مجزرة الطنطورة.. فكر إسرائيلي دموي منذ 1948 فهل تكرر في حوارة؟

خاص مصدر الإخبارية – أسعد البيروتي

منذ ارتكاب مجزرة الطنطورة عام 1948 والقلوب يَـسكنها الغضب والقهر حزنًا وكَمدًا على أرواحٍ بريئة لم يكن “ذنبها” إلا أنها ولدت فلسطينية حُرة.

رائحةُ الموت لم تُغادر المكان بَعدْ، وأرضٌ تحتضن جثامين عشرات الشهداء الذين قضوا بنيران العصابات الصهيونية عام 1948.

قتلٌ وإرهابٌ وتنكيلْ، وعيونٌ حاقدة، ونفوسٌ عنصرية، وبنادقٌ مأجورة، وقلوبٌ ميتة، يُقابلها صيحات الفلسطينيين الثائرين تعلو في كل الميادين.

مجزرة الطنطورة واحدةٌ من أبشع المجازر التي ارتكبها الاحتلال، والتي كشفت عن طبيعته الإجرامية وعنصريته الفاشية بالتعامل مع سُكان الأرض الأصليين.

بعد 74 عامًا على احتلال فلسطين، ما تزال حكومة الاحتلال تتفاخر بجرائمها ونظرتها العنصرية للفلسطينيين، ما ظهر جليًا في تصريحات وزير المالية الإسرائيلي سموتيرتش الذي دعا إلى مسح بلدة حوارة عن الخارطة.

تصريحاتٌ كشفت النقاب عن وجه الاحتلال الحقيقي الذي لطالما ضلّل العالم به، وحرص خلال سنوات احتلاله لفلسطين على إظهار ديمقراطية زائفة وإنسانية مفقودة.

عقلية عنصرية صهيونية

يقول سامي علي موثّق أحداث مجزرة الطنطورة: إن “تصريحات سموتريتش تَنم عن عقلية عنصرية صهيونية فاشية ترانسفيرية تهجيرية سعى الاحتلال لإخفائها طِيلة السنوات الماضية”.

وأضاف خلال تصريحاتٍ خاصة لشبكة مصدر الإخبارية، أن “حكومة الاحتلال تُمارس سياسة اقتلاعية فاشية بحق المواطنين بهدف تهجيرهم عن مَواطنهم الأصلية”.

وتابع: “اليوم تُصرّح حكومة الاحتلال بشكلٍ واضح أمام العالم عن المذبحة دون خوف أو رادع بما يتوافق مع جوهر الصهيونية التي قامت عليها دولة الاحتلال منذ نشأتها”.

وأشار إلى أن حكومة الاحتلال تُواصل ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين منذ نكبة عام 1948 حتى يومنا هذا، بما أصبح يُمثّل تباهيًا لها أمام العالم”.

وأردف: “الاحتلال يُمارس سياسة الفصل العنصري والتهجير والتدمير ومحاولة محو المواطن الفلسطيني وهويته الوطنية عبر حصاره وطرده من وطنه”.

 مجزرة الطنطورة
يقول الباحث في طاقم الإنتاج لفيلم “الطنطورة الوثائقي” سامي العلي: إن “القرية تعرضت للقصف من ناحية البحر يومي 22-23 مايو/ آيار للعام 1948 ودهمتها العصابات الصهيونية من أربع جهات”.

وأضاف: “تم محاصرة القرية وفي صباح اليوم التالي جمعوا الأسرى الفلسطينيين بما فيهم الأطفال والشبان والنساء وكبار السن وفصلوا بينهم، وما هي إلا لحظات وارتكب الجماعات الصهيونية واحدةً من أبشع المجازر على الإطلاق”.

وأشار إلى أن “اللافت في الأمر هو ارتكاب المجزرة البشعة بعد معركة الطنطورة، وهو ما وافق اليوم الأول لإعلان قيام دولة الاحتلال”.

