هل تهدد إصلاحات نتنياهو القضائية وجود إسرائيل؟

أقلام – مصدر الإخبارية

هل تهدد إصلاحات نتنياهو القضائية وجود إسرائيل؟، بقلم محلل الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

لم يكن أكثر الإسرائيليين تشاؤما أن يتوقع أن يصل الكيان الذي ينتمي له إلى هذا المستوى من التشظي المجتمعي والاستقطاب الداخلي في أعقاب شروع حكومة بنيامين نتنياهو في تمرير الإصلاحات القضائية. الهادفة بالأساس إلى توفير مسارات قانونية وسياسية تنقذه من المحاكمة في قضايا الفساد.

فقد بات هذا الاستقطاب وما يرافقه من احتجاجات جماهيرية غير مسبوقة، يهدد مستقبل إسرائيل كدولة لما بات يلحقه من أضرار جسيمة طالت مؤسساتها الحيوية وحصانة مجتمعها ومنعتها الاقتصادية.

لا خلاف على أن وفاء الموقعين على هذه العرائض بالتزاماتهم يعني تهديد وجود الكثير من الأذرع الحيوية في الجيش، أو على الأقل تقليص فاعليتها إلى حد كبير

فالمشاركون في الاحتجاجات الجماهيرية الواسعة يحاججون بأن الإصلاحات القضائية ستضع حدا لـ”الديمقراطية” الإسرائيلية وستمكن التيار الديني من تحويل إسرائيل إلى دولة ثيوقراطية تمس بقدرة العلمانيين على العيش وفق منطلقاتهم، فضلا عن أنها ستمكن التيارات الدينية -التي لا تسهم الأغلبية المطلقة من منتسبيها في سوق العمل وتتملص من أداء الخدمة العسكرية- من نهب خزانة الدولة وتوجيهها لصالحها.

وتهدد الاحتجاجات الجماهيرية الرافضة للإصلاحات القضائية بشكل كبير الجيش ووحدته ويمكن أن تقلص إلى حد كبير من قدرته على أداء جهده الحربي وتنفيذ عملياته العسكرية، التي تعد أحد أهم المقومات التي تضمن بقاء إسرائيل.

فنظرا لأن معظم المشاركين في الاحتجاجات هم بالأساس ضباط وجنود في قوات الاحتياط، فقد لجأ هؤلاء إلى صورة خطيرة من صور الاحتجاج تتمثل في التوقيع بشكل واسع على عرائض يعلنون فيها التزامهم بالتوقف عن أداء الخدمة العسكرية في حال أصرت الحكومة على المضي قدما في تمرير الإصلاحات القضائية.

ومما يفاقم هذا التطور خطورة، حقيقة أن إسرائيل -بخلاف جميع دول العالم- تعتمد في أداء جهدها الحربي على قوات الاحتياط وليس القوات النظامية، حيث إن 70% من الجهد الحربي يقع على كاهل ضباط وجنود الاحتياط.

ولا خلاف على أن وفاء الموقعين على هذه العرائض بالتزاماتهم يعني تهديد وجود الكثير من الأذرع الحيوية في الجيش، أو على الأقل تقليص فاعليتها إلى حد كبير.

فضمن آلاف الموقعين من ضباط الاحتياط على هذه العرائض، المئات من الطيارين في سلاح الجو، الذي يعد القوة الضاربة لإسرائيل، حيث يضطلع ضباط الاحتياط في هذا السلاح تحديدا بدور مركزي. فوفق “نير دفوري” المعلق العسكري في قناة “12” فإن معظم عمليات القصف التي ينفذها سلاح الجو الإسرائيلي في سوريا وغزة، على سبيل المثال، يضطلع بها ضباط في قوات الاحتياط.

وقد انضم إلى المهددين بالتوقف عن أداء الخدمة العسكرية ضباط وقادة كبار في منظومة العمليات الخاصة التي ينشط المنضوون في إطارها في تنفيذ عمليات عسكرية “خلف حدود العدو”، وضباط في الوحدات الخاصة، ووحدة التجسس الإلكتروني المعروفة بـ”8200″، التي توصف في تل أبيب بأنها “درة تاج” المؤسسة الاستخبارية، وتعد المسؤولة عن تنفيذ الهجمات السيبرانية في الفضاء الإلكتروني، وأذرع أخرى.

