ماذا بعد حرب الوزير وابن الغفير؟

بقلم -فتحي صبّاح:

توقف هدير محركات الطائرات الإسرائيلية النفاثة، وآلات القتل المجاني، وأصوات الانفجارات المدمرة المرعبة، وأصوات الصواريخ الفلسطينية.
وبقيت المسيّرات طائرات الاستطلاع، أو ما يُطلق عليها الفلسطينيون “الزنّانة” تزن في أذاننا.
وأصبحنا اليوم نلعق جراحنا ونترحم على من سبقونا، ونحصي خسائرنا، وننتظر المعركة المقبلة، أو العدوان القادم.
لسنا بخير، ولن نكون، يوما، بخير طالما بقي الاحتلال جاثما على صدورنا وفوق أرضنا، ويشن علينا حروبه وقتما شاء، وكيفما شاء.
خمسة ايام من العدوان والكابوس انتهت عند العاشرة من ليل السبت الأحد باتفاق وقف إطلاق النار برعاية مصرية قطرية أممية.
انتهاء هذه الجولة لا يعني انتهاء العدوان الإسرائيلي.
فحكام إسرائيل لم يفهموا بعد، ولم يقتنعوا بعد أنه لن يكون بإمكانهم تحقيق ما تمناه رئيس الحكومة الأسبق اسحق رابين بأن “يبتلع البحر غزة” ليرتاح، وترتاح إسرائيل، تماما مثلما اقتنع معظم الفلسطينيين بأنه لا يمكن إلقاء “اليهود في البحر لتأكلهم الأسماك”.
لا تريد النخبة السياسية الإسرائيلية أن تقتنع بأنه ليس بإمكان دولتهم النووية وجيشها الأقوى في المنطقة القضاء على الشعب الفلسطيني، وفصائله، ولا حتى فصيل واحد، تسعى للقضاء عليه منذ سنوات عدة من دون جدوى.
هذا صراع دموي سيطول كثيرا، وسيكلف الفلسطينيين والإسرائيليين الكثير من الأرواح والممتلكات والأموال والوقت، لأنه، ببساطة لا يوجد في إسرائيل كلها قائد أو زعيم مقتنع، ولديه الجرأة، بأن يقول إن إبادة الشعب الفلسطيني مستحيلة، ومستحيل انهاء كفاحه من أجل الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير.
حرب خامسة أو سادسة على غزة، وضعت أوزارها ليلاً، سعى من خلالها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ومعه سموترتش وبن غفير، وكل عسكري ووزير، لوضع حد لإطلاق الصواريخ من القطاع الساحلي الضيق الواقع بكيلومتراته الثلاثمئة واثنين وستين، وسكانه المليونين، تحت عدسات كاميرات الطائرات والزنّانات وأقمار التجسس الاصطناعية “أفق”، وموت تقذفه فوقه، فوق رؤوسهم، طائرات الجحيم.
فهل نجح الملك نتنياهو ومعه الوزير وابن الغفير؟
الاجابة قطعا لا كبيرة جداً.
فصواريخ هذه الحركة الصغيرة نسبياً، الأقل قدرة عدة وعتاداً ومقاتلين من شقيقتها الكبرى، جاهزة للانطلاق الأن وليس غداً.
بل أكثر من ذلك، لو شن نتنياهو وابن الغفير ألف حرب على غزة والضفة الغربية، فلن يقتلع الشعب الفلسطيني ولن يثنيه عن مواصلة القتال والكفاح.
ولن يحققوا مبتغاهم بإسكات الصواريخ والمدافع إلا بتحقيق السلام من خلال اقامة دولة فلسطينية مستقلة متواصلة جغرافيا عاصمتها القدس، وتفكيك المستوطنات، وعودة اللاجئين إلى ديارهم استناداً إلى مبدأ حل الدولتين.
وفي حال استمر العناد ورفض إسرائيل خيار حل الدولتين، سيكونون مرغمين، بعد عشر سنوات أو عشرين، على قبول حل الدولة الديموقراطية الواحدة على كل أرض فلسطين التاريخية.
فربما تحالف الوزير وابن الغفير يواجه، للمرة الأولى، منذ قيام الدولة العبرية، خطرين جوهريين استراتيجيين، الخطر الديموغرافي، والخطر الإقليمي.
الخطر الأول يتمثل في تساوي أعداد الفلسطينيين واليهود على أرض فلسطين التاريخية، الأن، بسبعة ملايين لكل منهما، من بينهم خمسة ملايين ويزيد قليلا في غزة والضفة والقدس، ومليونان خلف الخط الأخضر.
سيصبح عدد سكان قطاع غزة ثلاثة ملايين عام 2030، وخمسة ملايين عام 2050، استناداً إلى متوسط المواليد والوفيات.
وسيصبح عدد الفلسطينيين في مدينة القدس عام 2050 أكثر من عدد اليهود، وبإمكانهم، حينها، الفوز في انتخابات بلدية القدس، التي يقاطعونها ولا يشاركون فيها منذ احتلالها عام 1967.
فكيف ستتصرف الدولة النووية تجاه هذه القنبلة السكانية “النووية”؟
أما الخطر الاستراتيجي الإقليمي، فيتمثل في تطور القوة العسكرية والبشرية لمحور ممتد من فلسطين إلى لبنان وسورية والعراق، وحتى الأردن، التي يمثل اللاجئون الفلسطيني ثلثي عدد سكانها.
فكيف ستتصرف إسرائيل النووية مع إيران النووية مستقبلا، أو مع محور يستعد منذ زمن بعيد لساعة قد تحين لإلحاق هزيمة ساحقة بها؟
إنه السلام لا محالة.
من دون سلام شامل قائم على الانسحاب من كل الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة، قد يكون مستقبل الدولة العبرية مجهولاً أو حتى مظلماً.

اقرأ أيضاً: خمسة أيام من الحرب على غزة …ماذا حقق نتنياهو؟

Exit mobile version