شهر رمضان وسيناريوهات المشهد في قطاع غزة

بقلم: د. حسام الدجني

أقلام – مصدر الإخبارية 

يتزايد الحديث في وسائل الإعلام عن شهر رمضان واحتمالية انفجار الأوضاع السياسية والأمنية في الأراضي الفلسطينية، وأن فلسطين على موعد مع سيف القدس 2 على غرار ما حصل في شهر رمضان عام 2021م عندما نشرت كتائب القسام في العاشر من مايو/2021م وفي تمام الساعة 4:45 بيانًا قالت فيه إنّ قيادة المقاومة تُمهل قوات الاحتلال حتى السادسة مساءً لسحب جنودها من المسجد الأقصى وإطلاق سراح المعتقلين. وتضمن البيان خطاباً نادراً للقائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام محمد الضيف وهو ما زاد جدية الأمر وخطورته.

الجدل الإعلامي حول زيادة وتيرة التصعيد مع حلول شهر رمضان ينسجم والبيئة السياسية في الأراضي الفلسطيني، لا سيما في القدس والضفة المحتلة، انطلاقاً من توجهات الحكومة الفاشية في إسرائيل وسلوكها على الأرض، والجرائم التي ترتكبها في محافظات الضفة الغربية، ورؤيتها في تغيير الواقع القانوني والتاريخي لمدينة القدس، وقانون الاعدام، وعصيان الأسرى، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام سيناريو التصعيد مع غزة، فهل هذا ممكن التحقق، ويكون قطاع غزة على موعد مع سيف القدس 2 في شهر رمضان…؟ ما هو تقدير الموقف خلال الشهر الفضيل…؟

أولاً: سيناريوهات المشهد في قطاع غزة خلال شهر رمضان.
الفواعل الرئيسة التي تحدد اتجاهات هذا السيناريو أو ذاك هي قوات الاحتلال الإسرائيلي، والمقاومة الفلسطينية، وعليه تقدير الموقف تجاه المشهد في قطاع غزة ينطلق من تحليل البيئة الداخلية والخارجية للطرفين.

1. تحليل البيئة السياسية لدولة الاحتلال الصهيوني.

ثلاثة تحديات تواجه حكومة نتانياهو، وتضعه أمام قرارات صعبة ومن الصعب توقع اتجاهاتها، وهي:

· يأتي شهر رمضان والتظاهرات في إسرائيل الرافضة للانقلاب القضائي في تزايد، بدأت بعدة آلاف لتصل إلى مئات الآلاف، وشاركت أحزاب المعارضة لتتطور وتشارك فيها بعض أقطاب المؤسسة العسكرية والأمنية ورجال الأعمال في تطور بات يربك حسابات الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتانياهو.

· تقارب إيران مع المملكة العربية السعودية برعاية صينية، والحديث عن جهود الصين في استكمال وساطتها مع دول خليجية أخرى من شأنه فرملة مشروع التطبيع وبناء تحالف عربي ضد إيران.

· الاتفاق المبرم بين نتنياهو مع بن غافير وسموتريتش حول التعاطي مع القضية الفلسطينية وهو قائم على أربعة ركائز:

– تسهيل عمليات ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية. وفرض السيادة على المستوطنات والطرق الاستيطانية الجاثمة عليها، وعزم حكومته تخصيص مبالغ طائلة لشرعنة وتطوير البؤر العشوائية، في مخالفة واضحة لقرار مجلس الأمن (رقم 2334).

– العمل على تطبيق قانون الإعدام بحق الفلسطينيين، والتضييق على الأسرى الفلسطينيين في السجون الصهيونية.

– منح جنود الاحتلال وعناصر شرطته مزيدا من الصلاحيات لإطلاق النار على المتظاهرين الفلسطينيين.

– تغيير الواقع التاريخي والقانوني القائم في مدينة القدس عامةً، وفي المسجد الأقصى خاصةً.