دعا رئيس الوزراء ورئيس الأركان السابق إيهود باراك ضباط وجنود الجيش إلى رفض تعليمات الحكومة بوصفها حكومة “غير شرعية”

ونظرا لأن كل الدلائل تشير إلى أن حكومة نتنياهو ماضية قدما في تمرير “الإصلاحات القضائية”، فإن احتمال أن تفقد إسرائيل قدرا كبيرا من إسهام قوات الاحتياط بات كبيرا.

فالحكومة ماضية في تمرير هذه الإصلاحات، ليس فقط لأنها تخدم مصالح نتنياهو الشخصية، بل أيضا لأن الأحزاب الدينية المشاركة فيها ترى في هذه الإصلاحات فرصة لن تتكرر لحسم الصراع على طابع الدولة وإعادة صياغة العلاقة بين الدين والدولة بشكل ينسجم مع أرائها الفقهية ومنطلقاتها الأيديولوجية عبر استغلال تحييد تأثير الجهاز القضائي وتحديدا المحكمة العليا.

ومن نافلة القول إن تفكك قوات الاحتياط سيفضي إلى المس بقدرة إسرائيل على مواجهة التحديات الأمنية في الساحتين الفلسطينية والإقليمية. ومما يفاقم الأمور خطورة أن هذه التطورات تتزامن مع قطع إيران شوطا كبيرا في تطوير برنامجها النووي، لا سيما بعد إعلان وزارة الدفاع الأميركية الأسبوع الماضي أنه بات بإمكان طهران الحصول على كمية اليورانيوم المخصب اللازمة لصنع قنبلة نووية في غضون 12 يوما.

ورغم أن نتنياهو قد أعلن بعيد تشكيل ائتلافه الحاكم أن مواجهة البرنامج النووي الإيراني يمثل الأولوية الرئيسة لحكومته، فإن التهديد الواسع برفض الخدمة العسكرية سيقلص من قدرة إسرائيل على طرح خيار عسكري لمواجهة هذا “التهديد”.

وإن كانت قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية قد نقلت مؤخرا عن قيادات عسكرية إسرائيلية تشكيكها في قدرة الجيش والأجهزة الأمنية على مواجهة تفجر الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية والقدس وفلسطين الداخل، لا سيما خلال شهر رمضان أو أثناء الأعياد اليهودية بسبب محدودية القوى البشرية المتاحة للتصدي لهذا “الخطر”، فإن وفاء المنضوين في إطار قوات الاحتياط بتهديداتهم سيجعل الأمور أكثر صعوبة.

في الوقت ذاته، فإن حركة الاحتجاجات تمس بالشرعية الداخلية التي تحظى بها الحكومة مما يقلص من مستوى الدعم الذي تحظى بها قراراتها على الصعيدين العسكري والأمني. فقد دعا رئيس الوزراء ورئيس الأركان السابق إيهود باراك ضباط وجنود الجيش إلى رفض تعليمات الحكومة بوصفها حكومة “غير شرعية”.

وعلى صعيد التداعيات الاقتصادية للإصلاحات القضائية، فإن الأوضاع تبدو أكثر مأساوية. فخوفا من أن تمس الإصلاحات القضائية البيئة الاستثمارية، أعلن عدد من الشركات الكبرى مغادرتها السوق الإسرائيلي، فضلا عن أن 20% من هذه الشركات قد سحبت ودائعها من البنوك. ووفق مديري البنوك في إسرائيل فقد تضاعف نقل الحسابات من بنوكهم إلى الخارج 10 مرات منذ الإعلان عن الإصلاحات القضائية. وقد تراجعت قيمة العملة المحلية “الشيكل” بشكل كبير أمام الدولار مما جعل الإسرائيليين يسحبون أسهمهم من صناديق الاستثمار التي تتعامل بالشيكل. ومما زاد الأمور تعقيدا حقيقة أن معظم الشركات التي غادرت السوق الإسرائيلي أو تلك التي تهدد بمغادرته تعنى بالتقنيات المتقدمة والسايبر مما سيفضي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، حيث إن صادرات هذه الشركات تدر على إسرائيل سنويا أكثر من 8 مليارات دولار.

