامج «مكافآت من أجل العدالة» وعرضت مبلغ 5 ملايين دولار مقابل المساهمة في اعتقاله, لأنه كان ينادي بمقاومة الاحتلال الصهيوني, ومجاهدته حتى يندحر عن ارضنا الفلسطينية المغتصبة, ولان الاحتلال جزء من المشروع الأمريكي الاستعماري في المنطقة, وزرعه فيها يمثل مصلحة كبيرة لأمريكا وسطوتها على المنطقة العربية والشرق أوسطية برمتها, وضعته الإدارة الامريكية على قائمة المطلوبين, وطالبت برأسه, لكن هذا لم يدفع الدكتور رمضان الى التراجع عن نهجه, فهو يعلم ان طريقه مليئة بالعقبات, لكنه أراد ان يسلكها وهو يعلم انها مزروعة بالألغام, لأنه يؤمن برسالته وبعدالة قضيته, ويؤمن ان فلسطين جزء من عقيدة المسلم الذي يجب ان يقاتل من اجل استردادها, وتحريرها, وطرد الاستعمار الصهيوني منها, لقد كانت رؤيته ثاقبة, وقدرته على قراءة العقلية الصهيونية بوعي واتزان حاضرة, ولم يكن رحمه الله يهادن ابدا, او يقبل بإنصاف الحلول, او يساوم على الثوابت, بل كان بوصلة فلسطين ووجهتها, دائما يحث على الوحدة والعض على الجراح لأجل فلسطين, ويعتبر ان كل الجهد يجب ان يبقى منصب نحو الاحتلال فقط, لأنه هو العدو المركزي للامة, وان أي صراع اخر مع أي جهة كانت دون الاحتلال تشتيت للجهد ويصب في صالح الاحتلال, واستمر شلح في رئاسة الحركة حتى أيلول من العام 2018، بعد أن منعه المرض من ممارسة عمله, فقد أصيب بجلطات متتالية أدت لدخوله في الغيبوبة وفي السادس من حزيران 2020 توفي شلح ودفن في سوريا إلى جانب جثمان الشهيد فتحي الشقاقي, رحمهما الله رحمة واسعة واسكنهما فسيح جناته.