هذا الاتفاق ما لم يتم تنفيذه فإن ثمة احتمالات لانسحاب أحد الأحزاب اليمينية ما يهدد مستقبل الحكومة الصهيونية برئاسة نتانياهو، وهذا يرجح احتمالية انتهاء مستقبل نتانياهو السياسي.

التحديات السابقة تطرح تساؤل: هل سيناريو المواجهة العسكرية مع قطاع غزة ممكن أن تساهم في هروب نتنياهو نحو الأمام.؟

ربما الإجابة نعم، ولكن النعم ليس على اطلاقها، فما زال كابوس غزة يطارد نتانياهو في سيف القدس ومن قبله العصف المأكول، وكيف كانت معركة سيف القدس من بين الأسباب التي أطاحت به من الحكم، في تقديري غزة ليست نزهة، وغزة اليوم أقوى، وهذا يدركه نتانياهو، ويفسر سلوكه السياسي تجاهها، ويضعف إلى حد ما من سيناريو ذهابه إلى معركة عسكرية خلال شهر رمضان المبارك، ما لم يكن حدث أمني كبير ينطلق من قطاع غزة.

وعليه التقدير الأكثر ترجيحاً يتمثل في حفاظ نتانياهو على الهدوء في القدس خلال شهر رمضان، ومع قطاع غزة أيضاً، ويبقي على عملياته في الضفة الغربية.

2. تحليل البيئة السياسية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
المقاومة الفلسطينية تدرك واقع القطاع، وحالة الغليان في الضفة الغربية والقدس، وعليه تقدير موقف المقاومة في قطاع غزة يستند على الركائز التالية:

· تظاهرات تل أبيب، وحالة الانقسام داخل المجتمع الصهيوني والتي تأمل المقاومة أن تتحول إلى حرب أهلية تضعف إسرائيل أمنياً وسياسياً داخلياً وخارجياً.

· ما يجري بالضفة الغربية هي نقطة تحول على طريق وحدة الساحات، ومواجهة الاحتلال، واستعادة زخم المقاومة بكافة أشكالها، والتي قد تساهم في تغيير المسار السياسي للسلطة الفلسطينية أو انهاء دورها كما جاء على لسان نائب رئيس أركان المقاومة مروان عيسى لقناة الأقصى الفضائية، وانطلاقاً من التجارب السابقة 2014-2021 بأن تدخّل المقاومة من غزة من شأنه أن يحرف الأنظار على ما يجري بالضفة الغربية، وتخمد ثورتها.

· واقع القطاع اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً من شأنه أن يعزز الرأي بأن توظف المقاومة كافة أشكال الدعم والمؤازرة في هذه المرحلة للمقاومة بالضفة المحتلة، على أن تبقى على أهبة الجاهزية للحظة التي تحددها غرفة العمليات المشتركة ولكن في تقديري لن تكون تلك اللحظة في شهر رمضان القادم، إلا إذا تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمر وعلى وجه الخصوص المساس بالمسجد الأقصى.

· التقارب السعودي الإيراني سيساهم في خفض التوتر في المنطقة وهو ما ينعكس أيضاً على الأراضي الفلسطينية.

الخلاصة: ستتركز أولوية الفلسطينيين في المرحلة المقبلة على مراكمة القوة في قطاع غزة، وتوظيف وسائل المقاومة الشعبية لمؤازرة الضفة الغربية، مع توظيف كافة أشكال الدعم والمناصرة لما يحدث هناك، وفي تقديري أن إسرائيل خلال شهر رمضان قد ترجح سيناريو احتواء الأوضاع والعمل على عدم تفجيرها من خلال وقف الاستفزازات بالقدس، وتركيز أولوياتها تجاه الداخل لاحتواء المظاهرات وتحييد أهدافها، لكن كل ما سبق لا يعني استبعاد المحدد الميداني القادر على خلط كافة الأوراق، ومخالفة كل التوقعات.

اقرأ/ي أيضاً: الصراع الداخلي وتفكك حكومة التطرف الإسرائيلية