وفي الوقت ذاته، فإن مظاهر الاحتجاج على الإصلاحات القضائية وردود مؤيدي الحكومة عليها بات يترافق بممارسات عنفية، مما زاد من خطر حدوث صدامات على نطاق واسع بين الجانبين. مع العلم أنه حتى قبل طرح الإصلاحات القضائية تعاظمت التحذيرات في إسرائيل من خطر اندلاع حرب أهلية على خلفيات أيديولوجية وعرقية ودينية.

وقد أججت حركة الاحتجاج على الإصلاحات القضائية حربَ الهويات بين الفرقاء في الساحة الإسرائيلية: متدينون في مواجهة علمانيين، شرقيون في مواجهة غربيين، مخضرمون في مواجهة مهاجرين جدد.

من ناحية ثانية، قد يترافق تمرير الإصلاحات القضائية مع حدوث تراجع على مكانة إسرائيل لدى الغرب وتحديدا في الولايات المتحدة. فكل من إسرائيل والولايات المتحدة تدّعيان دوما أن “القيم المشتركة” وتحديدا الاحتكام إلى “الديمقراطية” تعد أهم القواسم التي تعزز الروابط بين الجانبين. ومن الواضح أن تمرير الإصلاحات القضائية التي تسدل الستار على الفصل بين السلطات في إسرائيل، سيمس بقدرة كل من واشنطن وتل أبيب على مواصلة تسويق هذا المسوغ؛ مما جعل الإدارة الأميركية تطلب إيضاحات من حكومة نتنياهو حول مرامي وأهداف الإصلاحات القضائية.

ورغم خطورة تداعيات فرض الإصلاحات القضائية على مصالح إسرائيل وسلامة مجتمعها، فإنه لا يوجد ما يدل على أن هناك مسارا توافقيا يمكن أن ينقذ إسرائيل من هذه التداعيات. وهذا تحديدا ما دفع عددا من كبار المسؤولين الإسرائيليين السابقين أن يدعوا إلى فحص إمكانية تقسيم إسرائيل إلى ثلاث كانتونات؛ كانتون لأتباع التيار الديني وآخر للعلمانيين وثالث لفلسطينيي الداخل. ووفق ما كشفته صحيفة “ذي ماركر” يوم الجمعة الماضي فإنه وفق هؤلاء المسؤولين فإن تقسيم إسرائيل إلى كانتونات وحده الذي يمكن أن يضمن وضع حد لمواصلة التيار الديني الحريدي احتكار تحديد طابع العلاقة بين الدين والدولة واستنزاف خزانة الدولة من خلال استغلال نفوذه السياسي الناجم بالأساس عن ثقله الديمغرافي المتعاظم.

وقد يبدو ما اقترحه المسؤولون الإسرائيليون السابقون غير منطقي في الوقت الحالي لكنه يشي بطابع المأزق السياسي والمجتمعي والاقتصادي الذي انتهت إليه إسرائيل.

ولعل هذا ما جعل رئيس الموساد السابق تامير باردو أكثر تشاؤما إزاء مستقبل إسرائيل، حيث توقع أن تسهم حكومة نتنياهو في وضع “نهاية للحلم الصهيوني” من خلال إصرارها على الإصلاحات القضائية.

إن إسناد قطاع واسع من الإسرائيليين لنتنياهو رغم عصفه بالنظام السياسي الإسرائيلي ودفعه هذا الكيان لمواجهة تبعات كارثية خدمة لمصالحه الشخصية؛ يدل على خفوت الفكرة الصهيونية كرباط جامع لليهود وقد يؤسس لتراجع هذا الكيان وتقليص قدرته على البقاء.

أقرأ أيضًا: هل تنهار إسرائيل من الداخل؟ بقلم صالح النعامي