العنصرية الأوروبية تتجلى في النكبة الفلسطينية

أقلام – مصدر الإخبارية

العنصرية الأوروبية تتجلى في النكبة الفلسطينية، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى ابراهيم، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

وقاحة وعنصرية رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي لم تكتف فيها بتهنئة إسرائيل بالذكرى الـ 75 لتأسيسها، تجلت في ما قالته بأن إسرائيل “جعلت الصحراء تزدهر حرفياً”.
وهي بهذا تتبنى المقولة الإسرائيلية التي تصف فيها إسرائيل نفسها انها (الفيلا في الغابة) في محيطها الفلسطيني والعربي.
خطاب دير لاين خطاب عنصري، وتصريحها بصفتها السياسية رئيسة لأوروبا تعبير عن التوجهات الأوروبية العنصرية، ودعمها المطلق لإسرائيل، التي تصنفها منظمات حقوق الانسان الدولية والإسرائيلية بأنها دولة فصل عنصري استعماري استيطاني، منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا، في ظل الحكومة الأكثر يمينية وتطرفا وفاشية.
حتى الآن لم نسمع أي رد من أي دولة أوربية ضد تصريحات دير لاين، والتنكر لحقوق الفلسطينيين ونكبتهم، وحقيقة إسرائيل التي أقيمت على أنقاض الشعب الفلسطيني وعمليات المحو والتهجير والقتل، وتزييف تاريخه وحضارته، وضد انكار دير لاين طبيعة إسرائيل العنصرية وتهجير وطرد 700 ألف فلسطيني في 1948.
يُذكرني تصريح دير لاين بما قاله وزير الشتات الإسرائيلي في الحكومة الإسرائيلية السابقة نحمان شاي في بداية الحرب الروسية الأوكرانية العام الماضي: “نحن من أوروبا”.
وشاي ذو الأصول البولندية تم إيفاده لمتابعة أوضاع المهاجرين اليهود الأوكرانيين على الحدود مع بولندا بدلا من وزيرة الاستيعاب الإسرائيلية الأثيوبية الأصل بنينا تمانو شتا، ذات البشرة السوداء، التي وصفت مشاهد اللاجئين الأوكرانيين في مطار اللد بعنصرية الرجل الأبيض.
شاي عبّر في لحظة صراحة عن حقيقته وحقيقة دولة الاحتلال.
صراحة نحمان شاي تعبير حقيقي عن إسرائيل، التي تعتبر نفسها جزءا أصيلا من أوروبا، في حين تجلت العنصرية في المجتمع والحكومة الإسرائيلية، في رفض استقبال اللاجئين الأوكرانيين ومشاهد النساء والأطفال في مطار اللد في انتظار موافقة السلطات الإسرائيلية على الدخول، والتمييز بين يهودي وغير يهودي.
تصريحات رئيسة المفوضة الاوربية تعبّر بالفعل عن عنصرية الرجل الأبيض الأوروبي، الذي اتسعت حدقات عينيه، وقفزت إنسانيته أمام مشاهد النساء الشقراوات والأطفال ذوي العيون الزرقاء، واللاجئين من أوكرانيا في القطارات والمطارات.
لكن كل شيء أغلق مثل الجدار في لامبالاة شنيعة عندما تعلق الأمر بالنساء والأطفال من السودان والصراع المستمر منذ سنوات، وقوافل السودانيين الذين يحاولون الهرب من المعارك المشتعلة.
كما توقفت إنسانية رئيسة المفوضية عن الحديث عن نكبة الفلسطينيين المستمرة منذ 75 عاماً.
لطالما رأت إسرائيل نفسها، ومنذ تأسيسها، على أنها فرع أوروبي ديمقراطي ويهودي طبعاً، في بلاد الشام والعرب البدائية، التي تفوح منها رائحة العرق والوحشية.
وفي وقت مبكر من عام 1952 تاريخ تشريع قانون العودة، الذي يسمح فقط لليهود بالهجرة إليها شرط أن يكون من أب أو أم يهودية ومن الجد والجدة، سامحت إسرائيل ألمانيا ما بعد النازية (بالمناسبة رئيسة المفوضية الاوربية المانية، شغلت منصب وزيرة الدفاع الألمانية في وقت سابق)، ووقعت معها “اتفاق تعويضات” مثيرة للجدل، قد تكون نوع من الابتزاز.