وأوضح أن “الجماعات الصهيونية اعتمدت على أربع وسائل لقتل الفلسطينيين أولها إرغام الأسرى على الوقوف ووجوههم نحو الجدران وإطلاق النار على رؤوسهم وأجسادهم من الخلف”.

وتابع: “كما قامت الجماعات الصهيونية بإلقاء القنابل في بيوت الأهالي، كما تم وضع الأهالي في أماكن مُسيّجة وأسلاك شائكة ومن ثم أطلقوا النار عليهم”.

وأردف: “لاحقت الجماعات الصهيونية الفاشية الأهالي بآلات الحرق والنار وقاموا بإحراق السُكان ما تسبب في إعدام ثلاث نساء وما يزيد عن 200 شهيد”.

واستطرد: “الصهاينة منعوا الأهالي من دفن جثامين أبنائهم ما اضطرهم للبقاء بجانبها عدة ساعات، حيث كانت الجثث تملأ القرية وتُغرق الشوارع في مشهد مهيب”.

واستتلى: “تم تجميع جثامين الشهداء في المقبرة التاريخية وتم مواراتهم الثَرى بشكلٍ جماعي، ووثقنا وجود قبر جماعي يضم مئات الشهداء على جانب شاطئ البحر”.

توثيقٌ استمر لسنوات وذاكرةٌ تأبى النسيان
يقول الباحث سامي العلي: “على مدار السنوات الماضية حرصت على توثيق شهادات الناجين من مجزرة الطنطورة، حيث يقطن قسم كبير منهم في الفريديس، وهناك قسمٌ آخر موجود في طولكرم”.

وأضاف: “هناك قسمٌ ناجٍ يعيشون في الشتات بالأردن، وكندا، وأوروبا، والسويد، مضيفًا: “حرصنا على لقاء شهود العيان الذين كانون خلال ارتكاب المجزرة فِتية وصِبيان حيث كان تتراوح أعمالهم بين 13- 15”.

وأشار إلى أنه “كان صعبًا على الأحفاد سرد ما حدث في تلك المجزرة المُروعة، ولم يكن المجتمع العربي يُقيم ذكرى للمجزرة حتى عام 2015 حينما قمتُ بالتعاون مع جمعية فلسطينيات بإحياء ذكرى شهداء المجزرة”.

وتابع: “على مدار الخمس سنوات نجحنا في إحياء الذكرى عبر نشاطات وفعاليات شعبية يتضمن مسيرات رمزية يتضمنها مهرجانًا خِطابيًا ثقافي وفني، والذي كان يُقام على شاطئ الطنطورة”.

ولفت إلى أن “تفشي جائحة كورونا كان السبب الرئيس في توقف الفعاليات، لكن ذلك لم يمنعنا من إثارة أحداث مجزرة الطنطورة لبقائها على الأجندة الفلسطينية والعربية والدولية”.

وأردف: “في عام 2020 بدأنا في تصوير فيلم الطنطورة الوثائقي، حيث استغرق العمل به على مدار عامين، تم خلالها تجميع شهادات العَيان للأهالي، بالإضافة لإفادات جنود لواء الإسكندرونة “مرتكبو المجزرة”.

وعن حجم المعيقات والعراقيل التي واجهت فريق البحث والتوثيق، قال: إن “فريق العمل المكون من المصورين والباحثين والمؤرخين تعرض لعمليات ملاحقة مِن قِبل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية”.

وأضاف: “كانت الجهات الأمنية تُعيق عمل الفريق وعند علمها بأننا نسعى للحصول على شهادات الناجين من المجزرة والوثائق والدلالات المُنصفة لدى الاحتلال بالسرية ضيّقت علينا بشكلٍ قاسٍ”.

وتابع: “خلال البحث المتواصل وصلنا إلى عِدة مصادر وسعينا للتثبت مما جاء فيها، مضيفًا: “قمنا بالاستعانة بعدة أشخاص للحصول على المعلومات الأولى للمجزرة والتي لم أمرًا سهلًا الحصول عليها”.

