إسرائيل والسودان ومصالح الديكتاتوريات.. بقلم مصطفى إبراهيم

أقلام _ مصدر الإخبارية
ردت الصديقة الصحافية السودانية سارة على رسالتي للاطمئنان عليها بالقول إن الحال لا يسر، ووضعي النفسي سيئ جداً، أولادي تركتهم مع الأسرة في السودان وسافرت، ومن المفروض أن أعود بعد أسبوع، لكن كل شيء اختلف الآن!
ينتظر السودانيون بخوف وحزن وألم ولا يعرفون مآلات مصير انتهاء المعارك الدامية الجارية في السودان بين طرفي السلطة، الجيش وقوات الدعم السريع.
والاسئلة تدور في اذهان السودانيين والعرب، عن أيهما أشد ظلماً، وعلى من يحزن الانسان، والمواطن العربي محروم من التعبير عن نفسه، أو العيش بكرامة ومن حقه في الحياة، وحاضر بائس ومستقبل غامض في معركة البحث عن لقمة العيش والأمان الشخصي، وصراع أطراف السلطة من العسكر على النفوذ والتحكم بمصير وطن وشعب لا يملك إلا الانتظار والخوف.
ويُحرم من الحرية، فينا النظام السياسي الفاسد يحاول تبرئة نفسه من الدم المسال، واللهاث خلف حماية نفسه كباقي الأنظمة الديكتاتورية للبقاء في السلطة وممارسة الاستبداد والقمع وسرقة موارد وأحلام مواطنيها، الذين يدفعون بدمهم وأرواحهم ثمن بقاء تلك الأنظمة جاثمة فوق صدورهم، وتجردهم من إنسانيتهم.
تلك الانظمة صنيعة الاستعمار، حليفة الرأسمالية، ترتبط بعلاقات قوية مع إسرائيل وهذه هي حال طرفي الصراع في السودان، اللذين تربطهما بإسرائيل علاقات قوية.
طرفا الصراع يتنافسان على تقوية العلاقات مع إسرائيل القلقة من تأجيج صراع سيؤجل التوقيع على اتفاق التطبيع، وترى في التعاون مع الطرفين المتصارعين مصلحة لها لشرعنة وجودها في السودان وتنفيذخططها لاستغلال مقدرات السودان لتحقيق أهداف سياسية وأمنية واقتصادية.
وثمن ذلك هو البقاء في السلطة، والحصول على فروض الطاعة بواسطة التطبيع واقامة علاقات مع إسرائيل لإزالة اسم السودان من قائمة ما تعتبره الادارة الأمريكية “دولا راعية للإرهاب” وتقديم دعم ومساعدات مالية.
إسرائيل تعبّر عن قلقها مما يجري في السودان، وتدعو الطرفين إلى وقف القتال، خشية من استمرار المواجهات العسكرية وامتدادها، ماةقد يؤجّل توقيع اتفاق التطبيع، وما يهمها هو التوقيع قبل أن يُنقَل الحكم في السودان إلى جهة مدنية.
ووفقا لما تناولته وسائل إعلام إسرائيلية، وما ذكره مراسل موقع واللّا الاخباري باراك رافيد نقلا عن مسؤولون اسرائيليين أن إسرائيل تستغل علاقاتها مع قادة في الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، لحثهم على إنهاء القتال على الفور.
ومن وجهة نظر إسرائيل فإن في الدعوة الاسرائيلية وتواصل المسؤولين الأمنيين الأسرائيليين مع الطرفين، أهمية كبيرة، وأن عملية التطبيع مع السودان والعلاقات التي أقامتها مع قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وضع إسرائيل في وضع فريد لمحاولة التأثير على الجنرالات المتحاربين.
و عبّر المسؤولون الإسرائيليون عن قلقهم الكبير من أن القتال الجاري سيدمر البلاد، ويمنع تشكيل حكومة مدنية، وينهي أي احتمالات لاتفاق سلام بين إسرائيل والسودان، الذي كان ضمن ما يُسمى اتفاق “السلام الإبراهيمي” عام ٢٠٢٠.
لكن سيطرة الجيش على السودان بعد عام، أدى إلى تعليق المساعدات الأمريكية وتجميد عملية التطبيع بين إسرائيل والسودان.
ووفقا لما تتناقله وسائل الاعلام الاسرائيلية فإن إسرائيل ترتبط بعلاقات بين طرفي الصراع بأكثر من جهة، حيث أن وزارة الخارجية الإسرائيلية ترتبط بعلاقات مع مجلس السيادة العسكري بقيادة عبد الفتاح البرهان، ومستمرة في عملية التطبيع، في حين أن جهاز “موساد” يتواصل مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب.
وفي شهر شباط (فبراير) الماضي زار وزير خارجية إسرائيل إيلي كوهين الخرطوم، وحض البرهان على الاستمرار في إعادة السلطة إلى حكومة مدنية، وأنه من دون ذلك سيكون من الصعب التوصل إلى معاهدة سلام.
وقبل اندلاع القتال كانت إسرائيل تتابع المحادثات في السودان حول اتفاق الإطار، الذي كان من المفترض أن يؤدي إلى تعيين حكومة بقيادة مدنية.
لكن ظن إسرائيل خاب بعدما كانت متأكدة من أن الاتفاق على تعيين حكومة مدنية سيأتي في غضون أيام، إن لم يكن ساعات، لكنها أصيب بالإحباط عندما انهارت الصفقة وبدأ القتال قبل عيد الفطر.
تحاول إسرائيل اظهار عدم الانحياز لأي طرف في الأزمة المشتعلة في السودان، وعدم التورط في أي جهود وساطة غير الحث على وقف إطلاق النار، وتسعى لوقف الصراع بين البرهان وحميدتي، لأن استمراره سيحرمها من التطبيع الذي سيساعدها على تحقيق أطماعها في تحويل السودان إلى قاعدة للعمل داخل أفريقيا، وتواجد أمني وسلاح البحرية الاسرائيلي في موانئ السودان الواقعة علي البحر الاحمر.
الصراع في السودان هو على النفوذ والسلطة، ويدفع السودانيون ثمن ذلك من دمائهم ومواردهم وحقوقهم، بدلا من العودة للسودانيين والحصول على الشرعية منهم عبر التوافق واستكمال العملية الديمقراطية واجراء انتخابات نزيهة، وتقرير مصيرهم.
وعلى رغم ذلك، وفي ظل استمرار المعارك، فإن البرهان وحميدتي لم يراهنا على السودانيين، بل راهنا على إسرائيل، ولم يقطعا تواصلهما معها.
وفي اعتقاد كل منهما أن حصوله على الشرعية الامريكية يأتي عبر بوابة إسرائيل التي لا تخفي أهدافها وأطماعها في السودان، فيما تواصل احتلال فلسطين، وقادتها الذين يتنافس البرهان وحميدتي على تقوية علاقتهما معهم مستمرون في ارتكاب جرائم حرب واشاعة الفوضى في الوطن العربي.
العبودية والذل من سمات الانظمة الديكتاتورية، القائمة على قهر شعوبها بالعمل كوكلاء للدول الغربية والاقليمية، وسرقة مقدرات وموارد السودانيين، وحياتهم مقابل البقاء في السلطة، حتى لو كان الثمن تدمير السودان وقتل آلاف السودانيين.