في بداية سبعينات القرن الماضي، انضمت إسرائيل إلى مسابقة الأغنية الأوروبية وبطولة كرة السلة الأوروبية، وفي بداية الألفية الثالثة، حدد رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه إيهود باراك جوهر إسرائيل ووصفها بأنها “فيلا في الغابة”.
في مقال في صحيفة هآرتس في شهر مارس ٢٠٢٣ قيل إنه قبل بضع سنوات، قدم مدير بنك الحيوانات المنوية في إسرائيل إحصاءً مذهلا يفيد بأن الغالبية العظمى من النساء اللواتي تعاملن مع خدمات البنك كن يحرصن على اختيار آباء أشكنازيين “اليهود من أصول غربية”، ويفضل أن يكونوا أصحاب بشرة شقراء بعيون زرقاء.
وحسب البنك، لا يوجد طلب تقريبًا على بذرة السود التي تحمل ألقاب مزراحي “اليهود من أصول شرقية”.
لطالما كان للثقافة الأوروبية صراعات عنصرية عميقة، بدأ باللون الأحمر والأصفر والأسود، لكن سرعان ما انتقل أيضًا إلى الرجل الأبيض نفسه: متساوٍ وأكثر مساواة، العرق الآري في القمة القاتلة، اليهود والغجر والمسلمون في العقود الأخيرة أيضًا في ذيل القائمة.
بالتوازي مع ذلك لم تتوقف إسرائيل عن قمع الفلسطينيين والشرقيين اليهود، خاصة الاثيوبيين حتى النظرة لليهود الروس، السياسيين غير البيض، وإفراغهم من الثقافة والشرعية وتحويلهم إلى أعداء مطلقين، فعلت إسرائيل كل شيء، باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من الأمة الأوروبية.
ولا يخفي الامر والإثارة في الانتماء والارتباط بأروبا، هو عدد الإسرائيليين الذين يعملون في شكل حثيث، على عكس الثقافة الأوربية داخل المجتمع الإسرائيلي، وهناك أغلبية كبيرة من الذين يمتلكون أو يسعون للحصول على جواز سفر أوروبي، برتغالي أو بولندي أو روماني.
تستثمر إسرائيل في ما يسمى التضامن الإنساني العالمي، وتحاول إدارة وساطة بين الجنرالين المتصارعين على السلطة في السودان، وتدعو لوقف الصراع، وهي تشن الحرب والقتل يوميا في فلسطين وسورية وأماكن أخرى.
التضامن والتعاطف، والإنسانية، مع السودان، نابع من مطامع ومصالح أمنية واقتصادية، بينما تتعامل مع المهاجرين السودانيين، الذين لجأوا اليها منذ سنوات في شكل مخالف لما تدعيه ويتم التعامل معهم في صورة غير إنسانية ومن دون حقوق، تعبيرا حقيقيا عن مصطلح “النقاء العرقي” (مع انه مصطلح نازي)، ويهودية نظيفة ونقية.
من المشكوك فيه أن تجد يهوديًا أو مؤيدًا لليهود بين ملايين اللاجئين من السودان واليمن أو العراق أو أفغانستان.
وفي الواقع، الأحلام شيء والواقع شيء، كثيرون في إسرائيل من أصحاب الشعر الأسود من يهود الشام، ويعشقون الموسيقى الشرقية، ويأكلون الاكلات الشرقية والكبة، ومنهم من المغرب واليمن والعراق ومصر، ويُعاملون بعنصرية، كونهم شرقيين.
المفوضة الاوربية ومعها جميع الدول الاوربية ركزوا كل جهدهم على سرعة وضمان استمرار إنقاذ وترحيل رعايا الدول الأجنبية، التي تتعاون وتتسابق في اخراج رعاياها بطرق ووسائل أمنة، أكثر من مساعدة للسودانيين الذين ينتظرون الموت ومعاناتهم على نقاط العبور مع الدول المجاورة.
ولم تقم باي مبادرة لتقديم مساعدات اغاثية غذائية وطبية عاجلة في ظل الحالة الإنسانية المأساوية، والخوف من انتشار الأوبئة والامراض، وتقديم الرعاية الصحية والطبية.
إسرائيل دولة الهجرة لليهود، تفضل لاجئين مؤقتين عن لاجئين، حسب الدين واللون والجنس والعرق، وتضع جداراً من العنصرية في وجه موجات اللاجئين البائسين من غير اليهود، امتدادا للسياسات العنصرية الأوروبية، وهي التعبير الحقيقي عن طبيعة إسرائيل منذ عقود، التي تروج لنفسها، كذبا، أنها الديمقراطية الوحيدة في غابة الشرق الأوسط القاحلة!

أقرأ أيضًا: برغم التحذيرات الأمنية الأزمة في إسرائيل تتعمق/ مصطفى ابراهيم