وأكد على أنه “لم يكن أمرًا سهلًا الاعتماد على المواد المُجمعة ضمن قوائم الأرشيف “شفوية ومسجلة”، إضافة للبحث الذي أعده الباحث تيدي كاتس حول المجزرة”.

واستطرد: “بذلنا جهدًا مُضنيًا للوصول إلى جنود لواء الإسكندرون لانتزاع افاداتهم حول المجزرة أمام عدسات الكاميرات، واستغرق الأمر منّا عدة أيام لإقناعهم بالتحدث بالصوت والصورة”.

وأضاف: “وصلنا إلى كَمْ كبير من الحقائق وسعينا للتأكد من جميعها عبر جلب المستندات والأدلة بالاعتماد على مُؤرخين تقدميين إسرائيليين حيث كانوا يملكون موادًا مهمة تُؤكد صدق وصحة الرواية الفلسطينية حول المجزرة”.

ولفت إلى أن “التقدميين أكدوا آنذاك وجود سياسة لدى بن غوريون لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم بما يُمثّل سياسة الترانفسير وتدمير القُرى وطرد السُكان”.

ونوه إلى أن “العصابات الصهيونية استخدمت جميع وسائل القتل والتنكيل والترويع، وأكد ذلك عدد من المؤرخين بالصوت والصورة خلال حديثهم عبر عدسات الكاميرات”.

وكشف أن “الاحتلال حاول تصوير ما حدث بالطنطورة أمام الرأي العام الدولي على أنه أمرٌ جميل وحدث إنساني وذلك بدعوة وسائل الإعلام العالمية والأجنبية بهدف تلميع صورة الاحتلال وأنسنته”.

وأردف: “الاحتلال ينجح دائمًا في تصدير رواية “الأسطورة” لخِداع الرأي العام العالمي، الذي ينسف فيها حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة والتمتع بحصوله على حقوقه العادلة”.

محو حوارة عن الوجود
وكان وزير المالية الإسرائيلي بتسلايل سموتريش دعا إلى مسح بلدة حوارة الواقعة جنوب مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة من الوجود.

وقال سموتريتش: “أعتقد بوجوب محو قرية حوارة من الوجود، وعلى دولة إسرائيل القيام بذلك وليس أفراداً”، وذلك في إشارة إلى المستوطنين الذين هاجموا حوارة يوم الأحد الماضي، وأحرقوا عشرات البيوت ومئات السيارات وأصابوا عشرات المواطنين الفلسطينيين بجروح مختلفة”.

تصريحات المتطرف سموتريتش لاقت تنديدًا فصائليًا وشعبنًا وعربيًا ودوليًا، حيث طالب الجميع محكمة الجنايات الدولية بمحاكمة وزير المالية الإسرائيلي كردٍ على تصريحاته بشأن حوارة.

ووصفت الخارجية الأمريكية، التصريحات بأنها “غير مسؤولة ومقززة وتدعو للعنف في الأراضي الفلسطينية”.

وطالبت الإدارة الأمريكية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بنبذ التصريحات وإدانتها، مؤكدةً على ضرورة تطبيق مخرجات اجتماع العقبة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لخفض التصعيد.

وأضافت “يجب على الفلسطينيين والإسرائيليين العمل معا مجددًا لعودة الهدوء وخفض التصعيد”.

زلة لسان
يُقال في المثل الشعبي أن “عذرًا أقبل من ذنب”، وهو مَثَلٌ ينطبق على ما برر به سموتريتش تصريحاته بالقول: “كانت تصريحاتي بشأن حوارة زلة لسان” معلنًا التراجع عنها.

ونقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” عن سموتريتش زعيم حزب الصهيونية الدينية اليميني قوله إنه “أخطأ في اختيار” كلماته بشأن حوارة، مشيرًا إلى أن تصريحاته خرجت وسط “جيشان المشاعر والانفعال”.

وخلال مقابلته مع القناة 12 العبرية، قال سموتريتش إن “اختياره للكلمات كان خاطئًا، لكن النية كانت واضحة جدًا”.